الباحث القرآني

بابُ قِتالِ أهْلِ البَغْيِ قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما﴾ حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الحَسَنِ: أنَّ قَوْمًا مِنَ المُسْلِمِينَ كانَ بَيْنَهم تَنازُعٌ حَتّى اضْطَرَبُوا بِالنِّعالِ والأيْدِي، فَأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما﴾، قالَ مَعْمَرٌ: قالَ قَتادَةُ: وكانَ رَجُلانِ بَيْنَهُما حَقٌّ تَدارَآ فِيهِ، فَقالَ أحَدُهُما: لَآخُذَنَّهُ عَنْوَةً؛ لِكَثْرَةِ عَشِيرَتِهِ. وقالَ الآخَرُ: بَيْنِي وبَيْنَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَنازَعا حَتّى كانَ بَيْنَهُما ضَرْبٌ بِالنِّعالِ والأيْدِي ورُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ والشَّعْبِيِّ قالا: كانَ قِتالُهم بِالعِصِيِّ والنِّعالِ وقالَ مُجاهِدٌ هُمُ الأوْسُ والخَزْرَجُ كانَ بَيْنَهم قِتالٌ (p-٢٨٠)بِالعِصِيِّ قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدِ اقْتَضى ظاهِرُ الآيَةِ الأمْرَ بِقِتالِ الفِئَةِ الباغِيَةِ حَتّى تَرْجِعَ إلى أمْرِ اللَّهِ وهو عُمُومٌ في سائِرِ ضُرُوبِ القِتالِ، فَإنْ فاءَتْ إلى الحَقِّ بِالقِتالِ بِالعِصِيِّ والنِّعالِ لَمْ يُتَجاوَزْ بِهِ إلى غَيْرِهِ، وإنْ لَمْ تَفِئْ بِذَلِكَ قُوتِلَتْ بِالسَّيْفِ عَلى ما تَضَمَّنَهُ ظاهِرُ الآيَةِ وغَيْرُ جائِزٍ؛ لِأحَدٍ الِاقْتِصارُ عَلى القِتالِ بِالعِصِيِّ دُونَ السِّلاحِ مَعَ الإقامَةِ عَلى البَغْيِ وتَرْكِ الرُّجُوعِ إلى الحَقِّ، وذَلِكَ أحَدُ ضُرُوبِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وقَدْ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَن رَأى مِنكم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وذاكَ أضْعَفُ الإيمانِ» فَأمَرَ بِإزالَةِ المُنْكَرِ بِاليَدِ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ السِّلاحِ وما دُونَهُ، فَظاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ إزالَتِهِ بِأيِّ شَيْءٍ أمْكَنَ. وذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الحَشْوِ إلى أنَّ قِتالَ أهْلِ البَغْيِ إنَّما يَكُونُ بِالعِصِيِّ والنِّعالِ وما دُونَ السِّلاحِ وأنَّهم لا يُقاتَلُونَ بِالسَّيْفِ، واحْتَجُّوا بِما رَوَيْنا مِن سَبَبِ نُزُولِ الآيَةِ وقِتالِ القَوْمِ الَّذِينَ تَقاتَلُوا بِالعِصِيِّ والنِّعالِ، وهَذا لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى ما ذَكَرُوا؛ لِأنَّ القَوْمَ تَقاتَلُوا بِما دُونَ السِّلاحِ، فَأمَرَ اللَّهُ - تَعالى - بِقِتالِ الباغِي مِنهُما ولَمْ يُخَصِّصْ قِتالَنا إيّاهُ بِما دُونَ السِّلاحِ وكَذَلِكَ نَقُولُ مَتى ظَهَرَ لَنا قِتالٌ مِن فِئَةٍ عَلى وجْهِ البَغْيِ قابَلْناهُ بِالسِّلاحِ وبِما دُونَهُ حَتّى تَرْجِعَ إلى الحَقِّ، ولَيْسَ في نُزُولِ الآيَةِ عَلى حالِ قِتالِ الباغِي لَنا بِغَيْرِ سِلاحٍ ما يُوجِبُ أنْ يَكُونَ الأمْرُ بِقِتالِنا إيّاهم مَقْصُورًا عَلى ما دُونَ السِّلاحِ مَعَ اقْتِضاءِ عُمُومِ اللَّفْظِ لِلْقِتالِ بِسِلاحٍ وغَيْرِهِ. ألا تَرى أنَّهُ لَوْ قالَ: " مِن قاتَلَكم بِالعِصِيِّ فَقاتِلُوهُ بِالسِّلاحِ " لَمْ يَتَناقَضِ القَوْلُ بِهِ ؟ فَكَذَلِكَ أمْرُهُ إيّانا بِقِتالِهِمْ؛ إذْ كانَ عُمُومُهُ يَقْتَضِي القِتالَ بِسِلاحٍ وغَيْرِهِ، وجَبَ أنْ يُجْرى عَلى عُمُومِهِ وأيْضًا قاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الفِئَةَ الباغِيَةَ بِالسَّيْفِ ومَعَهُ مِن كُبَراءِ الصَّحابَةِ وأهْلِ بَدْرٍ مَن قَدْ عُلِمَ مَكانُهم، وكانَ مُحِقًّا في قِتالِهِ لَهم لَمْ يُخالِفْ فِيهِ أحَدٌ إلّا الفِئَةُ الباغِيَةُ الَّتِي قابَلَتْهُ وأتْباعُها وقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَمّارٍ: «تَقْتُلُكَ الفِئَةُ الباغِيَةُ» وهَذا خَبَرٌ مَقْبُولٌ مِن طَرِيقِ التَّواتُرِ. حَتّى إنَّ مُعاوِيَةَ لَمْ يَقْدِرْ عَلى جَحْدِهِ " لَمّا قالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقالَ: إنَّما قَتَلَهُ مَن جاءَ بِهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ أسِنَّتِنا رَواهُ أهْلُ الكُوفَةِ وأهْلُ البَصْرَةِ وأهْلُ الحِجازِ وأهْلُ الشّامِ، وهو عَلَمٌ مِن أعْلامِ النُّبُوَّةِ؛ لِأنَّهُ خَبَرٌ عَنْ غَيْبٍ لا يُعْلَمُ إلّا مِن جِهَةِ عَلّامِ الغُيُوبِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في إيجابِ قِتالِ الخَوارِجِ وقَتْلِهِمْ أخْبارٌ كَثِيرَةٌ مُتَواتِرَةٌ، مِنها حَدِيثُ أنَسٍ وأبِي سَعِيدٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «سَيَكُونُ في أُمَّتِي اخْتِلافٌ وفُرْقَةٌ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ القَوْلَ ويُسِيئُونَ العَمَلَ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ (p-٢٨١)مِنَ الرَّمِيَّةِ لا يَرْجِعُونَ حَتّى يَرْتَدَّ عَلى فُوقِهِ هم شَرُّ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ طُوبى لِمَن قَتَلَهم أوْ قَتَلُوهُ يَدْعُونَ إلى كِتابِ اللَّهِ ولَيْسُوا مِنهُ في شَيْءٍ مَن قَتَلَهم كانَ أوْلى بِاللَّهِ مِنهم قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ ما سِيماهم ؟ قالَ التَّحْلِيقُ» . ورَوى الأعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قالَ: «سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: إذا حَدَّثْتُكم بِشَيْءٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَأنْ أخِرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُنِي الطَّيْرُ أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ أكْذِبَ عَلَيْهِ، وإذا حَدَّثْتُكم فِيما بَيْنَنا فَإنَّ الحَرْبَ خُدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُهُ ﷺ يَقُولُ: يَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمانِ أحْداثُ الأسْنانِ سُفَهاءُ الأحْلامِ يَقُولُونَ مِن خَيْرِ قَوْلِ البَرِّيَّةِ لا يُجاوِزُ إيمانُهم حَناجِرَهم يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإنْ لَقِيتُمُوهم فاقْتُلُوهم فَإنَّ قَتْلَهم أجْرٌ لِمَن قَتَلَهم يَوْمَ القِيامَةِ» ولَمْ يَخْتَلِفْ أصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في وُجُوبِ قِتالِ الفِئَةِ الباغِيَةِ بِالسَّيْفِ إذا لَمْ يَرْدَعْها غَيْرُهُ. ألا تَرى أنَّهم كُلَّهم رَأوْا قِتالَ الخَوارِجِ ولَوْ لَمْ يَرَوْا قِتالَ الخَوارِجِ وقَعَدُوا عَنْهم لَقَتَلُوهم وسَبَوْا ذَرارِيَّهم ونِساءَهم واصْطَلَمُوهم ؟ فَإنْ قِيلَ: قَدْ جَلَسَ عَنْ عَلِيٍّ جَماعَةٌ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ مِنهم سَعْدٌ ومُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وأُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ وابْنُ عُمَرَ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَقْعُدُوا عَنْهُ؛ لِأنَّهم لَمْ يَرَوْا قِتالَ الفِئَةِ الباغِيَةِ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ قُعُودُهم عَنْهُ؛ لِأنَّهم رَأوْا الإمامَ مُكْتَفِيًا بِمَن مَعَهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْهم بِأصْحابِهِ، فاسْتَجازُوا القُعُودَ عَنْهُ لِذَلِكَ ألا تَرى أنَّهم قَدْ قَعَدُوا عَنْ قِتالِ الخَوارِجِ لا عَلى أنَّهم لَمْ يَرَوْا قِتالَهم واجِبًا لَكِنَّهُ لَمّا وجَدُوا مَن كَفاهم قَتْلَ الخَوارِجِ اسْتَغْنَوْا عَنْ مُباشَرَةِ قِتالِهِمْ ؟ فَإنِ احْتَجُّوا بِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ القائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي والقاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ» قِيلَ لَهُ: إنَّما أرادَ بِهِ الفِتْنَةَ الَّتِي يَقْتَتِلُ النّاسُ فِيها عَلى طَلَبِ الدُّنْيا وعَلى جِهَةِ العَصَبِيَّةِ والحَمِيَّةِ مِن غَيْرِ قِتالٍ مَعَ إمامٍ تَجِبُ طاعَتُهُ، فَأمّا إذا ثَبَتَ أنَّ إحْدى الفِئَتَيْنِ باغِيَةٌ والأُخْرى عادِلَةٌ مَعَ الإمامِ فَإنَّ قِتالَ الباغِيَةِ واجِبٌ مَعَ الإمامِ ومَعَ مَن قاتَلَهم مُحْتَسِبًا في قِتالِهِمْ فَإنْ قالُوا: «قالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قَتَلْتَهُ وهو قَدْ قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ» إنَّما يُرَدِّدُ ذَلِكَ مِرارًا، فَوَجَبَ أنْ لا يُقاتِلَ مَن قالَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ ولا يُقْتَلَ قِيلَ لَهُ؛ لِأنَّهم كانُوا يُقاتَلُونَ وهم مُشْرِكُونَ حَتّى يَقُولُوا: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، كَما قالَ ﷺ: «أُمِرْتَ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها» . فَكانُوا إذا أعْطَوْا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ أجابُوا إلى ما دُعُوا إلَيْهِ مِن خَلْعِ الأصْنامِ واعْتِقادِ التَّوْحِيدِ. ونَظِيرُ ذَلِكَ أنْ يَرْجِعَ البُغاةُ إلى الحَقِّ فَيَزُولَ عَنْهُمُ القِتالُ؛ لِأنَّهم إنَّما يُقاتَلُونَ عَلى إقامَتِهِمْ عَلى قِتالِ أهْلِ العَدْلِ، فَمَتى كَفُّوا عَنِ القِتالِ تُرِكَ قِتالُهم، كَما (p-٢٨٢)يُقاتَلُ المُشْرِكُونَ عَلى إظْهارِ الإسْلامِ فَمَتى أظْهَرُوهُ زالَ عَنْهم، ألا تَرى أنَّ قُطّاعَ الطَّرِيقِ والمُحارِبِينَ يُقاتَلُونَ ويُقْتَلُونَ مَعَ قَوْلِهِمْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. * * * بابُ ما يُبْدَأُ بِهِ أهْلُ البَغْيِ قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿وإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُما﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ أمَرَ اللَّهُ عِنْدَ ظُهُورِ القِتالِ مِنهم بِالإصْلاحِ بَيْنَهُما، وهو أنْ يُدْعَوْا إلى الصَّلاحِ والحَقِّ وما يُوجِبُهُ الكِتابُ والسُّنَّةُ والرُّجُوعِ عَنِ البَغْيِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى﴾ يَعْنِي - واللَّهُ أعْلَمُ -: إنْ رَجَعَتْ إحْداهُما إلى الحَقِّ وأرادَتِ الصَّلاحَ وأقامَتِ الأُخْرى عَلى بَغْيِها وامْتَنَعَتْ مِنَ الرُّجُوعِ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ فَأمَرَ - تَعالى - بِالدُّعاءِ إلى الحَقِّ قَبْلَ القِتالِ، ثُمَّ إنْ أبَتِ الرُّجُوعَ قُوتِلَتْ. وكَذا فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ بَدَأ بِدُعاءِ الفِئَةِ الباغِيَةِ إلى الحَقِّ واحْتَجَّ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أبَوُا القَبُولَ قاتَلَهم وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ اعْتِقادَ مَذاهِبِ أهْلِ البَغْيِ لا يُوجِبُ قِتالَهم ما لَمْ يُقاتِلُوا؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ﴾ فَإنَّما أمَرَ بِقِتالِهِمْ إذا بَغَوْا عَلى غَيْرِهِمْ بِالقِتالِ، وكَذَلِكَ فَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ مَعَ الخَوارِجِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهم حِينَ اعْتَزَلُوا عَسْكَرَهُ بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبّاسٍ فَدَعاهم، فَلَمّا أبَوُا الرُّجُوعَ ذَهَبَ إلَيْهِمْ فَحاجَّهم فَرَجَعَتْ مِنهم طائِفَةٌ وأقامَتْ طائِفَةٌ عَلى أمْرِها، فَلَمّا دَخَلُوا الكُوفَةَ خَطَبَ فَحَكَمَتِ الخَوارِجُ مَن نَواحِي المَسْجِدِ وقالَتْ: لا حُكْمَ إلّا لِلَّهِ فَقالَ عَلِيٌّ: " كَلِمَةُ حَقٍّ يُرادُ بِها باطِلٌ، أما إنَّ لَهم ثَلاثًا: أنْ لا نَمْنَعَهم مَساجِدَ اللَّهِ أنْ يَذْكُرُوا فِيها اسْمَهُ، وأنْ لا نَمْنَعَهم حَقَّهم مِنَ الفَيْءِ ما دامَتْ أيْدِيهِمْ مَعَ أيْدِينا، وأنْ لا نُقاتِلَهم حَتّى يُقاتِلُونا. * * * بابُ الأمْرِ فِيما يُؤْخَذُ مِن أمْوالِ البُغاةِ قالَ أبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ في ذَلِكَ، فَقالَ مُحَمَّدٌ في الأصْلِ: " لا يَكُونُ غَنِيمَةً ويُسْتَعانُ بِكُراعِهِمْ وسِلاحِهِمْ عَلى حَرْبِهِمْ، فَإذا وضَعَتِ الحَرْبُ أوْزارَها رُدَّ المالُ عَلَيْهِمْ ويُرَدُّ الكُراعُ أيْضًا عَلَيْهِمْ إذا لَمْ يَبْقَ مِنَ البُغاةِ أحَدٌ، وما اسْتُهْلِكَ فَلا شَيْءَ فِيهِ " وذَكَرَ إبْراهِيمُ بْنُ الجَرّاحِ عَنْ أبِي يُوسُفَ قالَ: " ما وُجِدَ في أيْدِي أهْلِ البَغْيِ مِن كُراعٍ أوْ سِلاحٍ فَهو فَيْءٌ يُقْسَمُ ويُخَمَّسُ، وإذا تابُوا لَمْ يُؤْخَذُوا بِدَمٍ ولا مالٍ اسْتَهْلَكُوهُ " . وقالَ مالِكٌ: " ما اسْتَهْلَكَهُ الخَوارِجُ (p-٢٨٣)مِن دَمٍ أوْ مالٍ ثُمَّ تابُوا لَمْ يُؤْخَذُوا بِهِ، وما كانَ قائِمًا بِعَيْنِهِ رُدَّ "، وهو قَوْلُ الأوْزاعِيِّ والشّافِعِيِّ. وقالَ الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ: " إذا قُوتِلَ اللُّصُوصُ المُحارِبُونَ فَقُتِلُوا وأُخِذَ ما مَعَهم فَهو غَنِيمَةٌ لِمَن قاتَلَهم بَعْدَ إخْراجِ الخُمُسِ إلّا أنْ يَكُونَ شَيْءٌ يُعْلَمُ أنَّهم سَرَقُوهُ مِنَ النّاسِ " . قالَ أبُو بَكْرٍ: واخْتَلَفَتِ الرِّوايَةُ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - في ذَلِكَ، فَرَوى فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ يَعْلى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةَ قالَ قَسَمَ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الجَمَلِ فَيْأهم بَيْنَ أصْحابِهِ ما قُوتِلَ بِهِ مِنَ الكُراعِ والسِّلاحِ " فاحْتَجَّ مَن جَعَلَهُ غَنِيمَةً بِهَذا الحَدِيثِ، وهَذا لَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ غَنِيمَةٌ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ قَسَمَ ما حَصَلَ في يَدِهِ مِن كُراعٍ أوْ سِلاحٍ لِيُقاتِلُوا بِهِ قَبْلَ أنْ تَضَعَ الحَرْبُ أوْزارَها ولَمْ يُمَلِّكْهم ذَلِكَ عَلى ما قالَ مُحَمَّدٌ في الأصْلِ. وقَدْ رَوى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ عَنْ أبِي زُمَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدُّوَلِيِّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الخَوارِجَ نَقَمُوا عَلى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ لَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ، فَحاجَّهم بِأنْ قالَ لَهم: " أفَتَسْبُونَ أُمَّكم عائِشَةَ ثُمَّ تَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها ؟ فَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ. " ورَوى أبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ بِهْرامَ عَنْ أبِي وائِلٍ قالَ: سَألْتُهُ أخَمَّسَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمْوالَ أهْلِ الجَمَلِ ؟ قالَ: لا وقالَ الزُّهْرِيُّ: " وقَعَتِ الفِتْنَةُ وأصْحابُ النَّبِيِّ ﷺ مُتَوافِرُونَ، وأجْمَعُوا أنَّ كُلَّ دَمٍ أُرِيقَ عَلى وجْهِ التَّأْوِيلِ أوْ مالٍ اسْتُهْلِكَ عَلى وجْهِ التَّأْوِيلِ فَلا ضَمانَ فِيهِ " . ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا تُغْنَمُ أمْوالُهُمُ الَّتِي لَيْسَتْ مَعَهم مِمّا تَرَكُوهُ في دِيارِهِمْ لا تُغْنَمُ، وإنْ قُتِلُوا، كَذَلِكَ ما مَعَهم مِنها، ألا تَرى أنَّ أهْلَ الحَرْبِ لا يُخْتَلَفُ فِيما يُغْنَمُ مِن أمْوالِهِمْ ما مَعَهم، وما تَرَكُوهُ مِنها في دِيارِهِمْ أنَّ ما حَصَلَ في أيْدِينا مِنها مَغْنُومٌ ؟ وأنَّهُ لا خِلافَ أنَّهُ لا تُسْبى ذَرارِيُّهم ونِساؤُهم ولا تُمْلَكُ رِقابُهم ؟ فَكَذَلِكَ لا تُغْنَمُ أمْوالُهم. فَإنْ قِيلَ: مُشْرِكُو العَرَبِ لا تُمْلَكُ رِقابُهم وتُغْنَمُ أمْوالُهم قِيلَ لَهُ: لِأنَّهم يُقْتَلُونَ إذا أُسِرُوا، وإنْ لَمْ يُسْلِمُوا وتُسْبى ذَرارِيُّهم ونِساؤُهم، فَلِذَلِكَ غُنِمَتْ أمْوالُهم والخَوارِجُ إذا لَمْ تَبْقَ لَهم مَنَعَةٌ لا يُقْتَلُ أسْراهم ولا تُسْبى ذَرارِيُّهم بِحالٍ، فَكَذَلِكَ لا تُغْنَمُ أمْوالُهم. * * * بابٌ الحُكْمُ في أسْرى أهْلِ البَغْيِ وجَرْحاهُمْ رَوى كَوْثَرُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ حُكْمُ اللَّهِ فِيمَن بَغى مِن هَذِهِ الأُمَّةِ ؟ قالَ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: لا يُجْهَزُ عَلى جَرِيحِها ولا يُقْتَلُ أسِيرُها ولا يُطْلَبُ هارِبُها» ورَوى عَطاءُ بْنُ السّائِبِ عَنْ أبِي البُخْتُرِيِّ وعامِرٍ قالا: لَمّا ظَهَرَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلى أهْلِ الجَمَلِ قالَ: " لا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا ولا تُذَفِّفُوا عَلى جَرِيحٍ "، ورَوى (p-٢٨٤)شَرِيكٌ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قالَ: قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الجَمَلِ: " لا تَقْتُلُوا أسِيرًا ولا تُجْهِزُوا عَلى جَرِيحٍ ومَن ألْقى السِّلاحَ فَهو آمِنٌ " . قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذا حُكْمُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في البُغاةِ، ولا نَعْلَمُ لَهُ مُخالِفًا مِنَ السَّلَفِ. وقالَ أصْحابُنا: " إذا لَمْ تَبْقَ لِأهْلِ البَغْيِ فِئَةٌ فَإنَّهُ لا يُجْهَزُ عَلى جَرِيحٍ ولا يُقْتَلُ أسِيرٌ ولا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، فَإذا كانَتْ لَهم فِئَةٌ فَإنَّهُ يُقْتَلُ الأسِيرُ إنْ رَأى ذَلِكَ الإمامُ ويُجْهَزُ عَلى الجَرِيحِ ويُتْبَعُ المُدْبِرُ " وقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلى أنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهم فِئَةٌ؛ لِأنَّ هَذا القَوْلَ إنَّما كانَ مِنهُ في أهْلِ الجَمَلِ، ولَمْ تَبْقَ لَهم فِئَةٌ بَعْدَ الهَزِيمَةِ، والدَّلِيلُ عَلَيْهِ أنَّهُ أسَرَ ابْنَ بِثَرِي والحَرْبُ قائِمَةٌ فَقَتَلَهُ يَوْمَ الجَمَلِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ مُرادَهُ في الأخْبارِ الأُوَلِ إذا لَمْ تَبْقَ لَهم فِئَةٌ. * * * بابٌ في قَضايا البُغاةِ قالَ أبُو يُوسُفَ في البَرْمَكِيِّ: " لا يَنْبَغِي لِقاضِي الجَماعَةِ أنْ يُجِيزَ كِتابَ قاضِي أهْلِ البَغْيِ ولا شَهادَتَهُ ولا حُكْمَهُ " قالَ أبُو بَكْرٍ: وكَذَلِكَ قالَ مُحَمَّدٌ، وقالَ: " لَوْ أنَّ الخَوارِجَ ولَّوْا قاضِيًا مِنهم فَحَكَمَ ثُمَّ رُفِعَ إلى حاكِمِ أهْلِ العَدْلِ لَمْ يُمْضِهِ إلّا أنْ يُوافِقَ رَأْيَهُ فَيَسْتَأْنِفَ القَضاءَ فِيهِ " قالَ: " ولَوْ ولَّوْا قاضِيًا مِن أهْلِ العَدْلِ فَقَضى بِقَضِيَّةٍ أنْفَذَها مَن رُفِعَتْ إلَيْهِ كَما يُمْضِي قَضاءَ أهْلِ العَدْلِ " . وقالَ مالِكٌ فِيما حَكَمَ بِهِ أهْلُ البَغْيِ: " تُكْشَفُ أحْكامُهم فَما كانَ مِنها مُسْتَقِيمًا أُمْضِيَ " وقالَ الشّافِعِيُّ: " إذا غَلَبَ الخَوارِجُ عَلى مَدِينَةٍ فَأخَذُوا صَدَقاتِ أهْلِها وأقامُوا عَلَيْهِمُ الحُدُودَ لَمْ تُعَدْ عَلَيْهِمْ ولا يُرَدُّ مِن قَضاءِ قاضِيهِمْ إلّا ما يُرَدُّ مِن قَضاءِ قاضِي غَيْرِهِمْ، وإنْ كانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ بِرَأْيِهِ عَلى اسْتِحْلالِ دَمٍ أوْ مالِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ولَمْ يُقْبَلْ كِتابُهُ " . قالَ أبُو بَكْرٍ: إذا قاتَلُوا وظَهَرَ بَغْيُهم عَلى أهْلِ العَدْلِ فَقَدْ وجَبَ قَتْلُهم وقِتالُهم، فَغَيْرُ جائِزٍ قَبُولُ شَهادَةِ مَن هَذِهِ سَبِيلُهُ؛ لِأنَّ إظْهارَ البَغْيِ وقِتالَهم لِأهْلِ العَدْلِ هو فِسْقٌ مِن جِهَةِ الفِعْلِ وظُهُورُ الفِسْقِ مِن جِهَةِ الفِعْلِ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهادَةِ كَشارِبِ الخَمْرِ والزّانِي والسّارِقِ فَإنْ قِيلَ: فَأنْتَ تَقْبَلُ شَهادَتَهم فَهَلّا أمْضَيْتَ أحْكامَهم ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ إنَّهم إنَّما تُقْبَلُ شَهادَتُهم ما لَمْ يُقاتِلُوا، ولَمْ يَخْرُجُوا عَلى أهْلِ العَدْلِ فَأمّا إذا قاتَلُوا فَإنِّي لا أقْبَلُ شَهادَتَهم فَقَدْ سَوّى بَيْنَ القَضاءِ وبَيْنَ الشَّهادَةِ ولَمْ يَذْكُرْ في ذَلِكَ خِلافًا بَيْنَ أصْحابِنا، وهَذا سَدِيدٌ، والعِلَّةُ فِيهِ ما ذَكَرْنا. فَإنْ قِيلَ فَقَدْ قالُوا إنَّ الخَوارِجَ إذا ظَهَرُوا وأخَذُوا صَدَقاتِ المَواشِي والثِّمارِ أنَّهُ لا يُعادُ عَلى أرْبابِها، فَجَعَلُوا أخْذَهم بِمَنزِلَةِ أخْذِ أهْلِ العَدْلِ قِيلَ لَهُ: إنَّ الزَّكاةَ لا تَسْقُطُ عَنْهم بِأخْذِ هَؤُلاءِ؛ لِأنَّهم قالُوا: إنَّ عَلى أرْبابِ (p-٢٨٥)الأمْوالِ إعادَتَها فِيما بَيْنَهم وبَيْنَ اللَّهِ - تَعالى - وإنَّما أسْقَطُوا بِهِ حَقَّ الإمامِ في الأخْذِ؛ لِأنَّ حَقَّ الإمامِ إنَّما يَثْبُتُ في الأخْذِ؛ لِأجْلِ حِمايَتِهِ أهْلَ العَدْلِ، فَإذا لَمْ يَحْمِهِمْ مِنَ البُغاةِ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّهُ في الأخْذِ، وكانَ ما أخَذَهُ البُغاةُ بِمَنزِلَةِ أخْذِهِ في بابِ سُقُوطِ حَقِّهِ في الأخْذِ. ألا تَرى أنَّ أصْحابَنا قالُوا لَوْ مَرَّ رِجْلٌ مِن أهْلِ العَدْلِ عَلى عاشِرِ أهْلِ البَغْيِ بِمالٍ فَعَشَرَهُ أنَّهُ لا يَحْتَسِبُ لَهُ الإمامُ بِذَلِكَ، ويَأْخُذُ مِنهُ العُشْرَ إذا مَرَّ بِهِ عَلى عاشِرِ أهْلِ العَدْلِ ؟ فَعَلِمْتَ أنَّ المَعْنى في سُقُوطِ حَقِّ الإمامِ في الأخْذِ لا عَلى مَعْنى أنَّهم جَعَلُوا حُكْمَهم كَأحْكامِ أهْلِ العَدْلِ. وإنَّما أجازُوا قَضاءَ قاضِي البُغاةِ إذا كانَ القاضِي مِن أهْلِ العَدْلِ مِن قِبَلِ أنَّ الَّذِي يُحْتاجُ إلَيْهِ في صِحَّةِ نَفاذِ القَضاءِ هو أنْ يَكُونَ القاضِي عَدْلًا في نَفْسِهِ ويُمْكِنُهُ تَنْفِيذُ قَضائِهِ، وحَمْلُ النّاسِ عَلَيْهِ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ سَواءٌ كانَ المُوَلِّي لَهُ عَدْلًا أوْ باغِيًا. ألا تَرى أنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ سُلْطانٍ فاتَّفَقَ أهْلُهُ عَلى أنْ ولَّوْا رَجُلًا مِنهُمُ القَضاءَ كانَ جائِزًا وكانَتْ أحْكامُهُ نافِذَةً عَلَيْهِمْ ؟ فَكَذَلِكَ الَّذِي ولّاهُ البُغاةُ القَضاءَ إذا كانَ هو في نَفْسِهِ عَدْلًا نَفَذَتْ أحْكامُهُ " ويَحْتَجُّ مَن يُجِيزُ مُجاوَزَةَ الحَدِّ بِالتَّعْزِيرِ بِقَوْلِهِ - تَعالى -: ﴿فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلى الأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إلى أمْرِ اللَّهِ﴾ فَأمَرَ بِقِتالِهِمْ إلى أنْ يَرْجِعُوا إلى الحَقِّ، فَدَلَّ عَلى أنَّ التَّعْزِيرَ يَجِبُ إلى أنْ يُعْلَمَ إقْلاعُهُ عَنْهُ وتَوْبَتُهُ؛ إذْ كانَ التَّعْزِيرُ لِلزَّجْرِ والرَّدْعِ ولَيْسَ لَهُ مِقْدارٌ مَعْلُومٌ في العادَةِ. كَما أنَّ قِتالَ البُغاةِ لَمّا كانَ لِلرَّدْعِ وجَبَ فِعْلُهُ أنْ يَرْتَدِعُوا ويَنْزَجِرُوا قالَ أبُو بَكْرٍ: إنَّما اقْتَصَرَ مَن لَمْ يَبْلُغْ بِالتَّعْزِيرِ الحَدَّ عَلى ذَلِكَ بِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن بَلَغَ حَدًّا في غَيْرِ حَدٍّ فَهو مِنَ المُتَعَدِّينَ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب