الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ رَوى هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ في قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ قالَ: واَللَّهِ ما أنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ إلّا في أخْلاقِ النّاسِ وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «أثْقَلُ شَيْءٍ في مِيزانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيامَةِ الخُلُقُ الحَسَنُ» . ورَوى عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: «سَألَ رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ: أيُّ المُؤْمِنِينَ أفْضَلُ ؟ قالَ: أحْسَنُهم خُلُقًا». وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ المُثَنّى وسَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأعْرابِيُّ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إنَّكم لا تَسَعُونَ النّاسَ بِأمْوالِكم ولَكِنْ يَسَعُهم مِنكم بَسْطُ الوَجْهِ وحُسْنُ الخُلُقِ» ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ قالا { أمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِأنْ يُقْبَلَ العَفْوُ مِن أخْلاقِ النّاسَ } . والعَفْوُ هو التَّسْهِيلُ والتَّيْسِيرُ، فالمَعْنى اسْتِعْمالُ العَفْوِ وقَبُولِ ما سَهُلَ مِن أخْلاقِ النّاسِ وتَرْكِ الِاسْتِقْصاءِ عَلَيْهِمْ في المُعامَلاتِ وقَبُولِ العُذْرِ ونَحْوِهِ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ قالَ: { هو العَفْوُ مِنَ الأمْوالِ قَبْلَ أنْ يَنْزِلَ فَرْضُ الزَّكاةِ }، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الضَّحّاكِ والسُّدِّيِّ وقِيلَ: إنَّ أصْلَ العَفْوِ التَّرْكُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَمَن عُفِيَ لَهُ مِن أخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: ١٧٨] يَعْنِي: تُرِكَ لَهُ؛ والعَفْوُ عَنِ الذَّنْبِ تَرْكُ العُقُوبَةِ عَلَيْهِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ قالَ قَتادَةُ وعُرْوَةُ: { العُرْفُ المَعْرُوفُ } . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ بَكّارٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ السَّلامِ بْنُ الخَلِيلِ عَنْ عُبَيْدَةَ الهُجَيْمِيِّ قالَ: قالَ أبُو جُرَيٍّ جابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ: «رَكِبْتُ قَعُودِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ إلى مَكَّةَ فَطَلَبْتُهُ، فَأنَخْتُ قَعُودِي بِبابِ المَسْجِدِ، فَإذا هو (p-٢١٤)جالِسٌ عَلَيْهِ بُرْدٌ مِن صُوفٍ فِيهِ طَرائِقُ حُمْرٌ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ: وعَلَيْكَ السَّلامُ قُلْتُ: إنّا مَعْشَرَ أهْلِ البادِيَةِ قَوْمٌ فِينا الجَفاءُ فَعَلِّمْنِي كَلِماتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِها قالَ: أُدْنُ ثَلاثًا. فَدَنَوْتُ، فَقالَ: أعِدْ عَلَيَّ فَأعَدْتُ، قالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئا، وأنْ تَلْقى أخاكَ بِوَجْهٍ مُنْبَسِطٍ، وأنْ تُفْرِغَ مِن فَضْلِ دَلْوِكَ في إناءِ المُسْتَسْقِي، وإنِ امْرُؤٌ سَبَّكَ بِما يَعْلَمُ مِنكَ فَلا تَسُبَّهُ بِما تَعْلَمُ مِنهُ فَإنَّ اللَّهَ جاعِلٌ لَكَ أجْرًا وعَلَيْهِ وِزْرًا، ولا تَسُبَّنَّ شَيْئًا مِمّا خَوَّلَكَ اللَّهُ تَعالى» قالَ أبُو جُرَيٍّ: فَواَلَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِهِ ما سَبَبْتُ بَعْدَهُ شَيْئا لا شاةً ولا بَعِيرًا. والمَعْرُوفُ هو ما حَسُنَ في العَقْلِ فِعْلُهُ ولَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ ذَوِي العُقُولِ الصَّحِيحَةِ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ أمْرٌ بِتَرْكِ مُقابَلَةِ الجُهّالِ والسُّفَهاءِ عَلى سَفَهِهِمْ وصِيانَةِ النَّفْسِ عَنْهم وهَذا واَللَّهُ أعْلَمُ يُشْبِهُ أنْ يَكُونَ قَبْلَ الأمْرِ بِالقِتالِ؛ لِأنَّ الفَرْضَ كانَ حِينَئِذٍ عَلى الرَّسُولِ إبْلاغُهم وإقامَةُ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ: " فَأعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا ولَمْ يُرِدْ إلّا الحَياةَ الدُّنْيا " وأمّا بَعْدَ الأمْرِ بِالقِتالِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أمْرُ المُبْطِلِينَ والمُفْسِدِينَ عَلى وُجُوهٍ مَعْلُومَةٍ مِن إنْكارِ فِعْلِهِمْ تارَةً بِالسَّيْفِ وتارَةً بِالسَّوْطِ وتارَةً بِالإهانَةِ والحَبْسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب