الباحث القرآني
بابُ صِلَةِ الرَّحِمِ المُشْرِكِ
قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكم في الدِّينِ﴾ الآيَةَ. رَوى هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ: «أنَّ أسْماءَ سَألَتِ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ أُمٍّ لَها مُشْرِكَةٍ جاءَتْنِي أأصِلُها ؟ قالَ: نَعَمْ صِلِيها»
قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَوْلُهُ: ﴿أنْ تَبَرُّوهم وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ﴾ عُمُومٌ في جَوازِ دَفْعِ الصَّدَقاتِ إلى أهْلِ الذِّمَّةِ إذْ لَيْسَ هم مِن أهْلِ قِتالِنا، وفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الصَّدَقَةِ عَلى أهْلِ الحَرْبِ؛ لِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكم في الدِّينِ﴾
وقَدْ رُوِيَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ؛ حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكم في الدِّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكم مِن دِيارِكُمْ﴾ قالَ: نَسَخَها قَوْلُهُ: ﴿فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠] الآيَةَ.
رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالُوا: «كانَ مِمّا شَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ لا يَأْتِيكَ مِنّا أحَدٌ، وإنْ كانَ عَلى دِينِكَ إلّا رَدَدْتَهُ عَلَيْنا فَرَدَّ أبا جَنْدَلٍ عَلى أبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، ولَمْ يَأْتِهِ أحَدٌ مِنَ الرِّجالِ إلّا رَدَّهُ في تِلْكَ المُدَّةِ، وإنْ كانَ مُسْلِمًا وجاءَ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ، وكانَتْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ وهي عاتِقٌ، فَجاءَ أهْلُها يَسْألُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ يُرْجِعَها، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: ﴿إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠]» الآيَةَ.
قالَ عُرْوَةُ: فَأخْبَرَتْنِي عائِشَةُ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ إذا جاءَكَ المُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ﴾ [الممتحنة: ١٢] قالَتْ: فَمَن أقَرَّ بِهَذا الشَّرْطِ مِنهُنَّ قالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: قَدْ بايَعْتُكِ كَلامًا يُكَلِّمُها بِهِ واللَّهِ ما مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأةٍ مِن أهْلِ المُبايَعَةِ» ورَوى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ عَنْ أبِي زُمَيْلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: لَقَدْ «صالَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أهْلَ مَكَّةَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وجَعَلَ لَهم أنَّ مَن لَحِقَ بِالكُفّارِ مِنَ المُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ، ومَن لَحِقَ بِالمُسْلِمِينَ مِنَ الكُفّارِ يَرُدُّونَهُ» .
ورَوى الحُكْمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " كانَ في الصُّلْحِ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ أنَّ مَن أسْلَمَ مِن أهْلِ مَكَّةَ فَهو رَدٌّ إلَيْهِمْ، ونَزَلَتْ سُورَةُ المُمْتَحَنَةِ بَعْدَ الصُّلْحِ فَكانَ مَن أسْلَمَ مِن نِسائِهِمْ تُسْألُ ما أخْرَجَكِ ؟ فَإنْ كانَتْ خَرَجَتْ هَرَبًا مِن زَوْجِها ورَغْبَةً عَنْهُ رُدَّتْ، وإنْ كانَتْ خَرَجَتْ رَغْبَةً في الإسْلامِ أُمْسِكَتْ ورُدَّ عَلى زَوْجِها ما أنْفَقَ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا يَخْلُو (p-٣٢٨)الصُّلْحُ مِن أنْ يَكُونَ كانَ خاصًّا في الرِّجالِ دُونَ النِّساءِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ مِن رَدِّ مَن جاءَ مِنهم مُسْلِمًا إلَيْهِمْ، أوْ أنْ يَكُونَ وقَعَ بَدِيًّا عامًّا ثُمَّ نُسِخَ عَنِ النِّساءِ، وهَذا أظْهَرُ الوَجْهَيْنِ وذَلِكَ جائِزٌ عِنْدَنا، وإنْ لَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ ﷺ أحَدًا مِنَ النِّساءِ عَلَيْهِمْ؛ لِأنَّ النَّسْخَ جائِزٌ بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنَ الفِعْلِ، وإنْ لَمْ يَقَعِ الفِعْلُ.
وقَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ١٠٤] خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ والمُرادُ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ إذا هاجَرْنَ إلَيْهِ؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي يَتَوَلّى امْتِحانَهُنَّ دُونَ المُؤْمِنِينَ، وقَدْ أُرِيدَ بِهِ سائِرُ المُؤْمِنِينَ عِنْدَ غَيْبَةِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ حَضْرَتِهِمْ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠] المُرادُ بِهِ العِلْمُ الظّاهِرُ لا حَقِيقَةُ اليَقِينِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا سَبِيلَ لَنا إلَيْهِ، وهو مِثْلُ قَوْلِ إخْوَةِ يُوسُفَ: ﴿إنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وما شَهِدْنا إلا بِما عَلِمْنا﴾ [يوسف: ٨١] يَعْنُونَ العِلْمَ الظّاهِرَ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَرَقَ في الحَقِيقَةِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ﴾ [يوسف: ٨١] ؟، وإنَّما حَكَمُوا عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ مِن جِهَةِ الظّاهِرِ لَمّا وجَدُوا الصُّواعَ في رَحْلِهِ؛ وهو مِثْلُ شَهادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ظاهِرُهُمُ العَدالَةُ قَدْ تَعَبَّدَنا اللَّهُ بِالحُكْمِ بِها مِن طَرِيقِ الظّاهِرِ وحَمْلِ شَهادَتِهِما عَلى الصِّحَّةِ، وكَذَلِكَ قَبُولُ أخْبارِ الآحادِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِن هَذا الطَّرِيقِ وقَدْ ألْزَمَنا اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ قَبُولَ قَوْلِ مَن أظْهَرَ لَنا الإيمانَ والحُكْمَ بِصِحَّةِ ما أخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فِيما بَيْنَنا وبَيْنَهُ.
وهَذا أصْلٌ في تَصْدِيقِ كُلِّ مَن أخْبَرَ عَمّا لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِن حالِهِ، مِثْلُ المَرْأةِ إذا أخْبَرَتْ عَنْ حَيْضِها وطُهْرِها وحَبَلِها، ومِثْلُ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأتِهِ: " أنْتِ طالِقٌ إذا حِضْتِ " أوْ قالَ: " إذا طَهُرْتِ " فَيَكُونُ قَوْلُها مَقْبُولًا فِيهِ، وقالَ عَطاءُ بْنُ أبِي رَباحٍ، وتَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ﴾ [الممتحنة: ١٠] فَقالَ عَطاءٌ: ما عَلِمْنا إيمانَهُنَّ إلّا بِما ظَهَرَ مِن قَوْلِهِنَّ؛ وقالَ قَتادَةُ: امْتِحانُهُنَّ ما خَرَجْنَ إلّا لِلدِّينِ والرَّغْبَةِ في الإسْلامِ وحُبِّ اللَّهِ - تَعالى - ورَسُولِهِ.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ","إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"],"ayah":"لَّا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یُقَـٰتِلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَلَمۡ یُخۡرِجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوۤا۟ إِلَیۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق