الباحث القرآني

(p-١٠٢)بابُ اَلْعَمَلِ اَلْيَسِيرِ في اَلصَّلاةِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنَّما ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم راكِعُونَ﴾ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ والسُّدِّيِّ وأبِي جَعْفَرٍ وعُتْبَةَ بْنِ أبِي حَكِيمٍ: أنَّها نَزَلَتْ في عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ حِينَ تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ وهو راكِعٌ ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: " هَذِهِ الآيَةُ صِفَةُ جَمِيعِ المُسْلِمِينَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم راكِعُونَ﴾ صِفَةٌ لِلْجَماعَةِ ولَيْسَتْ لِلْواحِدِ " . وقَدِ اخْتُلِفَ في مَعْنى قَوْلِهِ ﴿وهم راكِعُونَ﴾ فَقِيلَ فِيهِ: إنَّهم كانُوا عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ في وقْتِ نُزُولِ الآيَةِ، مِنهم مَن قَدْ أتَمَّ الصَّلاةَ ومِنهم مَن هو راكِعٌ في الصَّلاةِ. وقالَ آخَرُونَ: " مَعْنى ﴿وهم راكِعُونَ﴾ أنَّ ذَلِكَ مِن شَأْنِهِمْ، وأُفْرِدَ الرُّكُوعُ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُ " . وقالَ آخَرُونَ: " مَعْناهُ أنَّهم يُصَلُّونَ بِالنَّوافِلِ كَما يُقالُ فُلانٌ يَرْكَعُ أيْ يَتَنَفَّلُ " . فَإنْ كانَ المُرادُ فِعْلَ الصَّدَقَةِ في حالِ الرُّكُوعِ فَإنَّهُ يَدُلُّ عَلى إباحَةِ العَمَلِ اليَسِيرِ في الصَّلاةِ، وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أخْبارٌ في إباحَةِ العَمَلِ اليَسِيرِ فِيها، فَمِنها أنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ في الصَّلاةِ، ومِنها أنَّهُ مَسَّ لِحْيَتَهُ وأنَّهُ أشارَ بِيَدِهِ، ومِنها حَدِيثُ «ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قامَ عَلى يَسارِ النَّبِيِّ ﷺ فَأخَذَ بِذُؤابَتِهِ وأدارَهُ إلى يَمِينِهِ»، ومِنها «أنَّهُ كانَ يُصَلِّي وهو حامِلٌ أُمامَةَ بِنْتَ أبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإذا سَجَدَ وضَعَها وإذا رَفَعَ رَأْسَهُ حَمَلَها» . فَدَلالَةُ الآيَةِ ظاهِرَةٌ في إباحَةِ الصَّدَقَةِ في الصَّلاةِ لِأنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ الرُّكُوعَ فَكانَ تَقْدِيرُهُ: " الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ في حالِ الرُّكُوعِ فَقَدْ دَلَّتْ عَلى إباحَةِ الصَّدَقَةِ في هَذِهِ الحالِ، وإنْ كانَ المُرادُ وهم يُصَلُّونَ فَقَدْ دَلَّتْ عَلى إباحَتِها في سائِرِ أحْوالِ الصَّلاةِ؛ فَكَيْفَما تَصَرَّفَتِ الحالُ فالآيَةُ دالَّةٌ عَلى إباحَةِ الصَّدَقَةِ في الصَّلاةِ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فالمُرادُ أنَّهم يَتَصَدَّقُونَ ويُصَلُّونَ، ولَمْ يُرِدْ بِهِ فِعْلَ الصَّدَقَةِ في الصَّلاةِ. قِيلَ لَهُ: هَذا تَأْوِيلٌ ساقِطٌ، مِن قِبَلِ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى ﴿وهم راكِعُونَ﴾ إخْبارٌ عَنِ الحالِ الَّتِي تَقَعُ فِيها الصَّدَقَةُ، كَقَوْلِكَ: تَكَلَّمَ فُلانٌ وهو قائِمٌ، وأعْطى فُلانًا وهو قاعِدٌ، إنَّما هو إخْبارٌ عَنْ حالِ الفِعْلِ وأيْضًا لَوْ كانَ المُرادُ ما ذَكَرْتُ، كانَ تَكْرارًا لِما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في أوَّلِ الخِطابِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾ ويَكُونُ تَقْدِيرُهُ: " الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُصَلُّونَ " وهَذا لا يَجُوزُ في كَلامِ اللَّهِ تَعالى فَثَبَتَ أنَّ المَعْنى ما ذَكَرْنا مِن مَدْحِ الصَّدَقَةِ في حالِ الرُّكُوعِ أوْ في حالِ الصَّلاةِ وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهم راكِعُونَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ تُسَمّى زَكاةً لِأنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخاتَمِهِ تَطَوُّعًا وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما آتَيْتُمْ مِن زَكاةٍ تُرِيدُونَ (p-١٠٣)وجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩] انْتَظَمَ صَدَقَةَ الفَرْضِ والنَّفَلِ فَصارَ اسْمُ الزَّكاةِ يَتَناوَلُ الفَرْضَ والنَّفَلَ كاسْمِ الصَّدَقَةِ وكاسْمِ الصَّلاةِ يَنْتَظِمُ الأمْرَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب