الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: " شَجَّعَتْهُ نَفْسُهُ عَلى قَتْلِ أخِيهِ " . وقالَ قَتادَةُ: " زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ " . وقِيلَ: " ساعَدَتْهُ نَفْسُهُ عَلى قَتْلِ أخِيهِ " . والمَعْنى في جَمِيعِ ذَلِكَ أنَّهُ فَعَلَهُ طَوْعًا مِن نَفْسِهِ غَيْرَ مُتَكَرِّهٍ لَهُ، ويُقالُ إنَّ العَرَبَ تَقُولُ: طاعَ لِهَذِهِ الظَّبْيَةِ أُصُولُ الشَّجَرِ، وطاعَ لِفُلانٍ كَذا، أيْ أتاهُ طَوْعًا. ويُقالُ: انْطاعَ بِمَعْنى انْقادَ؛ ويُقالُ: طَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ، ولا يُقالُ أطاعَتْهُ نَفْسُهُ، عَلى هَذا المَعْنى؛ لِأنَّ قَوْلَهم: " أطاعَ " يَقْتَضِي قَصْدًا مِنهُ لِمُوافَقَةِ مَعْنى الأمْرِ، وذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ في نَفْسِهِ؛ ولَيْسَ كَذَلِكَ الطَّوْعُ؛ لِأنَّهُ لا يَقْتَضِي أمْرًا ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ آمِرًا لِنَفْسِهِ ولا ناهِيًا لَها؛ إذْ كانَ مَوْضُوعُ الأمْرِ والنَّهْيِ مِمَّنْ هو أعْلى لِمَن دُونَهُ؛ وقَدْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ أنْ يُوصَفَ بِفِعْلٍ يَتَناوَلُهُ ولا يَتَعَدّى إلى غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ: " حَرَّكَ نَفْسَهُ " و" قَتَلَ نَفْسَهُ " كَما يُقالُ: " حَرَّكَ غَيْرَهُ " و" قَتَلَ غَيْرَهُ " . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأصْبَحَ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ يَعْنِي خَسِرَ نَفْسَهُ بِإهْلاكِهِ إيّاها، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [الزمر: ١٥] ولا دَلالَةَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأصْبَحَ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ عَلى أنَّ القَتْلَ كانَ لَيْلًا، وإنَّما المُرادُ بِهِ وقْتٌ مُبْهَمٌ جائِزٌ أنْ يَكُونَ لَيْلًا وجائِزٌ أنْ يَكُونَ نَهارًا، وهو كَقَوْلِ الشّاعِرِ: (p-٤٩) ؎أصْبَحَتْ عاذِلَتِي مُعْتَلَّهْ ولَيْسَ المُرادُ النَّهارَ دُونَ اللَّيْلِ؛ وكَقَوْلِ الآخَرِ: ؎بَكَرَتْ عَلَيَّ عَواذِلِي ∗∗∗ يَلْحَيْنَنِي ويَصْرِمُنَّهْ ولَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أوَّلَ النَّهارِ دُونَ آخِرِهِ. وهَذا عادَةُ العَرَبِ في إطْلاقِ مِثْلِهِ والمُرادُ بِهِ الوَقْتُ المُبْهَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب