الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةٌ والحَسَنِ وابْنِ مَسْعُودٍ رِوايَةٌ أُخْرى ومُجاهِدٍ قالُوا: الحَمُولَةُ كِبارُ الإبِلِ، والفَرْشُ الصِّغارُ. وقالَ قَتادَةُ والرَّبِيعُ بْنُ أنَسٍ والضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ والحَسَنُ رِوايَةً: الحَمُولَةُ ما حَمَلَ مِنَ الإبِلِ، والفَرْشُ الغَنَمُ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةً أُخْرى قالَ: الحَمُولَةُ كُلُّ ما حَمَلَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والخَيْلِ والبِغالِ والحَمِيرِ، والفَرْشُ الغَنَمُ، فَأدْخَلَ في الأنْعامِ الحافِرَ عَلى الِاتِّباعِ؛ لِأنَّ اسْمَ الأنْعامِ لا يَقَعُ عَلى الحافِرِ، وكانَ قَوْلُ السَّلَفِ في الفَرْشِ أحَدَ مَعْنَيَيْنِ: إمّا صِغارُ الإبِلِ وإمّا الغَنَمُ وقالَ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ: أرادَ بِالفَرْشِ ما خَلَقَ لَهم مِن أصْوافِها وجُلُودِها الَّتِي يَفْتَرِشُونَها ويَجْلِسُونَ عَلَيْها ولَوْلا قَوْلُ السَّلَفِ عَلى ما ذَكَرْنا لَكانَ هَذا الظّاهِرُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى جَوازِ الِانْتِفاعِ بِأصْوافِ الأنْعامِ وأوْبارِها في سائِرِ الأحْوالِ سَواءٌ أُخِذَتْ مِنها بَعْدَ المَوْتِ أوْ في حالِ الحَياةِ؛ ويُسْتَدَلُّ بِهِ أيْضًا عَلى جَوازِ الِانْتِفاعِ بِجُلُودِها بَعْدَ المَوْتِ لِاقْتِضاءِ العُمُومِ لَهُ، إلّا أنَّهم قَدِ اتَّفَقُوا أنَّهُ لا يُنْتَفَعُ بِالجُلُودِ قَبْلَ الدِّباغِ، فَهو مَخْصُوصٌ وحُكْمُ الآيَةِ ثابِتٌ في الِانْتِفاعِ بِها بَعْدَ الدِّباغِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا﴾ فِيهِ إضْمارٌ: وهو الَّذِي أنْشَأ لَكم مِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشًا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثَمانِيَةَ أزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ إلى ﴿الظّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ١٤٤] قَوْلُهُ ﴿ثَمانِيَةَ أزْواجٍ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿حَمُولَةً وفَرْشًا﴾ لِدُخُولِهِ في الإنْشاءِ، كَأنَّهُ قالَ: أنْشَأ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ، فَكُلُّ واحِدٍ مِنَ (p-١٨٥)الأصْنافِ الأرْبَعَةِ مِن ذُكُورِها وإناثِها يُسَمّى زَوْجًا، ويُقالُ لِلِاثْنَيْنِ زَوْجٌ أيْضًا كَما يُقالُ لِلْواحِدِ خَصْمٌ ولِلِاثْنَيْنِ خَصْمٌ، فَأخْبَرَ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ أحَلَّ لِعِبادِهِ هَذِهِ الأزْواجَ الثَّمانِيَةَ وأنَّ المُشْرِكِينَ حَرَّمُوا مِنها ما حَرَّمُوا مِنَ البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ والوَصِيلَةِ والحامِي وما جَعَلُوهُ لِشُرَكائِهِمْ عَلى ما بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُجَّةٍ ولا بُرْهانٍ لِيُضِلُّوا النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَقالَ: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ ثُمَّ قالَ: ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ وصّاكُمُ اللَّهُ بِهَذا﴾ [الأنعام: ١٤٤] لِأنَّ طَرِيقَ العِلْمِ إمّا المُشاهَدَةُ أوِ الدَّلِيلُ الَّذِي يَشْتَرِكَ العُقَلاءُ في إدْراكِ الحَقِّ بِهِ، فَبانَ بِعَجْزِهِمْ عَنْ إقامَةِ الدَّلالَةِ مِن أحَدِ هَذَيْنِ الوَجْهَيْنِ بُطْلانُ قَوْلِهِمْ في تَحْرِيمِ ما حَرَّمُوا مِن ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب