الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هاجَرَ إلَيْهِمْ﴾ يَعْنِي - واللَّهُ أعْلَمُ -: أنَّ ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِن أهْلِ القُرى فَلِلَّهِ ولِلرَّسُولِ ولِلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِمْ، يَعْنِي الأنْصارَ، وقَدْ كانَ إسْلامُ المُهاجِرِينَ قَبْلَ إسْلامِ الأنْصارِ، ولَكِنَّهُ أرادَ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدّارَ والإيمانَ مِن قَبْلِ هِجْرَةِ المُهاجِرِينَ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا﴾ . قالَ الحَسَنُ: يَعْنِي أنَّهم لا يَحْسُدُونَ المُهاجِرِينَ عَلى فَضْلٍ آتاهُمُ اللَّهُ - تَعالى - وقِيلَ: لا يَجِدُونَ في أنْفُسِهِمْ ضِيقًا لِما يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿ويُؤْثِرُونَ عَلى أنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ﴾ الخَصاصَةُ الحاجَةُ؛ فَأثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِإيثارِهِمُ المُهاجِرِينَ عَلى أنْفُسِهِمْ فِيما يُنْفِقُونَهُ عَلَيْهِمْ، وإنْ كانُوا هم مُحْتاجِينَ إلَيْهِ فَإنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّ رَجُلًا قالَ لَهُ: مَعِي دِينارٌ فَقالَ: «أنْفِقْهُ عَلى نَفْسِكَ فَقالَ: مَعِي دِينارٌ آخَرُ فَقالَ: أنْفِقْهُ عَلى عِيالِكَ فَقالَ: مَعِي دِينارٌ آخَرُ قالَ: تَصَدَّقْ بِهِ»، وأنَّ رَجُلًا جاءَ بِبَيْضَةٍ مِن ذَهَبٍ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ تَصَدَّقْ بِهَذِهِ فَإنِّي ما أمْلِكُ غَيْرَها فَأعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجاءَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ فَأعْرَضَ عَنْهُ، إلى أنْ أعادَ القَوْلَ، فَأخَذَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ورَماهُ بِها فَلَوْ أصابَتْهُ لَعَقَرَتْهُ، ثُمَّ قالَ: «يَأْتِينِي أحَدُكم بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النّاسَ إنَّما الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، وأنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ والنَّبِيُّ ﷺ يَخْطُبُ والرَّجُلُ بِحالِ بَذاذَةٍ، فَحَثَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلى الصَّدَقَةِ، فَطَرَحَ قَوْمٌ ثِيابًا أوْ دَراهِمَ، فَأعْطاهُ ثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّهم عَلى الصَّدَقَةِ، فَطَرَحَ الرَّجُلُ أحَدَ ثَوْبَيْهِ، فَأنْكَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ .
فَفِي هَذِهِ الأخْبارِ كَراهَةُ الإيثارِ عَلى النَّفْسِ والأمْرُ بِالإنْفاقِ عَلى النَّفْسِ ثُمَّ الصَّدَقَةُ بِالفَضْلِ قِيلَ لَهُ: إنَّما كَرِهَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَثِقْ مِنهُ بِالصَّبْرِ عَلى الفَقْرِ وخَشِيَ أنْ يَتَعَرَّضَ لِلْمَسْألَةِ إذا فَقَدَ ما يُنْفِقُهُ. ألا تَرى أنَّهُ قالَ: «يَأْتِينِي أحَدُهم بِجَمِيعِ ما يَمْلِكُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ثُمَّ يَقْعُدُ يَتَكَفَّفُ النّاسَ» ؟ فَإنَّما كَرِهَ الإيثارَ لِمَن كانَتْ هَذِهِ حالُهُ، فَأمّا الأنْصارُ الَّذِينَ أثْنى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالإيثارِ عَلى النَّفْسِ فَلَمْ يَكُونُوا بِهَذِهِ (p-٣٢٥)الصِّفَةِ بَلْ كانُوا كَما قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿والصّابِرِينَ في البَأْساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَأْسِ﴾ [البقرة: ١٧٧] فَكانَ الإيثارُ مِنهم أفْضَلَ مِنَ الإمْساكِ، والإمْساكُ مِمَّنْ لا يَصْبِرُ ويَتَعَرَّضُ لِلْمَسْألَةِ أوْلى مِنَ الإيثارِ.
وقَدْ رَوى مُحارِبُ بْنُ دِثارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأْسُ شاةٍ، فَقالَ: إنَّ فُلانًا وعِيالَهُ أحْوَجُ إلى هَذا مِنّا فَبَعَثَ بِهِ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ واحِدٌ إلى آخَرَ حَتّى تَداوَلَها تِسْعَةُ أهْلِ أبْياتٍ حَتّى رَجَعَتْ إلى الأوَّلِ، فَنَزَلَتْ: ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ الآيَةَ. ورَوى الأعْمَشُ عَنْ جامِعِ بْنِ شَدّادٍ عَنْ الأسْوَدِ بْنِ هِلالٍ قالَ: جاءَ رَجُلٌ إلى عَبْدِ اللَّهِ فَقالَ: يا أبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ خِفْتُ أنْ تُصِيبَنِي هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ فَواللَّهِ ما أقْدِرُ عَلى أنْ أُعْطِيَ شَيْئًا أُطِيقُ مَنعَهُ فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذا البُخْلُ وبِئْسَ الشَّيْءُ البُخْلُ، ولَكِنَّ الشُّحَّ أنْ تَأْخُذَ مالَ أخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في قَوْلِهِ تَعالى -: ﴿ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ﴾ قالَ ادِّخارُ الحَرامِ ومَنعُ الزَّكاةِ " . آخِرُ سُورَةِ الحَشْرِ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِیمَـٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ یُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَیۡهِمۡ وَلَا یَجِدُونَ فِی صُدُورِهِمۡ حَاجَةࣰ مِّمَّاۤ أُوتُوا۟ وَیُؤۡثِرُونَ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةࣱۚ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق