الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿وما أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنهم فَما أوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِن خَيْلٍ﴾ الآيَةَ الفَيْءُ الرُّجُوعُ، ومِنهُ الفَيْءُ في الإيلاءِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ فاءُوا﴾ [البقرة: ٢٢٦] وأفاءَهُ عَلَيْهِ إذا رَدَّهُ عَلَيْهِ والفَيْءُ في مِثْلِ هَذا المَوْضِعِ ما صارَ لِلْمُسْلِمِينَ مِن أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ، فالغَنِيمَةُ فَيْءٌ والجِزْيَةُ فَيْءٌ والخَراجُ فَيْءٌ؛ لِأنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مِمّا مَلَّكَهُ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مِن أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ. والغَنِيمَةُ، وإنْ كانَتْ فَيْئًا فَإنَّها تَخْتَصُّ بِمَعْنًى لا يُشارِكُها فِيهِ (p-٣١٨)سائِرُ وُجُوهِ الفَيْءِ؛ لِأنَّها ما أُخِذَ مِن أمْوالِ أهْلِ الحَرْبِ عَنْوَةً بِالقِتالِ، فَمِنها ما يَجْرِي فِيهِ سِهامُ الغانِمِينَ بَعْدَ إخْراجِ الخُمُسِ لِلَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - . ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ مالِكَ بْنِ أوْسِ بْنِ الحَدَثانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ قالَ: «كانَتْ أمْوالُ بَنِي النَّضِيرِ فَيْئًا مِمّا أفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِمّا لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، فَكانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خاصَّةً، وكانَ يُنْفِقُ مِنها عَلى أهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ وما بَقِيَ جَعَلَهُ في الكُراعِ والسِّلاحِ عُدَّةً في سَبِيلِ اللَّهِ». قالَ أبُو بَكْرٍ: فَهَذا مِنَ الفَيْءِ الَّذِي جُعِلَ الأمْرُ فِيهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ فِيهِ حَقٌّ إلّا مَن جَعَلَهُ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَكانَ النَّبِيُّ ﷺ يُنْفِقُ مِنها عَلى أهْلِهِ ويَجْعَلُ الباقِيَ في الكُراعِ والسِّلاحِ؛ وذَلِكَ لِما بَيَّنَهُ اللَّهُ في كِتابِهِ، وهو أنَّ المُسْلِمِينَ لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ولا رِكابٍ، ولَمْ يَأْخُذُوهُ عَنْوَةً، وإنَّما أخَذُوهُ صُلْحًا، وكَذَلِكَ كانَ حُكْمُ فَدَكَ وقُرى عُرَيْنَةَ فِيما ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ وقَدْ كانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ الغَنِيمَةِ الصَّفِيُّ وهو ما كانَ يَصْطَفِيهِ مِن جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ قَبْلَ أنْ يَقْسِمَ المالَ. وكانَ لَهُ أيْضًا سَهْمٌ مِنَ الخُمُسِ، فَكانَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِنَ الفَيْءِ هَذِهِ الحُقُوقُ يَصْرِفُها في نَفَقَةِ عِيالِهِ والباقِي في نَوائِبِ المُسْلِمِينَ، ولَمْ يَكُنْ لِأحَدٍ فِيها حَقٌّ إلّا مَن يَخْتارُ هو ﷺ أنْ يُعْطِيَهُ وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ كُلَّ مالٍ مِن أمْوالِ أهْلِ الشِّرْكِ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ المُسْلِمُونَ عَنْوَةً، وإنَّما أُخِذَ صُلْحًا أنَّهُ لا يُوضَعُ في بَيْتِ مالِ المُسْلِمِينَ ويُصْرَفُ عَلى الوُجُوهِ الَّتِي يُصْرَفُ فِيها الخَراجُ والجِزْيَةُ؛ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ ما صارَ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِن أمْوالِ بَنِي النَّضِيرِ حِينَ لَمْ يُوجِفِ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب