الباحث القرآني
في الظِّهارِ بِغَيْرِ الأُمِّ واخْتَلَفُوا فِيمَن قالَ لِامْرَأتِهِ أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي أوْ ذاتِ مَحْرَمٍ مِنهُ، فَقالَ أصْحابُنا: " هو مُظاهِرٌ، وإنْ قالَ كَظَهْرِ فُلانَةٍ ولَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ مِنهُ لَمْ يَكُنْ مُظاهِرًا "، وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ والحَسَنِ بْنِ صالِحٍ والأوْزاعِيِّ وقالَ مالِكٌ وعُثْمانُ البَتِّيُّ: " يَصِحُّ الظِّهارُ بِالمُحَرَّمِ والأجْنَبِيَّةِ " ولِلشّافِعِيَّ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ الظِّهارَ لا يَصِحُّ إلّا بِالأُمِّ. والآخَرُ: أنَّهُ يَصِحُّ بِذَواتِ المَحارِمِ
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا صَحَّ الظِّهارُ بِالأُمِّ وكانَتْ ذَواتُ المَحارِمِ كالأُمِّ في التَّحْرِيمِ وجَبَ أنْ يَصِحَّ الظِّهارُ بِهِنَّ إذْ لا فَرْقَ بَيْنَهُنَّ في جِهَةِ التَّحْرِيمِ.
ألا تَرى أنَّ الظِّهارَ بِالأُمِّ مِنَ الرَّضاعَةِ صَحِيحٌ مَعَ عَدَمِ النَّسَبِ لِوُجُودِ التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ سائِرُ ذَواتِ المَحارِمِ. ورُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ أصْحابِنا عَنْ جابِرِ بْنِ زَيْدٍ والحَسَنِ وإبْراهِيمَ وعَطاءٍ وقالَ الشَّعْبِيُّ " إنَّ اللَّهَ - تَعالى - لَمْ يَنْسَ أنْ يَذْكُرَ البَناتِ والأخَواتِ والعَمّاتِ إنَّما الظِّهارُ مِنَ الأُمِّ " وأيْضًا لَمّا قالَ - تَعالى - ﴿والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ اقْتَضى ظاهِرُهُ الظِّهارَ بِكُلِّ ذاتِ مَحْرَمٍ؛ إذْ لَمْ يُخَصِّصِ الأُمَّ دُونَ غَيْرِها ومَن قَصَرَهُ عَلى الأُمِّ فَقَدْ خَصَّ بِلا دَلِيلٍ فَإنْ قِيلَ لَمّا قالَ - تَعالى - ﴿ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إنْ أُمَّهاتُهم إلا اللائِي ولَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢] دَلَّ عَلى أنَّهُ أرادَ الظِّهارَ بِالأُمِّ قِيلَ لَهُ إنَّما ذَكَرَ الأُمَّهاتِ؛ لِأنَّهُنَّ مِمّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِنَّ حَدُّ الآيَةِ وذَلِكَ لا يَنْفِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ ﴿والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ (p-٣٠٩)عُمُومًا في سائِرِ مَن أوْقَعَ التَّشْبِيهِ بِظَهْرِها مِن سائِرِ ذَواتِ المَحارِمِ وأيْضًا فَإنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ الظِّهارِ مِن سائِرِ ذَواتِ المَحارِمِ؛ لِأنَّهُ قَدْ نَبَّهَ عَلى المَعْنى الَّذِي مِن أجْلِهِ ألْزَمَهُ حُكْمَ الظِّهارِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إنْ أُمَّهاتُهم إلا اللائِي ولَدْنَهم وإنَّهم لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ القَوْلِ وزُورًا﴾ [المجادلة: ٢] فَأخْبَرَ أنَّهُ ألْزَمَهم هَذا الحُكْمَ؛ لِأنَّهُنَّ لَسْنَ بِأُمَّهاتِهِمْ، وأنَّ قَوْلَهم هَذا مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ وزُورٌ فاقْتَضى ذَلِكَ إيجابَ هَذا الحُكْمِ في الظِّهارِ بِسائِرِ ذَواتِ المَحارِمِ؛ لِأنَّهُ إذْ ظاهَرَ بِأجْنَبِيَّةٍ فَلَيْسَتْ هي أُخْتَهُ ولا ذاتَ مَحْرَمٍ مِنهُ، وهَذا القَوْلُ مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ وزُورٌ؛ لِأنَّهُ يَمْلِكُ بُضْعَ امْرَأتِهِ وهي مُباحَةٌ لَهُ وذَواتُ المَحارِمِ مُحَرَّماتٌ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا فَإنْ قِيلَ يَلْزَمُكَ عَلى هَذا إيجابُ الظِّهارِ بِالأجْنَبِيَّةِ؛ لِعُمُومِ الآيَةِ ولِدَلالَةِ فَحْواها عَلى جَوازِ الظِّهارِ بِسائِرِ ذَواتِ المَحارِمِ، إذْ لَمْ تُفَرِّقِ الآيَةُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنهُنَّ؛ ولِأنَّ تَشْبِيهَها بِالأجْنَبِيَّةِ مُنْكَرٌ مِنَ القَوْلِ وزُورٌ قِيلَ لَهُ لا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأنَّ الأجْنَبِيَّةَ لَمّا كانَتْ قَدْ تَحِلُّ لَهُ بِحالٍ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الأجْنَبِيَّةِ مُفِيدًا لِلتَّحْرِيمِ في سائِرِ الأوْقاتِ؛ لِجَوازِ أنْ يَمْلِكَ بُضْعَ الأجْنَبِيَّةِ فَتَكُونَ مِثْلَها وفي حُكْمِها.
وأيْضًا لا خِلافَ أنَّ التَّحْرِيمَ بِالأمْتِعَةِ وسائِرِ الأمْوالِ لا يَصِحُّ بِأنْ يَقُولَ أنْتِ عَلَيَّ كَمَتاعِ فُلانٍ أوْ كَمالِ فُلانٍ؛ لِأنَّ ذَلِكَ قَدْ يَمْلِكُهُ بِحالٍ فَيَسْتَبِيحُهُ.
واخْتَلَفُوا في الظِّهارِ بِغَيْرِ الظَّهْرِ فَقالَ أصْحابُنا " إذا قالَ أنْتِ عَلَيَّ كَيَدِ أُمِّيِّ أوْ كَرَأْسِها أوْ ذَكَرَ شَيْئًا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنها لَمْ يَكُنْ مُظاهِرًا، وإنْ قالَ كَبَطْنِها أوْ كَفَخِذِها ونَحْوِ ذَلِكَ كانَ مُظاهِرًا؛ لِأنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ كالظَّهْرِ " . وقالَ ابْنُ القاسِمِ " قِياسُ قَوْلِ مالِكٍ أنْ يَكُونَ مُظاهِرًا بِكُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأُمِّ " وقالَ الثَّوْرِيُّ والشّافِعِيُّ " إذا قالَ أنْتِ عَلَيَّ كَرَأْسِ أُمِّيِّ أوْ كَيَدِها فَهو مُظاهِرٌ؛ لِأنَّ التَّلَذُّذَ بِذَلِكَ مِنها مُحَرَّمٌ.
قالَ أبُو بَكْرٍ نَصَّ اللَّهُ - تَعالى - عَلى حُكْمِ الظِّهارِ، وهو أنْ يَقُولَ: " أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي " والظَّهْرُ مِمّا لا يَسْتَبِيحُ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ سائِرُ ما لا يَسْتَبِيحُ النَّظَرَ إلَيْهِ في حُكْمِهِ، وما يَجُوزُ لَهُ أنْ يَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ بِتَشْبِيهِها بِهِ؛ إذْ لَيْسَ تَحْرِيمُها مِنَ الأُمِّ مُطْلَقًا، فَوَجَبَ أنْ لا يَصِحَّ الظِّهارُ بِهِ؛ إذْ كانَ الظِّهارُ يُوجِبُ تَحْرِيمًا، وأيْضًا لَمّا جازَ لَهُ اسْتِباحَةُ النَّظَرِ إلى هَذِهِ الأعْضاءِ أشْبَهَ سائِرَ الأشْياءِ الَّتِي يَجُوزُ أنْ يَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلَيْها مِثْلَ الأمْوالِ والأمْلاكِ.
واخْتَلَفُوا فِيما يُحَرِّمُهُ الظِّهارُ، فَقالَ الحَسَنُ: " لِلْمُظاهِرِ أنْ يُجامِعَ فِيما دُونَ الفَرْجِ " وقالَ عَطاءٌ: " يَجُوزُ أنْ يُقَبِّلَ أوْ يُباشِرَ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَتَماسّا﴾ " وقالَ الزُّهْرِيُّ وقَتادَةُ: (p-٣١٠)" ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَتَماسّا﴾ الوُقُوعُ نَفْسُهُ " وقالَ أصْحابُنا: " لا يَقْرَبُ المُظاهِرُ ولا يَلْمِسُ ولا يُقَبِّلُ ولا يَنْظُرُ إلى فَرْجِها لِشَهْوَةٍ حَتّى يُكَفِّرَ " .
وقالَ مالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ، وقالَ: " لا يَنْظُرُ إلى شَعْرِها ولا صَدْرِها حَتّى يُكَفِّرَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لا يَدْعُوهُ إلى خَيْرٍ " . وقالَ الثَّوْرِيُّ: " يَأْتِيها فِيما دُونَ الفَرْجِ، وإنَّما نُهِيَ عَنِ الجِماعِ " . وقالَ الأوْزاعِيُّ: " يَحِلُّ لَهُ فَوْقَ الإزارِ كالحائِضِ " وقالَ الشّافِعِيُّ: " يُمْنَعُ القُبْلَةَ والتَّلَذُّذَ احْتِياطًا " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لَمّا قالَ - تَعالى -: ﴿مِن قَبْلِ أنْ يَتَماسّا﴾ كانَ ذَلِكَ عُمُومًا في حَظْرِ جَمِيعِ ضُرُوبِ المَسِيسِ مِن لَمْسٍ بِيَدٍ أوْ غَيْرِها، وأيْضًا لَمّا قالَ: ﴿والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ فَألْزَمَهُ حُكْمَ التَّحْرِيمِ لَتَشْبِيهِهِ بِظَهْرِها، وجَبَ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ عامًّا في المُباشَرَةِ والجِماعِ كَما أنَّ مُباشَرَةَ ظَهْرِ الأُمِّ ومَسَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ.
وأيْضًا حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا زِيادُ بْنُ أيُّوبَ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ قالَ: حَدَّثَنا الحَكَمُ بْنُ أبانَ عَنْ عِكْرِمَةَ: «أنَّ رَجُلًا ظاهَرَ مِنَ امْرَأتِهِ ثُمَّ واقَعَها قَبْلَ أنْ يُكَفِّرَ، فَأتى النَّبِيَّ ﷺ فَأخْبَرَهُ، قالَ: فاعْتَزِلْها حَتّى تُكَفِّرَ؛» ورَواهُ مَعْمَرٌ عَنْ الحَكَمِ بْنِ أبانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ نَحْوَهُ، وقالَ: " لا تَقْرَبْها حَتّى تُكَفِّرَ "، وذَلِكَ يَمْنَعُ المَسِيسَ والقُبْلَةَ.
* * *
فِي ظِهارِ المَرْأةِ مِن زَوْجِها قالَ أصْحابُنا: " لا يَصِحُّ ظِهارُ المَرْأةِ مِن زَوْجِها "، وهو قَوْلُ مالِكٍ والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ والشّافِعِيِّ وذَكَرَ الطَّحاوِيُّ عَنِ ابْنِ أبِي عِمْرانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صالِحٍ عَنْ الحَسَنِ بْنِ زِيادٍ أنَّها إذا قالَتْ لِزَوْجِها أنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أوْ كَظَهْرِ أخِي كانَتْ مُظاهِرَةً مِن زَوْجِها، قالَ عَلِيٌّ: فَسَألْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الحَسَنِ فَقالَ: لَيْسَ عَلَيْها شَيْءٌ، فَأتَيْتُ أبا يُوسُفَ فَذَكَرْتُ لَهُ قَوْلَيْهِما فَقالَ: هَذانِ شَيْخا الفِقْهِ أخْطَآ، هو تَحْرِيمٌ، عَلَيْها كَفّارَةُ يَمِينٍ كَقَوْلِها أنْتَ عَلَيَّ حَرامٌ.
وقالَ الأوْزاعِيُّ " هي يَمِينٌ تُكَفِّرُها " وقالَ الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " تُعْتِقُ رَقَبَةً وتُكَفِّرُ بِكَفّارَةِ الظِّهارِ، فَإنْ لَمْ تَفْعَلْ وكَفَّرَتْ يَمِينًا رَجَوْنا أنْ يُجْزِيَها " .
ورَوى مُغِيرَةٌ عَنْ إبْراهِيمَ قالَ: خَطَبَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ عائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ فَقالَتْ: هو عَلَيْها كَظَهْرِ أبِيها إنْ تَزَوَّجَتْهُ، فَلَمّا ولِيَ الإمارَةَ أرْسَلَ إلَيْها، فَأرْسَلَتْ تَسْألُ والفُقَهاءُ يَوْمَئِذٍ بِالمَدِينَةِ كَثِيرٌ، فَأفْتَوْها أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً وتَزَوَّجَها؛ وقالَ إبْراهِيمُ: لَوْ كانَتْ عِنْدَهُ يَعْنِي عِنْدَ زَوْجِها يَوْمَ قالَتْ ذَلِكَ ما كانَ عَلَيْها عِتْقُ رَقَبَةٍ، ولَكِنَّها كانَتْ تَمْلِكُ نَفْسَها حِينَ قالَتْ ما قالَتْ ورُوِيَ عَنِ الأوْزاعِيِّ أنَّها إذا قالَتْ: " إنْ تَزَوَّجْتُهُ فَهو عَلَيَّ كَظَهْرِ أبِي " كانَتْ مُظاهِرَةً، ولَوْ قالَتْ وهي تَحْتَ زَوْجٍ كانَ عَلَيْها كَفّارَةُ يَمِينٍ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا يَجُوزُ أنْ (p-٣١١)تَكُونَ عَلَيْها كَفّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأنَّ الرَّجُلَ لا تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ كَفّارَةُ يَمِينٍ، وهو الأصْلُ، فَكَيْفَ يَلْزَمُها ذَلِكَ كَما أنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ: " أنْتِ طالِقٌ " لا يَكُونُ غَيْرَ طالِقٍ، كَذَلِكَ ظِهارُها لا يَلْزَمُها بِهِ شَيْءٌ. ولا يَصِحُّ مِنها ظِهارٌ بِهَذا القَوْلِ؛ لِأنَّ الظِّهارَ يُوجِبُ تَحْرِيمًا بِالقَوْلِ وهي لا تَمْلِكُ ذَلِكَ كَما لا تَمْلِكُ الطَّلاقَ؛ إذْ كانَ مَوْضُوعًا لِتَحْرِيمٍ يَقَعُ بِالقَوْلِ.
واخْتَلَفُوا فِيمَن قالَ أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أبِي، فَقالَ أصْحابُنا والأوْزاعِيُّ والشّافِعِيُّ: " لَيْسَ بِشَيْءٍ "، وقالَ مالِكٌ: " هو مُظاهِرٌ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما حَكَمَ اللَّهُ - تَعالى - بِالظِّهارِ فِيمَن شَبَّهَها بِظَهْرِ الأُمِّ ومَن جَرى مَجْراها مِن ذَواتِ المَحارِمِ الَّتِي لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَسْتَبِيحَ النَّظَرَ إلى ظَهْرِها بِحالٍ، وهو يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلى ظَهْرِ أبِيهِ والأبُ والأجْنَبِيُّ في ذَلِكَ سَواءٌ، ولَوْ قالَ: " أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الأجْنَبِيِّ " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ ظَهْرُ الأبِ.
واخْتَلَفُوا فِيمَن ظاهَرَ مِرارًا، فَقالَ أصْحابُنا والشّافِعِيُّ: " عَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهارٍ كَفّارَةٌ إلّا أنْ يَكُونَ في مَجْلِسٍ واحِدٍ وأرادَ التَّكْرارَ فَتَكُونَ عَلَيْهِ كَفّارَةٌ واحِدَةٌ " وقالَ مالِكٌ: " مَن ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ في مَجالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلّا كَفّارَةٌ واحِدَةٌ، وإنْ ظاهَرَ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ ظاهَرَ فَعَلَيْهِ الكَفّارَةُ أيْضًا " .
وقالَ الأوْزاعِيُّ: " عَلَيْهِ كَفّارَةٌ واحِدَةٌ، وإنْ كانَ في مَقاعِدَ شَتّى "
قالَ أبُو بَكْرٍ: الأصْلُ أنَّ الظِّهارَ لَمّا كانَ سَبَبًا لِتَحْرِيمٍ تَرْفَعُهُ الكَفّارَةُ أنْ تَجِبَ بِكُلِّ ظِهارٍ كَفّارَةٌ، إلّا أنَّهم قالُوا إذا أرادَ التَّكْرارَ في مَجْلِسٍ واحِدٍ فَعَلَيْهِ كَفّارَةٌ واحِدَةٌ؛ لِاحْتِمالِ اللَّفْظِ لِما أرادَ مِنَ التَّكْرارِ فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: ﴿والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِن نِسائِهِمْ﴾ يَقْتَضِي إيجابَ كَفّارَةٍ واحِدَةٍ، وإنْ ظاهَرَ مِرارًا؛ لِأنَّ اللَّفْظَ لا يَخْتَصُّ بِالمَرَّةِ الواحِدَةِ دُونَ المِرارِ الكَثِيرَةِ قِيلَ لَهُ: لَمّا كانَتِ الكَفّارَةُ في رَفْعِ التَّحْرِيمِ مُتَعَلِّقَةً بِحُرْمَةِ اللَّفْظِ أشْبَهَ اليَمِينَ، فَمَتى حَلَفَ مِرارًا لَزِمَتْهُ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفّارَةٌ إذا حَنِثَ، ولَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ﴿فَكَفّارَتُهُ إطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩] مُوجِبًا لِلِاقْتِصارِ بِالأيْمانِ الكَثِيرَةِ عَلى كَفّارَةٍ واحِدَةٍ.
واخْتَلَفُوا في المُظاهِرِ هَلْ يُجْبَرُ عَلى التَّكْفِيرِ ؟ فَقالَ أصْحابُنا: " لا يَنْبَغِي لِلْمَرْأةِ أنْ تَدَعَهُ يَقْرَبُها حَتّى يُكَفِّرَ " وذَكَرَ الطَّحاوِيُّ عَنْ عَبّادِ بْنِ العَوّامِ عَنْ سُفْيانَ بْنِ حُسَيْنٍ قالَ: سَألْتُ الحَسَنَ وابْنَ سِيرِينَ عَنْ رِجْلٍ ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ فَلَمْ يُكَفِّرْ تَهاوُنًا، قالَ: تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ؛ قالَ: وسَألْتُ أبا حَنِيفَةَ، فَقالَ: تَسْتَعْدِي عَلَيْهِ وقالَ مالِكٌ: " عَلَيْها أنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَها ويَحُولُ الإمامُ بَيْنَهُ وبَيْنَها " وقَوْلُ الشّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالتَّكْفِيرِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ أصْحابُنا: " يُجْبَرُ عَلى جِماعِ المَرْأةِ فَإنْ أبى ضَرَبَتْهُ رَواهُ هِشامٌ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يُجْبَرُ عَلى التَّكْفِيرِ لِيُوَفِّيَها حَقَّها مِنَ الجِماعِ.
واخْتَلَفُوا في الرَّقَبَةِ الكافِرَةِ عَنِ الظِّهارِ، فَقالَ (p-٣١٢)عَطاءٌ ومُجاهِدٌ وإبْراهِيمُ، وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنِ الحَسَنِ: " يُجْزِي الكافِرُ "، وهو قَوْلُ أصْحابِنا والثَّوْرِيِّ والحَسَنِ بْنِ صالِحٍ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ: " أنَّهُ لا يُجْزِي في شَيْءٍ مِنَ الكَفّاراتِ إلّا الرَّقَبَةَ المُؤْمِنَةَ "، وهو قَوْلُ مالِكٍ والشّافِعِيِّ
قالَ أبُو بَكْرٍ: ظاهِرُ قَوْلِهِ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] يَقْتَضِي جَوازَ الكافِرَةِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ لِلْمُظاهِرِ: " أعْتِقْ رَقَبَةً " ولَمْ يَشْتَرِطِ الإيمانَ، ولا يَجُوزُ قِياسُها عَلى كَفّارَةِ القَتْلِ لِامْتِناعِ جَوازِ قِياسِ المَنصُوصِ بَعْضِهِ عَلى بَعْضٍ؛ ولِأنَّ فِيهِ إيجابَ زِيادَةٍ في النَّصِّ وذَلِكَ عِنْدَنا يُوجِبُ النَّسْخَ.
واخْتَلَفُوا في جَوازِ الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِ رَقَبَةٍ لِلْخِدْمَةِ، فَقالَ أصْحابُنا: " إذا كانَتْ عِنْدَهُ رَقَبَةٌ لِلْخِدْمَةِ ولا شَيْءَ لَهُ غَيْرُها أوْ كانَ عِنْدَهُ دَراهِمُ ثَمَنُ رَقَبَةٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُها لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ "، وهو قَوْلُ مالِكٍ والثَّوْرِيُّ والأوْزاعِيُّ وقالَ اللَّيْثُ والشّافِعِيُّ: " مَن لَهُ خادِمٌ لا يَمْلِكُ غَيْرَهُ فَلَهُ أنْ يَصُومَ "، قالَ اللَّهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [النساء: ٩٢] ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢]
فَأوْجَبَ الرَّقَبَةَ بَدِيًّا عَلى واجِدِها ونَقَلَهُ إلى الصَّوْمِ عِنْدَ عَدَمِها، فَلَمّا كانَ هَذا واجِدًا لَها لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهُ
فَإنْ قِيلَ: هو بِمَنزِلَةِ مَن مَعَهُ ماءٌ يَخافُ عَلى نَفْسِهِ العَطَشَ فَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ قِيلَ لَهُ: لِأنَّهُ مَأْمُورٌ في هَذِهِ الحالِ بِاسْتِبْقاءِ الماءِ وهو مَحْظُورٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمالُهُ، ولَيْسَ بِمَحْظُورٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الجَمِيعِ عِتْقُ هَذِهِ الرَّقَبَةِ، فَعَلِمْنا أنَّهُ واجِدٌ.
واخْتَلَفُوا في عِتْقِ أُمِّ الوَلَدِ والمُدَبَّرِ والمُكاتَبِ ونَحْوِهِمْ في الكَفّارَةِ، فَقالَ أصْحابُنا: " لا يَجُوزُ عِتْقُ أُمِّ الوَلَدِ والمُدَبَّرِ والمُكاتَبِ إذا كانَ قَدْ أدّى شَيْئًا عَنِ الكِتابَةِ، ولا المُدَبَّرُ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أدّى شَيْئًا أجْزَأهُ، وإنِ اشْتَرى أباهُ يَنْوِي بِهِ عَنْ كَفّارَتِهِ جازَ، وكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، ولَوْ قالَ: كُلُّ عَبْدٍ أشْتَرِيهِ فَهو حُرٌّ، ثُمَّ اشْتَرى عَبْدًا يَنْوِيهِ عَنْ كَفّارَتِهِ ولَمْ يُجْزِهِ " وقالَ زُفَرُ: " لا يُجْزِي المُكاتَبُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ أدّى شَيْئًا " .
وقالَ مالِكٌ: " لا يُجْزِي المُكاتَبُ ولا المُدَبَّرُ ولا أُمُّ الوَلَدِ ولا مُعْتَقٌ إلى سِنِينَ عَنِ الكَفّارَةِ ولا الوَلَدُ والوالِدُ " . وقالَ الأوْزاعِيُّ: " لا يُجْزِي المُكاتَبُ ولا المُدَبَّرُ ولا أُمُّ الوَلَدِ " وقالَ عُثْمانُ البَتِّيُّ: " يُجْزِي المُدَبَّرُ وأُمُّ الوَلَدِ في كَفّارَةِ الظِّهارِ واليَمِينِ " . وقالَ اللَّيْثُ: " يُجْزِي أنْ يَشْتَرِيَ أباهُ فَيُعْتِقَهُ بِالكَفّارَةِ الَّتِي عَلَيْهِ " وقالَ الشّافِعِيُّ: " لا يُجْزِي مَن إذا اشْتَراهُ عَتَقَ عَلَيْهِ، " يُجْزِي المُدَبَّرُ ولا يُجْزِي المُكاتَبُ، وإنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا، ويُجْزِي المُعْتَقُ إلى سِنِينَ ولا تُجْزِي أُمُّ الوَلَدِ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: أمّا أُمُّ الوَلَدِ والمُدَبَّرُ فَإنَّهُما لا يَجْزِيانِ مِن قِبَلِ أنَّهُما قَدِ اسْتَحَقّا العِتْقَ مِن غَيْرِ جِهَةِ الكَفّارَةِ.
ألا تَرى أنَّ ما ثَبَتَ لَهُما مِن حَقِّ العَتاقِ يَمْنَعُ بَيْعَهُما ولا يَصِحُّ فَسْخُ ذَلِكَ عَنْهُما ؟ فَمَتى أعْتَقَهُما فَإنَّما عَجَّلَ عِتْقًا مُسْتَحَقًّا، ولَيْسَ كَذَلِكَ مَن قالَ لَهُ المَوْلى: " أنْتَ حُرٌّ (p-٣١٣)بَعْدَ شَهْرٍ أوْ سَنَةٍ "؛ لِأنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ بِهَذا القَوْلِ يَمْنَعُ بَيْعَهُ. ألا تَرى أنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَبِيعَهُ ؟ وأمّا المُكاتَبُ فَإنَّهُ، وإنْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَإنَّ الكِتابَةَ يَلْحَقُها الفَسْخُ، وإنَّما لا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَما لا يَجُوزُ بَيْعُ الآبِقِ والعَبْدِ المَرْهُونِ والمُسْتَأْجَرِ فَلا يَمْنَعُ ذَلِكَ جَوازَ عِتْقِهِ عَنِ الكَفّارَةِ، فَإذا أُعْتِقَ المُكاتَبُ قَبْلَ أنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا فَقَدْ أسْقَطَ المالَ فَصارَ كَمَن أعْتَقَ عَبْدًا غَيْرَ مُكاتَبٍ، وإنْ كانَ قَدْ أدّى شَيْئًا لَمْ يَجُزْ مِن قِبَلِ أنَّ الأداءَ لا يَنْفَسِخُ بِعِتْقِهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ عَنْ عِتْقِهِ بَدَلٌ فَلا يُجْزِي عَنِ الكَفّارَةِ، وأمّا إذا اشْتَرى أباهُ فَإنَّهُ يُجْزِي إذا نَوى؛ لِأنَّ قَبُولَهُ لِلشِّرى بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ أنْتَ حُرٌّ؛ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «لا يَجْزِي ولَدٌ والِدَهُ إلّا أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» ومَعْلُومٌ أنَّ مَعْناهُ: يُعْتِقُهُ بِشِرائِهِ إيّاهُ، فَجَعَلَ شِراءَهُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ: " أنْتَ حُرٌّ " فَأجْزَأ، بِمَنزِلَةِ مَن قالَ لِعَبْدِهِ: أنْتَ حُرٌّ.
واخْتَلَفُوا في مِقْدارِ الطَّعامِ، فَقالَ أصْحابُنا والثَّوْرِيُّ: " لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صاعِ بُرٍّ أوْ صاعُ تَمْرٍ أوْ شَعِيرٍ " وقالَ مالِكٌ مُدٌّ بِمُدِّ هِشامٍ، وهو مُدّانِ إلّا ثُلُثًا بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ وذَلِكَ مِنَ الحِنْطَةِ، وأمّا الشَّعِيرُ فَإنْ كانَ طَعامَ أهْلِ بَلَدِهِ فَهو مِثْلُ الحِنْطَةِ وكَذَلِكَ التَّمْرُ، وإنْ لَمْ يَكُونا طَعامَ أهْلِ البَلَدِ أطْعَمَهم مِن كُلِّ واحِدٍ مِنهُما وسَطًا مِن شِبَعِ الشَّعِيرِ والتَّمْرِ " .
وقالَ الشّافِعِيُّ: " لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِن طَعامِ بَلَدِهِ الَّذِي يَقْتاتُ حِنْطَةٌ أوَشَعِيرٌ أوْ أُرْزٌ أوْ تَمْرٌ أوْ أقِطٌ، وذَلِكَ بِمُدِّ النَّبِيِّ ﷺ ولا يُعْتَبَرُ مُدٌّ أُحْدِثَ بَعْدَهُ " . حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ ومُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمانَ الأنْبارِيُّ قالا: حَدَّثَنا ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ قالَ: كُنْتَ امْرَأً أُصِيبُ مِنَ النِّساءِ، وذَكَرَ قِصَّةَ ظِهارِهِ مِنِ امْرَأتِهِ وأنَّهُ جامَعَ امْرَأتَهُ وسَألَ النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «حَرِّرْ رَقَبَةً، فَقُلْتُ: واَلَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما أمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَها وضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي، قالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ، قالَ: وهَلْ أصَبْتُ الَّذِي أصَبْتُ إلّا مِنَ الصِّيامِ ؟ قالَ فَأطْعِمْ وسْقًا مِن تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، قُلْتُ: واَلَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيًّا لَقَدْ بِتْنا وحْشَيْنِ وما لَنا طَعامٌ قالَ: فانْطَلِقْ إلى صاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْها إلَيْكَ فَأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وسْقًا مِن تَمْرٍ وكُلْ أنْتَ وعِيالُكَ بَقِيَّتَها» .
فَإنْ قِيلَ: رَوى إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أبِي حَرْمَلَةَ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ: أنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ مالِكَ بْنِ ثَعْلَبَةَ ظاهَرَ مِنها زَوْجُها أوْسُ بْنُ الصّامِتِ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مُرِيهِ فَلْيَذْهَبْ إلى فُلانٍ فَإنَّ عِنْدَهُ شَطْرَ وسْقٍ فَلْيَأْخُذْهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى سِتِّينَ مِسْكِينًا» .
ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ (p-٣١٤)سَلامٍ عَنْ خَوْلَةَ: «أنَّ زَوْجَها ظاهَرَ مِنها فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَأمَرَهُ أنْ يَتَصَدَّقَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا عَلى سِتِّينَ مِسْكِينًا» قِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَيْنا حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ وأنَّهُ أمَرَهُ بِأنْ يُطْعِمَ وسْقًا مِن تَمْرٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وهَذا أوْلى؛ لِأنَّهُ زائِدٌ عَلى خَبَرِكَ وأيْضًا فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ أعانَهُ بِهَذا القَدْرِ، ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى أنَّ ذَلِكَ جَمِيعُ الكَفّارَةِ، وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ في حَدِيثِ إسْرائِيلَ عَنْ أبِي إسْحاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زَيْدانَ زَوْجُ خَوْلَةَ ظاهَرَ مِنها وذَكَرَ الحَدِيثَ، فَأعانَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صاعًا؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أعانَهُ بِبَعْضِ الكَفّارَةِ. وقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أيْضًا في حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ رَواهُ يَحْيى بْنُ زَكَرِيّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ قالَ: حَدَّثَتْنِي خَوْلَةُ بِنْتُ مالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ «أعانَ زَوْجَها حِينَ ظاهَرَ مِنها بِعِذْقٍ مِن تَمْرٍ وأعانَتْهُ هي بِعِذْقٍ آخَرَ، وذَلِكَ سِتُّونَ صاعًا، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَصَدَّقْ بِهِ».
اخْتَلَفُوا في المُظاهِرِ يُجامِعُ قَبْلَ أنْ يُطْعِمَ ؟ فَقالَ أصْحابُنا ومالِكٌ والشّافِعِيُّ: لا يُجامِعُ حَتّى يُطْعِمَ إذا كانَ فَرْضُهُ الطَّعامَ " ورَوى زَيْدُ بْنُ أبِي الزَّرْقاءِ عَنْ الثَّوْرِيِّ: " أنَّهُ إذا أرادَ أنْ يَطَأها قَبْلَ أنْ يُطْعِمَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا " . ورَوى المُعافى والأشْجَعِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ: " أنَّهُ لا يَقْرَبُها حَتّى يُطْعِمَ "، «قالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُظاهِرِ بَعْدَما ذَكَرَ عَجْزَهُ عَنِ الصِّيامِ: ثُمَّ لا يَقْرَبْها حَتّى يُكَفِّرَ» وأيْضًا لَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ الجِماعَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ قَبْلَ عِتْقِ الرَّقَبَةِ وجَبَ بَقاءُ حَظْرِهِ إذا عَجَزَ؛ إذْ جائِزٌ أنْ يَجِدَ الرَّقَبَةَ قَبْلَ الإطْعامِ فَيَكُونَ الوَطْءُ واقِعًا قَبْلَ العِتْقِ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُظَـٰهِرُونَ مِن نِّسَاۤىِٕهِمۡ ثُمَّ یَعُودُونَ لِمَا قَالُوا۟ فَتَحۡرِیرُ رَقَبَةࣲ مِّن قَبۡلِ أَن یَتَمَاۤسَّاۚ ذَ ٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











