الباحث القرآني
ذِكْرُ الِاخْتِلافِ في خُرُوجِ المُعْتَدَّةِ مِن بَيْتِها
قالَ أصْحابُنا: لا تَنْتَقِلُ المَبْتُوتَةُ؛ ولا المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها؛ عَنْ بَيْتِها الَّذِي كانَتْ تَسْكُنُهُ؛ وتَخْرُجُ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها بِالنَّهارِ؛ ولا تَبِيتُ في غَيْرِ مَنزِلِها؛ ولا تَخْرُجُ المُطَلَّقَةُ لَيْلًا؛ ولا نَهارًا؛ إلّا مِن عُذْرٍ؛ وهو قَوْلُ الحَسَنِ؛ وقالَ مالِكٌ: لا تَنْتَقِلُ المُطَلَّقَةُ المَبْتُوتَةُ؛ ولا الرَّجْعِيَّةُ؛ ولا المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها؛ ولا يَخْرُجْنَ بِالنَّهارِ؛ ولا يَبِتْنَ عَنْ بُيُوتِهِنَّ؛ وقالَ الشّافِعِيُّ: ولَمْ يَكُنِ الإحْدادُ في سُكْنى البُيُوتِ؛ فَتَسْكُنُ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها أيَّ بَيْتٍ كانَتْ فِيهِ؛ جَيِّدًا؛ أوْ رَدِيًّا؛ وإنَّما الإحْدادُ في الزِّينَةِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: أمّا المُطَلَّقَةُ؛ فَلِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾؛ فَحَظَرَ خُرُوجَها؛ وإخْراجَها؛ في العِدَّةِ؛ إلّا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ وذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ العُذْرِ؛ فَأباحَ خُرُوجَها لِعُذْرٍ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الفاحِشَةِ المَذْكُورَةِ في هَذِهِ الآيَةِ؛ وسَنَذْكُرُها في مَوْضِعِها إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى)؛ وأمّا المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها فَإنَّ اللَّهَ (تَعالى) قالَ - في العِدَّةِ الأُولى -: (p-١٢٤)﴿مَتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]؛ ثُمَّ نَسَخَ مِنها ما زادَ عَلى الأرْبَعَةِ الأشْهُرِ؛ والعَشْرِ؛ فَبَقِيَ حُكْمُ هَذِهِ العِدَّةِ الثّانِيَةِ عَلى ما كانَ عَلَيْهِ مِن تَرْكِ الخُرُوجِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ لَها نَسْخٌ؛ وإنَّما النَّسْخُ فِيما زادَ؛ وقَدْ ورَدَتِ السُّنَّةُ بِمِثْلِ ما دَلَّ عَلَيْهِ الكِتابُ؛ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ؛ عَنْ مالِكٍ؛ عَنْ سَعْدِ بْنِ إسْحاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؛ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؛ «أنَّ الفُرَيْعَةَ بِنْتَ مالِكِ بْنِ سِنانٍ؛ وهي أُخْتُ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ؛ أخْبَرَتْها أنَّها جاءَتْ إلى النَّبِيِّ ﷺ تَسْألُهُ أنْ تَرْجِعَ إلى أهْلِها في بَنِي خُدْرَةَ؛ فَإنَّ زَوْجَها قَتَلَهُ عَبْدٌ لَهُ: فَسَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ أرْجِعَ إلى أهْلِي؛ فَإنَّهُ لَمْ يَتْرُكْنِي في مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ؛ ولا نَفَقَةٍ؛ قالَتْ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "نَعَمْ"؛ قالَتْ: فَخَرَجْتُ؛ حَتّى إذا كُنْتُ في الحُجْرَةِ؛ أوْ في المَسْجِدِ؛ دَعانِي؛ فَقالَ: "كَيْفَ قُلْتِ؟"؛ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ القِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِن شَأْنٍ زَوْجِي؛ قالَتْ: فَقالَ: "اُمْكُثِي في بَيْتِكِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ"؛ قالَتْ: فاعْتَدَدْتُ فِيهِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ؛ وعَشْرًا؛ قالَتْ: فَلَمّا كانَ عُثْمانُ أرْسَلَ إلَيَّ؛ وسَألَنِي عَنْ ذَلِكَ؛ فَأخْبَرْتُهُ؛ فاتَّبَعَهُ؛ وقَضى بِهِ»؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ خِلافُ ذَلِكَ؛ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ قالَ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ مَسْعُودٍ قالَ: حَدَّثَنا شِبْلٌ؛ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ قالَ: قالَ عَطاءٌ: قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَها عِنْدَ أهْلِهِ؛ فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شاءَتْ؛ وهو قَوْلُ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿غَيْرَ إخْراجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]؛ قالَ عَطاءٌ: إنْ شاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أهْلِها؛ وسَكَنَتْ في مَنزِلِها؛ وإنْ شاءَتْ خَرَجَتْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ (تَعالى): ﴿فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكم في ما فَعَلْنَ﴾ [البقرة: ٢٤٠]؛ قالَ عَطاءٌ: ثُمَّ جاءَ المِيراثُ؛ فَنَسَخَ السُّكْنى؛ فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شاءَتْ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَيْسَ في إيجابِ المِيراثِ ما يُوجِبُ نَسْخَ الكَوْنِ في المَنزِلِ؛ وقَدْ يَجُوزُ اجْتِماعُهُما؛ فَلَيْسَ في ثُبُوتِ أحَدِهِما نَفْيُ الآخَرِ؛ وقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ أيْضًا بِسُنَّةِ الرَّسُولِ ﷺ بَعْدَ نَسْخِ الحَوْلِ؛ وإيجابِ المِيراثِ؛ لِأنَّ عِدَّةَ "اَلْفُرَيْعَةَ" كانَتْ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا؛ وقَدْ نَهاها النَّبِيُّ ﷺ عَنِ النَّقْلَةِ؛ وما رَوَيْنا مِن قِصَّةِ "اَلْفُرَيْعَةَ" قَدْ دَلَّ عَلى مَعْنَيَيْنِ؛ أحَدُهُما لُزُومُ السُّكُونِ في المَنزِلِ الَّذِي كانَتْ تَسْكُنُهُ يَوْمَ الوَفاةِ؛ والنَّهْيُ عَنِ النَّقْلَةِ؛ والثّانِي جَوازُ الخُرُوجِ؛ إذْ لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ ﷺ الخُرُوجَ؛ ولَوْ كانَ الخُرُوجُ مَحْظُورًا لَنَهاها عَنْهُ.
وقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ؛ مِنهم عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ؛ وعُمَرُ؛ وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ؛ وأُمُّ سَلَمَةَ؛ وعُثْمانُ؛ أنَّهم قالُوا: اَلْمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها تَخْرُجُ بِالنَّهارِ؛ ولا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِها؛ ورَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ؛ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ؛ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: «اُسْتُشْهِدَ رِجالٌ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَآمَتْ نِساؤُهُمْ؛ وكُنَّ مُتَجاوِراتٍ في دارٍ؛ (p-١٢٥)فَأتَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَ: نَبِيتُ عِنْدَ إحْدانا؛ فَقالَ: "تَزاوَرْنَ بِالنَّهارِ؛ فَإذا كانَ اللَّيْلُ فَلْتَأْوِ كُلُّ واحِدَةٍ مِنكُنَّ إلى بَيْتِها"؛» ورُوِيَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أنَّ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها تَعْتَدُّ حَيْثُ شاءَتْ؛ مِنهم عَلِيٌّ؛ وابْنُ عَبّاسٍ؛ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؛ وعائِشَةُ.
وما قَدَّمْنا مِن دَلِيلِ الكِتابِ؛ والسُّنَّةِ؛ يُوجِبُ صِحَّةَ القَوْلِ الأوَّلِ؛ فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿مَتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكم في ما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ مِن مَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]؛ فَهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ لَها أنْ تَنْتَقِلَ؛ قِيلَ لَهُ: اَلْمَعْنى: فَإذا خَرَجْنَ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ كَما قالَ في الآيَةِ الأُخْرى: ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكم فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٤]؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ المُرادَ ما ذَكَرْنا أنَّها لَوْ خَرَجَتْ قَبْلَ انْقِضاءِ العِدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَها أنْ تَتَزَوَّجَ بِالِاتِّفاقِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ المُرادَ: فَإذا خَرَجْنَ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ وإذا كانَ ذَلِكَ عَلى ما وصَفْنا كانَ حَظْرُ الِانْتِقالِ باقِيًا عَلى المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها؛ وإنَّما قالُوا: إنَّ المُطَلَّقَةَ لا تَخْرُجُ لَيْلًا؛ ولا نَهارًا؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ﴾؛ وذَلِكَ عُمُومٌ في جَمِيعِهِنَّ؛ وحَظْرٌ عَنْ خُرُوجِهِنَّ في سائِرِ الأوْقاتِ؛ وخالَفَتِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها مِن جِهَةِ أنَّ نَفَقَةَ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها عَلى نَفْسِها؛ ونَفَقَةَ المُطَلَّقَةِ عَلى زَوْجِها؛ فَهي مُسْتَغْنِيَةٌ عَنِ الخُرُوجِ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ومِن سُورَةِ الطَّلاقِ
﷽
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: يَحْتَمِلُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ بِالخِطابِ وُجُوهًا: أحَدُها: اكْتِفاءٌ بِعِلْمِ المُخاطَبِينَ بِأنَّ ما خُوطِبَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ خِطابٌ لَهم، إذْ كانُوا مَأْمُورِينَ بِالِاقْتِداءِ بِهِ إلّا ما خُصَّ بِهِ دُونَهم، فَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ ثُمَّ عَدَلَ بِالخِطابِ إلى الجَماعَةِ؛ إذْ كانَ خِطابُهُ خِطابًا لِلْجَماعَةِ.
والثّانِي: أنَّ تَقْدِيرَهُ: يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لِأُمَّتِكَ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ.
والثّالِثُ: عَلى العادَةِ في خِطابِ الرَّئِيسِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الأتْباعُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ﴾ [الأعراف: ١٠٣]
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: رُوِيَ «عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ في الحَيْضِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ولْيُمْسِكْها حَتّى تَطْهُرَ مِن حَيْضَتِها ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرى فَإذا طَهُرَتْ فَلْيُفارِقْها قَبْلَ أنْ يُجامِعَها أوْ يُمْسِكْها، فَإنَّها العِدَّةُ الَّتِي أمَرَ اللَّهُ أنْ تُطَلَّقَ لَها النِّساءُ» رَواهُ نافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ورَوى ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «قَرَأ النَّبِيُّ ﷺ: فَطَلِّقُوهُنَّ في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ قالَ: طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ» ورَوى وكِيعٌ عَنْ سُفْيانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلى أبِي طَلْحَةَ عَنْ سالِمٍ عَنْ «ابْنِ عُمَرَ: أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأتَهُ في الحَيْضِ، فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: مُرْهُ فَلْيُراجِعْها ثُمَّ يُطَلِّقْها وهي حامِلٌ أوْ غَيْرُ حامِلٍ وفي لَفْظٍ آخَرَ: فَلْيُطَلِّقْها طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ أوْ حامِلًا قَدِ اسْتَبانَ حَمْلُها» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ مُرادَ اللَّهِ في قَوْلِهِ (p-٣٤٧)تَعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ وأنَّ وقْتَ الطَّلاقِ المَأْمُورَ بِهِ أنْ يُطَلِّقَها طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ أوْ حامِلًا قَدِ اسْتَبانَ حَمْلُها، وبَيَّنَ أيْضًا أنَّ السُّنَّةَ في الإيقاعِ مِن وجْهٍ آخَرَ وهو أنْ يَفْصِلَ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ بِحَيْضَةٍ بِقَوْلِهِ: " يُراجِعُها ثُمَّ يَدَعُها حَتّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرى ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ يُطَلِّقُها إنْ شاءَ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الجَمْعَ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ في طُهْرٍ واحِدٍ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ، وما نَعْلَمُ أحَدًا أباحَ طَلاقَها في الطُّهْرِ بَعْدَ الجِماعِ إلّا شَيْئًا رَواهُ وكِيعٌ عَنِ الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ عَنْ بَيانٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قالَ: " إذا طَلَّقَها وهي طاهِرٌ فَقَدْ طَلَّقَها لِلسُّنَّةِ وإنْ كانَ قَدْ جامَعَها "، وهَذا القَوْلُ خِلافُ السُّنَّةِ الثّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وخِلافُ إجْماعِ الأُمَّةِ؛ إلّا أنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أرادَ الحامِلَ، وهو ما رَواهُ يَحْيى بْنُ آدَمَ عَنْ الحَسَنِ بْنِ صالِحٍ عَنْ بَيانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قالَ: " إذا طَلَّقَها حامِلًا فَقَدْ طَلَّقَها لِلسُّنَّةِ وإنْ كانَ قَدْ جامَعَها "، فَيُشْبِهُ أنْ يَكُونَ هَذا أصْلَ الحَدِيثِ وأغْفَلَ بَعْضُ الرُّواةِ ذِكْرَ الحامِلِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ مُنْتَظِمٌ لِلْواحِدَةِ ولِلثَّلاثِ مُفَرَّقَةً في الأطْهارِ؛ لِأنَّ إدْخالَ " اللّامِ " يَقْتَضِي ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ٧٨] قَدِ انْتَظَمَ فِعْلَها مُكَرَّرًا عِنْدَ الدُّلُوكِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى مَعْنَيَيْنِ:
أحَدُهُما إباحَةُ الثَّلاثِ مُفَرَّقَةً في الأطْهارِ، وإبْطالُ قَوْلِ مَن قالَ: " إيقاعُ الثَّلاثِ في الأطْهارِ المُتَفَرِّقَةِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ " وهو مَذْهَبُ مالِكٍ والأوْزاعِيُّ والحَسَنِ بْنِ صالِحٍ واللَّيْثِ والثّانِي: تَفْرِيقُها في الأطْهارِ وحَظْرِ جَمْعِها في طُهْرٍ واحِدٍ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿لِعِدَّتِهِنَّ﴾ يَقْتَضِي ذَلِكَ لا فِعْلَ الجَمِيعِ في طُهْرٍ واحِدٍ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨] لَمْ يَقْتَضِ فِعْلَ صَلاتَيْنِ في وقْتٍ واحِدٍ وإنَّما اقْتَضى فِعْلَ الصَّلاةِ مُكَرَّرَةً في الأوْقاتِ وقَوْلُ أصْحابِنا: إنَّ طَلاقَ السُّنَّةِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: في الوَقْتِ، وهو أنْ يُطَلِّقَها طاهِرًا مِن غَيْرِ جِماعٍ أوْ حامِلًا قَدِ اسْتَبانَ حَمْلُها.
والآخَرُ: مِن جِهَةِ العَدَدِ، وهو أنْ لا يَزِيدَ في الطُّهْرِ الواحِدِ عَلى تَطْلِيقَةٍ واحِدَةٍ والوَقْتُ مَشْرُوطٌ لِمَن يُطَلِّقُ في العِدَّةِ؛ لِأنَّ مَن لا عِدَّةَ عَلَيْها بِأنْ كانَ طَلَّقَها قَبْلَ الدُّخُولِ فَطَلاقُها مُباحٌ في الحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا جُناحَ عَلَيْكم إنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾ [البقرة: ٢٣٦] فَأباحَ طَلاقَها في كُلِّ حالٍ مِن طُهْرٍ أوْ حَيْضٍ، وقَدْ بَيَّنّا بُطْلانَ قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ في طُهْرٍ واحِدٍ مِنَ السُّنَّةِ ومِن مَنعِ إيقاعِ الثَّلاثِ في الأطْهارِ المُتَفَرِّقَةِ في سُورَةِ البَقَرَةِ
فَإنْ قِيلَ: لَمّا جازَ طَلاقُ الحامِلِ بَعْدَ الجِماعِ كَذَلِكَ الحائِلُ يَجُوزُ طَلاقُها في الطُّهْرِ بَعْدَ الجِماعِ، قِيلَ لَهُ: لا حَظَّ لِلنَّظَرِ مَعَ الأثَرِ واتِّفاقِ السَّلَفِ، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ الفَرْقَ بَيْنَهُما واضِحٌ وهو أنَّهُ إذا طَهُرَتْ (p-٣٤٨)مِن حَيْضَتِها ثُمَّ جامَعَها لا نَدْرِي لَعَلَّها قَدْ حَمَلَتْ مِنَ الوَطْءِ وعَسى أنْ لا يُرِيدَ طَلاقَها إنْ كانَتْ حامِلًا فَيَلْحَقُهُ النَّدَمُ، وإذا لَمْ يُجامِعْها بَعْدَ الطُّهْرِ فَإنَّ وُجُودَ الحَيْضِ عَلَمُ بَراءَةِ الرَّحِمِ فَيُطَلِّقُها وهو عَلى بَصِيرَةٍ مِن طَلاقِها.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأحْصُوا العِدَّةَ﴾ يَعْنِي واللَّهُ أعْلَمُ العِدَّةُ الَّتِي أوْجَبَها اللَّهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨] وبِقَوْلِهِ: ﴿واللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ﴾ [الطلاق: ٤] إلى قَوْلِهِ: ﴿واللائِي لَمْ يَحِضْنَ وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]
؛ لِأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ عَدَدٌ لِلْمُطْلَقاتِ عَلى حَسَبِ اخْتِلافِ الأحْوالِ المَذْكُورَةِ لَهُنَّ؛ فَيَكُونُ إحْصاؤُها لِمَعانٍ، أحَدُها: لِما يُرِيدُ مِن رَجْعَةٍ وإمْساكٍ أوْ تَسْرِيحٍ وفِراقٍ. والثّانِي: مُراعاةُ حالِها في بَقائِها عَلى الحالِ الَّتِي طُلِّقَتْ عَلَيْها مِن غَيْرِ حُدُوثِ حالٍ يُوجِبُ انْتِقالَ عِدَّتِها إلَيْها. والثّالِثُ: لِكَيْ إذا بانَتْ يُشْهِدَ عَلى فِراقِها ويَتَزَوَّجَ مِنَ النِّساءِ غَيْرَها مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُ جَمْعُها إلَيْها ولِئَلّا يُخْرِجَها مِن بَيْتِها قَبْلَ انْقِضائِها
وذَكَرَ بَعْضُ مَن صَنَّفَ في أحْكامِ القُرْآنِ أنَّ أبا حَنِيفَةَ وأصْحابَهُ يَقُولُونَ: " إنَّ طَلاقَ السُّنَّةِ واحِدَةٌ، وأنَّ مِن طَلاقِ السُّنَّةِ أيْضًا إذا أرادَ أنْ يُطَلِّقَها ثَلاثًا طَلَّقَها عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةً؛ فَذَكَرُوا أنَّ الأوَّلَ هو السُّنَّةُ والثّانِيَ أيْضًا سُنَّةٌ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ شَيْءٌ وخِلافُهُ سُنَّةً ولَوْ جازَ ذَلِكَ لَجازَ أنْ يَكُونَ حَرامًا حَلالًا، ولَوْ قالَ: إنَّ الثّانِيَ رُخْصَةٌ كانَ أشْبَهَ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: وهَذا كَلامُ مَن لا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَعْرِفَةِ أُصُولِ العِباداتِ وما يَجُوزُ وُرُودُهُ مِنها مِمّا لا يَجُوزُ، ولا يَمْنَعُ أحَدٌ مِن أهْلِ العِلْمِ جَوازَ وُرُودِ العِبادَةِ بِمِثْلِهِ؛ إذْ جائِزٌ أنْ يَكُونَ السُّنَّةُ في الطَّلاقِ أنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ إيقاعِ الواحِدَةِ في طُهْرٍ والِاقْتِصارِ عَلَيْها وبَيْنَ أنْ يُطَلِّقَ بَعْدَها في الطُّهْرِ الثّانِي والثّالِثِ، وجَمِيعُ ذَلِكَ مَندُوبٌ إلَيْهِ، ويَكُونُ مَعَ ذَلِكَ أحَدُ الوَجْهَيْنِ أحْسَنَ مِنَ الآخِرِ كَما قالَ تَعالى: ﴿والقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ﴾ [النور: ٦٠] ثُمَّ قالَ: ﴿وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ﴾ [النور: ٦٠] وخَيَّرَ اللَّهُ الحانِثَ في يَمِينِهِ بَيْنَ أحَدِ أشْياءَ ثَلاثَةٍ وأيَّها فَعَلَ كانَ فَرْضَهُ وقَوْلُهُ: " ولَوْ جازَ ذَلِكَ لَجازَ أنْ يَكُونَ حَلالًا حَرامًا " يُوجِبُ نَفْيَ التَّخْيِيرِ في شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ والفُرُوضِ كَما امْتَنَعَ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ واحِدٌ حَرامًا حَلالًا؛ وعَوارُ هَذا القَوْلِ وفَسادُهُ أظْهَرُ مِن أنْ يَحْتاجَ إلى الإطْنابِ في الرَّدِّ عَلى قائِلِهِ ورُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنا بِعَيْنِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وجَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ﴾ فِيهِ نَهْيٌ لِلزَّوْجِ عَنْ إخْراجِها ونَهْيٌ لَها عَنِ الخُرُوجِ، وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى وُجُوبِ السُّكْنى لَها ما دامَتْ في العِدَّةِ؛ لِأنَّ بُيُوتَهُنَّ الَّتِي نَهى اللَّهُ عَنْ إخْراجِها مِنها هي (p-٣٤٩)البُيُوتُ الَّتِي كانَتْ تَسْكُنُها قَبْلَ الطَّلاقِ، فَأمَرَ بِتَبْقِيَتِها في بَيْتِها ونَسَبِها إلَيْها بِالسُّكْنى كَما قالَ: ﴿وقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] وإنَّما البُيُوتُ كانَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ ولِهَذِهِ الآيَةِ قالَ أصْحابُنا: " لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يُسافِرَ بِها حَتّى يُشْهِدَ عَلى رَجْعَتِها " ومَنَعُوها مِنَ السَّفَرِ في العِدَّةِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولا خِلافَ نَعْلَمُهُ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ في أنَّ عَلى الزَّوْجِ إسْكانَها ونَفَقَتَها في الطَّلاقِ الرَّجْعِيِّ وأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ لَهُ إخْراجُها مِن بَيْتِها.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: " خُرُوجُها قَبْلَ انْقِضاءِ العِدَّةِ فاحِشَةٌ "، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " إلّا أنْ تَبْذُوَ عَلى أهْلِهِ فَإذا فَعَلَتْ ذَلِكَ حَلَّ لَهم أنْ يُخْرِجُوها " وقالَ الضَّحّاكُ: " الفاحِشَةُ المُبَيِّنَةُ عِصْيانُ الزَّوْجِ " وقالَ الحَسَنُ وزَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: " أنْ تَزْنِيَ فَتُخْرَجَ لِلْحَدِّ " وقالَ قَتادَةُ: " إلّا أنْ تَنْشُزَ فَإذا فَعَلَتْ حَلَّ إخْراجُها "
قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذِهِ المَعانِي كُلُّها يَحْتَمِلُها اللَّفْظُ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ جَمِيعُها مُرادًا فَيَكُونَ خُرُوجُها فاحِشَةً وإذا زَنَتْ أُخْرِجَتْ لِلْحَدِّ وإذا بَذَتْ عَلى أهْلِهِ أُخْرِجَتْ أيْضًا؛ وقَدْ أمَرَ النَّبِيُّ ﷺ فاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِالِانْتِقالِ حِينَ بَذَتْ عَلى أحْمائِها، فَأمّا عِصْيانُ الزَّوْجِ والنُّشُوزُ فَإنْ كانَ في البَذاءِ وسُوءِ الخُلُقِ اللَّذَيْنِ يَتَعَذَّرُ المُقامُ مَعَها فِيهِ فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ مُرادًا، وإنْ كانَتْ إنَّما عَصَتْ زَوْجَها في شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِعُذْرٍ في إخْراجِها وما ذَكَرْنا مِنَ التَّأْوِيلِ المُرادِ يَدُلُّ عَلى جَوازِ انْتِقالِها لِلْعُذْرِ؛ لِأنَّهُ تَعالى قَدْ أباحَ لَها الخُرُوجَ لِلْأعْذارِ الَّتِي وصَفْنا.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ إذا طَلَّقَ لِغَيْرِ السُّنَّةِ وقَعَ طَلاقُهُ وكانَ ظالِمًا لِنَفْسِهِ بِتَعَدِّيهِ حُدُودَ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِيبَ طَلاقِ العِدَّةِ فَأبانَ أنَّ مَن طَلَّقَ لِغَيْرِ العِدَّةِ فَطَلاقُهُ واقِعٌ؛ لِأنَّهُ لَوْ لَمْ يَقَعْ طَلاقُهُ لَمْ يَكُنْ ظالِمًا لِنَفْسِهِ ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ أرادَ وُقُوعَ طَلاقِهِ مَعَ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ، قَوْلُهُ تَعالى عَقِيبَهُ: ﴿لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أمْرًا﴾ يَعْنِي أنْ يَحْدُثَ لَهُ نَدَمٌ فَلا يَنْفَعُهُ؛ لِأنَّهُ قَدْ طَلَّقَ ثَلاثًا وهو يَدُلُّ أيْضًا عَلى بُطْلانِ قَوْلِ الشّافِعِيِّ في أنَّ إيقاعَ الثَّلاثِ في كَلِمَةٍ واحِدَةٍ مِنَ السُّنَّةِ؛ لِأنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ ظالِمًا لِنَفْسِهِ حِينَ طَلَّقَ ثَلاثًا وتَرَكَ اعْتِبارَ ما عَسى أنْ يَلْحَقَهُ مِنَ النَّدَمِ بِإبانَتِها؛ وحَكَمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى ابْنِ عُمَرَ بِطَلاقِهِ إيّاها في الحَيْضِ وأمَرَهُ بِمُراجَعَتِها؛ لِأنَّ الطَّلاقَ الأوَّلَ كانَ خَطَأً فَأمَرَهُ بِالرَّجْعَةِ لِيَقْطَعَ أسْبابَ الخَطَإ ويَبْتَدِئَهُ عَلى السُّنَّةِ وزَعَمَ قَوْمٌ أنَّ الطَّلاقَ في حالِ الحَيْضِ لا يَقَعُ.
وقَدْ بَيَّنّا بُطْلانَ هَذا القَوْلِ في سُورَةِ البَقَرَةِ مِن جِهَةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وسُؤالَ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ لِابْنِ عُمَرَ عَنِ الطَّلاقِ في الحَيْضِ وذِكْرَهُ لِأمْرِ النَّبِيِّ ﷺ إيّاهُ بِالمُراجَعَةِ قالَ: قُلْتُ: فَيُعْتَدُّ بِها ؟ قالَ: فَمَهْ ؟ أرَأيْتَ إنْ عَجَزَ (p-٣٥٠)واسْتَحْمَقَ ؟ " فَإنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ صالِحٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ قالَ: أخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيْرِ أنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أيْمَنَ مَوْلى عُرْوَةَ يَسْألُ ابْنَ عُمَرَ وأبُو الزُّبَيْرِ يَسْمَعُ فَقالَ: كَيْفَ تَرى في رِجْلٍ طَلَّقَ امْرَأتَهُ حائِضًا ؟ قالَ «طَلَّقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأتَهُ وهي حائِضٌ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَألَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأتَهُ وهي حائِضٌ؛ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَدَّها عَلَيَّ ولَمْ يَرَها شَيْئًا وقالَ: إذا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أوْ لِيُمْسِكْ قالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَرَأ النَّبِيُّ ﷺ: "يا أيُّها النَّبِيُّ إذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ في قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ"» فَقالَ المُحْتَجُّ: فَأخْبَرَ أنَّهُ رَدَّها عَلَيْهِ ولَمْ يَرَها شَيْئًا، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلى أنَّ الطَّلاقَ لَمْ يَقَعْ فَيُقَلْ لَهُ: لَيْسَ فِيما ذَكَرْتَ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يَحْكم بِالطَّلاقِ، بَلْ دَلالَتُهُ ظاهِرَةٌ عَلى وُقُوعِهِ؛ لِأنَّهُ قالَ: " ورَدَّها عَلَيَّ " وهو يَعْنِي الرَّجْعَةَ.
وقَوْلُهُ: " ولَمْ يَرَها شَيْئًا " يَعْنِي أنَّهُ لَمْ يُبِنْها مِنهُ وقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ عَنْ أنَسِ بْنِ سِيرِينَ وابْنِ جُبَيْرٍ وزَيْدِ بْنِ أسْلَمَ ومَنصُورٍ عَنْ أبِي وائِلٍ عَنْهُ، كُلُّهم يَقُولُ فِيهِ: إنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَهُ أنْ يُراجِعَها حَتّى تَطْهُرَ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُوا۟ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخۡرُجۡنَ إِلَّاۤ أَن یَأۡتِینَ بِفَـٰحِشَةࣲ مُّبَیِّنَةࣲۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِی لَعَلَّ ٱللَّهَ یُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ أَمۡرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق