الباحث القرآني
واخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في الرَّجُلِ يَنْفِي حَمْلَ امْرَأتِهِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: ( إذا قالَ لَيْسَ هَذا الحَمْلُ مِنِّي لَمْ يَكُنْ قاذِفًا لَها، فَإنْ ولَدَتْ بَعْدَ يَوْمٍ لَمْ يُلاعِنْ حَتّى يَنْفِيَهُ بَعْدَ الوِلادَةِ )، وهو قَوْلُ زُفَرَ. وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: ( إنْ جاءَتْ بِهِ بَعْدَ هَذا (p-١٤٥)القَوْلِ لِأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ لاعَنَ ) .
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي يُوسُفَ: ( أنَّهُ يُلاعِنُها قَبْلَ الوِلادَةِ ) . وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: ( يُلاعِنُ بِالحَمْلِ )، وذَكَرَ عَنْهُ الرَّبِيعُ: ( أنَّهُ لا يُلاعِنُ حَتّى تَلِدَ ) .
وإنَّما يُوجِبُ أبُو حَنِيفَةَ اللِّعانَ بِنَفْيِ الحَمْلِ لِأنَّ الحَمْلَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وجائِزٌ أنْ يَكُونُ رِيحًا أوْ داءً، وإذا كانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أنْ نَجْعَلَهُ قَذْفًا لِأنَّ القَذْفَ لا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمالِ، ألا تَرى أنَّ التَّعْرِيضَ المُحْتَمَلَ لِلْقَذْفِ ولِغَيْرِهِ لا يَجُوزُ إيجابُ اللِّعانِ ولا الحَدِّ بِهِ ؟ فَلَمّا كانَ مُحْتَمِلًا أنْ يَكُونَ ما نَفاهُ ولَدًا واحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ أنْ يُوجِبَ اللِّعانَ بِهِ قَبْلَ الوَضْعِ، ثُمَّ إذا وضَعَتْ لِأقَلَّ مِن سِتَّةِ أشْهُرٍ تَيَقُّنًا أنَّهُ كانَ حَمْلًا في وقْتِ النَّفْيِ لَمْ يَجِبِ اللِّعانُ أيْضًا لِأنَّهُ يُوجِبُ أنْ يَكُونَ القَذْفُ مُعَلَّقًا عَلى شَرْطٍ والقَذْفُ لا يَجُوزُ أنْ يُعَلَّقَ عَلى شَرْطٍ، ألا تَرى أنَّهُ لَوْ قالَ: ( إذا ولَدْتِ فَأنْتِ زانِيَةٌ ) لَمْ يَكُنْ قاذِفًا لَها بِالوِلادَةِ ؟ واحْتَجَّ مَن لاعَنَ بِالحَمْلِ بِما رَوى الأعْمَشُ عَنْ إبْراهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لاعَنَ بِالحَمْلِ»؛ وإنَّما أصْلُ هَذا الحَدِيثِ ما رَواهُ عِيسى بْنُ يُونُسَ وجَرِيرُ جَمِيعًا عَنِ الأعْمَشِ عَنْ إبْراهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: «أنَّ رَجُلًا قالَ: أرَأيْتُمْ إنْ وجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأتِهِ رَجُلًا فَإنْ هو قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وإنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ وإنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلى غَيْظٍ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ اللِّعانِ فابْتُلِيَ بِهِ، فَجاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَلاعَنَ امْرَأتَهُ»؛ فَلَمْ يَذْكُرْ في هَذا الحَدِيثِ الحَمْلَ ولا أنَّهُ لاعَنَ بِالحَمْلِ.
ورَوى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: «أنَّ رَجُلًا جاءَ وقالَ: وجَدْتُ مَعَ امْرَأتِي رَجُلًا، ثُمَّ لاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُما وقالَ: إنْ جاءَتْ بِهِ كَذا» . وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ قالَ: أنْبَأنا هِشامُ بْنُ حَسّانٍ قالَ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ «أنَّ هِلالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: البَيِّنَةُ أوْ حَدٌّ في ظَهْرِكَ وذَكَرَ الحَدِيثَ إلى قَوْلِهِ: أبْصِرُوها فَإنْ جاءَتْ بِهِ كَذا فَهو لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ»، وكَذَلِكَ رَواهُ عَبّادُ بْنُ مَنصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
فَذَكَرَ في هَذِهِ الأخْبارِ أنَّهُ قَذَفَها، وأبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ اللِّعانَ بِالقَذْفِ وإنْ كانَتْ حامِلًا، وإنَّما لا يُوجِبُهُ إذا نَفى الحَمْلَ مِن غَيْرِ قَذْفٍ.
فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وقَدْ تُرَدُّ الجارِيَةُ بِعَيْبِ الحَمْلِ إذا قالَ النِّساءُ هي حُبْلى؛ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ في دِيَةِ شِبْهِ العَمْدِ: «مِنها أرْبَعُونَ خِلْفَةً في بُطُونِها أوْلادُها» قِيلَ لَهُ: أمّا نَفَقَةُ الحامِلِ فَلا تَجِبُ لِأجْلِ الحَمْلِ وإنَّما وجَبَتْ لِلْعِدَّةِ، فَما لَمْ تُنْقَضْ عِدَّتُها فَنَفَقَتُها واجِبَةٌ، ألا تَرى أنَّ غَيْرَ الحامِلِ نَفَقَتُها واجِبَةٌ ؟ وإنَّما ذَكَرَ الحَمْلَ (p-١٤٦)لِأنَّ وضْعَهُ تَنْقَضِي بِهِ العِدَّةُ وتَنْقَطِعُ بِهِ النَّفَقَةُ، وأمّا الرَّدُّ بِالعَيْبِ فَإنَّهُ جائِزٌ كَوْنُهُ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسائِرِ الحُقُوقِ الَّتِي لا تُسْقِطُها الشُّبْهَةُ والحَدُّ لا يَجُوزُ إثْباتُهُ بِالشُّبْهَةِ، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفا.
وكَذَلِكَ مَن يُوجِبُ في الدِّيَةِ أرْبَعِينَ خَلِفَةً في بُطُونِها أوْلادُها فَإنَّهُ يُوجِبُها عَلى غالِبِ الظَّنِّ، ومِثْلُهُ لا يَجُوزُ إيجابُ الحَدِّ بِهِ، وهَذا كَما يُحْكَمُ بِظاهِرِ وُجُودِ الدَّمِ أنَّهُ حَيْضَةٌ ولا يَجُوزُ القَطْعُ بِهِ حَتّى يَتِمَّ ثَلاثَةَ أيّامٍ، وكَذَلِكَ مَن كانَ ظاهِرُ أمْرِها الحَبَلَ لا تَكُونُ رُؤْيَتُها الدَّمَ حَيْضًا، فَإنْ تَبَيَّنَ بَعْدُ أنَّها لَمْ تَكُنْ حامِلًا كانَ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا؛ وقَوْلُهُ ﷺ في قِصَّةِ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ: «إنْ جاءَتْ بِهِ عَلى صِفَةِ كَيْتَ وكَيْتَ فَهو لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ» فَإنَّهُ فِيما أضافَهُ إلى هِلالٍ مَحْمُولٌ عَلى حَقِيقَةِ إثْباتِ النَّسَبِ مِنهُ، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَنْفِ الوَلَدَ مِنهُ بِلِعانِهِ إيّاها في حالِ حَمْلِها، وقَوْلُهُ: ( فَهو لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْماءَ ) لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ إلْحاقَ النَّسَبِ بِهِ وإنَّما أرادَ أنَّهُ مِن مائِهِ في غالِبِ الرَّأْيِ؛ لِأنَّ الزّانِيَ لا يُلْحَقُ بِهِ النَّسَبُ لِقَوْلِهِ ﷺ: «الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ» . فَإنْ قِيلَ: في حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَضى في امْرَأةٍ هِلالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ لاعَنَ بَيْنَهُما أنْ لا يُدْعى ولَدُها لِأبٍ. قِيلَ لَهُ: هَذا إنَّما ذَكَرَهُ عَبّادُ بْنُ مَنصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، وهو ضَعِيفٌ واهٍ لا يَشُكُّ أهْلُ العِلْمِ بِالحَدِيثِ أنَّ في حَدِيثِ عَبّادِ بْنِ مَنصُورٍ هَذا أشْياءُ لَيْسَتْ مِن كَلامِ النَّبِيِّ ﷺ مُدْرَجَةٌ فِيهِ، ولَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ غَيْرُ عَبّادِ بْنِ مَنصُورٍ.
ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ نَفْيُ النَّسَبِ ولا إثْباتُ القَذْفِ بِالشُّبْهَةِ حَدِيثُ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «إنَّ أعْرابِيًّا جاءَ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: إنَّ امْرَأتِي ولَدَتْ غُلامًا أسْوَدَ وإنِّي أنْكَرْتُهُ، فَقالَ لَهُ: هَلْ لَكَ مِن إبِلٍ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: ما ألْوانُها ؟ قالَ: حُمْرٌ، قالَ: هَلْ فِيها مِن أوْرَقَ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَأنّى تَرى ذَلِكَ جاءَها ؟ قالَ عِرْقٌ نَزَعَها، قالَ: فَلَعَلَّ هَذا عِرْقٌ نَزَعَهُ»، فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَفْيَهُ عَنْهُ لِبُعْدِ شَبَهِهِ مِنهُ.
ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ نَفْيُ النَّسَبِ بِالشُّبْهَةِ. فَصْلٌ وقالَ أصْحابُنا: ( إذا نَفى نَسَبَ ولَدِ زَوْجَتِهِ فَعَلَيْهِ اللِّعانُ ) .
وقالَ الشّافِعِيُّ: ( لا يَجِبُ اللِّعانُ حَتّى يَقُولَ إنَّها جاءَتْ بِهِ مِنَ الزِّنا ) .
قالَ أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ عَنْ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أنَّ رَجُلًا لاعَنَ امْرَأتَهُ في زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وانْتَفى مِن ولَدِها، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَهُما وألْحَقَ الوَلَدَ بِالمَرْأةِ» فَأخْبَرَ أنَّهُ لاعَنَ بَيْنَهُما لِنَفْيِهِ الوَلَدَ، فَثَبَتَ أنَّ نَفْيَ ولَدِها قَذْفٌ يُوجِبُ اللِّعانَ.
(p-١٤٧)
* * *
بابُ السُّكْنى لِلْمُطَلَّقَةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ﴾ الآيَةَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: اتَّفَقَ الجَمِيعُ مِن فُقَهاءِ الأمْصارِ وأهْلِ العِراقِ ومالِكٍ والشّافِعِيِّ عَلى وُجُوبِ السُّكْنى لِلْمَبْتُوتَةِ وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: " لا سُكْنى لِلْمَبْتُوتَةِ إنَّما هي لِلرَّجْعِيَّةِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] قَدِ انْتَظَمَ الرَّجْعِيَّةَ والمَبْتُوتَةَ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّ مَن بَقِيَ مِن طَلاقِها واحِدَةٌ فَعَلَيْهِ أنْ يُطَلِّقَها لِلْعِدَّةِ إذا أرادَ طَلاقَها بِالآيَةِ، وكَذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يُطَلِّقُها طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ أوْ حامِلًا قَدِ اسْتَبانَ حَمْلُها»، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّطْلِيقَةِ الأُولى وبَيْنَ الثّالِثَةِ فَإذا كانَ قَوْلُهُ: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] قَدْ تَضَمَّنَ البائِنَ، ثُمَّ قالَ: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ﴾ وجَبَ ذَلِكَ لِلْجَمِيعِ مِنَ البائِنِ والرَّجْعِيِّ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا قالَ تَعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: ١] وقالَ: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٢] دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ أرادَ الرَّجْعِيَّ قِيلَ لَهُ: هَذا أحَدُ ما انْتَظَمَتْهُ الآيَةُ، ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى أنَّ أوَّلَ الخِطابِ في الرَّجْعِيِّ دُونَ البائِنِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وهو عُمُومٌ في البائِنِ والرَّجْعِيِّ.
ثُمَّ قَوْلُهُ: ﴿وبُعُولَتُهُنَّ أحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] إنَّما هو حُكْمٌ خاصٌّ في الرَّجْعِيِّ، ولَمْ يَمْنَعْ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] عامًّا في الجَمِيعِ. واحْتَجَّ ابْنُ أبِي لَيْلى بِحَدِيثِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وسَنَتَكَلَّمُ فِيهِ عِنْدَ ذِكْرِ نَفَقَةِ المَبْتُوتَةِ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى.
واخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ في نَفَقَةِ المَبْتُوتَةِ، فَقالَ أصْحابُنا والثَّوْرِيُّ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ السُّكْنى والنَّفَقَةُ ما دامَتْ في العِدَّةِ حامِلًا كانَتْ أوْ غَيْرَ حامِلٍ " ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وابْنِ مَسْعُودٍ وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: " لا سُكْنى لِلْمَبْتُوتَةِ ولا نَفَقَةَ "، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّ لَها السُّكْنى ولا نَفَقَةَ لَها وقالَ عُثْمانُ البَتِّيُّ: " لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ السُّكْنى والنَّفَقَةُ وإنْ كانَتْ غَيْرَ حامِلٍ " وكانَ يُرى أنَّها تَنْتَقِلُ إنْ شاءَتْ، وقالَ مالِكٌ: " لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنى ولا نَفَقَةَ لَها إلّا أنْ تَكُونَ حامِلًا "، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّ عَلَيْهِ نَفَقَةَ الحامِلِ المَبْتُوتَةِ إنْ (p-٣٥٦)كانَ مُوسِرًا وإنْ كانَ مُعْسِرًا فَلا نَفَقَةَ لَها عَلَيْهِ.
وقالَ الأوْزاعِيُّ واللَّيْثُ والشّافِعِيُّ: " لِلْمَبْتُوتَةِ السُّكْنى ولا نَفَقَةَ لَها إلّا أنْ تَكُونَ حامِلًا " قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكم ولا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾؛ وقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الآيَةُ الدَّلالَةَ عَلى وُجُوبِ نَفَقَةِ المَبْتُوتَةِ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ:
أحَدُها: أنَّ السُّكْنى لَمّا كانَتْ حَقًّا في مالٍ وقَدْ أوْجَبَها اللَّهُ لَها بِنَصِّ الكِتابِ؛ إذْ كانَتِ الآيَةُ قَدْ تَناوَلَتِ المَبْتُوتَةَ والرَّجْعِيَّةَ فَقَدِ اقْتَضى ذَلِكَ وُجُوبَ النَّفَقَةِ؛ إذْ كانَتِ السُّكْنى حَقًّا في مالٍ وهي بَعْضُ النَّفَقَةِ.
والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿ولا تُضارُّوهُنَّ﴾ والمُضارَّةُ تَقَعُ في النَّفَقَةِ كَهي في السُّكْنى
والثّالِثُ: قَوْلُهُ: ﴿لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ والتَّضْيِيقُ قَدْ يَكُونُ في النَّفَقَةِ أيْضًا، فَعَلَيْهِ أنْ يُنْفِقَ عَلَيْها ولا يُضَيِّقَ عَلَيْها فِيها.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ قَدِ انْتَظَمَ المَبْتُوتَةَ والرَّجْعِيَّةَ؛ ثُمَّ لا تَخْلُو هَذِهِ النَّفَقَةُ مِن أنْ يَكُونَ وُجُوبُها لِأجْلِ الحَمْلِ أوْ؛ لِأنَّها مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ في بَيْتِهَ، فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ النَّفَقَةَ واجِبَةٌ لِلرَّجْعِيَّةِ بِالآيَةِ لا لِلْحَمْلِ بَلْ؛ لِأنَّها مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ في بَيْتِهِ وجَبَ أنْ تَسْتَحِقَّ المَبْتُوتَةُ النَّفَقَةَ لَهَذِهِ العِلَّةِ؛ إذْ قَدْ عُلِمَ ضَمِيرُ الآيَةِ في عِلِّيَّةِ اسْتِحْقاقِ النَّفَقَةِ لِلرَّجْعِيَّةِ، فَصارَ كَقَوْلِهِ: ﴿فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ لِعِلَّةِ أنَّها مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ في بَيْتِهِ؛ لِأنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي تَقُومُ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ بِمَنزِلَةِ المَنطُوقِ بِهِ ومِن جِهَةٍ أُخْرى وهي أنَّ نَفَقَةَ الحامِلِ لا تَخْلُو مِن أنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً لِلْحَمْلِ أوْ لِأنَّها مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ في بَيْتِهِ، فَلَوْ كانَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْحَمْلِ لَوَجَبَ أنَّ الحَمْلَ لَوْ كانَ لَهُ مالٌ أنْ يُنْفَقَ عَلَيْها مِن مالِهِ كَما أنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ في مالِ نَفْسِهِ، فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ الحَمْلَ إذا كانَ لَهُ مالٌ كانَتْ نَفَقَةُ أُمِّهِ عَلى الزَّوْجِ لا في مالِ الحَمْلِ دَلَّ عَلى أنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِكَوْنِها مَحْبُوسَةً في بَيْتِهِ.
وأيْضًا كانَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ في الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ نَفَقَةُ الحامِلِ في مالِ الحَمْلِ إذا كانَ لَهُ مالٌ، كَما أنَّ نَفَقَتَهُ بَعْدَ الوِلادَةِ مِن مالِهِ، فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ نَفَقَتَها في الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ لَمْ تَجِبْ في مالِ الحَمْلِ وجَبَ مِثْلُهُ في البائِنِ، وكانَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ نَفَقَةُ الحامِلِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها في نَصِيبِ الحَمْلِ مِنَ المِيراثِ.
فَإنْ قِيلَ: فَما فائِدَةُ تَخْصِيصِ الحامِلِ بِالذِّكْرِ في إيجابِ النَّفَقَةِ ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ دَخَلَتْ فِيهِ المُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ ولَمْ يَمْنَعْ نَفْيَ النَّفَقَةِ لِغَيْرِ الحامِلِ، فَكَذَلِكَ في المَبْتُوتَةِ؛ وإنَّما ذَكَرَ الحَمْلَ؛ لِأنَّ مُدَّتَهُ قَدْ تَطُولُ وتَقْصُرُ، فَأرادَ إعْلامَنا وُجُوبَ النَّفَقَةِ مَعَ طُولِ مُدَّةِ الحَمْلِ الَّتِي هي في العِدَّةِ أطْوَلُ مِن مُدَّةِ الحَيْضِ ومِن جِهَةِ النَّظَرِ أنَّ النّاشِزَةَ إذا خَرَجَتْ مِن بَيْتِ زَوْجِها لا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَعَ بَقاءِ الزَّوْجِيَّةِ، لِعَدَمِ تَسْلِيمِ نَفْسِها (p-٣٥٧)فِي بَيْتِ الزَّوْجِ، ومَتى عادَتْ إلى بَيْتِهِ اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ، فَثَبَتَ أنَّ المَعْنى الَّذِي تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ هو تَسْلِيمُ نَفْسِها في بَيْتِ الزَّوْجِ، فَلَمّا اتَّفَقْنا ومَن أوْجَبَ السُّكْنى عَلى وُجُوبِ السُّكْنى وصارَتْ بِها مُسَلِّمَةً لِنَفْسِها في بَيْتِ زَوْجِها وجَبَ أنْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ وأيْضًا لَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ المُطَلَّقَةَ الرَّجْعِيَّةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ في العِدَّةِ وجَبَ أنْ تَسْتَحِقَّها المَبْتُوتَةُ، والمَعْنى فِيها أنَّها مُعْتَدَّةٌ مِن طَلاقٍ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: إنَّها مَحْبُوسَةٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ صَحِيحٍ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: إنَّها مُسْتَحِقَّةٌ لِلسُّكْنى، فَأيُّ هَذِهِ المَعانِي اعْتَلَلْتَ بِهِ صَحَّ القِياسُ عَلَيْها.
ومِن جِهَةِ السُّنَّةِ ما رَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمّادِ بْنِ أبِي سُلَيْمانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ: «أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ طَلَّقَها زَوْجُها طَلاقًا بائِنًا، فَأتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: لا نَفَقَةَ لَكِ ولا سُكْنى، قالَ: فَأخْبَرْتُ بِذَلِكَ النَّخَعِيَّ فَقالَ: قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وأخْبَرَ بِذَلِكَ فَقالَ: لَسْنا بِتارِكِي آيَةٍ في كِتابِ اللَّهِ وقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِقَوْلِ امْرَأةٍ لَعَلَّها أُوهِمَتْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لَها السُّكْنى والنَّفَقَةُ» ورَوى سُفْيانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فاطِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «أنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَها حِينَ طَلَّقَها زَوْجُها ثَلاثًا سُكْنى ولا نَفَقَةَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإبْراهِيمَ فَقالَ: قَدْ رُفِعَ ذَلِكَ إلى عُمَرَ فَقالَ: لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا ولا سُنَّةَ نَبِيِّنا لِقَوْلِ امْرَأةٍ: لَها السُّكْنى والنَّفَقَةُ» فَقَدْ نَصَّ هَذانِ الخَبَرانِ عَلى إيجابِ النَّفَقَةِ والسُّكْنى، وفي الأوَّلِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " لَها السُّكْنى والنَّفَقَةُ " ولَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ كانَ قَوْلُهُ: " لا نَدَعُ كِتابَ رَبِّنا وسُنَّةَ نَبِيِّنا " يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصًّا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ في إيجابِهِما واحْتَجَّ المُبْطِلُونَ لِلسُّكْنى والنَّفَقَةِ ومَن نَفى النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنى بِحَدِيثِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ هَذا، وهَذا حَدِيثٌ قَدْ ظَهَرَ مِنَ السَّلَفِ النَّكِيرُ عَلى راوِيهِ، ومِن شَرْطِ قَبُولِ أخْبارِ الآحادِ تَعَرِّيها مِن نَكِيرِ السَّلَفِ أنْكَرَهُ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ عَلى فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ في الحَدِيثِ الأوَّلِ الَّذِي قَدَّمْناهُ.
ورَوى القاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أنَّ مَرْوانَ ذَكَرَ لِعائِشَةَ حَدِيثَ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقالَتْ: لا يَضُرُّكَ أنْ لا تَذْكُرَ حَدِيثَ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وقالَتْ في بَعْضِهِ: ما لِفاطِمَةَ خَيْرٌ في أنْ تَذْكُرَ هَذا الحَدِيثَ يَعْنِي قَوْلَها: " لا سُكْنى لَكَ ولا نَفَقَةَ " وقالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: تِلْكَ امْرَأةٌ فَتَنَتِ النّاسَ، اسْتَطالَتْ عَلى أحْمائِها بِلِسانِها، فَأُمِرَتْ بِالِانْتِقالِ.
وقالَ أبُو سَلَمَةَ: أنْكَرَ النّاسُ عَلَيْها ما كانَتْ تُحَدِّثُ بِهِ.
ورَوى الأعْرَجُ عَنْ أبِي سَلَمَةَ أنَّ فاطِمَةَ كانَتْ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ لَها: " اعْتَدِّي في بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ "؛ قالَ: وكانَ مُحَمَّدُ بْنُ أُسامَةَ يَقُولُ: كانَ أُسامَةُ إذا ذَكَرَتْ فاطِمَةُ مِن ذَلِكَ شَيْئًا رَماها بِما كانَ في يَدِهِ؛ فَلَمْ يَكُنْ يُنْكِرُ عَلَيْها هَذا النَّكِيرَ إلّا وقَدْ عَلِمَ بُطْلانَ ما رَوَتْهُ ورَوى (p-٣٥٨)عَمّارُ بْنُ رُزَيْقٍ عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ الأسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ في المَسْجِدِ فَقالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَتْنِي فاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ أنَّ النَّبِيَّ قالَ لَها: " لا سُكْنى لَكَ ولا نَفَقَةَ " قالَ: فَرَماهُ الأسْوَدُ بِحَصًى ثُمَّ قالَ: ويْلَكَ أتُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذا ؟ قَدْ رُفِعَ ذَلِكَ إلى عُمَرَ فَقالَ: لَسْنا بِتارِكِي كِتابِ رَبِّنا وسُنَّةِ نَبِيِّنا لِقَوْلِ امْرَأةٍ لا تَدْرِي لَعَلَّها كَذَبَتْ؛ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١] ورَوى الزُّهْرِيُّ قالَ: أخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: " أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أفْتَتْ بِنْتَ أخِيها وقَدْ طَلَّقَها زَوْجُها بِالِانْتِقالِ مِن بَيْتِ زَوْجِها، فَأنْكَرَ ذَلِكَ مَرْوانُ، فَأرْسَلَ إلى فاطِمَةَ يَسْألُها عَلى ذَلِكَ، فَذَكَرَتْ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أفْتاها بِذَلِكَ، فَأنْكَرَ ذَلِكَ مَرْوانُ وقالَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ﴾ [الطلاق: ١] قالَتْ فاطِمَةُ: إنَّما هَذا في الرَّجْعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: ١] ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٢] فَقالَ مَرْوانُ: لَمْ أسْمَعْ بِهَذا الحَدِيثِ مِن أحَدٍ قَبْلَكَ وسَآخُذُ بِالعِصْمَةِ الَّتِي وجَدْتُ النّاسَ عَلَيْها، فَقَدْ ظَهَرَ مِن هَؤُلاءِ السَّلَفِ النَّكِيرُ عَلى فاطِمَةَ في رِوايَتِها لِهَذا الحَدِيثِ، ومَعْلُومٌ أنَّهم كانُوا لا يُنْكِرُونَ رِواياتِ الأفْرادِ بِالنَّظَرِ والمُقايَسَةِ، فَلَوْلا أنَّهم قَدْ عَلِمُوا خِلافَهُ مِنَ السُّنَّةِ ومِن ظاهِرِ الكِتابِ لَما أنْكَرُوهُ عَلَيْها وقَدِ اسْتَفاضَ خَبَرُ فاطِمَةَ في الصَّحابَةِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ مِنهم أحَدٌ إلّا شَيْئًا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَواهُ الحَجّاجُ بْنُ أرْطاةَ عَنْ عَطاءٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ كانَ يَقُولُ في المُطَلَّقَةِ ثَلاثًا والمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها: " لا نَفَقَةَ لَهُما وتَعْتَدّانِ حَيْثُ شاءَتا " .
فَهَذا الَّذِي ذَكَرْنا في رَدِّ خَبَرِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مِن جِهَةِ ظُهُورِ النَّكِيرِ مِنَ السَّلَفِ عَلَيْها وفي رِوايَتِها ومُعارَضَةِ حَدِيثِ عُمَرَ إيّاهُ يُلْزِمُ الفَرِيقَيْنِ مِن نُفاةِ السُّكْنى والنَّفَقَةِ ومِمَّنْ نَفى النَّفَقَةَ وأثْبَتَ السُّكْنى، وهو لِمَن نَفى النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنى ألْزَمُ؛ لِأنَّهم قَدْ تَرَكُوا حَدِيثَها في نَفْيِ السُّكْنى لِعِلَّةٍ أوْجَبَتْ ذَلِكَ، فَتِلْكَ العِلَّةُ بِعَيْنِها هي المُوجِبَةُ لِتَرْكِ حَدِيثِها في نَفْيِ النَّفَقَةِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما لَمْ يُقْبَلْ حَدِيثُها في نَفْيِ السُّكْنى لِمُخالَفَتِهِ لِظاهِرِ الكِتابِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ قِيلَ لَهُ: قَدِ احْتَجَّتْ هي في أنَّ ذَلِكَ في المُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، ومَعَ ذَلِكَ فَإنْ جازَ عَلَيْها الوَهْمُ والغَلَطُ في رِوايَتِها حَدِيثًا مُخالِفًا لِلْكِتابِ فَكَذَلِكَ سَبِيلُها في النَّفَقَةِ.
ولِلْحَدِيثِ عِنْدَنا وجْهٌ صَحِيحٌ يَسْتَقِيمُ عَلى مَذْهَبِنا فِيما رَوَتْهُ مِن نَفْيِ السُّكْنى والنَّفَقَةِ وذَلِكَ لِأنَّهُ قَدْ رُوِيَ أنَّها اسْتَطالَتْ بِلِسانِها عَلى أحْمائِها فَأمَرُوها بِالِانْتِقالِ وكانَتْ سَبَبَ النَّقْلَةِ، وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: ١]
وقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ في تَأْوِيلِهِ: (p-٣٥٩)" أنْ تَسْتَطِيلَ عَلى أهْلِهِ فَيُخْرِجُوها " فَلَمّا كانَ سَبَبُ النَّقْلَةِ مِن جِهَتِها كانَتْ بِمَنزِلَةِ النّاشِزَةِ، فَسَقَطَتْ نَفَقَتُها وسُكْناها جَمِيعًا، فَكانَتِ العِلَّةُ المُوجِبَةُ لِإسْقاطِ النَّفَقَةِ هي المُوجِبَةُ لِإسْقاطِ السُّكْنى؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ أصْلِنا الَّذِي قَدَّمْنا في أنَّ اسْتِحْقاقَ النَّفَقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِحْقاقِ السُّكْنى.
فَإنْ قِيلَ: لَيْسَتِ النَّفَقَةُ كالسُّكْنى؛ لِأنَّ السُّكْنى حَقٌّ لِلَّهِ تَعالى لا يَجُوزُ تَراضِيهِما عَلى إسْقاطِها، والنَّفَقَةُ حَقٌّ لَها لَوْ رَضِيَتْ بِإسْقاطِها لَسَقَطَتْ قِيلَ لَهُ: لا فَرْقَ بَيْنَهُما مِنَ الوَجْهِ الَّذِي وجَبَ قِياسُها عَلَيْها؛ وذَلِكَ لِأنَّ السُّكْنى فِيها مَعْنَيانِ:
أحَدُهُما: حَقٌّ لِلَّهِ تَعالى وهو كَوْنُها في بَيْتِ الزَّوْجِ.
والآخَرُ: حَقٌّ لَها وهو ما يَلْزَمُ في المالِ مِن أُجْرَةِ البَيْتِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، ولَوْ رَضِيَتْ بِأنْ تُعْطى هي الأُجْرَةُ وتُسْقِطَها عَنِ الزَّوْجِ جازَ، فَمِن حَيْثُ هي حَقٌّ في المالِ قَدِ اسْتَوَيا واخْتَلَفُوا في نَفَقَةِ الحامِلِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عُمَرَ وشُرَيْحٌ وأبُو العالِيَةِ والشَّعْبِيُّ وإبْراهِيمُ: " نَفَقَتُها مِن جَمِيعِ المالِ " وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وجابِرٌ وابْنُ الزُّبَيْرِ والحَسَنُ وابْنُ المُسَيِّبِ وعَطاءٌ " لا نَفَقَةَ لَها في مالِ الزَّوْجِ بَلْ هي عَلى نَفْسِها " واخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ أيْضًا في ذَلِكَ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ وزُفَرُ ومُحَمَّدٌ: " لا سُكْنى لَها ولا نَفَقَةَ في مالِ المَيِّتِ حامِلًا كانَتْ أوْ غَيْرَ حامِلٍ " وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: " نَفَقَتُها في مالِ الزَّوْجِ بِمَنزِلَةِ الدَّيْنِ عَلى المَيِّتِ إذا كانَتْ حامِلًا " وقالَ مالِكٌ: " نَفَقَتُها عَلى نَفْسِها وإنْ كانَتْ حامِلًا ولَها السُّكْنى إنْ كانَتِ الدّارُ لِلزَّوْجِ، وإنْ كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فالمَرْأةُ أحَقُّ بِسُكْناها حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها، وإنْ كانَتْ في بَيْتٍ بِكِراءٍ فَأخْرَجُوها لَمْ يَكُنْ لَها سُكْنى في مالِ الزَّوْجِ "، هَذِهِ رِوايَةُ ابْنِ وهْبٍ.
وقالَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: " لا نَفَقَةَ لَها في مالِ الزَّوْجِ المَيِّتِ ولَها السُّكْنى إنْ كانَ الدّارُ لِلْمَيِّتِ، وإنْ كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهي أحَقُّ بِالسُّكْنى مِنَ الغُرَماءِ وتُباعُ لِلْغُرَماءِ ويُشْتَرَطُ السُّكْنى عَلى المُشْتَرِي " وقالَ الأشْجَعِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ: " إذا كانَتْ حامِلًا أنْفَقَ عَلَيْها مِن جَمِيعِ المالِ حَتّى تَضَعَ، فَإذا وضَعَتْ أنْفَقَ عَلى الصَّبِيِّ مِن نَصِيبِهِ " .
ورَوى المُعافى عَنْهُ أنَّ نَفَقَتَها مِن حِصَّتِها وقالَ الأوْزاعِيُّ في المَرْأةِ يَمُوتُ زَوْجُها وهي حامِلٌ: " فَلا نَفَقَةَ لَها، وإنْ كانَتْ أُمَّ ولَدٍ فَلَها النَّفَقَةُ مِن جَمِيعِ المالِ حَتّى تَضَعَ " وقالَ اللَّيْثُ في أُمِّ الوَلَدِ إذا كانَتْ حامِلًا مِنهُ: " فَإنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْها مِن جَمِيعِ المالِ، فَإنْ ولَدَتْ كانَ ذَلِكَ في حَظِّ ولَدِها، وإنْ لَمْ تَلِدْ كانَ ذَلِكَ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ " وقالَ الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " لِلْمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها النَّفَقَةُ مِن جَمِيعِ المالِ " وقالَ الشّافِعِيُّ في المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها قَوْلَيْنِ:
أحَدُهُما: " لَها السُّكْنى والنَّفَقَةُ " .
والآخَرُ: " لا سُكْنى لَها ولا نَفَقَةَ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدِ اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنْ لا نَفَقَةَ لِلْمُتَوَفّى (p-٣٦٠)عَنْها زَوْجُها غَيْرِ الحامِلِ ولا سُكْنى، فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الحامِلُ مِثْلَها لِاتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى أنَّ هَذِهِ النَّفَقَةَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْحَمْلِ، ألا تَرى أنَّ أحَدًا مِنهم لَمْ يُوجِبْها في نَصِيبِ الحَمْلِ مِنَ المِيراثِ وإنَّما قالُوا فِيهِ قَوْلَيْنِ، قائِلٌ يَجْعَلُ نَفَقَتَها مِن نَصِيبِها، وقائِلٌ يَجْعَلُ النَّفَقَةَ مِن جَمِيعِ مالِ المَيِّتِ، ولَمْ يُوجِبْها أحَدٌ في حِصَّةِ الحَمْلِ ؟ فَلَمّا لَمْ تَجِبِ النَّفَقَةُ لِأجْلِ الحَمْلِ ولَمْ يَجُزْ أنْ تَكُونَ مُسْتَحَقَّةً لِأجْلِ كَوْنِها في العِدَّةِ؛ لِأنَّها لَوْ وجَبَتْ لِلْعِدَّةِ لَوَجَبَتْ لِغَيْرِ الحامِلِ، فَلَمْ يَبْقَ وجْهٌ تَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ وأيْضًا لَمّا لَمْ تَسْتَحِقَّ السُّكْنى في مالِ الزَّوْجِ بِدَلائِلَ قَدْ قامَتْ عَلَيْهِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ وأيْضًا فَإنَّ النَّفَقَةَ إذا وجَبَتْ فَإنَّما تَجِبُ حالًّا فَحالًّا، فَلَمّا ماتَ الزَّوْجُ انْتَقَلَ مِيراثُهُ إلى الوَرَثَةِ، ولَيْسَ لِلزَّوْجِ مالٌ في هَذِهِ الحالِ وإنَّما هو مالُ الوارِثِ، فَلا يَجُوزُ إيجابُها عَلَيْهِمْ.
فَإنْ قِيلَ: تَصِيرُ بِمَنزِلَةِ الدَّيْنِ، قِيلَ لَهُ: الدَّيْنُ الَّذِي يَثْبُتُ في مِيراثِ المُتَوَفّى إنَّما يَثْبُتُ بِأحَدِ وجْهَيْنِ:
إمّا أنْ يَكُونَ ثابِتًا عَلى المَيِّتِ في حَياتِهِ، أوْ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ كانَ مِنَ المَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ مِثْلَ الجِناياتِ وحَفْرِ البِئْرِ إذا وقَعَ فِيها إنْسانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ والنَّفَقَةُ خارِجَةٌ عَنِ الوَجْهَيْنِ، فَلا يَجُوزُ إيجابُها في مالِهِ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ تَعَلُّقُ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وعَدَمُ مالِهِ بِزَوالِهِ إلى الوَرَثَةِ، ألا تَرى أنَّ النِّكاحَ قَدْ بَطَلَ بِالمَوْتِ وأنَّ مِلْكَ المَيِّتِ قَدْ زالَ إلى الوَرَثَةِ ؟ فَلَمْ يَبْقَ لِإيجابِ النَّفَقَةِ وجْهٌ؛ ألا تَرى أنَّ غَيْرَ الحامِلِ لا نَفَقَةَ لَها بِهَذِهِ العِلَّةِ ؟
فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ وهو عُمُومٌ في المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها والمُطَلَّقَةِ، كَما كانَ قَوْلُهُ: ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] عُمُومًا في الصِّنْفَيْنِ؛ قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ، مِن قِبَلِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ﴾ خِطابٌ لِلْأزْواجِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ خِطابٌ لَهم، وقَدْ زالَ عَنْهُمُ الخِطابُ بِالمَوْتِ، ولا جائِزٌ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِطابًا لِغَيْرِ الأزْواجِ، فَلَمْ تَقْتَضِ الآيَةُ إيجابَ نَفَقَةِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها بِحالٍ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ أرْضَعْنَ لَكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ قَدِ انْتَظَمَ الدَّلالَةَ عَلى أحْكامٍ: مِنها أنَّهُ إذا رَضِيَتْ بِأنْ تُرْضِعَهُ بِأجْرِ مِثْلِها لَمْ يَكُنْ لِلْأبِ أنْ يَسْتَرْضِعَ غَيْرَها، لِأمْرِ اللَّهِ إيّاهُ بِإعْطاءِ الأجْرِ إذا أرْضَعَتْ، ويَدُلُّ عَلى أنَّ الأُمَّ أوْلى بِحَضانَةِ الوَلَدِ مِن كُلِّ أحَدٍ ويَدُلُّ عَلى أنَّ الأُجْرَةَ إنَّما تُسْتَحَقُّ بِالفَراغِ مِنَ العَمَلِ ولا تُسْتَحَقُّ بِالعَقْدِ؛ لِأنَّهُ أوْجَبَها بَعْدَ الرَّضاعِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ أرْضَعْنَ لَكم فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ وقَدْ دَلَّ عَلى أنَّ لَبَنَ المَرْأةِ وإنْ كانَ عَيْنًا فَقَدْ أُجْرِيَ مَجْرى المَنافِعِ الَّتِي تُسْتَحَقُّ بِعُقُودِ الإجاراتِ، ولِذَلِكَ لَمْ يُجِزْ أصْحابُنا بَيْعَ لَبَنِ المَرْأةِ (p-٣٦١)كَما لا يَجُوزُ عَقْدُ البَيْعِ عَلى المَنافِعِ، وفارَقَ لَبَنُ المَرْأةِ بِذَلِكَ لَبَنَ سائِرِ الحَيَوانِ؛ ألا تَرى أنَّهُ لا يَجُوزُ اسْتِئْجارُ شاةٍ لِرَضاعِ صَبِيٍّ؛ لِأنَّ الأعْيانَ لا تُسْتَحَقُّ بِعُقُودِ الإجاراتِ كاسْتِئْجارِ النَّخْلِ والشَّجَرِ ؟
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأْتَمِرُوا بَيْنَكم بِمَعْرُوفٍ﴾ يَعْنِي واللَّهُ أعْلَمُ: لا تَشْتَرِطُ المَرْأةُ عَلى الزَّوْجِ فِيما تَطْلُبُهُ مِنَ الأُجْرَةِ ولا يُقَصِّرُ الزَّوْجُ لَها عَنِ المِقْدارِ المُسْتَحَقِّ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى﴾ قِيلَ: إنَّهُ إذا طَلَبَتِ المَرْأةُ أكْثَرَ مِن أجْرِ مِثْلِها ورَضِيَتْ غَيْرُها بِأنْ تَأْخُذَهُ بِأجْرِ مِثْلِها فَلِلزَّوْجِ أنْ يَسْتَرْضِعَ الأجْنَبِيَّةَ ويَكُونُ ذَلِكَ في بَيْتِ الأُمِّ؛ لِأنَّها أحَقُّ بِإمْساكِهِ والكَوْنِ عِنْدَهُ.
{"ayah":"أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَاۤرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا۟ عَلَیۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُو۟لَـٰتِ حَمۡلࣲ فَأَنفِقُوا۟ عَلَیۡهِنَّ حَتَّىٰ یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُوا۟ بَیۡنَكُم بِمَعۡرُوفࣲۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥۤ أُخۡرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق