الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الآيَةُ رُوِيَ عَنْ طاوُسٍ أنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كانُوا يَسْتَحِلُّونَ أشْياءَ ويُحَرِّمُونَ أشْياءَ، فَقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ مِمّا تَسْتَحِلُّونَ ﴿إلا أنْ يَكُونَ مَيْتَةً﴾ الآيَةُ وسِياقُةُ المُخاطَبَةِ تَدُلُّ عَلى ما قالَ طاوُسٌ؛ وذَلِكَ لِأنَّ اللَّهَ قَدْ قَدَّمَ ذِكْرَ ما كانُوا يُحَرِّمُونَ مِنَ الأنْعامِ وذَمَّهم عَلى تَحْرِيمِ ما أحَلَّهُ وعَنَّفَهم وأبانَ بِهِ عَنْ جَهْلِهِمْ لِأنَّهم حَرَّمُوا بِغَيْرِ حُجَّةٍ، ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ يَعْنِي تُحَرِّمُونَهُ إلّا ما ذُكِرَ وإذا كانَ ذَلِكَ تَقْدِيرَ الآيَةِ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِدْلالُ بِها عَلى إباحَةِ ما خَرَجَ عَنِ الآيَةِ.
فَإنْ قِيلَ: قَدْ ذُكِرَ في أوَّلِ المائِدَةِ تَحْرِيمُ المُنْخَنِقَةِ والمَوْقُوذَةِ وما ذُكِرَ مَعَهُما، وهي خارِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ قِيلَ لَهُ: في ذَلِكَ جَوابانِ:
أحَدُهُما: أنَّ المُنْخَنِقَةَ وما ذُكِرَ مَعَها قَدْ دَخَلَتْ في المَيْتَةِ، وإنَّما ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى تَحْرِيمَ المَيْتَةِ في قَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣] ثُمَّ فَسَّرَ وُجُوهَها والأسْبابَ المُوجِبَةَ لِكَوْنِها مَيْتَةً فَقَدِ اشْتَمَلَ اسْمُ المَيْتَةِ عَلى المُنْخَنِقَةِ ونَظائِرِها.
والثّانِي: أنَّ سُورَةَ الأنْعامِ مَكِّيَّةٌ، وجائِزٌ أنْ لا يَكُونَ قَدْ حَرَّمَ في ذَلِكَ الوَقْتِ إلّا ما قَدْ ذُكِرَ في هَذِهِ الآيَةِ، والمائِدَةُ مَدَنِيَّةٌ وهي مِن آخِرِ ما نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ ( أوْ ) إذا دَخَلَتْ عَلى النَّفْيِ ثَبَتَ كُلُّ واحِدٍ مِمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَلى حِيالِهِ وأنَّها لا تَقْتَضِي تَخْيِيرًا؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إلا أنْ يَكُونَ مَيْتَةً أوْ دَمًا مَسْفُوحًا أوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾ قَدْ أوْجَبَ تَحْرِيمَ كُلِّ واحِدٍ مِن ذَلِكَ عَلى حِيالِهِ.
وقَدِ احْتَجَّ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ في إباحَةِ ما عَدا المَذْكُورَةَ في هَذِهِ الآيَةِ بِها، فَمِنها لُحُومُ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ ورَوى سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ قالَ: قُلْتُ لِجابِرِ بْنِ زَيْدٍ: إنَّهم يَزْعُمُونَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهى عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ قالَ: قَدْ كانَ يَقُولُ ذَلِكَ الحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الغِفارِيُّ عِنْدَنا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ»، (p-١٨٦)ولَكِنْ أبى ذَلِكَ البَحْرُ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبّاسٍ وقَرَأ: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الآيَةُ ورَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ القاسِمِ عَنْ عائِشَةَ: أنَّها كانَتْ لا تَرى بِلُحُومِ السِّباعِ والدَّمِ الَّذِي يَكُونُ في أعْلى العُرُوقِ بَأْسًا، وقَرَأتْ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الآيَةُ فَأمّا لُحُومُ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَإنَّ أصْحابَنا ومالِكًا والثَّوْرِيَّ والشّافِعِيَّ يَنْهَوْنَ عَنْهُ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ما ذَكَرْنا مِن إباحَتِهِ، وتابَعَهُ عَلى ذَلِكَ قَوْمٌ، وقَدْ ورَدَتْ أخْبارٌ مُسْتَفِيضَةٌ في النَّهْيِ عَنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، مِنها حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنِ الحَسَنِ وعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ عَنْ أبِيهِما أنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ يَقُولُ لِابْنِ عَبّاسٍ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أكْلِ لُحُومِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ وعَنْ مُتْعَةِ النِّساءِ يَوْمَ خَيْبَرَ» . وقَدْ رَوى ابْنُ وهْبٍ عَنْ يَحْيى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سالِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارِثِ المَخْزُومِيِّ عَنْ مُجاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ «نَهى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإنْسِيَّةِ»، وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمّا سَمِعَ عَلِيًّا يَرْوِي النَّهْيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ رَجَعَ عَمّا كانَ يَذْهَبُ إلَيْهِ مِنَ الإباحَةِ.
ورَوى أبُو حَنِيفَةَ وعَبْدُ اللَّهِ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ» .
ورَوى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جابِرٍ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ» ورَواهُ حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جابِرٍ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنْ لُحُومِ الأهْلِيَّةِ». ورَوى شُعْبَةُ عَنْ أبِي إسْحاقَ عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ سَمِعَهُ مِنهُ قالَ: «أصَبْنا حُمُرًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَطَبَخْناها، فَنادى مُنادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ أكْفِئُوا القُدُورَ» . ورَوى النَّهْيَ عَنْها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ابْنُ أبِي أوْفى وسَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ وأبُو هُرَيْرَةَ وأبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ في آخَرِينَ، في بَعْضِها ابْتِداءُ نَهْيٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وبَعْضُها ذِكْرُ قِصَّةِ خَيْبَرَ والسَّبَبُ الَّذِي مِن أجْلِهِ نَهى عَنْها، فَقالَ قائِلُونَ: { إنَّما نَهى عَنْها لِأنَّها كانَتْ نُهْبَةً انْتَهَبُوها } . وقالَ آخَرُونَ: { لِأنَّهُ قِيلَ لَهُ إنَّ الحُمُرَ قَدْ قَلَّتْ } . وقالَ آخَرُونَ: { لِأنَّها كانَتْ جَلّالَةً } . فَتَأوَّلَ مَن أباحَها نَهْيَ النَّبِيِّ ﷺ عَلى أحَدِ هَذِهِ الوُجُوهِ، ومَن حَظَرَها أبْطَلَ هَذِهِ التَّأْوِيلاتِ بِأشْياءَ:
أحَدُها ما رَواهُ جَماعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا يَحِلُّ الحِمارُ الأهْلِيُّ» مِنهُمُ المِقْدادُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وأبُو ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيُّ وغَيْرُهُما؛ والثّانِي ما رَواهُ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أيُّوبَ السِّخْتِيانِيِّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «لَمّا فَتَحَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ أصابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوها مِنها، فَنادى مُنادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ألا إنَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ (p-١٨٧)يَنْهاكم عَنْها، فَإنَّها نَجَسٌ فاكْفِئُوا القُدُورَ» ورَوى عَبْدُ الوَهّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أيُّوبَ بِإسْنادِ مِثْلِهِ، قالَ: «فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنادِيًا فَنادى: إنَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ يَنْهاكم عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ فَإنَّها رِجْسٌ، قالَ: فَأُكْفِئَتِ القُدُورُ وإنَّها لَتَفُورُ» . وهَذا يُبْطِلُ تَأْوِيلَ مَن تَأوَّلَ النَّهْيَ عَلى النُّهْبَةِ وتَأْوِيلَ مَن تَأوَّلَهُ عَلى خَوْفِ فَناءِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ بِالذَّبْحِ؛ لِأنَّهُ أخْبَرَ أنَّها نَجَسٌ، وذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ عَيْنِها لا لَسَبَبِ غَيْرِها ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّهُ أمَرَ بِالقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ولَوْ كانَ النَّهْيُ لِأجْلِ ما ذَكَرُوا لَأمَرَ بِأنْ يُطْعَمَ المَساكِينُ كَما أمَرَ بِذَلِكَ في الشّاةِ المَذْبُوحَةِ بِغَيْرِ أمْرِ أصْحابِها بِأنْ يُطْعَمَ الأسْرى.
وفِي حَدِيثِ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ أنَّهُ «سَألَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَمّا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، فَقالَ: لا تَأْكُلُ الحِمارَ الأهْلِيَّ ولا كُلَّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ»، فَبِهَذا أيْضًا يَبْطُلُ سائِرُ التَّأْوِيلاتِ الَّتِي ذَكَرْناها عَنْ مُبِيحِها وقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ لِأنَّها كانَتْ تَأْكُلُ العَذِرَةَ» فَإنْ صَحَّ هَذا التَّأْوِيلُ لِلنَّهْيِ الَّذِي كانَ مِنهُ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإنَّ خَبَرَ أبِي ثَعْلَبَةَ وغَيْرِهِ في سُؤالِهِمْ عَنْها في غَيْرِ يَوْمِ خَيْبَرَ يُوجِبُ إيهامَ تَحْرِيمِها لا لِعِلَّةٍ غَيْرِ أعْيانِها وقَدْ رُوِيَ في حَدِيثٍ يُرْوى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ رَجُلٍ مِن مُزَيْنَةَ فَقالَ بَعْضُهم: غالِبُ بْنُ الأبْجَرِ، وقالَ بَعْضُهُمُ: الحُرُّ بْنُ غالِبٍ أنَّهُ قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِن مالِي شَيْءٌ أسْتَطِيعُ أنْ أُطْعِمَ فِيهِ أهْلِي غَيْرَ حُمُراتٍ لِي، قالَ: فَأطْعِمْ أهْلَكَ مِن سَمِينِ مالِكَ فَإنَّما كَرِهْتُ لَكم جَوّالَ القَرْيَةِ»؛ فاحْتَجَّ مَن أباحَ الحُمُرَ الأهْلِيَّةَ بِهَذا الخَبَرِ وهَذا الخَبَرُ يَدُلُّ عَلى النَّهْيِ عَنْها؛ لِأنَّهُ قالَ: «كَرِهْتُ لَكم جَوّالَ القَرْيَةِ» والحُمُرُ الأهْلِيَّةُ كُلُّها جَوّالُ القُرى، والإباحَةُ عِنْدَنا في هَذا الحَدِيثِ إنَّما انْصَرَفَتْ إلى الحُمُرِ الوَحْشِيَّةِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الحِمارِ الوَحْشِيِّ إذا دُجِّنَ فَقالَ أصْحابُنا والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ والشّافِعِيُّ في الحِمارِ الوَحْشِيِّ إذا دُجِّنَ وأُلِفَ: { إنَّهُ جائِزٌ أكْلُهُ }، وقالَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: { إذا دُجِّنَ وصارَ يُعْمَلُ عَلَيْهِ كَما يُعْمَلُ عَلى الأهْلِيِّ فَإنَّهُ لا يُؤْكَلُ } . وقَدِ اتَّفَقُوا عَلى أنَّ الوَحْشَ الأهْلِيَّ لا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ جِنْسِهِ في تَحْرِيمِ الأكْلِ كَذَلِكَ ما أُنِسَ مِنَ الوَحْشِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَدِ اخْتُلِفَ في ذِي النّابِ مِنَ السِّباعِ وذِي المِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ وأبُو يُوسُفَ وزُفَرُ ومُحَمَّدٌ: { لا يَحِلُّ أكْلُ ذِي النّابِ مِنَ السِّباعِ وذِي المِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ } . وقالَ مالِكٌ: { لا يُؤْكَلُ سِباعُ الوَحْشِ ولا الهِرُّ الوَحْشِيُّ ولا الأهْلِيُّ ولا الثَّعْلَبُ ولا الضَّبُعُ ولا شَيْءٌ مِنَ السِّباعِ، ولا بَأْسَ بِأكْلِ سِباعِ الطَّيْرِ الرُّخْمِ والعُقْبانِ والنُّسُورِ وغَيْرِها ما أكَلَ الجِيَفَ مِنها وما لا يَأْكُلُ } . وقالَ (p-١٨٨)الأوْزاعِيُّ: { الطَّيْرُ كُلُّهُ حَلالٌ إلّا أنَّهم يَكْرَهُونَ الرَّخْمَ } .
وقالَ اللَّيْثُ: { لا بَأْسَ بِأكْلِ الهِرِّ وأكْرَهُ الضَّبُعَ } . وقالَ الشّافِعِيُّ: { لا يُؤْكَلُ ذُو النّابِ مِنَ السِّباعِ الَّتِي تَعْدُو عَلى النّاسِ الأسَدُ والنَّمِرُ والذِّئْبُ، ويُؤْكَلُ الضَّبُعُ والثَّعْلَبُ، ولا يُؤْكَلُ النِّسْرُ والبازِيُّ ونَحْوُهُ لِأنَّها تَعْدُو عَلى طُيُورِ النّاسِ } . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: حَدَّثَنا حَجّاجٌ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ قالَ: حَدَّثَنا عِمْرانُ بْنُ جُبَيْرٍ أنَّ عِكْرِمَةَ سُئِلَ عَنِ الغُرابِ قالَ: دَجاجَةٌ سَمِينَةٌ، وسُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ فَقالَ: نَعْجَةٌ سَمِينَةٌ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ عَنْ مالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهابٍ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهى عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ» .
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُسَدِّدٌ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عَوانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ وعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ»، ورَواهُ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ والمِقْدامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وأبُو هُرَيْرَةَ وغَيْرُهُما.
فَهَذِهِ آثارٌ مُسْتَفِيضَةٌ في تَحْرِيمِ ذِي النّابِ مِنَ السِّباعِ وذِي المِخْلَبِ مِنَ الطَّيْرِ، والثَّعْلَبِ والهِرِّ والنِّسْرِ والرَّخْمُ داخِلَةٌ في ذَلِكَ، فَلا مَعْنى لِاسْتِثْناءِ شَيْءٍ مِنها إلّا بِدَلِيلٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ، ولَيْسَ في قَبُولِها ما يُوجِبُ نَسْخَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ لِأنَّهُ إنَّما فِيهِ إخْبارٌ بِأنَّهُ لَمْ يَكُنِ المُحَرَّمُ غَيْرَ المَذْكُورِ وأنَّ ما عَداهُ كانَ باقِيًا عَلى أصْلِ الإباحَةِ، وكَذَلِكَ الأخْبارُ الوارِدَةُ في لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ هَذا حُكْمُها، ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ هَذِهِ الآيَةَ خاصَّةٌ بِاتِّفاقِ أهْلِ العِلْمِ عَلى تَحْرِيمِ أشْياءَ كَثِيرَةٍ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ في الآيَةِ فَجازَ قَبُولُ الأخْبارِ الآحادِ في تَخْصِيصِها وكَرِهَ أصْحابُنا الغُرابَ الأبْقَعَ لِأنَّهُ يَأْكُلُ الجِيَفَ، ولَمْ يَكْرَهُوا الغُرابَ الزَّرْعِيَّ لِما رَوى قَتادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ عائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ «خَمْسُ فَواسِقَ يَقْتُلُهُنَّ المُحْرِمُ في الحِلِّ والحَرَمِ» وذَكَرَ أحَدُها الغُرابُ الأبْقَعُ، فَخَصَّ الأبْقَعَ بِذَلِكَ؛ لِأنَّهُ يَأْكُلُ الجِيَفَ، فَصارَ أصْلًا في كَراهَةِ أشْباهِهِ مِمّا يَأْكُلُ الجِيَفَ وقَوْلُهُ عَلَيْهِ الَسَلّامَ «خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ المُحْرِمُ» يَدُلُّ عَلى تَحْرِيمِ أكْلِ هَذِهِ الخَمْسِ وأنَّها لا تَكُونُ إلّا مَقْتُولَةً غَيْرَ مُذْكاةٍ، ولَوْ كانَتْ مِمّا يُؤْكَلُ لَأمَرَ بِذَبْحِها وذَكاتِها لِئَلّا تَحْرُمَ بِالقَتْلِ.
فَإنْ قِيلَ بِما حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ الفَضْلِ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ مُسْلِمٍ قالَ: حَدَّثَنِي إسْماعِيلُ (p-١٨٩)بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ قالَ «سَألْتُ جابِرًا: هَلْ يُؤْكَلُ الضَّبُعُ ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أصَيْدٌ هي ؟ قالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أسَمِعْتَ هَذا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ؟ قالَ: نَعَمْ» . قِيلَ لَهُ: ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِن نَهْيِهِ عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ وكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ قاضٍ عَلى ذَلِكَ لِاتِّفاقِ الفُقَهاءِ عَلى اسْتِعْمالِهِ واخْتِلافِهِمْ في اسْتِعْمالِ ذَلِكَ.
واخْتُلِفَ في أكْلِ الضَّبِّ، فَكَرِهَهُ أصْحابُنا، وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: { لا بَأْسَ بِهِ } .
والدَّلِيلُ عَلى صِحَّةِ قَوْلِنا ما رَوى الأعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبِ الجُهَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قالَ: «نَزَلْنا أرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبابِ، فَأصابَتْنا مَجاعَةٌ فَطَبَخْنا مِنها، فَإنَّ القُدُورَ لَتَغْلِي بِها، فَجاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ما هَذا ؟ فَقُلْنا ضِبابٌ أصَبْناها، فَقالَ: إنَّ أُمَّةً مِن بَنِي إسْرائِيلَ مُسِخَتْ دَوابَّ الأرْضِ وإنِّي أخْشى أنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأكْفِئُوها» وهَذا يَقْتَضِي حَظْرَهُ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ مُباحَ الأكْلِ لَما أمَرَ بِإكْفاءِ القُدُورِ؛ لِأنَّهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ نَهى عَنْ إضاعَةِ المالِ وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ الطّائِيُّ أنَّ الحَكَمَ بْنَ نافِعٍ حَدَّثَهم قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ عَيّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أبِي راشِدٍ الحُبْرانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهى عَنْ أكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ» ورَوى أبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمّادٍ عَنْ إبْراهِيمَ «عَنْ عائِشَةَ أنَّهُ أُهْدِيَ لَها ضَبٌّ، فَدَخَلَ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَألَتْهُ عَنْ أكْلِهِ فَنَهاها عَنْهُ، فَجاءَ سائِلٌ فَقامَتْ لِتُناوِلَهُ إيّاهُ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أتُطْعِمِينَهُ ما لا تَأْكُلِينَ». فَهَذِهِ الأخْبارُ تُوجِبُ النَّهْيَ عَنْ أكْلِ الضَّبِّ وقَدْ رَوى ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَأْكُلْ مِنَ الضَّبِّ وأُكِلَ عَلى مائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» ولَوْ كانَ حَرامًا ما أُكِلَ عَلى مائِدَتِهِ، وأنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إنَّما تَرَكَ أكْلَهُ تَقَذُّرًا.
وفِي بَعْضِ الأخْبارِ أنَّهُ قالَ: «لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ قَوْمِي فَأجِدُنِي أعافُهُ»، وأنَّ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ أكَلَهُ بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يَنْهَهُ. وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مُوسى قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ سَهْلٍ قالَ: حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ عُمَرُ: إنَّ هَذِهِ الضِّبابَ طَعامُ عامَّةِ هَذِهِ الرِّعاءِ وإنَّ اللَّهَ لَيَمْنَعُ غَيْرَ واحِدٍ ولَوْ كانَ عِنْدِي مِنها شَيْءٌ لَأكَلْتُهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُحَرِّمْهُ ولَكِنَّهُ قَذِرَهُ.
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ حَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ مُوسى قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ سَهْلٍ قالَ: حَدَّثَنا بَحْرُ عَنْ أبِي هارُونَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: { إنْ كانَ أحَدُنا لَتُهْدى إلَيْهِ الضِّبَّةُ المَكْنُونَةُ أحَبُّ إلَيْهِ مِنَ الدَّجاجَةِ السَّمِينَةِ } فاحْتَجَّ مُبِيحُوهُ بِهَذِهِ الأخْبارِ، وفِيها دَلالَةٌ عَلى حَظْرِهِ؛ لِأنَّ فِيها أنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَرَكَهُ تَقَذُّرًا وأنَّهُ قَذِرَهُ، وما قَذِرَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَهو نَجِسٌ ولا يَكُونُ نَجِسًا إلّا وهو (p-١٩٠)مُحَرَّمُ الأكْلِ.
ولَوْ ثَبَتَتِ الإباحَةُ بِهَذِهِ الأخْبارِ لَعارَضَتْها أخْبارٌ ومَتى ورَدَ الخَبَرانِ في شَيْءٍ وأحَدُهُما مُبِيحٌ والآخَرُ حاظِرٌ فَخَبَرُ الحَظْرِ أوْلى؛ وذَلِكَ لِأنَّ الحَظْرَ وارِدٌ لا مَحالَةَ بَعْدَ الإباحَةِ؛ لِأنَّ الأصْلَ كانَ الإباحَةُ والحَظْرُ طارِئٌ عَلَيْها ولَمْ يَثْبُتُ وُرُودُ الإباحَةِ عَلى الحَظْرِ فَحُكْمُ الحَظْرِ ثابِتٌ لا مَحالَةَ.
واخْتُلِفَ في هَوامِّ الأرْضِ، فَكَرِهَ أصْحابُنا أكْلَ هَوامِّ الأرْضِ اليَرْبُوعِ والقُنْفُذِ والفَأْرِ والعَقارِبِ وجَمِيعِ هَوامِّ الأرْضِ. وقالَ ابْنُ أبِي لَيْلى: لا بَأْسَ بِأكْلِ الحَيَّةِ إذا ذُكِّيَتْ، وهو قَوْلُ مالِكٍ والأوْزاعِيِّ إلّا أنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ مِنهُ الذَّكاةَ وقالَ اللَّيْثُ: لا بَأْسَ بِأكْلِ القُنْفُذِ وفِراخِ النَّحْلِ ودُودِ الجُبْنِ والتَّمْرِ ونَحْوِهِ. وقالَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ: { لا بَأْسَ بِأكْلِ الضِّفْدَعِ }، قالَ ابْنُ القاسِمِ: وقِياسُ قَوْلِ مالِكٍ أنَّهُ لا بَأْسَ بِأكْلِ خُشاشِ الأرْضِ وعَقارِبِها ودُودِها؛ لِأنَّهُ قالَ: مَوْتُهُ في الماءِ لا يُفْسِدُهُ وقالَ الشّافِعِيُّ: { كُلُّ ما كانَتِ العَرَبُ تَسْتَقْذِرُهُ فَهو مِنَ الخَبائِثِ، كالذِّئْبِ والأسَدِ والغُرابِ والحَيَّةِ والحِدَأةِ والعَقْرَبِ والفَأْرَةِ لِأنَّها تَقْصِدُ بِالأذى فَهي مُحَرَّمَةٌ مِنَ الخَبائِثِ، وكانَتْ تَأْكُلُ الضَّبُعَ والثَّعْلَبَ لِأنَّهُما لا يَعْدُوانِ عَلى النّاسِ بِأنْيابِهِما فَهُما حَلالٌ } .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ خالِدٍ أبُو ثَوْرٍ قالَ: حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِيسى بْنِ نُمَيْلَةَ عَنْ أبِيهِ قالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أكْلِ القُنْفُذِ، فَتَلا: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ الآيَةُ، فَقالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: «خَبِيثَةٌ مِنَ الخَبائِثِ» فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ كانَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذا فَهو كَما قالَ فَسَمّاهُ النَّبِيُّ ﷺ خَبِيثَةً مِنَ الخَبائِثِ فَشَمِلَهُ حُكْمُ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] والقُنْفُذُ مِن حَشَراتِ الأرْضِ، فَكُلُّ ما كانَ مِن حَشَراتِها فَهو مُحَرَّمٌ قِياسًا عَلى القُنْفُذِ.
ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهْبٍ قالَ: أخْبَرَنِي ابْنُ أبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ خالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: «ذُكِرَ طَبِيبُ الدَّواءِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وذُكِرَ الضِّفْدَعُ يَكُونُ في الدَّواءِ، فَنَهى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ قَتْلِهِ»، وهَذا يَدُلُّ عَلى تَحْرِيمِهِ؛ لِأنَّهُ نَهاهُ أنْ يَقْتُلَهُ فَيَجْعَلَهُ في الدَّواءِ، ولَوْ جازَ الِانْتِفاعُ بِهِ لَما كانَ مَنهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ لِلِانْتِفاعِ بِهِ. وقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أخْبارٌ مُسْتَفِيضَةٌ رَواها ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ عُمَرَ وأبُو سَعِيدٍ وعائِشَةُ وغَيْرُهم «أنَّهُ قالَ: يَقْتُلُ المُحْرِمُ في الحِلِّ والحَرَمِ الحِدَأةَ والغُرابَ والفَأْرَةَ والعَقْرَبَ» وفي بَعْضِ الأخْبارِ: { والحَيَّةَ }، فَفي أمْرِهِ بِقَتْلِهِنَّ (p-١٩١)دَلالَةٌ عَلى تَحْرِيمِ أكْلِهِنَّ؛ لِأنَّها لَوْ كانَتْ مِمّا تُؤْكَلُ لَأمَرَ بِالتَّوَصُّلِ إلى ذَكاتِها فِيما تَتَأتّى فِيهِ الذَّكاةُ مِنها، فَلَمّا أمَرَ بِقَتْلِها والقَتْلُ إنَّما يَكُونُ لا عَلى وجْهِ الذَّكاةِ ثَبَتَ أنَّها غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، ولَمّا ثَبَتَ ذَلِكَ في الغُرابِ والحِدَأةِ كانَ سائِرُ ما يَأْكُلُ الجِيَفَ مِثْلَها، ودَلَّ عَلى أنَّ ما كانَ مِن حَشَراتِ الأرْضِ فَهو مُحَرَّمٌ كالعَقْرَبِ والحَيَّةِ، وكَذَلِكَ اليَرْبُوعُ لِأنَّهُ جِنْسٌ مِنَ الفَأْرِ. وأمّا قَوْلُ الشّافِعِيِّ في اعْتِبارِهِ ما كانَتِ العَرَبُ تَسْتَقْذِرُهُ وأنَّ ما كانَ كَذَلِكَ فَهو مِنَ الخَبائِثِ، فَلا مَعْنى لَهُ مِن وُجُوهٍ:
أحَدُها: أنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ أكْلِ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ وذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ قاضٍ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِهِ، وغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَزِيدَ فِيهِ ما لَيْسَ مِنهُ ولا يَخْرُجُ مِنهُ ما قَدْ تَناوَلَهُ العُمُومُ، ولَمْ يَعْتَبِرِ النَّبِيُّ ﷺ ما ذَكَرَهُ الشّافِعِيُّ وإنَّما جَعَلَ كَوْنَهُ ذا نابٍ مِنَ السِّباعِ وذا مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ عِلْمًا لِلتَّحْرِيمِ، فَلا يَجُوزُ الِاعْتِراضُ عَلَيْهِ بِما لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الدَّلالَةُ. ومِن جِهَةٍ أُخْرى أنَّ خِطابَ اللَّهِ تَعالى لِلنّاسِ بِتَحْرِيمِ الخَبائِثِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَخْتَصَّ بِالعَرَبِ دُونَ العَجَمِ، بَلِ النّاسُ كُلُّهم مَن كانَ مِنهم مِن أهْلِ التَّكْلِيفِ داخِلُونَ في الخِطابِ، فاعْتِبارُ ما يَسْتَقْذِرُهُ العَرَبُ دُونَ غَيْرِهِمْ قَوْلٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ خارِجٌ عَنْ مُقْتَضى الآيَةِ. ومَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ يَخْلُو مِن أنْ يُعْتَبَرَ ما كانَتِ العَرَبُ يَسْتَقْذِرُهُ جَمِيعُهم أوْ بَعْضُهم، فَإنْ كانَ اعْتُبِرَ الجَمِيعُ فَإنَّ جَمِيعَ العَرَبِ لَمْ يَكُنْ يَسْتَقْذِرُ الحَيّاتِ والعَقارِبَ ولا الأسَدَ والذِّئابَ والفَأْرَ وسائِرَ ما ذُكِرَ، بَلْ عامَّةُ الأعْرابِ تَسْتَطِيبُ أكْلَ هَذِهِ الأشْياءِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ ما كانَ جَمِيعُ العَرَبِ يَسْتَقْذِرُونَهُ. وإنْ أرادَ ما كانَ بَعْضُ العَرَبِ يَسْتَقْذِرُهُ فَهو فاسِدٌ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنَّ الخِطابَ إذا كانَ لِجَمِيعِ العَرَبِ فَكَيْفَ يَجُوزُ اعْتِبارُ بَعْضِهِمْ عِنْ بَعْضٍ ؟ والثّانِي: أنَّهُ لَمّا صارَ البَعْضُ المُسْتَقْذَرُ كَذَلِكَ كانَ أوْلى بِالِاعْتِبارِ مِنَ البَعْضِ الَّذِي يَسْتَطِيبُهُ. فَهَذا قَوْلٌ مُنْتَقِضٌ مِن جَمِيعِ وُجُوهِهِ. وزَعَمَ أنَّهُ أباحَ الضَّبُعَ والثَّعْلَبَ؛ لِأنَّ العَرَبَ كانَتْ تَأْكُلُهُ، وقَدْ كانَتِ العَرَبُ تَأْكُلُ الغُرابَ والحِدَأةَ والأسَدَ لَمْ يَكُنْ مِنهم مَن لَمْ يَمْتَنِعْ مِن أكْلِ ذَلِكَ. وأمّا اعْتِبارُهُ ما يَعْدُو عَلى النّاسِ، فَإنْ أرادَ بِهِ يَعْدُو عَلى النّاسِ في سائِرِ الأحْوالِ فَإنَّ ذَلِكَ لا يُوجَدُ في الحِدَأةِ والحَيَّةِ والغُرابِ وقَدْ حَرَّمَها، وإنْ أرادَ بِهِ العَدْوَ عَلَيْهِمْ في حالِ إذا لَمْ يَكُنْ جائِعًا والجَمَلُ الهائِجُ قَدْ يَعْدُو عَلى الإنْسانِ وكَذَلِكَ الثَّوْرُ في بَعْضِ الأحْوالِ، ولَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ هو ولا غَيْرُهُ في هَذِهِ الأشْياءِ في تَحْرِيمِ الأكْلِ وإباحَتِهِ، والكَلْبُ والسِّنَّوْرُ لا يَعْدُوانِ عَلى النّاسِ وهُما مُحَرَّمانِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في لُحُومِ الإبِلِ الجَلّالَةِ، (p-١٩٢)فَكَرِهَها أصْحابُنا والشّافِعِيُّ إذا لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ غَيْرَ العَذِرَةِ. وقالَ مالِكٌ واللَّيْثُ: { لا بَأْسَ بِلُحُومِ الجَلّالَةِ كالدَّجاجِ }؛ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: «نَهى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أكْلِ الجَلّالَةِ وألْبانِها» .
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى قالَ: حَدَّثَنا أبُو عامِرٍ قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ عَنْ قَتادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ نَهى عَنْ لَبَنِ الجَلّالَةِ».
قالَ أبُو بَكْرٍ: فَكُلُّ مَن خالَفَ في هَذِهِ المَسائِلِ الَّتِي ذَكَرْنا مِنَ ابْتِدائِنا بِأحْكامِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ وأباحَ أكْلَ ما ذَهَبَ أصْحابُنا فِيهِ إلى حَظْرِهِ، فَإنَّهم يَحْتَجُّونَ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا﴾ الآيَةُ. وقَدْ بَيَّنّا أنَّ ذَلِكَ خَرَجَ عَلى سَبَبٍ فِيما كانَ يُحَرِّمُهُ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ مِمّا حَكاهُ اللَّهُ عَنْهم قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ مِمّا كانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنَ الأنْعامِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ نُزُولُهُ عَلى السَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنا وكانَ خَبَرًا مُبْتَدَأً لَمْ يَمْتَنِعْ بِذَلِكَ قَبُولُ أخْبارِ الآحادِ في تَحْرِيمِ أشْياءَ لَمْ تَنْتَظِمْها الآيَةُ ولا اسْتِعْمالُ القِياسِ في حَظْرِ كَثِيرٍ مِنهُ؛ لِأنَّ أكْثَرَ ما فِيهِ الإخْبارُ بِأنَّهُ لَمْ يَكُنِ المُحَرَّمُ مِن طَرِيقِ الشَّرْعِ إلّا المَذْكُورَ في الآيَةِ، وقَدْ عَلِمْنا أنَّ هَذِهِ الأشْياءَ قَدْ كانَتْ مُباحَةً قَبْلَ وُرُودِ السَّمْعِ، وقَدْ كانَ قَبُولُ أخْبارِ الآحادِ جائِزًا واسْتِعْمالُ القِياسِ سائِغًا في تَحْرِيمِ ما هَذا وصْفُهُ، وكَذَلِكَ إخْبارُ اللَّهِ بِأنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ بِالشَّرْعِ إلّا المَذْكُورُ في الآيَةِ غَيْرَ مانِعٍ تَحْرِيمَ غَيْرِهِ مِن طَرِيقِ خَبَرِ الواحِدِ والقِياسِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُحَرَّمَ مِنَ المَيْتَةِ ما يَتَأتّى فِيهِ الأكْلُ مِنها، فَلَمْ يَتَناوَلِ الجِلْدَ المَدْبُوغَ ولا القَرْنَ والعَظْمَ والظِّلْفَ والرِّيشَ ونَحْوَها، ولِذَلِكَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ «فِي شاةِ مَيْمُونَةَ: إنَّما حُرِّمَ أكْلُها» وفي بَعْضِ الألْفاظِ: «إنَّما حُرِّمَ لَحْمُها» .
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ المُحَرَّمَ مِنَ الدَّمِ ما كانَ مَسْفُوحًا وأنَّ ما يَبْقى في العُرُوقِ مِن أجْزاءِ الدَّمِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ وغَيْرِها في الدَّمِ الَّذِي في المَذْبَحِ أوْ في أعْلى القِدْرِ أنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ. وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ دَمَ البَقِّ والبَراغِيثِ والذُّبابِ لَيْسَ بِنَجِسٍ؛ إذْ لَيْسَ بِمَسْفُوحٍ.
فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ وإنْ كانَ إخْبارًا بِأنَّهُ لَيْسَ المُحَرَّمُ في شَرِيعَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ المَأْكُولاتِ غَيْرَ المَذْكُورِ في الآيَةِ، فَإنَّهُ قَدْ نَسَخَ بِهِ كَثِيرًا مِنَ المَحْظُوراتِ عَلى ألْسِنَةِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ، فَلا يَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ بَقاءِ الشَّيْءِ عَلى (p-١٩٣)حُكْمِ الإباحَةِ الأصْلِيَّةِ بَلْ يَكُونُ في حُكْمِ ما قَدْ نَصَّ عَلى إباحَتِهِ شَرْعًا، فَلا يَجُوزُ الِاعْتِراضُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الواحِدِ ولا بِالقِياسِ.
والدَّلِيلُ عَلى أنَّهُ قَدْ نَسَخَ بِذَلِكَ كَثِيرًا مِنَ المَحْظُوراتِ عَلى لِسانِ غَيْرِهِ مِنَ الأنْبِياءِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَلى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ومِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما﴾ [الأنعام: ١٤٦] وشُحُومُهُما مُباحَةٌ لَنا، وكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الحَيَواناتِ ذَواتِ الأظْفارِ. قِيلَ لَهُ: ما ذَكَرْتَ لا يُخْرِجُ ما عَدا المَذْكُورَ في الآيَةِ مِن أنْ يَكُونَ في حُكْمِ المُباحِ عَلى الأصْلِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ ما حُرِّمَ عَلى أُولَئِكَ مِن ذَلِكَ وأُبِيحَ لَنا لَمْ يَصِرْ شَرِيعَةً لِنَبِيِّنا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أنَّ حُكْمَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ، إنَّما كانَ مُوَقَّتًا إلى هَذا الوَقْتِ وأنَّ مُضِيَّ الوَقْتِ أعادَهُ إلى ما كانَ عَلَيْهِ مِن حُكْمِ الإباحَةِ، فَلا فَرْقَ بَيْنَهُ في هَذا الوَجْهِ وبَيْنَ ما لَمْ يُحْظَرْ قَطُّ.
وأيْضًا فَلَوْ سَلَّمْنا لَكَ ما ادَّعَيْتَ كانَ ما ذَكَرْنا مِن قَبُولِ خَبَرِ الواحِدِ واسْتِعْمالِ القِياسِ فِيما وصَفْنا سائِغًا؛ لِأنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالِاتِّفاقِ، أعْنِي قَوْلَهُ تَعالى: ﴿قُلْ لا أجِدُ في ما أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ لاتِّفاقِ الجَمِيعِ مِنَ الفُقَهاءِ عَلى تَحْرِيمِ أشْياءَ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ في الآيَةِ كالخَمْرِ ولَحْمِ القِرَدَةِ والنَّجاساتِ وغَيْرِها، فَلَمّا ثَبَتَ خُصُوصُهُ بِالِاتِّفاقِ ساغَ قَبُولُ خَبَرِ الواحِدِ واسْتِعْمالُ القِياسِ فِيهِ.
{"ayah":"قُل لَّاۤ أَجِدُ فِی مَاۤ أُوحِیَ إِلَیَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمࣲ یَطۡعَمُهُۥۤ إِلَّاۤ أَن یَكُونَ مَیۡتَةً أَوۡ دَمࣰا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِیرࣲ فَإِنَّهُۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَیۡرَ بَاغࣲ وَلَا عَادࣲ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق