الباحث القرآني
بابُ القِيامِ بِالشَّهادَةِ والعَدْلِ
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ ومَعْناهُ: كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ بِالحَقِّ في كُلِّ ما يَلْزَمُكُمُ القِيامُ بِهِ مِنَ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والعَمَلِ بِهِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ واجْتِنابِهِ، فَهَذا هو القِيامُ لِلَّهِ بِالحَقِّ.
وقَوْلُهُ: ﴿شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ يَعْنِي بِالعَدْلِ؛ قَدْ قِيلَ في الشَّهادَةِ إنَّها الشَّهاداتُ في حُقُوقِ النّاسِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الحَسَنِ؛ وهو مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ بِالقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النساء: ١٣٥] وقِيلَ: إنَّهُ أرادَ الشَّهادَةَ عَلى النّاسِ بِمَعاصِيهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] فَكانَ مَعْناهُ: أنْ كُونُوا مِن أهْلِ العَدالَةِ الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ بِأنَّ مِثْلَهم يَكُونُونَ شُهَداءَ عَلى النّاسِ يَوْمَ القِيامَةِ.
وقِيلَ: أرادَ بِهِ الشَّهادَةَ لِأمْرِ اللَّهِ بِأنَّهُ الحَقُّ. وجائِزٌ أنْ تَكُونَ هَذِهِ المَعانِي كُلُّها مُرادَةً لِاحْتِمالِ اللَّفْظِ لَها قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى ألا تَعْدِلُوا﴾ رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في شَأْنِ اليَهُودِ حِينَ ذَهَبَ إلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ لِيَسْتَعِينَهم في دِيَةٍ، فَهَمُّوا أنْ يَقْتُلُوهُ. وقالَ الحَسَنُ: " نَزَلَتْ في قُرَيْشٍ لَمّا صَدُّوا المُسْلِمِينَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعالى هَذا المَعْنى في هَذِهِ السُّورَةِ في قَوْلِهِ: ﴿ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ أنْ صَدُّوكم عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ أنْ تَعْتَدُوا﴾ [المائدة: ٢] فَحَمَلَهُ الحَسَنُ عَلى مَعْنى الآيَةِ الأُولى، والأوْلى أنْ تَكُونَ نَزَلَتْ في غَيْرِهِمْ وأنْ لا تَكُونَ تَكْرارًا.
وقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الأمْرَ بِالعَدْلِ عَلى المُحِقِّ والمُبْطِلِ، وحُكِمَ بِأنَّ كُفْرَ الكافِرِينَ وظُلْمَهم لا يَمْنَعُ مِنَ العَدْلِ عَلَيْهِمْ، وأنْ لا يُتَجاوَزَ في قِتالِهِمْ وقَتْلِهِمْ ما يَسْتَحِقُّونَ، وأنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلى (p-٤٠)المُسْتَحِقِّ مِنَ القِتالِ والأسْرِ والِاسْتِرْقاقِ دُونَ المُثْلَةِ بِهِمْ وتَعْذِيبِهِمْ وقَتْلِ أوْلادِهِمْ ونِسائِهِمْ قَصْدًا لِإيصالِ الغَمِّ والألَمِ إلَيْهِمْ.
وكَذَلِكَ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ ﷺ إلى خَيْبَرَ خارِصًا، فَجَمَعُوا لَهُ شَيْئًا مِن حُلِيِّهِمْ وأرادُوا دَفْعَهُ إلَيْهِ لِيُخَفِّفَ في الخَرْصِ: إنَّ هَذا سُحْتٌ وإنَّكم لَأبْغَضُ إلَيَّ مِن عِدَّتِكم قِرَدَةً وخَنازِيرَ، وما يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِن أنْ أعْدِلَ عَلَيْكم فَقالُوا: بِهَذا قامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا قالَ: ﴿هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ ومَعْلُومٌ أنَّ العَدْلَ نَفْسَهُ هو التَّقْوى، فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ هو أقْرَبُ إلى نَفْسِهِ ؟ قِيلَ: مَعْناهُ: هو أقْرَبُ إلى أنْ تَكُونُوا مُتَّقِينَ بِاجْتِنابِ جَمِيعِ السَّيِّئاتِ، فَيَكُونُ العَدْلُ فِيما ذُكِرَ داعِيًا إلى العَدْلِ في جَمِيعِ الأشْياءِ واجْتِنابِ جَمِيعِ المَعاصِي؛ ويَحْتَمِلُ: هو أقْرَبُ لِاتِّقاءِ النّارِ. وقَوْلُهُ: ﴿هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ فَقَوْلُهُ: " هو " راجِعٌ إلى المَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الفِعْلُ، كَأنَّهُ قالَ: العَدْلُ أقْرَبُ لِلتَّقْوى، كَقَوْلِ القائِلِ: مَن كَذَبَ كانَ شَرًّا لَهُ؛ يَعْنِي كانَ الكَذِبُ شَرًّا لَهُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّ ٰمِینَ لِلَّهِ شُهَدَاۤءَ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَلَا یَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰۤ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ۚ ٱعۡدِلُوا۟ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق