الباحث القرآني
(p-١٧٧)بابٌ في طاعَةِ أُولِي الأمْرِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾
قالَ أبُو بَكْرٍ: اُخْتُلِفَ في تَأْوِيلِ أُولِي الأمْرِ، فَرُوِيَ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةً والحَسَنِ وعَطاءٍ ومُجاهِدٍ: " أنَّهم أُولُو الفِقْهِ والعِلْمِ "، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رِوايَةً وأبِي هُرَيْرَةَ: " أنَّهم أُمَراءُ السَّرايا " . ويَجُوزُ أنْ يَكُونُوا جَمِيعًا مُرادِينَ بِالآيَةِ؛ لِأنَّ الِاسْمَ يَتَناوَلُهم جَمِيعًا؛ لِأنَّ الأُمَراءَ يَلُونَ أمْرَ تَدْبِيرِ الجُيُوشِ والسَّرايا وقِتالِ العَدُوِّ، والعُلَماءَ يَلُونَ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ وما يَجُوزُ مِمّا لا يَجُوزُ، فَأمَرَ النّاسَ بِطاعَتِهِمْ والقَبُولِ مِنهم ما عَدَلَ الأُمَراءُ والحُكّامُ وكانَ العُلَماءُ عُدُولًا مَرْضِيِّينَ مَوْثُوقًا بِدِينِهِمْ وأمانَتِهِمْ فِيما يُؤَدُّونَ؛ وهو نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]
ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ: إنَّ الأظْهَرَ مِن أُولِي الأمْرِ هَهُنا أنَّهُمُ الأُمَراءُ؛ لِأنَّهُ قَدَّمَ ذِكْرَ الأمْرِ بِالعَدْلِ؛ وهَذا خِطابٌ لِمَن يَمْلِكُ تَنْفِيذَ الأحْكامِ وهُمُ الأُمَراءُ والقُضاةُ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ الأمْرَ بِطاعَةِ أُولِي الأمْرِ وهم وُلاةُ الأمْرِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِمْ ما دامُوا عُدُولًا مَرْضِيِّينَ ولَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ أمْرًا بِطاعَةِ الفَرِيقَيْنِ مِن أُولِي الأمْرِ وهم أُمَراءُ السَّرايا والعُلَماءُ؛ إذْ لَيْسَ في تَقَدُّمِ الأمْرِ بِالحُكْمِ بِالعَدْلِ ما يُوجِبُ الِاقْتِصارَ بِالأمْرِ بِطاعَةِ أُولِي الأمْرِ عَلى الأُمَراءِ دُونَ غَيْرِهِمْ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن أطاعَ أمِيرِي فَقَدْ أطاعَنِي» .
ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالخِيفِ مِن مِنًى فَقالَ: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقالَتِي فَوَعاها ثُمَّ أدّاها إلى مَن لَمْ يَسْمَعْها، فَرُبَّ حامِلِ فِقْهٍ لا فِقْهَ لَهُ ورُبَّ حامِلِ فِقْهٍ إلى مَن هو أفْقَهُ مِنهُ. ثَلاثٌ لا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُؤْمِنٍ: إخْلاصُ العَمَلِ لِلَّهِ تَعالى» وقالَ بَعْضُهم: «وطاعَةُ ذَوِي الأمْرِ» وقالَ بَعْضُهم: «والنَّصِيحَةُ لِأُولِي الأمْرِ ولُزُومُ جَماعَةِ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ دَعْوَتَهم تُحِيطُ مَن وراءَهم» .
والأظْهَرُ مِن هَذا الحَدِيثِ أنَّهُ أرادَ بِأُولِي الأمْرِ الأُمَراءَ. وقَوْلُهُ تَعالى عَقِيبَ ذَلِكَ: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ أُولِي الأمْرِ هُمُ الفُقَهاءُ؛ لِأنَّهُ أمَرَ سائِرَ النّاسِ بِطاعَتِهِمْ ثُمَّ قالَ: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ فَأمَرَ أُولِي الأمْرِ بِرَدِّ المُتَنازَعِ فِيهِ إلى كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ؛ إذْ كانَتِ العامَّةُ ومَن لَيْسَ مِن أهْلِ العِلْمِ لَيْسَتْ هَذِهِ مَنزِلَتَهم؛ لِأنَّهم لا يَعْرِفُونَ كَيْفِيَّةَ الرَّدِّ إلى كِتابِ اللَّهِ والسُّنَّةِ ووُجُوهَ دَلائِلِهِما عَلى أحْكامِ الحَوادِثِ فَثَبَتَ أنَّهُ خِطابٌ لِلْعُلَماءِ.
واسْتَدَلَّ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ عَلى إبْطالِ قَوْلِ (p-١٧٨)الرّافِضَةِ في الإمامَةِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾ قالَ: فَلَيْسَ يَخْلُو أُولُو الأمْرِ مِن أنْ يَكُونُوا الفُقَهاءَ أوِ الأُمَراءَ أوِ الإمامَ الَّذِي يَدْعُونَهُ، فَإنْ كانَ المُرادُ الفُقَهاءَ والأُمَراءَ فَقَدْ بَطَلَ أنْ يَكُونَ الإمامُ، والفُقَهاءُ والأُمَراءُ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الغَلَطُ والسَّهْوُ والتَّبْدِيلُ والتَّغْيِيرُ وقَدْ أُمِرْنا بِطاعَتِهِمْ.
وهَذا يُبْطِلُ أصْلَ الإمامَةِ فَإنَّ شَرْطَ الإمامِ عِنْدَهم أنْ يَكُونَ مَعْصُومًا لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الغَلَطُ والخَطَأُ والتَّبْدِيلُ والتَّغْيِيرُ؛ ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ الإمامَ؛ لِأنَّهُ قالَ في نَسَقِ الخِطابِ: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ فَلَوْ كانَ هُناكَ إمامٌ مَفْرُوضُ الطّاعَةِ لَكانَ الرَّدُّ إلَيْهِ واجِبًا وكانَ هو يَقْطَعُ الخِلافَ والتَّنازُعَ، فَلَمّا أمَرَ بِرَدِّ المُتَنازَعِ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ دُونَ الإمامِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى بُطْلانِ قَوْلِهِمْ في الإمامَةِ، ولَوْ كانَ هُناكَ إمامٌ تَجِبُ طاعَتُهُ لَقالَ: فَرُدُّوهُ إلى الإمامِ؛ لِأنَّ الإمامَ عِنْدَهم هو الَّذِي يَقْضِي قَوْلُهُ عَلى تَأْوِيلِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فَلَمّا أمَرَ بِطاعَةِ أُمَراءِ السَّرايا والفُقَهاءِ وأمَرَ بِرَدِّ المُتَنازَعِ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ دُونَ الإمامِ ثَبَتَ أنَّ الإمامَ غَيْرُ مَفْرُوضِ الطّاعَةِ في أحْكامِ الحَوادِثِ المُتَنازَعِ فِيها، وأنَّ لِكُلِّ واحِدٍ مِنَ الفُقَهاءِ أنْ يَرُدَّها إلى نَظائِرِها مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ.
وزَعَمَتْ هَذِهِ الطّائِفَةُ أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ﴾ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهَذا تَأْوِيلٌ فاسِدٌ؛ لِأنَّ أُولِي الأمْرِ جَماعَةٌ وعَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَجُلٌ واحِدٌ. وأيْضًا فَقَدْ كانَ النّاسُ مَأْمُورِينَ بِطاعَةِ أُولِي الأمْرِ في زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَعْلُومٌ أنَّ عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ لَمْ يَكُنْ إمامًا في أيّامِ النَّبِيِّ ﷺ فَثَبَتَ أنَّ أُولِي الأمْرِ في زَمانِ النَّبِيِّ ﷺ كانُوا أُمَراءَ وقَدْ كانَ عَلى المُوَلّى عَلَيْهِمْ طاعَتُهم ما لَمْ يَأْمُرُوهم بِمَعْصِيَةٍ، وكَذَلِكَ حُكْمُهم بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ في لُزُومِ اتِّباعِهِمْ وطاعَتِهِمْ ما لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ ومَيْمُونَ بْنِ مِهْرانَ والسُّدِّيِّ: " إلى كِتابِ اللَّهِ تَعالى وسُنَّةِ رَسُولِهِ ﷺ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: وذَلِكَ عُمُومٌ في وُجُوبِ الرَّدِّ إلى كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ في حَياةِ النَّبِيِّ وبَعْدَ وفاتِهِ ﷺ . والرَّدُّ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ يَكُونُ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: إلى المَنصُوصِ عَلَيْهِ المَذْكُورِ بِاسْمِهِ ومَعْناهُ، والثّانِي: الرَّدُّ إلَيْهِما مِن جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلَيْهِ واعْتِبارِهِ بِهِ مِن طَرِيقِ القِياسِ والنَّظائِرِ؛ وعُمُومُ اللَّفْظِ يَنْتَظِمُ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَوَجَبَ إذا تَنازَعْنا في شَيْءٍ رَدُّهُ إلى نَصِّ الكِتابِ والسُّنَّةِ إنْ وجَدْنا المُتَنازَعَ فِيهِ مَنصُوصًا عَلى حُكْمِهِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، وإنْ لَمْ نَجِدْ (p-١٧٩)فِيهِ نَصًّا مِنهُما وجَبَ رَدُّهُ إلى نَظِيرِهِ مِنهُما؛ لِأنّا مَأْمُورُونَ بِالرَّدِّ في كُلِّ حالٍ؛ إذْ لَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ تَعالى الأمْرَ بِالرَّدِّ إلَيْهِما في حالٍ دُونَ حالٍ.
وعَلى أنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فَحْوى الكَلامِ وظاهِرُهُ الرَّدُّ إلَيْهِما فِيما لا نَصَّ فِيهِ وذَلِكَ لِأنَّ المَنصُوصَ عَلَيْهِ الَّذِي لا احْتِمالَ فِيهِ لِغَيْرِهِ لا يَقَعُ التَّنازُعُ فِيهِ مِنَ الصَّحابَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِاللُّغَةِ ومَعْرِفَتِهِمْ بِما فِيهِ احْتِمالٌ مِمّا لا احْتِمالَ فِيهِ، فَظاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي رَدَّ المُتَنازَعِ فِيهِ إلى نَظائِرِهِ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ.
فَإنْ قِيلَ: إنَّما المُرادُ بِذَلِكَ تَرْكُ التَّنازُعِ والتَّسْلِيمُ لِما في كِتابِ اللَّهِ وسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ .
قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ خِطابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّهُ قالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فَإنْ كانَ تَأْوِيلُهُ ما ذَكَرْتَ فَإنَّ مَعْناهُ: اتَّبِعُوا كِتابَ اللَّهِ وسُنَّةَ نَبِيِّهِ وأطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ؛ وقَدْ عَلِمْنا أنَّ كُلَّ مَن آمَنَ فَفي اعْتِقادِهِ لِلْإيمانِ اعْتِقادٌ لِالتِزامِ حُكْمِ اللَّهِ وسُنَّةِ الرَّسُولِ ﷺ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى إبْطالِ فائِدَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ وعَلى أنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ الأمْرُ بِهِ في أوَّلِ الآيَةِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أطِيعُوا اللَّهَ وأطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فَغَيْرُ جائِزٍ حَمْلُ مَعْنى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ عَلى ما قَدْ أفادَهُ بَدِيًّا في أوَّلِ الخِطابِ، ووَجَبَ حَمْلُهُ عَلى فائِدَةٍ مُجَدَّدَةٍ وهو رَدُّ غَيْرِ المَنصُوصِ عَلَيْهِ وهو الَّذِي وقَعَ فِيهِ التَّنازُعُ إلى المَنصُوصِ عَلَيْهِ؛ وعَلى أنّا نَرُدُّ جَمِيعَ المُتَنازَعِ فِيهِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ بِحَقِّ العُمُومِ ولا نُخْرِجُ مِنهُ شَيْئًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَتِ الصَّحابَةُ مُخاطَبِينَ بِحُكْمِ هَذِهِ الآيَةِ عِنْدَ التَّنازُعِ في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ وكانَ مَعْلُومًا أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمُ اسْتِعْمالُ الرَّأْيِ والقِياسِ في أحْكامِ الحَوادِثِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ بَلْ كانَ عَلَيْهِمُ التَّسْلِيمُ لَهُ واتِّباعُ أمْرِهِ دُونَ تَكَلُّفِ الرَّدِّ مِن طَرِيقِ القِياسِ، ثَبَتَ أنَّ المُرادَ اسْتِعْمالُ المَنصُوصِ وتَرْكُ تَكَلُّفِ النَّظَرِ والِاجْتِهادِ فِيما لا نَصَّ فِيهِ. قِيلَ لَهُ: هَذا غَلَطٌ وذَلِكَ؛ لِأنَّ اسْتِعْمالَ الرَّأْيِ والِاجْتِهادِ ورَدَّ الحَوادِثِ إلى نَظائِرِها مِنَ المَنصُوصِ قَدْ كانَ جائِزًا في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ في حالَيْنِ ولَمْ يَكُنْ يَجُوزُ في حالٍ؛ فَأمّا الحالانِ اللَّتانِ كانَتا يَجُوزُ فِيهِما الِاجْتِهادُ في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ فَإحْداهُما في حالِ غَيْبَتِهِمْ عَنْ حَضْرَتِهِ، كَما أمَرَ النَّبِيُّ ﷺ مُعاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ فَقالَ لَهُ: «كَيْفَ تَقْضِي إنْ عَرَضَ لَكَ قَضاءٌ ؟ قالَ: أقْضِي بِكِتابِ اللَّهِ قالَ: فَإنْ لَمْ يَكُنْ في كِتابِ اللَّهِ ؟ قالَ: أقْضِي بِسُنَّةِ نَبِيِّ اللَّهِ، قالَ: فَإنْ لَمْ يَكُنْ في كِتابِ اللَّهِ ولا في سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قالَ: أجْتَهِدُ رَأْيِي لا آلُو، قالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى صَدْرِهِ وقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِما يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»؛ فَهَذِهِ إحْدى الحالَيْنِ اللَّتَيْنِ كانَ يَجُوزُ الِاجْتِهادُ فِيهِما في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ . والحالُ الأُخْرى: أنْ يَأْمُرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالِاجْتِهادِ (p-١٨٠)بِحَضْرَتِهِ ورَدِّ الحادِثَةِ إلى نَظِيرِها لِيَسْتَبْرِئَ في اجْتِهادِهِ وهَلْ هو مَوْضِعٌ لِذَلِكَ، ولَكِنْ إنْ أخْطَأ وتَرَكَ طَرِيقَ النَّظَرِ أعْلَمَهُ وسَدَّدَهُ، وكانَ يُعَلِّمُهم وُجُوبَ الِاجْتِهادِ في أحْكامِ الحَوادِثِ بَعْدَهُ. فالِاجْتِهادُ بِحَضْرَتِهِ عَلى هَذا الوَجْهِ سائِغٌ، كَما حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ خالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: حَدَّثَنا أبِي عَنْ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمانَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ: «جاءَ خَصْمانِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: اقْضِ بَيْنَهُما يا عُقْبَةُ قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ أقْضِي بَيْنَهُما وأنْتَ حاضِرٌ قالَ: اقْضِ بَيْنَهُما فَإنْ أصَبْتَ فَلَكَ عَشْرُ حَسَناتٍ وإنْ أخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ واحِدَةٌ»؛ فَأباحَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ الِاجْتِهادَ بِحَضْرَتِهِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنا وأمْرُ النَّبِيِّ ﷺ لِمُعاذٍ وعُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ بِالِاجْتِهادِ صَدَرَ عِنْدَنا عَنِ الآيَةِ، وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ لِأنّا مَتى وجَدْنا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ حُكْمًا مُواطِئًا لِمَعْنى قَدْ ورَدَ بِهِ القُرْآنُ حَمَلْناهُ عَلى أنَّهُ حَكَمَ بِهِ عَنِ القُرْآنِ وأنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا مُبْتَدَأً مِنَ النَّبِيِّ ﷺ كَنَحْوِ قَطْعِهِ السّارِقَ وجَلْدِهِ الزّانِيَ وما جَرى مَجْراهُما؛ فَقَوْلُ القائِلِ " إنَّ الِاجْتِهادَ في أحْكامِ الحَوادِثِ لَمْ يَكُنْ سائِغًا في زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وإنَّ رَدَّ المُتَنازَعِ فِيهِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ كانَ واجِبًا حِينَئِذٍ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ تَرْكُ الِاخْتِلافِ والتَّنازُعِ والتَّسْلِيمُ لِلْمَنصُوصِ عَلَيْهِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ " غَيْرُ صَحِيحٍ.
وأمّا الحالُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَسُوغُ الِاجْتِهادُ فِيها في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ فَهو أنْ يَجْتَهِدَ بِحَضْرَتِهِ عَلى جِهَةِ إمْضاءِ الحُكْمِ والِاسْتِبْدادِ بِالرَّأْيِ لا عَلى الوَجْهِ الَّذِي قَدَّمْناهُ، فَهَذا لَعَمْرِي اجْتِهادٌ مُطَّرَحٌ لا حُكْمَ لَهُ، ولَمْ يَكُنْ يَسُوغُ ذَلِكَ لِأحَدٍ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَ وَأُو۟لِی ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَـٰزَعۡتُمۡ فِی شَیۡءࣲ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ ذَ ٰلِكَ خَیۡرࣱ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِیلًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق