الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ ما لَمْ يُنْسَخْ مِن شَرائِعِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ فَهو ثابِتٌ، عَلى مَعْنى أنَّهُ صارَ شَرِيعَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ لِقَوْلِهِ: ﴿ولْيَحْكم أهْلُ الإنْجِيلِ بِما أنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ﴾ ومَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يَرِدْ أمْرُهم بِاتِّباعِ ما أنْزَلَ اللَّهُ في الإنْجِيلِ إلّا عَلى أنَّهم يَتَّبِعُونَ النَّبِيَّ ﷺ لِأنَّهُ صارَ شَرِيعَةً لَهُ؛ لِأنَّهم لَوِ اسْتَعْمَلُوا ما في الإنْجِيلِ مُخالِفِينَ لِلنَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ مُتَّبِعِينَ لَهُ لَكانُوا (p-٩٧)كُفّارًا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّهم مَأْمُورُونَ بِاسْتِعْمالِ أحْكامِ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ عَلى مَعْنى أنَّها قَدْ صارَتْ شَرِيعَةً لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتابِ ومُهَيْمِنًا عَلَيْهِ﴾ [المائدة: ٤٨] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ: " مُهَيْمِنًا يَعْنِي أمِينًا " وقِيلَ: شاهِدًا، وقِيلَ: حَفِيظًا، وقِيلَ: مُؤْتَمَنًا والمَعْنى فِيهِ أنَّهُ أمِينٌ عَلَيْهِ، يَنْقُلُ إلَيْنا ما في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ عَلى حَقِيقَتِهِ مِن غَيْرِ تَحْرِيفٍ ولا زِيادَةٍ ولا نُقْصانٍ؛ لِأنَّ الأمِينَ عَلى الشَّيْءِ مُصَدَّقٌ عَلَيْهِ، وكَذَلِكَ الشّاهِدُ. وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى أنَّ كُلَّ مَن كانَ مُؤْتَمَنًا عَلى شَيْءٍ فَهو مَقْبُولُ القَوْلِ فِيهِ، مِن نَحْوِ الوَدائِعِ والعَوارِيِّ والمُضارَباتِ ونَحْوِها؛ لِأنَّهُ حِينَ أنْبَأ عَنْ وُجُوبِ التَّصْدِيقِ بِما أخْبَرَ بِهِ القُرْآنُ عَنِ الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ سَمّاهُ أمِينًا عَلَيْها، وقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعالى في سُورَةِ البَقَرَةِ أنَّ الأمِينَ مَقْبُولُ القَوْلِ فِيما اؤْتُمِنَ فِيهِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ أمِنَ بَعْضُكم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمانَتَهُ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣] وقالَ: ﴿ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنهُ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] فَلَمّا جَعَلَهُ أمِينًا فِيهِ وعَظَهُ بِتَرْكِ البَخْسِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في المُرادِ بِقَوْلِهِ: ﴿ومُهَيْمِنًا﴾ [المائدة: ٤٨] فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " هو الكِتابُ، وفِيهِ إخْبارٌ بِأنَّ القُرْآنَ مُهَيْمِنٌ عَلى الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ شاهِدٌ عَلَيْها " . وقالَ مُجاهِدٌ: " أرادَ بِهِ النَّبِيَّ " ﷺ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاحْكم بَيْنَهم بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: ٤٨] يَدُلُّ عَلى نَسْخِ التَّخْيِيرِ عَلى ما تَقَدَّمَ مِن بَيانِهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ﴾ [المائدة: ٤٩] يَدُلُّ عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن يَرُدُّهم إلى الكَنِيسَةِ أوِ البِيعَةِ لِلِاسْتِحْلافِ، لِما فِيهِ مِن تَعْظِيمِ المَوْضِعِ وهم يَهْوَوْنَ ذَلِكَ؛ وقَدْ نَهى اللَّهُ تَعالى عَنِ اتِّباعِ أهْوائِهِمْ. ويَدُلُّ عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن يَرُدُّهم إلى دِينِهِمْ لِما فِيهِ مِنَ اتِّباعِ أهْوائِهِمْ والِاعْتِدادِ بِأحْكامِهِمْ، ولِأنَّ رَدَّهم إلى أهْلِ دِينِهِمْ إنَّما هو رَدٌّ لَهم لِيَحْكُمُوا فِيهِمْ بِما هو كُفْرٌ بِاَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؛ إذْ كانَ حُكْمُهم بِما يَحْكُمُونَ بِهِ كُفْرًا بِاَللَّهِ وإنْ كانَ مُوافِقًا لَما أُنْزِلَ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ؛ لِأنَّهم مَأْمُورُونَ بِتَرْكِهِ واتِّباعِ شَرِيعَةِ النَّبِيِّ ﷺ . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] الشِّرْعَةُ والشَّرِيعَةُ واحِدٌ، ومَعْناها الطَّرِيقُ إلى الماءِ الَّذِي فِيهِ الحَياةُ، فَسَمّى الأُمُورَ الَّتِي تُعُبِّدَ اللَّهُ بِها مِن جِهَةِ السَّمْعِ شَرِيعَةً وشِرْعَةً لِإيصالِها العامِلِينَ بِها إلى الحَياةِ الدّائِمَةِ في النَّعِيمِ الباقِي قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنهاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ: " سُنَّةً وسَبِيلًا " .
ويُقالُ طَرِيقٌ نَهْجٌ إذا كانَ واضِحًا. قالَ مُجاهِدٌ: " وأرادَ بِقَوْلِهِ: "شِرْعَةً" القُرْآنَ؛ لِأنَّهُ لِجَمِيعِ النّاسِ " وقالَ قَتادَةُ وغَيْرُهُ شَرِيعَةُ التَّوْراةِ وشَرِيعَةُ الإنْجِيلِ وشَرِيعَةُ القُرْآنِ " . وهَذا يَحْتَجُّ بِهِ مَن نَفى لُزُومَ شَرائِعِ مَن قَبْلَنا إيّانا وإنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُها لِإخْبارِهِ بِأنَّهُ (p-٩٨)جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنَ الأنْبِياءِ شِرْعَةً ومِنهاجًا. ولَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلى ما قالُوا؛ لِأنَّ ما كانَ شَرِيعَةً لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَلَمْ يُنْسَخْ إلى أنْ بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَدْ صارَتْ شَرِيعَةً لِلنَّبِيِّ ﷺ وكانَ فِيما سَلَفَ شَرِيعَةً لِغَيْرِهِ؛ فَلا دَلالَةَ في الآيَةِ عَلى اخْتِلافِ أحْكامِ الشَّرائِعِ. وأيْضًا فَلا يَخْتَلِفُ أحَدٌ في تَجْوِيزِ أنْ يَتَعَبَّدَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِشَرِيعَةٍ مُوافِقَةٍ لِشَرائِعِ مَن كانَ قَبْلَهُ مِنَ الأنْبِياءِ، فَلَمْ يَنْفِ قَوْلَهُ: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنكم شِرْعَةً ومِنهاجًا﴾ [المائدة: ٤٨] أنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ النَّبِيِّ ﷺ مُوافِقَةً لِكَثِيرٍ مِن شَرائِعِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمِينَ.
وإذا كانَ كَذَلِكَ، فالمُرادُ فِيما نُسِخَ مِن شَرائِعِ المُتَقَدِّمِينَ مِنَ الأنْبِياءِ وتَعَبَّدَ النَّبِيُّ ﷺ بِغَيْرِها، فَكانَ لِكُلٍّ مِنكم شِرْعَةٌ غَيْرُ شِرْعَةِ الآخَرِ. قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكم أُمَّةً واحِدَةً﴾ [المائدة: ٤٨] قالَ الحَسَنُ: " لَجَعَلَكم عَلى الحَقِّ "، وهَذِهِ مَشِيئَةُ القُدْرَةِ عَلى إجْبارِهِمْ عَلى القَوْلِ بِالحَقِّ، ولَكِنَّهُ لَوْ فَعَلَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا ثَوابًا، وهو كَقَوْلِهِ: ﴿ولَوْ شِئْنا لآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ [السجدة: ١٣] وقالَ قائِلُونَ: " مَعْناهُ: ولَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى شَرِيعَةٍ واحِدَةٍ في دَعْوَةِ جَمِيعِ الأنْبِياءِ " .
{"ayah":"وَلۡیَحۡكُمۡ أَهۡلُ ٱلۡإِنجِیلِ بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِیهِۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق