الباحث القرآني
* بابُ النَّهْيِ عَنِ التَّمَنِّي
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ رَوى سُفْيانُ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ يَغْزُو الرِّجالُ ولا تَغْزُو النِّساءُ ويُذْكَرُ الرِّجالُ ولا تُذْكَرُ النِّساءُ ؟ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ الآيَةَ، ونَزَلَتْ: ﴿إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ﴾ [الأحزاب: ٣٥] ورَوى قَتادَةُ عَنِ الحَسَنِ قالَ: " لا يَتَمَنَّ أحَدٌ المالَ وما يُدْرِيهِ لَعَلَّ هَلاكَهُ في ذَلِكَ المالِ " .
وقالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكم عَلى بَعْضٍ﴾ قالَ: كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ لا يُوَرِّثُونَ المَرْأةَ شَيْئًا ولا الصَّبِيَّ ويَجْعَلُونَ المِيراثَ لِمَن يُحِبُّونَ فَلَمّا أُلْحِقَ لِلْمَرْأةِ نَصِيبُها ولِلصَّبِيِّ نَصِيبُهُ وجُعِلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ (p-١٤٢)الأُنْثَيَيْنِ، قالَتِ النِّساءُ: لَوْ كانَ أنْصِباؤُنا في المِيراثِ كَأنْصِباءِ الرِّجالِ وقالَ الرِّجالُ: إنّا لَنَرْجُو أنْ نُفَضَّلَ عَلى النِّساءِ في الآخِرَةِ كَما فُضِّلْنا عَلَيْهِنَّ في المِيراثِ فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ﴾ يَقُولُ: المَرْأةُ تُجْزى بِحَسَناتِها عَشْرَ أمْثالِها كَما يُجْزى الرَّجُلُ؛ قالَ: ﴿واسْألُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ونَهى اللَّهُ عَنْ تَمَنِّي ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَنا عَلى بَعْضٍ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لَوْ عَلِمَ أنَّ المَصْلَحَةَ لَهُ في إعْطائِهِ ما أعْطى الآخَرَ لَفَعَلَ، ولِأنَّهُ لا يَمْنَعُ مِن بُخْلٍ ولا عَدَمٍ وإنَّما يَمْنَعُ لِيُعْطِيَ ما هو أكْثَرَ مِنهُ.
وقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنِ الحَسَدِ وهو تَمَنِّي زَوالِ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ إلَيْهِ، وهو مِثْلُ ما رَوى أبُو هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلى خِطْبَةِ أخِيهِ ولا يَسُومُ عَلى سَوْمِ أخِيهِ ولا تَسْألُ المَرْأةُ طَلاقَ أُخْتِها لِتَكْتَفِئَ ما في صَحْفَتِها فَإنَّ اللَّهَ هو رازِقُها»، فَنَهى ﷺ أنْ يَخْطُبَ عَلى خِطْبَةِ أخِيهِ إذا كانَتْ قَدْ رَكَنَتْ إلَيْهِ ورَضِيَتْ بِهِ، وأنْ يَسُومَ عَلى سَوْمِهِ كَذَلِكَ؛ فَما ظَنُّكَ بِمَن يَتَمَنّى أنْ يُجْعَلَ لَهُ ما قَدْ صارَ لِغَيْرِهِ ومَلَكَهُ وقالَ ﷺ: «لا تَسْألُ المَرْأةُ طَلاقَ أُخْتِها لِتَكْتَفِئَ ما في صَحْفَتِها»، يَعْنِي أنْ تَسْعى في إسْقاطِ حَقِّها وتَحْصِيلِهِ لِنَفَسِها.
ورَوى سُفْيانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالِمٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا حَسَدَ إلّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٍ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَهو يُنْفِقُ مِنهُ آناءَ اللَّيْلِ والنَّهارِ، ورَجُلٍ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَقُومُ بِهِ آناءَ اللَّيْلِ والنَّهارِ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: والتَّمَنِّي عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: أنْ يَتَمَنّى الرَّجُلُ أنْ تَزُولَ نِعْمَةُ غَيْرِهِ عَنْهُ، فَهَذا الحَسَدُ، وهو التَّمَنِّي المَنهِيُّ عَنْهُ. والآخَرُ: أنْ يَتَمَنّى أنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ ما لِغَيْرِهِ مِن غَيْرِ أنْ يُرِيدَ زَوالَ النِّعْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ، فَهَذا غَيْرُ مَحْظُورٍ إذا قُصِدَ بِهِ وجْهُ المَصْلَحَةِ، وما يَجُوزُ في الحِكْمَةِ.
ومِنَ التَّمَنِّي المَنهِيِّ عَنْهُ أنْ يَتَمَنّى ما يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهُ، مِثْلُ أنْ تَتَمَنّى المَرْأةُ أنْ تَكُونَ رَجُلًا أوْ تَتَمَنّى حالَ الخِلافَةِ والإمامَةِ ونَحْوِها مِنَ الأُمُورِ الَّتِي قَدْ عُلِمَ أنَّها لا تَكُونُ ولا تَقَعُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا اكْتَسَبْنَ﴾ قِيلَ فِيهِ وُجُوهٌ:
أحَدُها: أنَّ لِكُلِّ واحِدٍ حَظًّا مِنَ الثَّوابِ قَدْ عَرَضَ لَهُ بِحُسْنِ التَّدْبِيرِ في أمْرِهِ ولُطِفَ لَهُ فِيهِ حَتّى اسْتَحَقَّهُ وبَلَغَ عُلُوَّ المَنزِلَةِ بِهِ، فَلا تَتَمَنَّوْا خِلافَ هَذا التَّدْبِيرِ، فَإنَّ لِكُلٍّ مِنهم حَظَّهُ ونَصِيبَهُ غَيْرَ مَبْخُوسٍ ولا مَنقُوصٍ والآخَرُ: أنَّ لِكُلِّ أحَدٍ جَزاءَ ما اكْتَسَبَ فَلا يُضَيِّعْهُ بِتَمَنِّي ما لِغَيْرِهِ مُحْبِطًا لِعَمَلِهِ.
وقِيلَ فِيهِ: إنَّ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ نَصِيبًا مِمّا اكْتَسَبَ مِن نِعَمِ الدُّنْيا، فَعَلَيْهِ أنْ يَرْضى بِما قَسَمَ اللَّهُ لَهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿واسْألُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ﴾ قِيلَ (p-١٤٣)فِيهِ: إنَّ مَعْناهُ إنِ احْتَجْتُمْ إلى ما لِغَيْرِكم فَسَلُوا اللَّهَ أنْ يُعْطِيَكم مِثْلَ ذَلِكَ مِن فَضْلِهِ، لا بِأنْ تَتَمَنَّوْا ما لِغَيْرِكم؛ إلّا أنَّ هَذِهِ المَسْألَةَ تُغْنِي إنْ تَكُنْ مَعْقُودَةً بِشَرِيطَةِ المَصْلَحَةِ، واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِالصَّوابِ.
{"ayah":"وَلَا تَتَمَنَّوۡا۟ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضࣲۚ لِّلرِّجَالِ نَصِیبࣱ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُوا۟ۖ وَلِلنِّسَاۤءِ نَصِیبࣱ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُوا۟ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق