الباحث القرآني

ذِكْرُ اخْتِلافِ الفُقَهاءِ في وقْتِ الرَّضاعِ قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ كانَ بَيْنَ السَّلَفِ اخْتِلافٌ في رَضاعَةِ الكَبِيرِ؛ فَرُوِيَ عَنْ عائِشَةَ أنَّها كانَتْ تَرى رَضاعَ الكَبِيرِ مُوجِبًا لِلتَّحْرِيمِ؛ كَرَضاعِ الصَّغِيرِ؛ وكانَتْ تَرْوِي في ذَلِكَ حَدِيثَ سالِمٍ؛ مَوْلى أبِي حُذَيْفَةَ؛ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِسَهْلَةَ بِنْتِ سُهَيْلٍ - وهي امْرَأةُ أبِي حُذَيْفَةَ -: "أرْضِعِيهِ خَمْسَ رَضَعاتٍ؛ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْكِ"؛» وكانَتْ عائِشَةُ إذا أرادَتْ أنْ يَدْخُلَ عَلَيْها رَجُلٌ أمَرَتْ أُخْتَها أُمَّ كُلْثُومٍ أنْ تُرْضِعَهُ خَمْسَ رَضَعاتٍ؛ ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْها بَعْدَ ذَلِكَ؛ وأبى سائِرُ نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ ذَلِكَ؛ وقُلْنَ: لَعَلَّ هَذِهِ كانَتْ رُخْصَةً مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِسالِمٍ وحْدَهُ؛ وقَدْ رُوِيَ «أنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنِّي أرى في وجْهِ أبِي حُذَيْفَةَ مِن دُخُولِ سالِمٍ عَلَيَّ؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أرْضِعِيهِ يَذْهَبْ ما في وجْهِ أبِي حُذَيْفَةَ "؛» فَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ خاصًّا لِسالِمٍ؛ كَما تَأوَّلَهُ سائِرُ نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ؛ كَما خَصَّ أبا زِيادِ بْنَ دِينارٍ بِالجَذَعَةِ في الأُضْحِيَةِ؛ وأخْبَرَ أنَّها لا تُجْزِي عَنْ أحَدٍ بَعْدَهُ؛ وقَدْ رَوَتْ عائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ما يَدُلُّ عَلى أنَّ رَضاعَ الكَبِيرِ لا يُحَرِّمُ؛ وهو ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قالَ: أخْبَرَنا سُفْيانُ عَنْ أشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ؛ عَنْ أبِيهِ؛ عَنْ مَسْرُوقٍ؛ عَنْ عائِشَةَ؛ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ عَلَيْها وعِنْدَها رَجُلٌ؛ فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّهُ أخِي مِنَ الرَّضاعَةِ؛ فَقالَ ﷺ: "اُنْظُرْنَ مَن إخْوانُكُنَّ؛ فَإنَّما الرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ"؛» فَهَذا يُوجِبُ أنْ يَكُونَ حُكْمُ الرَّضاعِ مَقْصُورًا عَلى حالِ الصَّغِيرِ؛ وهي الحالُ الَّتِي يَسُدُّ اللَّبَنُ فِيها جَوْعَتَهُ؛ ويَكْتَفِي في غِذائِهِ بِهِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي مُوسى أنَّهُ كانَ يَرى رَضاعَ الكَبِيرِ؛ ورُوِيَ عَنْهُ ما يَدُلُّ عَلى رُجُوعِهِ؛ وهو ما رَوى أبُو حُصَيْنٍ؛ عَنْ أبِي عَطِيَّةَ قالَ: قَدِمَ رَجُلٌ بِامْرَأتِهِ مِنَ المَدِينَةِ؛ فَوَضَعَتْ؛ فَتَوَرَّمَ ثَدْيُها؛ فَجَعَلَ يَمُجُّهُ ويَصُبُّهُ؛ فَدَخَلَ في بَطْنِهِ جَرْعَةٌ مِنهُ؛ فَسَألَ أبا مُوسى؛ فَقالَ: "بانَتْ مِنكَ"؛ فَأتى ابْنَ مَسْعُودٍ؛ فَأخْبَرَهُ فَفَصَلَ؛ فَأقْبَلَ بِالأعْرابِيِّ إلى الأشْعَرِيِّ؛ فَقالَ: "أرَضِيعًا تَرى هَذا الأشْمَطَ؟ إنَّما يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ ما يُنْبِتُ اللَّحْمَ؛ والعَظْمَ"؛ فَقالَ الأشْعَرِيُّ: "لا تَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ وهَذا الحَبْرُ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ"؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ الأوَّلِ إلى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ (p-١١٤)إذْ لَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: "لا تَسْألُونِي عَنْ شَيْءٍ وهَذا الحَبْرُ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ"؛ وكانَ باقِيًا عَلى مُخالَفَتِهِ؛ وأنَّ ما أفْتى بِهِ حَقٌّ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ وابْنِ عَبّاسٍ؛ وعَبْدِ اللَّهِ؛ وأُمِّ سَلَمَةَ؛ وجابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ وابْنِ عُمَرَ؛ أنَّ رَضاعَ الكَبِيرِ لا يُحَرِّمُ؛ ولا نَعْلَمُ أحَدًا مِنَ الفُقَهاءِ قالَ بِرَضاعِ الكَبِيرِ؛ إلّا شَيْءٌ يُرْوى عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ؛ يَرْوِيهِ عَنْهُ أبُو صالِحٍ؛ أنَّ رَضاعَ الكَبِيرِ يُحَرِّمُ؛ وهو قَوْلٌ شاذٌّ؛ لِأنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لا يُحَرِّمُ؛ وهو ما رَوى الحَجّاجُ عَنِ الحَكَمِ؛ عَنْ أبِي الشَّعْثاءِ؛ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: "يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ ما أنْبَتَ اللَّحْمَ والدَّمَ"؛ وقَدْ رَوى حَرامُ بْنُ عُثْمانَ؛ عَنِ ابْنَيْ جابِرٍ؛ عَنْ أبِيهِما قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ؛ ولا رَضاعَ بَعْدَ فِصالٍ"؛» ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في حَدِيثِ عائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنا: «"إنَّما الرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ"؛» وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «" ما أنْبَتَ اللَّحْمَ؛ وأنْشَزَ العَظْمَ"؛» وهَذا يَنْفِي كَوْنَ الرَّضاعِ في الكَبِيرِ. وقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عائِشَةَ؛ الَّذِي قَدَّمْناهُ في رَضاعِ الكَبِيرِ؛ عَلى وجْهٍ آخَرَ؛ وهو ما رَوى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القاسِمِ؛ عَنْ أبِيهِ؛ أنَّ عائِشَةَ كانَتْ تَأْمُرُ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرٍ أنْ تُرْضِعَ الصِّبْيانَ؛ حَتّى يَدْخُلُوا عَلَيْها إذا صارُوا رِجالًا؛ فَإذًا ثَبَتَ شُذُوذُ قَوْلِ مَن أوْجَبَ رَضاعَ الكَبِيرِ؛ فَحَصَلَ الِاتِّفاقُ عَلى أنَّ رَضاعَ الكَبِيرِ غَيْرُ مُحَرِّمٍ؛ وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ في مُدَّةِ ذَلِكَ؛ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: ما كانَ مِن رَضاعٍ في الحَوْلَيْنِ؛ وبَعْدَهُما بِسِتَّةِ أشْهُرٍ؛ وقَدْ فُطِمَ؛ أوْ لَمْ يُفْطَمْ؛ فَهو يُحَرِّمُ؛ وبَعْدَ ذَلِكَ لا يُحَرِّمُ؛ فُطِمَ؛ أوْ لَمْ يُفْطَمْ؛ وقالَ زُفَرُ بْنُ الهُذَيْلِ: ما دامَ يَجْتَزِئُ بِاللَّبَنِ؛ ولَمْ يُفْطَمْ؛ فَهو رَضاعٌ؛ وإنْ أتى عَلَيْهِ ثَلاثُ سِنِينَ؛ وقالَ أبُو يُوسُفَ؛ ومُحَمَّدٌ؛ والثَّوْرِيُّ؛ والحَسَنُ بْنُ صالِحٍ؛ والشّافِعِيُّ: "يُحَرِّمُ في الحَوْلَيْنِ؛ ولا يُحَرِّمُ بَعْدَهُما؛ ولا يُعْتَبَرُ الفِطامُ؛ وإنَّما يُعْتَبَرُ الوَقْتُ؛ وقالَ ابْنُ وهْبٍ؛ عَنْ مالِكٍ: قَلِيلُ الرَّضاعِ؛ وكَثِيرُهُ؛ مُحَرِّمٌ في الحَوْلَيْنِ؛ وما كانَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ فَإنَّهُ لا يُحَرِّمُ قَلِيلُهُ؛ ولا كَثِيرُهُ؛ وقالَ ابْنُ القاسِمِ؛ عَنْ مالِكٍ: اَلرَّضاعُ حَوْلانِ؛ وشَهْرٌ؛ أوْ شَهْرانِ؛ بَعْدَ ذَلِكَ؛ ولا يُنْظَرُ إلى إرْضاعِ أُمِّهِ إيّاهُ؛ إنَّما يُنْظَرُ إلى الحَوْلَيْنِ؛ وشَهْرٍ؛ أوْ شَهْرَيْنِ؛ قالَ: وإنْ فَصَلَتْهُ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ؛ وأرْضَعَتْهُ قَبْلَ تَمامِ الحَوْلَيْنِ؛ فَهو فَطِيمٌ؛ فَإنَّ ذَلِكَ لا يَكُونُ رَضاعًا؛ إذا كانَ قَدِ اسْتَغْنى قَبْلَ ذَلِكَ عَنِ الرَّضاعِ؛ فَلا يَكُونُ ما أُرْضِعَ بَعْدَهُ رَضاعًا؛ وقالَ الأوْزاعِيُّ: إذا فُطِمَ لِسَنَةٍ؛ واسْتَمَرَّ فِطامُهُ؛ فَلَيْسَ بَعْدَهُ رَضاعٌ؛ ولَوْ أُرْضِعَ ثَلاثَ سِنِينَ لَمْ يُفْطَمْ؛ لَمْ يَكُنْ رَضاعًا بَعْدَ الحَوْلَيْنِ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ في ذَلِكَ أقاوِيلُ؛ فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: «لا رَضاعَ بَعْدَ فِصالٍ»؛ وعَنْ عُمَرَ؛ وابْنِ عُمَرَ: لا رَضاعَ إلّا ما كانَ في الصِّغَرِ؛ وهَذا يَدُلُّ مِن قَوْلِهِمْ عَلى (p-١١٥)تَرْكِ اعْتِبارِ الحَوْلَيْنِ؛ لِأنَّ عَلِيًّا عَلَّقَ الحُكْمَ بِالفِصالِ؛ وعُمَرَ؛ وابْنَهُ؛ بِالصِّغَرِ؛ مِن غَيْرِ تَوْقِيتٍ؛ وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أنَّها قالَتْ: "إنَّما يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ ما كانَ في الثَّدْيِ قَبْلَ الفِطامِ"؛ وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعِ إلّا ما فَتَقَ الأمْعاءَ؛ وكانَ في الثَّدْيِ قَبْلَ الفِطامِ؛ فَعَلَّقَ الحُكْمَ بِما كانَ قَبْلَ الفِطامِ؛ وبِما فَتَقَ الأمْعاءَ؛ وهو نَحْوُ ما رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: "إنَّما يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضاعَةِ ما أنْبَتَ اللَّحْمَ؛ والدَّمَ"؛ فَهَذا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِن مَذْهَبِهِمُ اعْتِبارُ الحَوْلَيْنِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّهُما قالا: «لا رَضاعَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ». وما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"اَلرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ"؛» يَدُلُّ عَلى أنَّهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالحَوْلَيْنِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ الحَوْلانِ تَوْقِيتًا لَهُ لَما قالَ: «اَلرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ»؛ ولَقالَ: "اَلرَّضاعَةُ في الحَوْلَيْنِ"؛ فَلَمّا لَمْ يَذْكُرِ الحَوْلَيْنِ؛ وذَكَرَ المَجاعَةَ - ومَعْناها أنَّ اللَّبَنَ إذا كانَ يَسُدُّ جَوْعَتَهُ؛ ويَقْوى عَلَيْهِ بَدَنُهُ - فالرَّضاعَةُ في تِلْكَ الحالِ؛ وذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ فاقْتَضى ظاهِرُ ذَلِكَ صِحَّةَ الرَّضاعِ المُوجِبِ لِلتَّحْرِيمِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ وفي حَدِيثِ جابِرٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «"لا رَضاعَ بَعْدَ فِصالٍ"؛» وذَلِكَ يُوجِبُ أنَّهُ إذا فُصِلَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ أنْ يَنْقَطِعَ حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وكَذَلِكَ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"اَلرَّضاعَةُ ما أنْبَتَ اللَّحْمَ؛ وأنْشَزَ العَظْمَ"؛» دَلالَتُهُ عَلى نَفْيِ تَوْقِيتِ الحَوْلَيْنِ بِمُدَّةِ الرَّضاعِ؛ لِدَلالَةِ الأخْبارِ المُتَقَدِّمَةِ؛ وقَدْ حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قَوْلُ: "لَسْتُ أثِقُ بِصِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ؛ وهو أنَّهُ يَعْتَبِرُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾؛ فَإنْ ولَدَتِ المَرْأةُ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ؛ فَرَضاعُهُ حَوْلانِ كامِلانِ؛ وإنْ ولَدَتْ لِتِسْعَةِ أشْهُرٍ؛ فَأحَدٌ وعِشْرُونَ شَهْرًا؛ وإنْ ولَدَتْ لِسَبْعَةِ أشْهُرٍ؛ فَثَلاثَةٌ وعِشْرُونَ شَهْرًا؛ يُعْتَبَرُ فِيهِ تَكْمِلَةُ ثَلاثِينَ شَهْرًا بِالحَمْلِ؛ والفِصالِ جَمِيعًا؛ ولا نَعْلَمُ أحَدًا مِنَ السَّلَفِ؛ والفُقَهاءِ بَعْدَهُمُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ؛ ولَمّا كانَتْ أحْوالُ الصِّبْيانِ تَخْتَلِفُ في الحاجَةِ إلى الرَّضاعِ؛ فَمِنهم مَن يَسْتَغْنِي عَنْهُ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ؛ ومِنهم مَن لا يَسْتَغْنِي عَنْهُ بَعْدَ كَمالِ الحَوْلَيْنِ؛ واتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى نَفْيِ الرَّضاعِ لِلْكَبِيرِ؛ وثُبُوتِ الرَّضاعِ لِلصَّغِيرِ؛ عَلى ما قَدَّمْنا مِنَ الرِّوايَةِ فِيهِ عَنِ السَّلَفِ؛ ولَمْ يَكُنِ الحَوْلانِ حَدًّا لِلصَّغِيرِ؛ إذْ لا يَمْتَنِعُ أحَدٌ أنْ يُسَمِّيَهُ صَغِيرًا؛ وإنْ أتى عَلَيْهِ حَوْلانِ؛ عَلِمْنا أنَّ الحَوْلَيْنِ لَيْسَ بِتَوْقِيفٍ لِمُدَّةِ الرَّضاعِ؛ ألا تَرى أنَّهُ ﷺ لَمّا قالَ: «" اَلرَّضاعَةُ مِنَ المَجاعَةِ"؛» وقالَ: «"اَلرَّضاعَةُ ما أنْبَتَ اللَّحْمَ؛ وأنْشَزَ العَظْمَ"؛» فَقَدِ اعْتَبَرَ مَعْنًى تَخْتَلِفُ فِيهِ أحْوالُ الصِّغارِ؛ وإنْ كانَ الأغْلَبُ أنَّهم قَدْ يَسْتَغْنُونَ عَنْهُ بِمُضِيِّ الحَوْلَيْنِ؟ فَسَقَطَ اعْتِبارُ الحَوْلَيْنِ في ذَلِكَ؛ ثُمَّ مِقْدارُ الزِّيادَةِ عَلَيْهِما طَرِيقُهُ الِاجْتِهادُ؛ لِأنَّهُ تَحْدِيدٌ بَيْنَ الحالِ الَّتِي يَكْتَفِي فِيها بِاللَّبَنِ في غِذائِهِ؛ ويَنْبُتُ عَلَيْهِ (p-١١٦)لَحْمُهُ؛ وبَيْنَ الِانْتِقالِ إلى الحالِ الَّتِي يَكْتَفِي فِيها بِالطَّعامِ؛ ويَسْتَغْنِي عَنِ اللَّبَنِ؛ وكانَ عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ أنَّهُ سِتَّةُ أشْهُرٍ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ وذَلِكَ اجْتِهادٌ في التَّقْدِيرِ؛ والمَقادِيرِ الَّتِي طَرِيقُها الِاجْتِهادُ؛ لا يَتَوَجَّهُ عَلى القائِلِ بِها سُؤالٌ نَحْوَ: تَقْوِيمِ المُسْتَهْلَكاتِ؛ وأُرُوشِ الجِناياتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِمَقادِيرِها تَوْقِيفٌ؛ وتَقْدِيرِ مُتْعَةِ النِّساءِ بَعْدَ الطَّلاقِ؛ وما جَرى مُجْرى ذَلِكَ؛ لَيْسَ لِأحَدٍ مُطالَبَةُ مَن غَلَبَ عَلى ظَنِّهِ شَيْءٌ مِن هَذِهِ المَقادِيرِ بِإقامَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ؛ فَهَذا أصْلٌ صَحِيحٌ في هَذا البابِ؛ تُجْرى مَسائِلُهُ فِيهِ عَلى مِنهاجٍ واحِدٍ؛ ونَظِيرُهُ ما قالَ أبُو حَنِيفَةَ في حَدِّ البُلُوغِ: إنَّهُ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ وإنَّ المالَ لا يُدْفَعُ إلى البالِغِ الَّذِي لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ إلّا بَعْدَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً؛ في نَظائِرَ لِذَلِكَ مِنَ المَسائِلِ الَّتِي طَرِيقُ إثْباتِ المَقادِيرِ فِيها الِاجْتِهادُ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: وإنْ كانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهادَ فَلا بُدَّ مِن جِهَةٍ يَغْلِبُ مَعَها في النَّفْسِ اعْتِبارُ هَذا المِقْدارِ بِعَيْنِهِ؛ دُونَ غَيْرِهِ؛ فَما المَعْنى الَّذِي أوْجَبَ مِن طَرِيقِ الِاجْتِهادِ اعْتِبارَ سِتَّةِ أشْهُرٍ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ دُونَ سَنَةٍ تامَّةٍ؛ عَلى ما قالَ زُفَرُ؛ قِيلَ لَهُ: أحَدُ ما يُقالُ في ذَلِكَ أنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمّا قالَ: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾؛ ثُمَّ قالَ: ﴿وفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤]؛ فَعُقِلَ مِن مَفْهُومِ الخِطابَيْنِ كَوْنُ الحَمْلِ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ ثُمَّ جازَتِ الزِّيادَةُ عَلَيْهِ إلى تَمامِ الحَوْلَيْنِ؛ إذْ لا خِلافَ عَلى أنَّ الحَمْلَ قَدْ يَكُونُ حَوْلَيْنِ؛ ولا يَكُونُ عِنْدَنا الحَمْلُ أكْثَرَ مِنهُما؛ فَلا يَخْرُجُ الحَمْلُ المَذْكُورُ في هَذِهِ الجُمْلَةِ مِن جُمْلَةِ الحَوْلَيْنِ؛ كَذَلِكَ الفِصالُ لا يَخْرُجُ مِن جُمْلَةِ ثَلاثِينَ شَهْرًا؛ لِأنَّهُما جَمِيعًا قَدِ انْتَظَمَتْهُما الجُمْلَةُ المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾؛ وكانَ أبُو الحَسَنِ يَقُولُ في ذَلِكَ: لَمّا كانَ الحَوْلانِ هُما الوَقْتَ المُعْتادَ لِلْفِطامِ؛ وقَدْ جازَتِ الزِّيادَةُ عَلَيْهِ بِما ذَكَرْنا؛ وجَبَ أنْ تَكُونَ مُدَّةُ الِانْتِقالِ مِن غِذاءِ اللَّبَنِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ إلى غِذاءِ الطَّعامِ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ كَما كانَتْ مُدَّةُ انْتِقالِ الوَلَدِ في بَطْنِ الأُمِّ إلى غِذاءِ الطَّعامِ بِالوِلادَةِ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ وذَلِكَ أقَلُّ مُدَّةِ الحَمْلِ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ نَصَّ عَلى أنَّ الحَوْلَيْنِ تَمامُ الرَّضاعِ؛ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ يَكُونَ بَعْدَهُ رَضاعٌ؛ قِيلَ لَهُ: إطْلاقُ لَفْظِ الإتْمامِ غَيْرُ مانِعٍ مِنَ الزِّيادَةِ عَلَيْهِ؛ ألا تَرى أنَّ اللَّهَ (تَعالى) قَدْ جَعَلَ مُدَّةَ الحَمْلِ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ في قَوْلِهِ: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾؛ وقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤]؛ فَجَعَلَ مَجْمُوعُ الآيَتَيْنِ الحَمْلَ سِتَّةَ أشْهُرٍ؛ ثُمَّ لَمْ تَمْتَنِعِ الزِّيادَةُ عَلَيْها؟ فَكَذَلِكَ ذِكْرُ الحَوْلَيْنِ لِلرَّضاعِ غَيْرُ مانِعٍ جَوازَ الزِّيادَةِ عَلَيْهِما؛ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «"مَن أدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ"؛» ولَمْ تَمْتَنِعْ زِيادَةُ الفَرْضِ عَلَيْها؛ وأيْضًا فَإنَّ ذَلِكَ تَقْدِيرٌ لِما يَلْزَمُ الأبَ مِن (p-١١٧)أُجْرَةِ الرَّضاعِ؛ وأنَّهُ غَيْرُ مُجْبَرٍ عَلى أكْثَرَ مِنهُما لِإثْباتِهِ الرَّضاعَ بِتَراضِيهِما؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإنْ أرادا فِصالا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ وبِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وإنْ أرَدْتُمْ أنْ تَسْتَرْضِعُوا أوْلادَكم فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ فَلَمّا ثَبَتَ الرَّضاعُ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ حُكْمَ التَّحْرِيمِ بِهِ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِما. فَإنْ قِيلَ: هَلّا اعْتَبَرْتَ الفِطامَ؛ عَلى ما اعْتَبَرَهُ مالِكٌ في الحَوْلَيْنِ؛ في حالِ اسْتِغْناءِ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ بِالطَّعامِ؛ بِدَلالَةِ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «"لا رَضاعَ بَعْدَ فِصالٍ"؛» وبِما رُوِيَ عَنِ الصَّحابَةِ فِيهِ؛ عَلى نَحْوِ ما قَدَّمْنا ذِكْرَهُ؛ مِمّا يَدُلُّ كُلُّهُ عَلى اعْتِبارِ الفِطامِ؟ قِيلَ لَهُ: لَوْ وجَبَ ذَلِكَ لَوَجَبَ اعْتِبارُ حالِ الصَّبِيِّ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ في حاجَتِهِ إلى اللَّبَنِ؛ واسْتِغْنائِهِ عَنْهُ؛ لِأنَّ مِنَ الصِّبْيانِ مَن يَحْتاجُ إلى الرَّضاعِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ فَلَمّا اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى سُقُوطِ اعْتِبارِ ذَلِكَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ دَلَّ عَلى سُقُوطِ اعْتِبارِهِ في الحَوْلَيْنِ؛ ووَجَبَ أنْ يَكُونَ حُكْمُ التَّحْرِيمِ مُعَلَّقًا بِالوَقْتِ؛ دُونَ غَيْرِهِ؛ فَإنْ قالَ قائِلٌ: قَدْ رُوِيَ في حَدِيثِ جابِرٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «"لا رَضاعَ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ"؛» قِيلَ لَهُ: اَلْمَشْهُورُ عَنْهُ: «"لا رَضاعَ بَعْدَ فِصالٍ"؛» فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ هَذا هو أصْلُ الحَدِيثِ؛ وأنَّ مَن ذَكَرَ الحَوْلَيْنِ حَمَلَهُ عَلى المَعْنى وحْدَهُ؛ وأيْضًا لَوْ ثَبَتَ هَذا اللَّفْظُ احْتَمَلَ أنْ يُرِيدَ أيْضًا: لا رَضاعَ عَلى الأبِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ؛ عَلى نَحْوِ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ وأيْضًا لَوْ كانَ الحَوْلانِ هُما مُدَّةَ الرَّضاعِ؛ وبِهِما يَقَعُ الفِصالُ؛ لَما قالَ (تَعالى): ﴿فَإنْ أرادا فِصالا﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ وهَذا القَوْلُ يَدُلُّ مِن وجْهَيْنِ عَلى أنَّ الحَوْلَيْنِ لَيْسا تَوْقِيتًا لِلْفِصالِ؛ أحَدُهُما ذِكْرُهُ لِلْفِصالِ مَنكُورًا؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فِصالا﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ ولَوْ كانَ الحَوْلانِ فِصالًا لَقالَ: "اَلْفِصالَ"؛ حَتّى يَرْجِعَ ذِكْرُ الفِصالِ إلَيْهِما؛ لِأنَّهُ مَعْهُودٌ؛ مُشارٌ إلَيْهِ؛ فَلَمّا أطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ النَّكِرَةِ دَلَّ عَلى أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الحَوْلَيْنِ؛ والوَجْهُ الآخَرُ تَعْلِيقُهُ الفِصالَ بِإرادَتِهِما؛ وما كانَ مَقْصُورًا عَلى وقْتٍ مَحْدُودٍ لا يُعَلَّقُ بِالإرادَةِ؛ والتَّراضِي؛ والتَّشاوُرِ؛ وفي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلى ما ذَكَرْنا. وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ أرادا فِصالا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ يَدُلُّ عَلى جَوازِ الِاجْتِهادِ في أحْكامِ الحَوادِثِ؛ لِإباحَةِ اللَّهِ (تَعالى) لِلْوالِدَيْنِ التَّشاوُرَ فِيما يُؤَدِّي إلى صَلاحِ أمْرِ الصَّغِيرِ؛ وذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلى غالِبِ ظَنِّهِما؛ لا مِن جِهَةِ اليَقِينِ؛ والحَقِيقَةِ؛ وفِيهِ أيْضًا دَلالَةٌ عَلى أنَّ الفِطامَ في مُدَّةِ الرَّضاعِ مَوْقُوفٌ عَلى تَراضِيهِما؛ وأنَّهُ لَيْسَ لِأحَدِهِما أنْ يَفْطِمَهُ دُونَ الآخَرِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإنْ أرادا فِصالا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ فَأجازَ ذَلِكَ بِتَراضِيهِما؛ وتَشاوُرِهِما؛ وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ نَسْخٌ في هَذِهِ الآيَةِ؛ رَوى شَيْبانُ؛ عَنْ قَتادَةَ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): (p-١١٨)﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ﴾ [البقرة: ٢٣٣]: أنْزَلَ التَّخْفِيفَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ قالَ أبُو بَكْرٍ: كَأنَّهُ عِنْدَهُ كانَ رَضاعُ الحَوْلَيْنِ واجِبًا؛ ثُمَّ خُفِّفَ؛ وأُبِيحَ الرَّضاعُ أقَلَّ مِن مُدَّةِ الرَّضاعِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ ورَوى أبُو جَعْفَرٍ الرّازِيُّ؛ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ مِثْلَ قَوْلِ قَتادَةَ؛ ورَوى عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]: فَجَعَلَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - الرَّضاعَ حَوْلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ؛ ثُمَّ قالَ: ﴿فَإنْ أرادا فِصالا عَنْ تَراضٍ مِنهُما وتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ [البقرة: ٢٣٣]؛ إنْ أرادا أنْ يَفْطِماهُ قَبْلَ الحَوْلَيْنِ؛ أوْ بَعْدَهُ؛ واللَّهُ أعْلَمُ. ***** * * * ومِن سُورَةِ الأحْقافِ ﷽ قَوْلُهُ تَعالى -: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ رُوِيَ أنَّ عُثْمانَ أمَرَ بِرَجْمِ امْرَأةٍ قَدْ ولَدَتْ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ، فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ: قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ وقالَ: ﴿وفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] ورُوِيَ أنَّ عُثْمانَ سَألَ النّاسَ عَنْ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وأنَّ عُثْمانَ رَجَعَ إلى قَوْلِ عَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ كُلَّ ما زادَ في الحَمْلِ نَقَصَ مِنَ الرَّضاعِ، فَإذا كانَ الحَمْلُ تِسْعَةَ أشْهُرٍ فالرَّضاعُ واحِدٌ وعِشْرُونَ شَهْرًا، وعَلى هَذا القِياسِ جَمِيعُ ذَلِكَ. ورُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ الرَّضاعَ حَوْلانِ في جَمِيعِ النّاسِ، ولَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَن زادَ (p-٢٦٨)حَمْلُهُ أوْ نَقَصَ وهو مُخالِفٌ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ وقالَ مُجاهِدٌ في قَوْلِهِ: ﴿وما تَغِيضُ الأرْحامُ وما تَزْدادُ﴾ [الرعد: ٨] ما نَقَصَ عَنْ تِسْعَةِ أشْهُرٍ أوْ زادَ عَلَيْها. * * * قَوْلُهُ تَعالى -: ﴿حَتّى إذا بَلَغَ أشُدَّهُ﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ: " أشُدُّهُ ثَلاثٌ وثَلاثُونَ سَنَةً " وقالَ الشَّعْبِيُّ: " هو بُلُوغُ الحُلُمِ " وقالَ الحَسَنُ: " أشُدُّهُ قِيامُ الحُجَّةِ عَلَيْهِ " .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب