الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أنَّكَ تَقُومُ أدْنى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ﴾ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدِ انْتَظَمَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَعانِيَ: أحَدُها: أنَّهُ نَسَخَ بِهِ قِيامَ اللَّيْلِ المَفْرُوضَ كانَ بَدِيًّا. والثّانِي: دَلالَتُها عَلى لُزُومِ فَرْضِ القِراءَةِ في الصَّلاةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ والثّالِثُ: دَلالَتُها عَلى جَوازِ (p-٣٦٨)الصَّلاةِ بِقَلِيلِ القِراءَةِ. والرّابِعُ أنَّهُ مَن تَرَكَ قِراءَةَ فاتِحَةِ الكِتابِ وقَرَأ غَيْرَها أجْزَأهُ؛ وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ فِيما سَلَفَ. فَإنْ قِيلَ: إنَّما نَزَلَ ذَلِكَ في صَلاةِ اللَّيْلِ وهي مَنسُوخَةٌ؛ قِيلَ لَهُ: إنَّما نَسَخَ فَرْضَها ولَمْ يَنْسَخْ شَرائِطَها وسائِرَ أحْكامِها وأيْضًا فَقَدْ أمَرَنا بِالقِراءَةِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّسْبِيحِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنهُ﴾ فَإنْ قِيلَ: فَإنَّما أمَرَ بِذَلِكَ في التَّطَوُّعِ فَلا يَجُوزُ الِاسْتِدْلالُ بِهِ عَلى وُجُوبِها في الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ؛ قِيلَ لَهُ: إذا ثَبَتَ وُجُوبُها في التَّطَوُّعِ فالفَرْضُ مِثْلُهُ؛ لِأنَّ أحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُما وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ يَقْتَضِي الوُجُوبَ؛ لِأنَّهُ أمْرٌ والأمْرُ عَلى الوُجُوبِ، ولا مَوْضِعَ يُلْزِمُ قِراءَةَ القُرْآنِ إلّا في الصَّلاةِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ المُرادُ القِراءَةَ في الصَّلاةِ. فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ المُرادُ بِهِ القِراءَةَ في صَلاةِ التَّطَوُّعِ والصَّلاةُ نَفْسُها لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلى فَرْضِ القِراءَةِ ؟ قِيلَ لَهُ: إنَّ صَلاةَ التَّطَوُّعِ وإنْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَإنَّ عَلَيْهِ إذا صَلّاها أنْ لا يُصَلِّيَها إلّا بِقِراءَةٍ، ومَتى دَخَلَ فِيها صارَتِ القِراءَةُ فَرْضًا، كَما أنَّ عَلَيْهِ اسْتِيفاءَ شَرائِطِها مِنَ الطَّهارَةِ وسَتْرِ العَوْرَةِ، وكَما أنَّ الإنْسانَ لَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدُ السَّلَمِ وسائِرُ عُقُودِ البِياعاتِ ومَتى ما قَصَدَ إلى عَقْدِها فَعَلَيْهِ أنْ لا يَعْقِدَها إلّا عَلى ما أباحَتْهُ الشَّرِيعَةُ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَن أسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ ووَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ» ولَيْسَ عَلَيْهِ عَقْدُ السَّلَمِ ؟ ولَكِنَّهُ مَتى قَصَدَ إلى عَقْدِهِ فَعَلَيْهِ أنْ يَعْقِدَهُ بِهَذِهِ الشَّرائِطِ. فَإنْ قِيلَ: إنَّما المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ﴾ الصَّلاةُ نَفْسُها، فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلى وُجُوبِ القِراءَةِ فِيها؛ قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ؛ لِأنَّ فِيهِ صَرْفَ الكَلامِ عَنْ حَقِيقَةِ مَعْناهُ إلى المَجازِ، وهَذا لا يَجُوزُ إلّا بِدَلالَةٍ؛ وعَلى أنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَكَ ما ادَّعَيْتَ كانَتْ دَلالَتُهُ قائِمَةً عَلى فَرْضِ القِراءَةِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ عَنِ الصَّلاةِ بِالقِراءَةِ إلّا وهي مِن أرْكانِها، كَما قالَ تَعالى: ﴿وإذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ﴾ [المرسلات: ٤٨] قالَ مُجاهِدٌ: أرادَ بِهِ الصَّلاةَ؛ وقالَ: ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] والمُرادُ بِهِ الصَّلاةُ، فَعَبَّرَ عَنِ الصَّلاةِ بِالرُّكُوعِ؛ لِأنَّهُ مِن أرْكانِها. آخِرُ سُورَةِ المُزَّمِّلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب