الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرْضِ﴾ قالَ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ: " هو تَحْرِيمُ مَنعٍ لِأنَّهم كانُوا يُصْبِحُونَ بِحَيْثُ أمْسَوْا ومِقْدارُ المَوْضِعِ سِتَّةُ فَراسِخَ " . وقالَ بَعْضُ أهْلِ العَلْمِ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ التَّعَبُّدِ؛ لِأنَّ التَّحْرِيمَ أصْلُهُ المَنعُ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ مِن قَبْلُ﴾ [القصص: ١٢] يَعْنِي بِهِ المَنعَ؛ قالَ الشّاعِرُ يَصِفُ فَرَسًا: ؎حالَتْ لِتَصْرَعَنِي فَقُلْتُ لَها اقْصُرِي إنِّي امْرُؤٌ صَرْعِي عَلَيْكَ حَرامُ يَعْنِي: إنِّي فارِسٌ لا يُمْكِنُكَ صَرْعِي. فَهَذا هو أصْلُ التَّحْرِيمِ، ثُمَّ أجْرى تَحْرِيمَ التَّعَبُّدِ عَلَيْهِ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ مَنَعَهُ بِذَلِكَ حُكْمًا وصارَ المُحَرَّمُ بِمَنزِلَةِ المَمْنُوعِ؛ إذْ كانَ مِن حُكْمِ اللَّهِ فِيهِ أنْ لا يَقَعَ كَما لا يَقَعُ المَمْنُوعُ مِنهُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ والدَّمُ﴾ [المائدة: ٣] ونَحْوُهُما تَحْرِيمُ حُكْمٍ وتَعَبُّدٍ لا تَحْرِيمَ مَنعٍ في الحَقِيقَةِ ويَسْتَحِيلُ اجْتِماعُ تَحْرِيمِ المَنعِ وتَحْرِيمِ التَّعَبُّدِ في شَيْءٍ واحِدٍ؛ لِأنَّ المَمْنُوعَ لا يَجُوزُ حَظْرُهُ ولا إباحَتُهُ؛ إذْ هو غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، والحَظْرُ والإباحَةُ يَتَعَلَّقُ بِأفْعالِنا، ولا يَكُونُ فِعْلٌ لَنا إلّا وقَدْ كانَ قَبْلَ وُقُوعِهِ مِنّا مَقْدُورًا لَنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب