الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَتَّخِذُوا مِنهم أوْلِياءَ حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي واَللَّهُ أعْلَمُ: حَتّى يُسْلِمُوا ويُهاجِرُوا؛ لِأنَّ الهِجْرَةَ بَعْدَ الإسْلامِ، وأنَّهم وإنْ أسْلَمُوا لَمْ تَكُنْ بَيْنَنا وبَيْنَهم مُوالاةٌ إلّا بَعْدَ الهِجْرَةِ، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما لَكم مِن ولايَتِهِمْ مِن شَيْءٍ حَتّى يُهاجِرُوا﴾ [الأنفال: ٧٢] وهَذا في حالِ ما كانَتِ الهِجْرَةُ فَرْضًا؛ وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أنا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ أقامَ بَيْنَ أظْهُرِ المُشْرِكِينَ، وأنا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسْلِمٍ أقامَ مَعَ مُشْرِكٍ قِيلَ: ولِمَ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قالَ: لا تَراءى ناراهُما» . فَكانَتِ الهِجْرَةُ فَرْضًا إلى أنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ فَنُسِخَ فَرْضُ الهِجْرَةِ. حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ مَنصُورٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ طاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «لا هِجْرَةَ ولَكِنْ جِهادٌ ونِيَّةٌ وإذا اسْتُنْفِرْتُمْ فانْفِرُوا» . حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُؤَمَّلُ بْنُ الفَضْلِ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ عَنِ الأوْزاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطاءِ (p-١٨٨)بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: «أنَّ أعْرابِيًّا سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الهِجْرَةِ، فَقالَ: ويْحَكَ إنَّ شَأْنَ الهِجْرَةِ شَدِيدٌ فَهَلْ لَكَ مِن إبِلٍ ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَهَلْ تُؤَدِّي صَدَقَتَها ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فاعْمَلْ مِن وراءِ البِحارِ فَإنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِن عَمَلِكَ شَيْئًا» فَأباحَ النَّبِيُّ ﷺ تَرْكَ الهِجْرَةِ. وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ قالَ: حَدَّثَنا يَحْيى عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ أبِي خالِدٍ قالَ: حَدَّثَنا عامِرٌ قالَ: أتى رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَقالَ: أخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ» . ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّ حُكْمَ الآيَةِ ثابِتٌ في كُلِّ مَن أقامَ في دارِ الحَرْبِ فَرَأى فَرْضَ الهِجْرَةِ إلى دارِ الإسْلامِ قائِمًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَخُذُوهم واقْتُلُوهُمْ﴾ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: " فَإنْ تَوَلَّوْا عَنِ الهِجْرَةِ " . قالَ أبُو بَكْرٍ: يَعْنِي واَللَّهُ أعْلَمُ: فَإنْ تَوَلَّوْا عَنِ الإيمانِ والهِجْرَةِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿حَتّى يُهاجِرُوا في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قَدِ انْتَظَمَ الإيمانَ والهِجْرَةَ جَمِيعًا، وقَوْلُهُ: ﴿فَإنْ تَوَلَّوْا﴾ راجِعٌ إلَيْهِما؛ ولِأنَّ مَن أسْلَمَ حِينَئِذٍ ولَمْ يُهاجِرْ لَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ في ذَلِكَ الوَقْتِ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ: فَإنْ تَوَلَّوْا عَنِ الإيمانِ والهِجْرَةِ فَخُذُوهم واقْتُلُوهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب