الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ والأحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ﴾ قِيلَ فِيهِ: إنَّ مَعْناهُ " هَلّا " وهي تَدْخُلُ لِلْماضِي والمُسْتَقْبَلِ، فَإذا كانَتْ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَهي في مَعْنى الأمْرِ، كَقَوْلِهِ: " لِمَ لا تَفْعَلُ " وهي هاهُنا لِلْمُسْتَقْبَلِ، يَقُولُ: هَلّا يَنْهاهم ولِمَ لا يَنْهاهم وإذا كانَتْ لِلْماضِي فَهو لِلتَّوْبِيخِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْلا جاءُوا عَلَيْهِ بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ﴾ [النور: ١٣] ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] وقِيلَ في الرَّبّانِيِّ: إنَّهُ العالِمُ بِدِينِ الرَّبِّ، فَنُسِبَ إلى الرَّبِّ، كَقَوْلِهِمْ: " رُوحانِيٌّ " في النِّسْبَةِ إلى الرُّوحِ، " وبَحْرانِيٌّ " في النِّسْبَةِ إلى البَحْرِ. وقالَ الحَسَنُ: " الرَّبّانِيُّونَ عُلَماءُ أهْلِ الإنْجِيلِ، والأحْبارُ عُلَماءُ أهْلِ التَّوْراةِ " . وقالَ غَيْرُهُ: " هو كُلُّهُ في اليَهُودِ؛ لِأنَّهُ مُتَّصِلٌ بِذِكْرِهِمْ " . وذَكَرَ لَنا أبُو عُمَرَ غُلامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ قالَ: " الرَّبّانِيُّ العالِمُ العامِلُ " . وقَدِ اقْتَضَتِ الآيَةُ وُجُوبَ إنْكارِ المُنْكَرِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ والِاجْتِهادِ في إزالَتِهِ، لِذَمِّهِ مَن تَرَكَ ذَلِكَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ والضَّحّاكِ أنَّهم (p-١٠٥)وصَفُوهُ بِالبُخْلِ وقالُوا: هو مَقْبُوضُ العَطاءِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ البَسْطِ﴾ [الإسراء: ٢٩] وقالَ الحَسَنُ: " قالُوا هي مَقْبُوضَةٌ عَنْ عِقابِنا " . واليَدُ في اللُّغَةِ تَنْصَرِفُ عَلى وُجُوهٍ: مِنها الجارِحَةُ وهي مَعْرُوفَةٌ. ومِنها النِّعْمَةُ، تَقُولُ: لِفُلانٍ عِنْدِي يَدٌ أشْكُرُهُ عَلَيْها، أيْ نِعْمَةٌ ومِنها القُوَّةُ. فَقَوْلُهُ ﴿أُولِي الأيْدِي﴾ [ص: ٤٥] فَسَّرُوهُ بِأُولِي القُوى؛ ونَحْوُهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎تَحَمَّلْتُ مِن ذَلْفاءَ ما لَيْسَ لِي بِهِ ولا لِلْجِبالِ الرّاسِياتِ يَدانِ ومِنها المِلْكُ، ومِنهُ قَوْلُهُ: ﴿الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧] يَعْنِي يَمْلِكُها. ومِنها الِاخْتِصاصُ بِالفِعْلِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: ٧٥] أيْ تَوَلَّيْتُ خَلْقَهُ. ومِنها التَّصَرُّفُ، كَقَوْلِكَ: " هَذِهِ الدّارُ في يَدِ فُلانٍ " يَعْنِي التَّصَرُّفَ فِيها بِالسُّكْنى أوِ الإسْكانِ ونَحْوِ ذَلِكَ. وقِيلَ: إنَّهُ قالَ تَعالى: ﴿بَلْ يَداهُ﴾ [المائدة: ٦٤] عَلى وجْهِ التَّثْنِيَةِ؛ لِأنَّهُ أرادَ نِعْمَتَيْنِ: إحْداهُما نِعْمَةُ الدُّنْيا، والأُخْرى نِعْمَةُ الدِّينِ. والثّانِي: قُوَّتاهُ بِالثَّوابِ والعِقابِ، عَلى خِلافِ قَوْلِ اليَهُودِ؛ لِأنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى عِقابِنا. وقِيلَ: إنَّ التَّثْنِيَةَ لِلْمُبالَغَةِ في صِفَةِ النِّعْمَةِ، كَقَوْلِكَ: " لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ " . وقِيلَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿غُلَّتْ أيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤] يَعْنِي في جَهَنَّمَ؛ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب