الباحث القرآني

قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ الآيَةَ. قِيلَ فِيهِ تُقْبَضُ أرْواحُهم عِنْدَ المَوْتِ. وقالَ الحَسَنُ: تَحْشُرُهم إلى النّارِ. وقِيلَ: إنَّها نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِنَ المُنافِقِينَ كانُوا يُظْهِرُونَ الإيمانَ لِلْمُؤْمِنِينَ خَوْفًا وإذا رَجَعُوا إلى قَوْمِهِمْ أظْهَرُوا لَهُمُ الكُفْرَ ولا (p-٢٢٨)يُهاجِرُونَ إلى المَدِينَةِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعالى بِما ذَكَرَ أنَّهم ظالِمُونَ لِأنْفُسِهِمْ بِنِفاقِهِمْ وكُفْرِهِمْ وبِتَرْكِهِمُ الهِجْرَةَ. وهَذا يَدُلُّ عَلى فَرْضِ الهِجْرَةِ في ذَلِكَ الوَقْتِ، لَوْلا ذَلِكَ لَما ذَمَّهم عَلى تَرْكِها؛ ويَدُلُّ أيْضًا عَلى أنَّ الكُفّارَ مُكَلَّفُونَ بِشَرائِعِ الإسْلامِ مُعاقَبُونَ عَلى تَرْكِها؛ لِأنَّ اللَّهَ قَدْ ذَمَّ هَؤُلاءِ المُنافِقِينَ عَلى تَرْكِ الهِجْرَةِ، وهَذا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى﴾ [النساء: ١١٥] فَذَمَّهم عَلى تَرْكِ اتِّباعِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ كَما ذَمَّهم عَلى تَرْكِ الإيمانِ. ودَلَّ ذَلِكَ عَلى صِحَّةِ حُجَّةِ الإجْماعِ لِأنَّهُ لَوْلا أنَّ ذَلِكَ لازِمٌ لَما ذَمَّهم عَلى تَرْكِهِ ولَما قَرَنَهُ إلى مُشاقَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ . وهَذا يَدُلُّ عَلى النَّهْيِ عَنِ المُقامِ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينَ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ تَكُنْ أرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى الخُرُوجِ مِن أرْضِ الشِّرْكِ إلى أيِّ أرْضٍ كانَتْ مِن أرْضِ الإسْلامِ ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والضَّحّاكِ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في قَوْمٍ مِن أهْلِ مَكَّةَ تَخَلَّفُوا عَنِ الهِجْرَةِ وأعْطَوُا المُشْرِكِينَ المَحَبَّةَ وقُتِلَ قَوْمٌ مِنهم بِبَدْرٍ عَلى ظاهِرِ الرِّدَّةِ، ثُمَّ اسْتَثْنى مِنهُمُ الَّذِينَ أقْعَدَهُمُ الضَّعْفُ بِقَوْلِهِ: ﴿إلا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلا﴾ يَعْنِي طَرِيقًا إلى المَدِينَةِ دارِ الهِجْرَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ عَسى اللَّهُ أنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ [النساء: ٩٩] قالَ الحَسَنُ: عَسى مِنَ اللَّهِ واجِبَةٌ وقِيلَ: إنَّها بِمَنزِلَةِ الوَعْدِ؛ لِأنَّهُ لا يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ شَكٍّ وقِيلَ: إنَّما هَذا عَلى شَكِّ العِبادِ، أيْ كُونُوا أنْتُمْ عَلى الرَّجاءِ والطَّمَعِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب