الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ يَعْنِي بِهِ مُقارَبَةَ بُلُوغِ الأجَلِ لا حَقِيقَتَهُ؛ لِأنَّهُ لا رَجْعَةَ بَعْدَ بُلُوغِ الأجَلِ الَّذِي هو انْقِضاءُ العِدَّةِ ولَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعالى طَلاقَ المَدْخُولِ بِها ابْتِداءً إلّا مَقْرُونًا بِذِكْرِ الرَّجْعَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ [الطلاق: ١] يَعْنِي أنْ يَبْدُوَ لَهُ فَيُراجِعَها؛ وقَوْلُهُ: ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ قالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ: ﴿فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٣١] * * * بابُ الإشْهادُ عَلى الرَّجْعَةِ أوِ الفُرْقَةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وأشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ﴾ فَأمَرَ بِالإشْهادِ عَلى الرَّجْعَةِ والفُرْقَةِ أيَّتَهُما اخْتارَ الزَّوْجُ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ وطاوُسٍ وإبْراهِيمَ وأبُو قِلابَةَ أنَّهُ إذا رَجَعَ ولَمْ يُشْهِدْ فالرَّجْعَةُ صَحِيحَةٌ ويُشْهِدُ بَعْدَ ذَلِكَ. قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا جُعِلَ لَهُ الإمْساكُ أوِ الفِراقُ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِذِكْرِ الإشْهادِ كانَ مَعْلُومًا وُقُوعُ الرَّجْعَةِ إذا رَجَعَ وجَوازُ الإشْهادِ بَعْدَها إذْ لَمْ يَجْعَلِ الإشْهادَ شَرْطًا في الرَّجْعَةِ ولَمْ يَخْتَلِفِ الفُقَهاءُ في أنَّ المُرادَ بِالفِراقِ المَذْكُورِ في الآيَةِ إنَّما هو تَرْكُها حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها وأنَّ الفُرْقَةَ تَصِحُّ وإنْ لَمْ يَقَعِ الإشْهادُ عَلَيْها ويُشْهِدُ بَعْدَ ذَلِكَ، وقَدْ ذَكَرَ الإشْهادَ عَقِيبَ الفُرْقَةِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا في صِحَّتِها، كَذَلِكَ الرَّجْعَةُ وأيْضًا لَمّا كانَتِ الفُرْقَةُ حَقًّا (p-٣٥١)لَهُ وجازَتْ بِغَيْرِ إشْهادٍ إذْ لا يُحْتاجُ فِيها إلى رِضا غَيْرِهِ وكانَتِ الرَّجْعَةُ أيْضًا حَقًّا لَهُ، وجَبَ أنْ تَجُوزَ بِغَيْرِ إشْهادٍ وأيْضًا لَمّا أمَرَ اللَّهُ بِالإشْهادِ عَلى الإمْساكِ أوِ الفُرْقَةِ احْتِياطًا لَهُما ونَفْيًا لِلتُّهْمَةِ عَنْهُما إذا عُلِمَ الطَّلاقُ ولَمْ يُعْلَمِ الرَّجْعَةُ أوْ لَمْ يُعْلَمِ الطَّلاقُ والفِراقُ، فَلا يُؤْمَنُ التَّجاحُدُ بَيْنَهُما، ولَمْ يَكُنْ مَعْنى الِاحْتِياطِ فِيهِما مَقْصُورًا عَلى الإشْهادِ في حالِ الرَّجْعَةِ أوِ الفُرْقَةِ بَلْ يَكُونُ الِاحْتِياطُ باقِيًا، وإنْ أشْهَدَ بَعْدَهُما وجَبَ أنْ لا يَخْتَلِفَ حُكْمُهُما إذا أشْهَدَ بَعْدَ الرَّجْعَةِ بِساعَةٍ أوْ ساعَتَيْنِ؛ ولا نَعْلَمُ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ خِلافًا في صِحَّةِ وُقُوعِ الرَّجْعَةِ بِغَيْرِ شُهُودٍ إلّا شَيْئًا يُرْوى عَنْ عَطاءٍ، فَإنَّ سُفْيانَ رَوى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطاءٍ قالَ: " الطَّلاقُ والنِّكاحُ والرَّجْعَةُ بِالبَيِّنَةِ "، وهَذا مَحْمُولٌ عَلى أنَّهُ مَأْمُورٌ بِالإشْهادِ عَلى ذَلِكَ احْتِياطًا مِنَ التَّجاحُدِ لا عَلى أنَّ الرَّجْعَةَ لا تَصِحُّ بِغَيْرِ شُهُودٍ، ألا تَرى أنَّهُ ذَكَرَ الطَّلاقَ مَعَها ولا يَشُكُّ أحَدٌ في وُقُوعِ الطَّلاقِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ؟ وقَدْ رَوى شُعْبَةُ عَنْ مَطَرٍ الوَرّاقِ عَنْ عَطاءٍ والحَكَمِ قالا: " إذا غَشِيَها في العِدَّةِ فَغَشَيانُهُ رَجْعَةٌ " . * * * وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ﴾ فِيهِ أمْرٌ بِإقامَةِ الشَّهاداتِ عِنْدَ الحُكّامِ عَلى الحُقُوقِ كُلِّها؛ لِأنَّ الشَّهادَةَ هُنا اسْمٌ لِلْجِنْسِ وإنْ كانَ مَذْكُورًا بَعْدَ الأمْرِ بِإشْهادِ ذَوَيْ عَدْلٍ عَلى الرَّجْعَةِ؛ لِأنَّ ذِكْرَها بَعْدَهُ لا يَمْنَعُ اسْتِعْمالَ اللَّفْظِ عَلى عُمُومِهِ، فانْتَظَمَ ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ: أحَدُهُما: الأمْرُ بِإقامَةِ الشَّهادَةِ، والآخَرُ: أنَّ إقامَةَ الشَّهادَةِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعالى، وأفادَ بِذَلِكَ تَأْكِيدَهُ والقِيامَ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب