الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿وفِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ في تَأْوِيلِهِ، فَقالَ ابْنُ عُمَرَ والحَسَنُ والشَّعْبِيُّ ومُجاهِدٌ: " هو حَقٌّ سِوى الزَّكاةِ واجِبٌ في المالِ " وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " مَن أدّى زَكاةَ مالِهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أنْ لا يَتَصَدَّقَ " . وقالَ ابْنُ سِيرِينَ: ﴿فِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] قالَ: " الصَّدَقَةُ حَقٌّ مَعْلُومٌ " .
ورَوى حَجّاجٌ عَنِ الحَكَمِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: " نَسَخَتِ الزَّكاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ " . والحَجّاجُ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ مِثْلَهُ.
واخْتَلَفَ الرُّواةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في ذَلِكَ. فَرُوِيَ عَنْهُ ما يَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ، فَرَوى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قِصَّةَ «الرَّجُلِ الَّذِي (p-٢٩٥)سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَمّا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ والصِّيامَ، فَقالَ: هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ غَيْرُ هَذا ؟ قالَ: لا» .
ورَوى عَمْرُو بْنُ الحارِثِ عَنْ دَرّاجٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا أدَّيْتَ زَكاةَ مالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ ما عَلَيْكَ فِيهِ» .
ورَوى دَرّاجٌ عَنْ أبِي الهَيْثَمِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا أدَّيْتَ زَكاةَ مالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ الحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْكَ» .
فَهَذِهِ الأخْبارُ يَحْتَجُّ بِها مَن تَأوَّلَ " حَقًّا مَعْلُومًا " عَلى الزَّكاةِ، وأنَّهُ لا حَقَّ عَلى صاحِبِ المالِ غَيْرُها. واحْتَجَّ ابْنُ سِيرِينَ بِأنَّ الزَّكاةَ حَقٌّ مَعْلُومٌ وسائِرُ الحُقُوقِ الَّتِي يُوجِبُها مُخالِفُوهُ لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ. واحْتَجَّ مَن أوْجَبَ فِيهِ حَقًّا سِوى الزَّكاةِ بِما رَوى الشَّعْبِيُّ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قالَتْ سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «أفِي المالِ حَقٌّ سِوى الزَّكاةِ ؟ فَتَلا: ﴿لَيْسَ البِرَّ أنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكم قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ﴾ [البقرة: ١٧٧]» الآيَةَ. فَذَكَرَ الزَّكاةَ في نَسَقِ التِّلاوَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧]
ويَحْتَجُّونَ أيْضًا بِحَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما مِن صاحِبِ إبِلٍ لا يُؤَدِّي حَقَّها في عُسْرِها ويُسْرِها إلّا بَرَزَ لَها بِقاعٍ قَرْقَرٍ تَطَأُهُ بِأخْفافِها، وذَكَرَ البَقَرَ والغَنَمَ، فَقالَ أعْرابِيٌّ: يا أبا هُرَيْرَةَ وما حَقُّها ؟ قالَ: تَمْنَحُ الغَزِيرَةَ وتُعْطِي الكَرِيمَةَ وتَحْمِلُ عَلى الظَّهْرِ وتَسْقِي اللَّبَنَ» .
وفِي حَدِيثِ أبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالُوا «يا رَسُولَ اللَّهِ وما حَقُّها ؟ قالَ: إطْراقُ فَحْلِها، وإعارَةُ دَلْوِها ومِنحَتِها وحَلْبُها عَلى الماءِ وحَمْلٌ عَلَيْها في سَبِيلِ اللَّهِ» .
ورَوى الأعْمَشُ عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: «انْتَهَيْتُ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهو جالِسٌ في ظِلِّ الكَعْبَةِ، فَلَمّا رَآنِي مُقْبِلًا قالَ هُمُ الأخْسَرُونَ ورَبِّ الكَعْبَةِ فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَن هم ؟ قالَ هُمُ الأكْثَرُونَ أمْوالًا إلّا مَن قالَ هَكَذا وهَكَذا حَثا عَنْ يَمِينِهِ وعَنْ شِمالِهِ وبَيْنَ يَدَيْهِ ما مِن رِجْلٍ يَمُوتُ ويَتْرُكُ إبِلًا لَمْ يُؤَدِّ زَكاتَها إلّا جاءَتْهُ يَوْمَ القِيامَةِ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِها وتَطَأُهُ بِأخْفافِها كُلَّما بَعُدَتْ أُخْراها أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولاها حَتّى يُقْضى بَيْنَ النّاسِ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الأخْبارُ كُلُّها مُسْتَعْمَلَةٌ، وفي المالِ حَقٌّ سِوى الزَّكاةِ بِاتِّفاقِ المُسْلِمِينَ، مِنهُ ما يَلْزَمُ مِنَ النَّفَقَةِ عَلى والِدَيْهِ إذا كانا فَقِيرَيْنِ وعَلى ذَوِي أرْحامِهِ، وما يَلْزَمُ مِن طَعامِ المُضْطَرِّ، وحَمْلُ المُنْقَطِعِ بِهِ وما جَرى مَجْرى ذَلِكَ مِنَ الحُقُوقِ اللّازِمَةِ عِنْدَما يَعْرِضُ مِن هَذِهِ الأحْوالِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رِوايَةً وعائِشَةُ وابْنُ المُسَيِّبِ ومُجاهِدٌ رِوايَةً وعَطاءٌ وأبُو العالِيَةِ والنَّخَعِيُّ وعِكْرِمَةُ " المَحْرُومُ المُحارَفُ " . وقالَ الحَسَنُ " المَحْرُومُ الَّذِي يَطْلُبُ فَلا يُرْزَقُ " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رِوايَةً ومُجاهِدٌ: " المَحْرُومُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ في الإسْلامِ سَهْمٌ "، وفي لَفْظٍ آخَرَ: " الَّذِي لَيْسَ لَهُ في الغَنِيمَةِ شَيْءٌ " .
وقالَ عِكْرِمَةُ " الَّذِي لا يَنْمُو (p-٢٩٦)لَهُ مالٌ "، وقالَ الزُّهْرِيُّ وقَتادَةُ: " المَحْرُومُ المِسْكِينُ المُتَعَفِّفُ "، وقالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ: " المَحْرُومُ الكَلْبُ "
قالَ أبُو بَكْرٍ: مَن تَأوَّلَهُ عَلى الكَلْبِ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ عِنْدَهُ بِحَقٍّ مَعْلُومٍ الزَّكاةَ؛ لِأنَّ إطْعامَ الكَلْبِ لا يُجْزِي مِنَ الزَّكاةِ.
فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ المُرادُ عِنْدَهُ حَقًّا غَيْرَ الزَّكاةِ فَيَكُونُ في إطْعامِ الكَلْبِ قُرْبَةٌ، كَما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ في كُلِّ ذِي كَبِدٍ حَرّى أجْرًا، وإنَّ رَجُلًا سَقى كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ» . والأظْهَرُ في قَوْلِهِ ﴿حَقٌّ مَعْلُومٌ﴾ [المعارج: ٢٤] أنَّهُ الزَّكاةُ؛ لِأنَّ الزَّكاةَ واجِبَةٌ لا مَحالَةَ، وهي حَقٌّ مَعْلُومٌ، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِالآيَةِ؛ إذْ جائِزٌ أنْ يَنْطَوِيَ تَحْتَها ويَكُونَ اللَّفْظُ عِبارَةً عَنْها؛ ثُمَّ جائِزٌ أنْ يَكُونَ جَمِيعُ ما تَأوَّلَ السَّلَفُ عَلَيْهِ المَحْرُومَ مُرادًا بِالآيَةِ في جَوازِ إعْطائِهِ الزَّكاةَ، وهو يَدُلُّ عَلى أنَّ الزَّكاةَ إذا وُضِعَتْ في صِنْفٍ واحِدٍ أجْزَأ؛ لِأنَّهُ اقْتَصَرَ عَلى السّائِلِ والمَحْرُومِ دُونَ الأصْنافِ المَذْكُورَةِ في آيَةِ الصَّدَقاتِ.
وفَرَّقَ اللَّهُ - تَعالى - في الآيَةِ بَيْنَ السّائِلِ والمَحْرُومِ؛ لِأنَّ الفَقِيرَ قَدْ يَحْرِمُ نَفْسَهُ بِتَرْكِهِ المَسْألَةَ، وقَدْ يَحْرِمُهُ النّاسُ بِتَرْكِ إعْطائِهِ، فَإذا لَمْ يَسْألْ فَقَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ بِتَرْكِ المَسْألَةِ، فَسُمِّيَ مَحْرُومًا مِن هَذا الوَجْهِ؛ لِأنَّهُ يَصِيرُ مَحْرُومًا مِن وجْهَيْنِ: مِن قِبَلِ نَفْسِهِ ومِن قِبَلِ النّاسِ، وقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أنَّهُ قالَ: أعْيانِي أنْ أعْلَمَ ما المَحْرُومُ. آخِرُ سُورَةِ الذّارِياتِ.
{"ayah":"وَفِیۤ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ حَقࣱّ لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











