الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أنا بِباسِطٍ يَدِيَ إلَيْكَ لأقْتُلَكَ﴾ . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " مَعْناهُ لَئِنْ بَدَأْتَنِي بِقَتْلٍ لَمْ أبْدَأْكَ بِهِ " ولَمْ يُرِدْ أنِّي لا أدْفَعُكَ عَنْ نَفْسِي إذا قَصَدْتَ قَتْلِي؛ فَرُوِيَ أنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً بِأنْ ألْقى عَلَيْهِ صَخْرَةً وهو نائِمٌ فَشَدَخَهُ بِها. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومُجاهِدٍ أنَّهُ كُتِبَ عَلَيْهِمْ إذا أرادَ رَجُلٌ قَتْلَهُ أنْ يَتْرُكَهُ ولا يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وجائِزٌ في العَقْلِ وُرُودُ العِبادَةِ بِمِثْلِهِ، فَإنْ كانَ التَّأْوِيلُ هو الأوَّلُ فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلى جَوازِ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَتْلِ مَن أرادَ قَتْلَهُ، وإنَّما فِيهِ أنَّهُ لا يَبْدَأُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ؛ وإنْ كانَ التَّأْوِيلُ هو الثّانِي فَهو مَنسُوخٌ لا مَحالَةَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ نَسْخُهُ بِشَرِيعَةِ بَعْضِ الأنْبِياءِ المُتَقَدِّمَةِ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ نَسْخُهُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنا ﷺ .
واَلَّذِي يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذا الحُكْمَ غَيْرُ ثابِتٍ في شَرِيعَةِ النَّبِيِّ ﷺ وأنَّ الواجِبَ عَلى مَن قَصَدَهُ إنْسانٌ بِالقَتْلِ أنَّ عَلَيْهِ قَتْلَهُ إذا أمْكَنَهُ وأنَّهُ لا يَسَعُهُ تَرْكُ قَتْلِهِ مَعَ الإمْكانِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ٩] فَأمَرَ اللَّهُ بِقِتالِ الفِئَةِ الباغِيَةِ، ولا بَغْيَ أشَدُّ مِن قَصْدِ إنْسانٍ بِالقَتْلِ بِغَيْرِ اسْتِحْقاقٍ، فاقْتَضَتِ الآيَةُ قَتْلَ مَن قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ وقالَ تَعالى: ﴿ولَكم في القِصاصِ حَياةٌ﴾ [البقرة: ١٧٩] فَأخْبَرَ أنَّ في إيجابِهِ القِصاصَ حَياةٌ لَنا؛ لِأنَّ القاصِدَ لِغَيْرِهِ بِالقَتْلِ مَتى عَلِمَ أنَّهُ يُقْتَصُّ مِنهُ كَفَّ عَنْ قَتْلِهِ. وهَذا المَعْنى مَوْجُودٌ في حالِ قَصْدِهِ لِقَتْلِ غَيْرِهِ؛ لِأنَّ في قَتْلِهِ إحْياءً لِمَن لا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ.
وقالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وقاتِلُوهم حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣] فَأمَرَ بِالقِتالِ لِنَفْيِ الفِتْنَةِ، ومِنَ الفِتْنَةِ قَصْدُهُ قَتْلَ النّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ. وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ الفَضْلِ قالَ: حَدَّثَنا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قالَ: حَدَّثَنا الفَضْلُ بْنُ مُوسى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طاوُسٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن شَهَرَ سَيْفَهُ ثُمَّ وضَعَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ» . وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في أخْبارٍ مُسْتَفِيضَةٍ: «مَن قُتِلَ دُونَ نَفْسِهِ فَهو شَهِيدُ، ومَن قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهو شَهِيدٌ، ومَن قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهو شَهِيدٌ» .
ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «مَن أُرِيدَ مالُهُ فَقاتَلَ فَقُتِلَ فَهو شَهِيدٌ» فَأخْبَرَ ﷺ أنَّ الدّافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وأهْلِهِ ومالِهِ شَهِيدٌ، ولا يَكُونُ مَقْتُولًا دُونَ مالِهِ إلّا وقَدْ قاتَلَ دُونَهُ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ في حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: «مَن رَأى مِنكم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذاكَ أضْعَفُ الإيمانِ» فَأمَرَ بِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ (p-٤٦)بِاليَدِ، وإذا لَمْ يُمْكِنْ تَغْيِيرُهُ إلّا بِقَتْلِهِ فَعَلَيْهِ أنْ يَقْتُلَهُ بِمُقْتَضى ظاهِرِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ ولا نَعْلَمُ خِلافًا أنَّ رَجُلًا لَوْ شَهَرَ سَيْفَهُ عَلى رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أنَّ عَلى المُسْلِمِينَ قَتْلَهُ، فَكَذَلِكَ جائِزٌ لِلْمَقْصُودِ بِالقَتْلِ قَتْلُهُ؛ وقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ الخَوارِجَ حِينَ قَصَدُوا قَتْلَ النّاسِ وأصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ مَعَهُ مُوافِقُونَ لَهُ عَلَيْهِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ آثارٌ في وُجُوبِ قَتْلِهِمْ، مِنها حَدِيثُ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وأنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «سَيَكُونُ في أُمَّتِي اخْتِلافٌ وفُرْقَةٌ فِيهِمْ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ القَوْلَ ويُسِيئُونَ العَمَلَ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ طُوبى لِمَن قَتَلَهم أوْ قَتَلُوهُ» في آثارٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ، وقَدْ تَلَقَّتْها السَّلَفُ بِالقَبُولِ واسْتَعْمَلَتْها في وُجُوبِ قَتْلِهِمْ وقِتالِهِمْ.
ورَوى أبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو الأحْوَصِ عَنْ سِماكٍ عَنْ قابُوسَ بْنِ أبِي المُخارِقِ عَنْ أبِيهِ قالَ: «قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَأْتِينِي يُرِيدُ مالِي ؟ قالَ: ذَكِّرْهُ اللَّهَ قالَ: فَإنْ لَمْ يَذْكُرْ ؟ قالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَن حَوْلَكَ مِنَ المُسْلِمِينَ قالَ: فَإنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي مِنهم ؟ قالَ: فاسْتَعِنْ عَلَيْهِ السُّلْطانَ قالَ: فَإنْ نَأى عَنِّي السُّلْطانُ ؟ قالَ: قاتِلْ دُونَ مالِكَ حَتّى تَمْنَعَ مالَكَ أوْ تَكُونَ شَهِيدًا في الآخِرَةِ» وذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الحَشَوِيَّةِ إلى أنَّ عَلى مَن قَصَدَهُ إنْسانٌ بِالقَتْلِ أنْ لا يُقاتِلَهُ ولا يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ حَتّى يَقْتُلَهُ، وتَأوَّلُوا فِيهِ هَذِهِ الآيَةَ. وقَدْ بَيَّنّا أنَّهُ لَيْسَ في الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ كَفَّ يَدَهُ عَنْ قَتْلِهِ حِينَ قَصَدَهُ بِالقَتْلِ، وإنَّما الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يَبْدَأُ بِالقَتْلِ عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، ولَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الآيَةِ عَلى ما ادَّعَوْهُ لَكانَ مَنسُوخًا بِما ذَكَرْنا مِنَ القُرْآنِ والسُّنَّةِ واتِّفاقِ المُسْلِمِينَ عَلى أنَّ عَلى سائِرِ النّاسِ دَفْعَهم عَنْهُ وإنْ أتى عَلى نَفْسِهِ.
وتَأوَّلَتْ هَذِهِ الطّائِفَةُ الَّتِي ذَكَرْنا قَوْلَها أحادِيثَ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنها حَدِيثُ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إذا تَواجَهَ المُسْلِمانِ بِسَيْفَيْهِما فَقَتَلَ أحَدُهُما صاحِبَهُ فالقاتِلُ والمَقْتُولُ في النّارِ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا القاتِلُ فَما بالُ المَقْتُولِ ؟ قالَ: إنَّهُ أرادَ قَتْلَ صاحِبِهِ» .
ورَوى عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جَدْعانَ عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ المَقْتُولَ فافْعَلْ ولا تَقْتُلْ أحَدًا مِن أهْلِ القِبْلَةِ» .
ورَوى الحَسَنُ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ: سَمِعْتُ أبا بَكْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إذا التَقى المُسْلِمانِ بِسَيْفَيْهِما فالقاتِلُ والمَقْتُولُ في النّارِ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا القاتِلُ فَما بالُ المَقْتُولِ ؟ قالَ: إنَّهُ كانَ حَرِيصًا عَلى قَتْلِ صاحِبِهِ» .
ورَوى مَعْمَرٌ عَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ ابْنَيْ آدَمَ ضَرَبا لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلًا فَخُذُوا بِالخَيْرِ مِنهُما» .
ورَوى مَعْمَرٌ (p-٤٧)عَنْ أبِي عِمْرانَ الجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصّامِتِ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ بِكَ يا أبا ذَرٍّ إذا كانَ بِالمَدِينَةِ قَتْلٌ ؟ قالَ: قُلْتُ: ألْبَسُ سِلاحِي، قالَ: شارَكْتُ القَوْمَ إذًا قالَ قُلْتُ: فَكَيْفَ أصْنَعُ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: إنْ خَشِيتَ أنْ يَبْهَرَكَ شُعاعُ السَّيْفِ فَألْقِ ناحِيَةَ ثَوْبِكَ عَلى وجْهِكَ يَبُوءُ بِإثْمِكَ وإثْمِهِ» . فاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآثارِ، ولا دَلالَةَ لَهم فِيها. فَأمّا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: «إذا التَقى المُسْلِمانِ بِسَيْفَيْهِما فالقاتِلُ والمَقْتُولُ في النّارِ» فَإنَّما أرادَ بِذَلِكَ إذا قَصَدَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَهُ ظُلْمًا عَلى نَحْوِ ما يَفْعَلُهُ أصْحابُ العَصَبِيَّةِ والفِتْنَةِ.
وأمّا قَوْلُهُ ﷺ: «إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ المَقْتُولَ فافْعَلْ ولا تَقْتُلْ أحَدًا مِن أهْلِ القِبْلَةِ» فَإنَّما عَنى بِهِ تَرْكَ القِتالِ في الفِتْنَةِ وكَفَّ اليَدِ عَنِ الشُّبْهَةِ، فَأمّا قَتْلُ مَنِ اسْتَحَقَّ القَتْلَ فَمَعْلُومٌ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَنْفِهِ بِذَلِكَ. وأمّا قَوْلُهُ ﷺ: «كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ» فَإنَّما عَنى بِهِ أنْ لا يَبْدَأ بِالقَتْلِ، وأمّا دَفْعُ القاتِلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ. فَإنِ احْتَجُّوا بِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِإحْدى ثَلاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمانٍ، وزِنًا بَعْدَ إحْصانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» فَلا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ أنْ يَقْتُلَ، بِقَضِيَّةِ نَفْيِ النَّبِيِّ ﷺ قَتْلَ المُسْلِمِ إلّا بِإحْدى ما ذُكِرَ، وهَذا لَمْ يَقْتُلْ بَعْدُ فَلا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ.
قِيلَ لَهُ: هَذا القاصِدُ لِقَتْلِ غَيْرِهِ ظُلْمًا داخِلٌ في هَذا الخَبَرِ؛ لِأنَّهُ أرادَ قَتْلَ غَيْرِهِ، فَإنَّما قَتَلْناهُ بِنَفْسِ مَن قَصَدَ لِقَتْلِهِ لِئَلّا يَقْتُلَهُ فَأحْيَيْنا نَفْسَ المَقْصُودِ بِقَتْلِنا إيّاهُ، ولَوْ كانَ الأمْرُ في ذَلِكَ عَلى ما ذَهَبَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الطّائِفَةُ مِن حَظْرِ قَتْلِ مَن قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ ظُلْمًا والإمْساكُ عَنْهُ حَتّى يَقْتُلَ مَن يُرِيدُ قَتْلَهُ، لَوَجَبَ مِثْلُهُ في سائِرِ المَحْظُوراتِ إذا أرادَ الفاجِرُ ارْتِكابَها مِنَ الزِّنا وأخْذِ المالِ أنْ نُمْسِكَ عَنْهُ حَتّى يَفْعَلَها، فَيَكُونَ في ذَلِكَ تَرْكُ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ واسْتِيلاءِ الفُجّارِ وغَلَبَةِ الفُسّاقِ والظَّلَمَةِ ومَحْوِ آثارِ الشَّرِيعَةِ؛ وما أعْلَمُ مَقالَةً أعْظَمَ ضَرَرًا عَلى الإسْلامِ والمُسْلِمِينَ مِن هَذِهِ المَقالَةِ، ولَعَمْرِي إنَّها أدَّتْ إلى غَلَبَةِ الفُسّاقِ عَلى أُمُورِ المُسْلِمِينَ واسْتِيلائِهِمْ عَلى بُلْدانِهِمْ حَتّى تَحَكَّمُوا فَحَكَمُوا فِيها بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، وقَدْ جَرَّ ذَلِكَ ذَهابَ الثُّغُورِ وغَلَبَةَ العَدُوِّ حِينَ رَكَنَ النّاسُ إلى هَذِهِ المَقالَةِ في تَرْكِ قِتالِ الفِئَةِ الباغِيَةِ والأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ والإنْكارِ عَلى الوُلاةِ والجُوارِ واَللَّهُ المُسْتَعانُ.
ويَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ الجُمْهُورِ في ذَلِكَ وأنَّ القاصِدَ لِقَتْلِ غَيْرِهِ ظُلْمًا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ وأنَّ عَلى النّاسِ كُلِّهِمْ أنْ يَقْتُلُوهُ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ في الأرْضِ فَكَأنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢] فَكانَ في (p-٤٨)مَضْمُونِ الآيَةِ إباحَةُ قَتْلِ المُفْسِدِ في الأرْضِ، ومِن أعْظَمِ الفَسادِ قَصْدُ قَتْلِ النَّفْسِ المُحَرَّمَةِ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أنَّ القاصِدَ لِقَتْلِ غَيْرِهِ ظُلْمًا مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ مُبِيحٌ لِدَمِهِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ أنَّهُ قالَ في اللِّصِّ يَنْقُبُ البُيُوتَ: يَسَعُكَ قَتْلُهُ، لِقَوْلِهِ ﷺ: «مَن قُتِلَ دُونَ مالِهِ فَهو شَهِيدٌ» ولا يَكُونُ شَهِيدًا إلّا هو مَأْمُورٌ بِالقِتالِ إنْ أمْكَنَهُ فَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ إيجابَ قَتْلِهِ إذا قَدَرِ عَلَيْهِ. وقالَ أيْضًا في رَجُلٍ يُرِيدُ قَلْعَ سِنِّكَ، قالَ فَلَكَ أنْ تَقْتُلَهُ إذا كُنْتَ في مَوْضِعٍ لا يُعِينُكَ النّاسُ عَلَيْهِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: وذَلِكَ لِأنَّ قَلْعَ السِّنِّ أعْظَمُ مِن أخْذِ المالِ، فَإذا جازَ قَتْلُهُ لِحِفْظِ مالِهِ فَهو أوْلى بِجَوازِ القَتْلِ مِن أجْلِها.
{"ayah":"لَىِٕنۢ بَسَطتَ إِلَیَّ یَدَكَ لِتَقۡتُلَنِی مَاۤ أَنَا۠ بِبَاسِطࣲ یَدِیَ إِلَیۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّیۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق