الباحث القرآني
ذِكْرُ اخْتِلافِ السَّلَفِ وسائِرِ فُقَهاءِ الأمْصارِ فِيما يَحِلُّ أخْذُهُ بِالخُلْعِ
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنَّهُ كَرِهَ أنْ يَأْخُذَ مِنها أكْثَرَ مِمّا أعْطاها؛ وهو قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ؛ والحَسَنِ؛ وطاوُسٍ؛ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ؛ وعُثْمانَ؛ وابْنِ عُمَرَ؛ وابْنِ عَبّاسٍ؛ ومُجاهِدٍ؛ وإبْراهِيمَ؛ والحَسَنِ؛ رِوايَةٌ أُخْرى؛ أنَّهُ جائِزٌ لَهُ أنْ يَخْلَعَها عَلى أكْثَرَ مِمّا أعْطاها؛ ولَوْ بِعِقاصِها؛ وقالَ أبُو حَنِيفَةَ؛ وزُفَرُ؛ وأبُو يُوسُفَ؛ ومُحَمَّدٌ: إذا كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِها حَلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها ما أعْطاها؛ ولا يَزْدادَ؛ وإنْ كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها شَيْئًا؛ فَإنْ فَعَلَ جازَ في القَضاءِ؛ وقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَجُوزُ المُبارَأةُ إذا كانَتْ مِن غَيْرِ إضْرارٍ مِنهُ؛ وإنْ كانَتْ عَلى إضْرارٍ مِنهُ لَمْ تَجُزْ؛ وقالَ ابْنُ وهْبٍ؛ عَنْ مالِكٍ: إذا عُلِمَ أنَّ زَوْجَها أضَرَّ بِها؛ وضَيَّقَ عَلَيْها؛ وأنَّهُ ظالِمٌ لَها؛ قَضى عَلَيْها الطَّلاقَ؛ ورَدَّ عَلَيْها مالَها.
وذَكَرَ ابْنُ القاسِمِ عَنْ مالِكٍ؛ أنَّهُ جائِزٌ لِلرَّجُلِ أنْ يَأْخُذَ مِنها في الخُلْعِ أكْثَرَ مِمّا أعْطاها؛ ويَحِلُّ لَهُ؛ وإنْ كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِ الزَّوْجِ حَلَّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ ما أعْطَتْهُ عَلى الخُلْعِ؛ إذا رَضِيَتْ بِذَلِكَ؛ ولَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنهُ لَها؛ وعَنِ اللَّيْثِ نَحْوُ ذَلِكَ؛ وقالَ الثَّوْرِيُّ: إذا كانَ الخُلْعُ مِن قِبَلِها فَلا بَأْسَ أنْ يَأْخُذَ مِنها شَيْئًا؛ وإذا (p-٩٢)كانَ مِن قِبَلِهِ فَلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها شَيْئًا؛ وقالَ الأوْزاعِيُّ في رَجُلٍ خالَعَ امْرَأتَهُ وهي مَرِيضَةٌ: إنْ كانَتْ ناشِزَةً كانَ في ثُلُثِها؛ وإنْ لَمْ تَكُنْ ناشِزَةً رُدَّ عَلَيْها؛ وكانَتْ لَهُ عَلَيْها الرَّجْعَةُ؛ وإنْ خالَعَها؛ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها؛ عَلى جَمِيعِ ما أصْدَقَها؛ ولَمْ يَتَبَيَّنْ مِنها نُشُوزٌ؛ فَإنَّهُما إذا اجْتَمَعا عَلى فَسْخِ النِّكاحِ قَبْلَ أنْ يَدْخُلَ بِها؛ فَلا أرى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ وقالَ الحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إذا كانَتِ الإساءَةُ مِن قِبَلِهِ فَلَيْسَ لَهُ أنْ يَخْلَعَها بِقَلِيلٍ؛ ولا بِكَثِيرٍ؛ وإذا كانَتِ الإساءَةُ مِن قِبَلِها؛ والتَّعْطِيلُ لِحَقِّهِ؛ كانَ لَهُ أنْ يُخالِعَها عَلى ما تَراضَيا عَلَيْهِ؛ وكَذَلِكَ قَوْلُ عُثْمانَ البَتِّيِّ.
وقالَ الشّافِعِيُّ: إذا كانَتِ المَرْأةُ مانِعَةً ما يَجِبُ عَلَيْها لِزَوْجِها حَلَّتِ الفِدْيَةُ لِلزَّوْجِ؛ وإذا حَلَّ لَهُ أنْ يَأْكُلَ ما طابَتْ بِهِ نَفْسًا عَلى غَيْرِ فِراقٍ؛ حَلَّ لَهُ أنْ يَأْكُلَ ما طابَتْ بِهِ نَفْسًا وتَأْخُذَ الفِراقَ بِهِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ أنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى) في الخُلْعِ آياتٍ؛ مِنها قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا أتَأْخُذُونَهُ بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا﴾؛ فَهَذا يَمْنَعُ أخْذَ شَيْءٍ مِنها إذا كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِهِ؛ فَلِذَلِكَ قالَ أصْحابُنا: لا يَحِلُّ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها في هَذِهِ الحالِ شَيْئًا؛ وقالَ (تَعالى) في آيَةٍ أُخْرى: ﴿ولا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أنْ يَخافا ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ فَأباحَ في هَذِهِ الآيَةِ الأخْذَ عِنْدَ خَوْفِهِما تَرْكَ إقامَةِ حُدُودِ اللَّهِ؛ وذَلِكَ عَلى ما قَدَّمْنا مِن بُغْضِ المَرْأةِ لِزَوْجِها؛ وسُوءِ خُلُقِها؛ أوْ كانَ ذَلِكَ مِنهُما؛ فَيُباحُ لَهُ أخْذُ ما أعْطاها؛ ولا يَزْدادُ؛ والظّاهِرُ يَقْتَضِي جَوازَ أخْذِ الجَمِيعِ؛ ولَكِنَّ ما زادَ مَخْصُوصٌ بِالسُّنَّةِ.
وقالَ (تَعالى) في آيَةٍ أُخْرى: ﴿لا يَحِلُّ لَكم أنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهًا ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩]؛ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ خِطابٌ لِلزَّوْجِ؛ وحُظِرَ بِهِ أخْذُ شَيْءٍ مِمّا أعْطاها؛ إلّا أنْ تَأْتِيَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ؛ قِيلَ فِيها: إنَّها هي الزِّنا؛ وقِيلَ فِيها: إنَّها النُّشُوزُ مِن قِبَلِها؛ وهَذِهِ نَظِيرُ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ وقالَ (تَعالى) في آيَةٍ أُخْرى: ﴿وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها﴾ [النساء: ٣٥]؛ وسَنَذْكُرُ حُكْمَها في مَواضِعِها إنْ شاءَ اللَّهُ (تَعالى).
وذَكَرَ اللَّهُ (تَعالى) إباحَةَ أخْذِ المَهْرِ في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ؛ إلّا أنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حالَ الخُلْعِ؛ في قَوْلِهِ: ﴿وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإنْ طِبْنَ لَكم عَنْ شَيْءٍ مِنهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤]؛ وقالَ: ﴿وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إلا أنْ يَعْفُونَ أوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٧]؛ وهَذِهِ الآياتُ كُلُّها مُسْتَعْمَلَةٌ عَلى مُقْتَضى أحْكامِها؛ فَقُلْنا: إذا كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ (p-٩٣)أخْذُ شَيْءٍ مِنها؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا﴾؛ وقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٩]؛ وإذا كانَ النُّشُوزُ مِن قِبَلِها؛ أوْ خافا - لِسُوءِ خُلُقِها؛ أوْ بُغْضِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما لِصاحِبِهِ - ألّا يُقِيما؛ جازَ لَهُ أنْ يَأْخُذَ ما أعْطاها؛ ولا يَزْدادَ؛ وكَذَلِكَ: ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩]؛ وقَدْ قِيلَ فِيهِ: إلّا أنْ تَنْشُزَ فَيَجُوزَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أخْذُ ما أعْطاها.
وأمّا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ طِبْنَ لَكم عَنْ شَيْءٍ مِنهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤]؛ فَهَذا في غَيْرِ حالِ الخُلْعِ؛ بَلْ في حالِ الرِّضا بِتَرْكِ المَهْرِ بِطِيبَةٍ مِن نَفْسِها بِهِ.
وقَوْلُ مَن قالَ: "إنَّهُ لَمّا أجازَ أخْذَ مالِها بِغَيْرِ خَلْعٍ؛ فَهو جائِزٌ في الخُلْعِ "؛ خَطَأٌ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) قَدْ نَصَّ عَلى المَوْضِعَيْنِ في أحَدِهِما بِالحَظْرِ؛ وهو قَوْلُهُ ( تَعالى): ﴿وإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ﴾؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أنْ يَخافا ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ وفي الآخَرِ بِالإباحَةِ؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ طِبْنَ لَكم عَنْ شَيْءٍ مِنهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: ٤]؛ فَقَوْلُ القائِلِ: "لَمّا جازَ أنْ يَأْخُذَ مالَها بِطِيبَةِ نَفْسِها مِن غَيْرِ خُلْعٍ؛ جازَ في الخُلْعِ "؛ قَوْلٌ مُخالِفٌ لِنَصِّ الكِتابِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في الخُلْعِ ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ؛ عَنْ مالِكٍ؛ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ؛ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرارَةَ؛ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الأنْصارِيَّةِ؛ أنَّها كانَتْ تَحْتَ ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمّاسِ؛ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إلى الصُّبْحِ؛ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بابِهِ في الغَلَسِ؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَن هَذِهِ؟"؛ قالَتْ: أنا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ؛ قالَ: "ما شَأْنُكِ؟"؛ قالَتْ: لا أنا؛ ولا ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ - لِزَوْجِها -؛ فَلَمّا جاءَهُ ثابِتُ بْنُ قَيْسٍ قالَ لَهُ: "هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ؛ قَدْ ذَكَرَتْ ما شاءَ اللَّهُ أنْ تَذْكُرَ"؛ فَقالَتْ حَبِيبَةُ: كُلُّ ما أعْطانِي عِنْدِي؛ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِثابِتٍ: "خُذْ مِنها"؛ فَأخَذَ مِنها؛ وجَلَسَتْ في أهْلِها؛» ورُوِيَ فِيهِ ألْفاظٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ في بَعْضِها: "خَلِّ سَبِيلَها"؛ وفي بَعْضِها: "فارِقْها".
وإنَّما قالُوا: إنَّهُ لا يَسَعُهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها أكْثَرَ مِمّا أعْطاها لِما حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ؛ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ أبِي سَمِينَةَ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ؛ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ؛ عَنْ عَطاءٍ؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ «أنَّ رَجُلًا خاصَمَ امْرَأتَهُ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "تَرُدِّينَ إلَيْهِ ما أخَذْتِ مِنهُ؟"؛ قالَتْ: نَعَمْ؛ وزِيادَةً؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أمّا الزِّيادَةُ فَلا"؛» وقالَ أصْحابُنا: لا يَأْخُذُ مِنهُ الزِّيادَةَ؛ لِهَذا الخَبَرِ؛ وخَصُّوا بِهِ ظاهِرَ الآيَةِ؛ وإنَّما جازَ تَخْصِيصُ هَذا الظّاهِرِ (p-٩٤)بِخَبَرِ الواحِدِ؛ مِن قِبَلِ أنَّ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ خِفْتُمْ ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ لِمَعانٍ؛ والِاجْتِهادُ سائِغٌ فِيهِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ فِيهِ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩]؛ مُحْتَمِلٌ لِمَعانٍ؛ عَلى ما وصَفْنا؛ فَجازَ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الواحِدِ؛ وهو كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ [المائدة: ٦]؛ وقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧]؛ لَمّا كانَ مُحْتَمِلًا لِلْوُجُوهِ؛ واخْتَلَفَ السَّلَفُ في المُرادِ بِهِ؛ جازَ قَبُولُ خَبَرِ الواحِدِ في مَعْناهُ المُرادِ بِهِ.
وإنَّما قالَ أصْحابُنا: إذا خَلَعَها عَلى أكْثَرَ مِمّا أعْطاها؛ أوْ خَلَعَها عَلى مالٍ والنُّشُوزُ مِن قِبَلِهِ؛ فَإنَّ ذَلِكَ جائِزٌ في الحُكْمِ؛ وإنْ لَمْ يَسَعْهُ فِيما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ (تَعالى)؛ مِن قِبَلِ أنَّها أعْطَتْهُ بِطِيبَةٍ مِن نَفْسِها؛ غَيْرَ مُجْبَرَةٍ عَلَيْهِ؛ وقَدْ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «"لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلّا بِطِيبَةٍ مِن نَفْسِهِ"».
وأيْضًا فَإنَّ النَّهْيَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَعْنًى في نَفْسِ العَقْدِ؛ وإنَّما تَعَلَّقَ بِمَعْنًى في غَيْرِهِ؛ وهو أنَّهُ لَمْ يُعْطِها مِثْلَ ما أخَذَ مِنها؛ ولَوْ كانَ قَدْ أعْطاها مِثْلَ ذَلِكَ لَما كانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا؛ فَلَمّا تَعَلَّقَ النَّهْيُ بِمَعْنًى في غَيْرِ العَقْدِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ جَوازَ العَقْدِ؛ كالبَيْعِ عِنْدَ أذانِ الجُمُعَةِ؛ وبَيْعِ حاضِرٍ لِبادٍ؛ وتَلَقِّي الرُّكْبانِ؛ ونَحْوِ ذَلِكَ.
وأيْضًا لَمّا جازَ العِتْقُ عَلى قَلِيلِ المالِ؛ وكَثِيرِهِ؛ وكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ العَمْدِ؛ كانَ كَذَلِكَ الطَّلاقُ؛ وكَذَلِكَ النِّكاحُ؛ لَمّا جازَ عَلى أكْثَرَ مِن مَهْرِ المِثْلِ؛ وهو بَدَلُ البُضْعِ؛ كَذَلِكَ جازَ أنْ تَضْمَنَهُ المَرْأةُ بِأكْثَرَ مِن مَهْرِ مِثْلِها؛ لِأنَّهُ بَدَلٌ مِنَ البُضْعِ في الحالَيْنِ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَ الخُلْعُ فَسْخًا لِعَقْدِ النِّكاحِ لَمْ يَجُزْ بِأكْثَرَ مِمّا وقَعَ عَلَيْهِ العَقْدُ؛ كَما لا يَجُوزُ الإقالَةُ بِأكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ؛ قِيلَ لَهُ: قَوْلُكَ: " إنَّ الخُلْعَ فَسْخٌ لِلْعَقْدِ"؛ خَطَأٌ؛ وإنَّما هو طَلاقٌ مُبْتَدَأٌ؛ كَهو لَوْ لَمْ يُشْرَطْ فِيهِ بَدَلٌ؛ ومَعَ ذَلِكَ فَلا خِلافَ أنَّهُ لَيْسَ بِمَنزِلَةِ الإقالَةِ؛ لِأنَّهُ لَوْ خَلَعَها عَلى أقَلَّ مِمّا أعْطاها جازَ بِالِاتِّفاقِ؛ والإقالَةُ غَيْرُ جائِزَةٍ بِأقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ؛ ولا خِلافَ أيْضًا في جَوازِ الخُلْعِ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ في الخُلْعِ دُونَ السُّلْطانِ؛ فَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ؛ وابْنِ سِيرِينَ؛ أنَّ الخُلْعَ لا يَجُوزُ إلّا عِنْدَ السُّلْطانِ؛ وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لا يَكُونُ الخُلْعُ حَتّى يَعِظَها؛ فَإنِ اتَّعَظَتْ وإلّا هَجَرَها؛ فَإنِ اتَّعَظَتْ وإلّا ضَرَبَها؛ فَإنِ اتَّعَظَتْ وإلّا ارْتَفَعا إلى السُّلْطانِ؛ فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِن أهْلِهِ؛ وحَكَمًا مِن أهْلِها؛ فَيَرُدّانِ ما يَسْمَعانِ إلى السُّلْطانِ؛ فَإنْ رَأى بَعْدَ ذَلِكَ أنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ؛ وإنْ رَأى أنْ يَجْمَعَ جَمَعَ.
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ وعُمَرَ؛ وعُثْمانَ؛ وابْنِ عُمَرَ؛ وشُرَيْحٍ؛ وطاوُسٍ؛ والزُّهْرِيِّ؛ في آخَرِينَ؛ أنَّ الخُلْعَ جائِزٌ دُونَ السُّلْطانِ؛ ورَوى سَعِيدٌ؛ عَنْ قَتادَةَ قالَ: كانَ زِيادٌ أوَّلَ مَن (p-٩٥)رَدَّ الخُلْعَ دُونَ السُّلْطانِ.
ولا خِلافَ بَيْنَ فُقَهاءِ الأمْصارِ في جَوازِهِ دُونَ السُّلْطانِ؛ وكِتابُ اللَّهِ (تَعالى) يُوجِبُ جَوازَهُ؛ وهو قَوْلُهُ ( تَعالى): ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ وقالَ (تَعالى): ﴿ولا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إلا أنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [النساء: ١٩] فَأباحَ الأخْذَ مِنها بِتَراضِيهِما مِن غَيْرِ سُلْطانٍ؛ «وقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ لِامْرَأةِ ثابِتِ بْنِ قَيْسٍ: "أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟"؛ فَقالَتْ: نَعَمْ؛ فَقالَ لِلزَّوْجِ: "خُذْها؛ وفارِقْها"؛» يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أيْضًا؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ الخُلْعُ إلى السُّلْطانِ - شاءَ الزَّوْجانِ؛ أوْ أبَيا؛ إذا عَلِمَ أنَّهُما لا يُقِيمانِ حُدُودَ اللَّهِ (تَعالى) - لَمْ يَسْألْهُما النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ ولا خاطَبَ الزَّوْجَ بِقَوْلِهِ: "فارِقْها"؛ بَلْ كانَ يَخْلَعُها مِنهُ؛ ويَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؛ وإنْ أبَيا؛ أوْ واحِدٌ مِنهُما؛ كَما أنَّهُ لَمّا كانَتْ فُرْقَةُ المُتَلاعِنَيْنِ إلى الحاكِمِ؛ لَمْ يَقُلْ لِلْمُلاعِنِ: "خَلِّ سَبِيلَها"؛ بَلْ فَرَّقَ بَيْنَهُما؛ كَما رَوى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاعِنَيْنِ؛» كَما قالَ في حَدِيثٍ آخَرَ: «لا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْها»؛ ولَمْ يَرْجِعْ ذَلِكَ إلى الزَّوْجِ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ جَوازُ الخُلْعِ دُونَ السُّلْطانِ.
ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ ﷺ: «"لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ إلّا بِطِيبَةٍ مِن نَفْسِهِ"؛» وقَدِ اخْتُلِفَ في الخُلْعِ؛ هَلْ هو طَلاقٌ؛ أمْ لَيْسَ بِطَلاقٍ؟ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ؛ وعَبْدِ اللَّهِ؛ وعُثْمانَ؛ والحَسَنِ؛ وأبِي سَلَمَةَ؛ وشُرَيْحٍ؛ وإبْراهِيمَ؛ والشَّعْبِيِّ؛ ومَكْحُولٍ؛ أنَّ الخُلْعَ تَطْلِيقَةٌ بائِنَةٌ؛ وهو قَوْلُ فُقَهاءِ الأمْصارِ؛ لا خِلافَ بَيْنَهم فِيهِ.
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ لَيْسَ بِطَلاقٍ؛ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو الوَلِيدِ قالَ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ قالَ: أخْبَرَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قالَ: سَألَ رَجُلٌ طاوُسًا عَنِ الخُلْعِ؛ فَقالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ فَقُلْتُ: لا تَزالُ تُحَدِّثُنا بِشَيْءٍ لا نَعْرِفُهُ؛ فَقالَ: واللَّهِ لَقَدْ جَمَعَ ابْنُ عَبّاسٍ بَيْنَ امْرَأةٍ وزَوْجِها بَعْدَ تَطْلِيقَتَيْنِ؛ وخُلْعٍ؛ ويُقالُ: هَذا مِمّا أخْطَأ فِيهِ طاوُسٌ؛ وكانَ كَثِيرَ الخَطَإ؛ مَعَ جَلالَتِهِ؛ وفَضْلِهِ؛ وصَلاحِهِ؛ يَرْوِي أشْياءَ مُنْكَرَةً؛ مِنها أنَّهُ رَوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: مَن طَلَّقَ ثَلاثًا كانَتْ واحِدَةً؛ ورَوى مِن غَيْرِ وجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ أنَّ مَن طَلَّقَ امْرَأتَهُ عَدَدَ النُّجُومِ؛ بانَتْ مِنهُ بِثَلاثٍ؛ قالُوا: وكانَ أيُّوبُ يَتَعَجَّبُ مِن كَثْرَةِ خَطَإ طاوُسٍ؛ وذَكَرَ ابْنُ أبِي نَجِيحٍ؛ عَنْ طاوُسٍ؛ أنَّهُ قالَ: اَلْخُلْعُ لَيْسَ بِطَلاقٍ؛ قالَ: فَأنْكَرَهُ عَلَيْهِ أهْلُ مَكَّةَ؛ فَجَمَعَ ناسًا مِنهم واعْتَذَرَ إلَيْهِمْ؛ وقالَ: إنَّما سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ ذَلِكَ.
وقَدْ حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الجَبّارِ قالَ: حَدَّثَنا أبُو هَمّامٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ؛ عَنْ أبِي سَعِيدٍ رَوْحِ بْنِ جَناحٍ قالَ: سَمِعْتُ زَمْعَةَ بْنَ أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ المُسَيِّبِ يَقُولُ: «جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الخُلْعَ تَطْلِيقَةً؛» ويَدُلُّ عَلى أنَّهُ طَلاقٌ قَوْلُهُ ﷺ لِثابِتِ بْنِ قَيْسٍ؛ حِينَ (p-٩٦)نَشَزَتْ عَلَيْهِ امْرَأتُهُ: "خَلِّ سَبِيلَها"؛ وفي بَعْضِ الألْفاظِ: " فارِقْها"؛ بَعْدَما قالَ لِلْمَرْأةِ: "رُدِّي عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ"؛ فَقالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ؛ ومَعْلُومٌ أنَّ مَن قالَ لِامْرَأتِهِ: "قَدْ فارَقْتُكِ"؛ أوْ: "قَدْ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ"؛ ونِيَّتُهُ الفُرْقَةُ؛ أنَّهُ يَكُونُ طَلاقًا؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ خُلْعَهُ إيّاها بِأمْرِ الشّارِعِ كانَ طَلاقًا؛ وأيْضًا لا خِلافَ أنَّهُ لَوْ قالَ لَها: "قَدْ طَلَّقْتُكِ عَلى مالٍ"؛ أوْ: "قَدْ جَعَلْتُ أمْرَكِ إلَيْكِ بِمالٍ"؛ كانَ طَلاقًا؛ وكَذَلِكَ لَوْ قالَ: "قَدْ خَلَعْتُكِ بِغَيْرِ مالٍ"؛ يُرِيدُ بِهِ الفُرْقَةَ؛ كانَ طَلاقًا؛ كَذَلِكَ إذا خَلَعَها بِمالٍ؛ فَإنْ قِيلَ: إذا قالَ بِلَفْظِ الخُلْعِ كانَ بِمَنزِلَةِ الإقالَةِ في البَيْعِ؛ فَتَكُونُ فَسْخًا؛ لا بَيْعًا مُبْتَدَأً؛ قِيلَ لَهُ: لا خِلافَ في جَوازِ الخُلْعِ بِغَيْرِ مالٍ؛ وعَلى أقَلَّ مِنَ المَهْرِ؛ والإقالَةُ لا تَجُوزُ إلّا بِالثَّمَنِ الَّذِي كانَ في العَقْدِ؛ ولَوْ كانَ الخُلْعُ فَسْخًا؛ كالإقالَةِ؛ لَما جازَ إلّا بِالمَهْرِ الَّذِي تَزَوَّجَها عَلَيْهِ؛ وفي اتِّفاقِ الجَمِيعِ عَلى جَوازِهِ بِغَيْرِ مالٍ؛ وبِأقَلَّ مِنَ المَهْرِ؛ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ طَلاقٌ بِمالٍ؛ وأنَّهُ لَيْسَ بِفَسْخٍ؛ وأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْلِهِ: "قَدْ طَلَّقْتُكِ عَلى هَذا المالِ".
ومِمّا يَحْتَجُّ بِهِ مَن يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِطَلاقٍ؛ أنَّ اللَّهَ ( تَعالى) لَمّا قالَ: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ إلى أنْ قالَ - في نَسَقِ التِّلاوَةِ -: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ فَأثْبَتَ الثّالِثَةَ بَعْدَ الخُلْعِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الخُلْعَ لَيْسَ بِطَلاقٍ؛ إذْ لَوْ كانَ طَلاقًا لَكانَتْ هَذِهِ رابِعَةً؛ لِأنَّهُ ذَكَرَ الخُلْعَ بَعْدَ التَّطْلِيقَتَيْنِ؛ ثُمَّ ذَكَرَ الثّالِثَةَ بَعْدَ الخُلْعِ؛ وهَذا لَيْسَ عِنْدَنا عَلى هَذا التَّقْدِيرِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ أفادَ حُكْمَ الِاثْنَتَيْنِ؛ إذا أوْقَعَهُما عَلى غَيْرِ وجْهِ الخُلْعِ؛ وأثْبَتَ مَعَهُما الرَّجْعَةَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَهُما إذا كانَتا عَلى وجْهِ الخُلْعِ؛ وأبانَ عَنْ مَوْضِعِ الحَظْرِ؛ والإباحَةِ فِيهِما؛ والحالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيها أخْذُ المالِ؛ أوْ لا يَجُوزُ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلى ذَلِكَ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ فَعادَ ذَلِكَ إلى الِاثْنَتَيْنِ المُقَدَّمِ ذِكْرُهُما عَلى وجْهِ الخُلْعِ تارَةً؛ وعَلى غَيْرِ وجْهِ الخُلْعِ أُخْرى؛ فَإذًا لَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ الخُلْعَ بَعْدَ الِاثْنَتَيْنِ؛ ثُمَّ الرّابِعَةَ بَعْدَ الخُلْعِ؛ وهَذا مِمّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلى أنَّ المُخْتَلِعَةَ يَلْحَقُها الطَّلاقُ؛ لِأنَّهُ لَمّا اتَّفَقَ فُقَهاءُ الأمْصارِ عَلى أنَّ تَقْدِيرَ الآيَةِ؛ وتَرْتِيبَ أحْكامِها عَلى ما وصَفْنا؛ وحَصَلَتِ الثّالِثَةُ بَعْدَ الخُلْعِ؛ وحَكَمَ اللَّهُ (تَعالى) بِصِحَّةِ وُقُوعِها؛ وحُرْمَتِها عَلَيْهِ أبَدًا؛ إلّا بَعْدَ زَوْجٍ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ المُخْتَلِعَةَ يَلْحَقُها الطَّلاقُ ما دامَتْ في العِدَّةِ؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ الثّالِثَةَ بَعْدَ الخُلْعِ قَوْلُهُ (تَعالى) - في نَسَقِ التِّلاوَةِ -: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يَتَراجَعا إنْ ظَنّا أنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ عَطْفًا (p-٩٧)عَلى ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إلا أنْ يَخافا ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ فَأباحَ لَهُما التَّراجُعَ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ الثّالِثَةِ؛ بِشَرِيطَةِ زَوالِ ما كانا عَلَيْهِ مِنَ الخَوْفِ لِتَرْكِ إقامَةِ حُدُودِ اللَّهِ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَنْدَما بَعْدَ الفُرْقَةِ؛ ويُحِبَّ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما أنْ يَعُودَ إلى الأُلْفَةِ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ الثّالِثَةَ مَذْكُورَةٌ بَعْدَ الخُلْعِ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿إنْ ظَنّا أنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ يَدُلُّ عَلى جَوازِ الِاجْتِهادِ في أحْكامِ الحَوادِثِ؛ لِأنَّهُ عَلَّقَ الإباحَةَ بِالظَّنِّ.
فَإنْ قِيلَ: قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ عائِدٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ دُونَ الفِدْيَةِ المَذْكُورَةِ بَعْدَها؛ قِيلَ لَهُ: هَذا يَفْسُدُ مِن وُجُوهٍ؛ أحَدُها أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ خِطابٌ مُبْتَدَأٌ بَعْدَ ذِكْرِ الِاثْنَتَيْنِ؛ غَيْرُ مُرَتَّبٍ عَلَيْهِما؛ لِأنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بِالواوِ؛ وإذا كانَ كَذَلِكَ ثُمَّ قالَ عُقَيْبَ ذِكْرِ الفِدْيَةِ: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ وجَبَ أنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلى الفِدْيَةِ؛ لِأنَّ الفاءَ لِلتَّعْقِيبِ؛ وغَيْرُ جائِزٍ تَرْتِيبُهُ عَلى الِاثْنَتَيْنِ المَبْدُوءِ بِذِكْرِهِما؛ وتَرْكُ عَطْفِهِ عَلى ما يَلِيهِ؛ إلّا بِدَلالَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ وتُوجِبُهُ؛ كَما تَقُولُ في الِاسْتِثْناءِ بِلَفْظِ التَّخْصِيصِ: إنَّهُ عائِدٌ عَلى ما يَلِيهِ؛ ولا يَرُدُّ ما تَقَدَّمَهُ إلّا بِدَلالَةٍ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ورَبائِبُكُمُ اللاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]؛ أنَّ شَرْطَ الدُّخُولِ عائِدٌ عَلى الرَّبائِبِ؛ دُونَ أُمَّهاتِ النِّساءِ؛ إذْ كانَ العَطْفُ بِالفاءِ يَلِيهِنَّ؛ دُونَ أُمَّهاتِ النِّساءِ؟ مَعَ أنَّ هَذا أقْرَبُ مِمّا ذَكَرْتُ مِن عَطْفِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإنْ طَلَّقَها﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ عَلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩]؛ دُونَ ما يَلِيهِ في الفِدْيَةِ؛ لِأنَّكَ لا تَجْعَلُهُ عَطْفًا عَلى ما يَلِيهِ مِنَ الفِدْيَةِ؛ وتَجْعَلُهُ عَطْفًا عَلى ما تَقَدَّمَ دُونَما تَوَسُّطٍ بَيْنَهُما مِن ذِكْرِ الفِدْيَةِ؛ وأيْضًا فَإنّا نَجْعَلُهُ عَطْفًا عَلى جَمِيعِ ما تَقَدَّمَ مِنَ الفِدْيَةِ؛ ومِمّا تَقَدَّمَها مِنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ؛ عَلى غَيْرِ وجْهِ الفِدْيَةِ؛ فَيَكُونُ مُنْتَظِمًا لِفائِدَتَيْنِ؛ إحْداهُما: جَوازُ طَلاقِها بَعْدَ الخُلْعِ بِتَطْلِيقَتَيْنِ؛ والأُخْرى: بَعْدَ التَّطْلِيقَتَيْنِ؛ إذا أوْقَعَهُما عَلى غَيْرِ وجْهِ الفِدْيَةِ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ أرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا﴾ الآيَةَ، قَدِ اقْتَضَتْ هَذِهِ الآيَةُ إيجابَ المَهْرِ لَها تَمْلِيكًا صَحِيحًا ومَنعَ الزَّوْجِ أنْ يَأْخُذَ مِنها شَيْئًا مِمّا أعْطاها، وأخْبَرَ أنَّ ذَلِكَ سالِمٌ لَها سَواءٌ اسْتَبْدَلَ بِها أوْ أمْسَكَها، وأنَّهُ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أخْذُ شَيْءٍ مِنهُ إلّا بِما أباحَ اللَّهُ تَعالى بِهِ أخْذَ مالِ الغَيْرِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلا أنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] وظاهِرُهُ يَقْتَضِي حَظْرَ أخْذِ شَيْءٍ مِنهُ بَعْدَ الخَلْوَةِ، فَيُحْتَجُّ بِهِ في إيجابِ كَمالِ المَهْرِ إذا طَلَّقَ بَعْدَ الخَلْوَةِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ في حَظْرِ الأخْذِ في كُلِّ حالٍ إلّا ما خَصَّهُ الدَّلِيلُ؛ وقَدْ خَصَّ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] إذا طَلَّقَ قَبْلَ الخَلْوَةِ في سُقُوطِ نِصْفِ المَهْرِ؛ لِأنَّهُ لا خِلافَ أنَّ ذَلِكَ مُرادٌ إذا طَلَّقَ قَبْلَ الخَلْوَةِ. وقَدِ اخْتُلِفَ في الخَلْوَةِ هَلْ هي المَسِيسُ المُرادُ بِالآيَةِ أوِ المَسِيسُ الجِماعُ ؟ واللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْأمْرَيْنِ؛ لِأنَّ عَلِيًّا وعُمَرَ وغَيْرَهُما مِنَ الصَّحابَةِ قَدْ تَأوَّلُوهُ (p-٤٨)عَلَيْها، وتَأوَّلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلى الجِماعِ، فَلا يَخُصُّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا﴾ بِالِاحْتِمالِ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتَيْتُمْ إحْداهُنَّ قِنْطارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنهُ شَيْئًا﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن وهَبَ لِامْرَأتِهِ هِبَةً لا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِيها؛ لِأنَّها مِمّا آتاها، وعُمُومُ اللَّفْظِ قَدْ حَظَرَ أخْذَ شَيْءٍ مِمّا آتاها مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ المَهْرِ وغَيْرِهِ ويُحْتَجُّ فِيمَن خَلَعَ امْرَأتَهُ عَلى مالٍ وقَدْ أعْطاها صَداقَها أنَّهُ لا يَرْجِعُ عَلَيْها بِشَيْءٍ مِنَ الصَّداقِ الَّذِي أعْطاها عَيْنًا كانَ أوْ عَرَضًا عَلى ما قالَهُ أبُو حَنِيفَةَ في ذَلِكَ. ويَحْتَجُّ بِهِ فِيمَن أسَلَفَ امْرَأتَهُ نَفَقَتَها لِمُدَّةٍ ثُمَّ ماتَتْ قَبْلَ المُدَّةِ أنَّهُ لا يَرْجِعُ في مِيراثِها بِشَيْءٍ مِمّا أعْطاها لِعُمُومِ اللَّفْظِ؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يُرِيدَ أنْ يَتَزَوَّجَ بِأُخْرى بَعْدَ مَوْتِها مُسْتَبْدِلًا بِها مَكانَ الأُولى، فَظاهِرُ اللَّفْظِ قَدْ تَناوَلَ هَذِهِ الحالَ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا عَقِبَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وقَدْ أفْضى بَعْضُكم إلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١] دَلَّ عَلى أنَّ المُرادَ بِأوَّلِ الخِطابِ فِيما أعْطاها هو المَهْرُ دُونَ غَيْرِهِ؛ إذْ كانَ هَذا المَعْنى إنَّما يَخْتَصُّ بِالمَهْرِ دُونَ ما سِواهُ.
قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ أوَّلُ الخِطابِ عُمُومًا في جَمِيعِ ما انْتَظَمَهُ الِاسْمُ، ويَكُونُ المَعْطُوفُ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ خاصٍّ فِيهِ ولا يُوجِبُ ذَلِكَ خُصُوصَ اللَّفْظِ الأوَّلِ، وقَدْ بَيَّنّا نَظائِرَ ذَلِكَ في مَواضِعَ. وهَذِهِ الآيَةُ أيْضًا تَدُلُّ عَلى أنَّهُ إذا دَخَلَ بِها ثُمَّ وقَعَتِ الفُرْقَةُ مِن قِبَلِها بِمَعْصِيَةٍ أوْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أنَّ مَهْرَها واجِبٌ لا يُبْطِلُهُ وُقُوعُ الفُرْقَةِ مِن قِبَلِها. وفائِدَةُ تَخْصِيصِ اللَّهِ تَعالى حالَ الِاسْتِبْدالِ بِالنَّهْيِ عَنْ أخْذِ شَيْءٍ مِمّا أعْطاها مَعَ شُمُولِ الحَظْرِ لِسائِرِ الأحْوالِ إزالَةُ تَوَهُّمِ مَن يَظُنُّ أنَّ ذَلِكَ جائِزٌ عِنْدَ حُصُولِ البُضْعِ لَها وسُقُوطِ حَقِّ الزَّوْجِ عَنْهُ بِطَلاقِها وأنَّ الثّانِيَةَ قَدْ قامَتْ مَقامَ الأُولى فَتَكُونُ أوْلى بِالمَهْرِ الَّذِي أعْطاها فَنَصَّ عَلى حَظْرِ الأخْذِ في هَذِهِ الحالِ، ودَلَّ بِهِ عَلى عُمُومِهِ في سائِرِ الأحْوالِ إذا لَمْ يُبِحْ لَهُ أخْذَ شَيْءٍ مِمّا أعْطاها في الحالِ الَّتِي يَسْقُطُ حَقُّهُ عَنْ بُضْعِها، فَهو أوْلى أنْ لا يَأْخُذَ مِنها شَيْئًا مَعَ بَقاءِ حَقِّهِ في اسْتِباحَةِ بُضْعِها وكَوْنِهِ أمْلَكَ بِها مِن نَفْسِها.
وأكَّدَ اللَّهُ تَعالى حَظْرَ أخْذِ شَيْءٍ مِمّا أعْطى بِأنْ جَعَلَهُ ظُلْمًا كالبُهْتانِ، وهو الكَذِبُ الَّذِي يُباهِتُ بِهِ مُخْبِرُهُ ويُكابِرُ بِهِ مِن يُخاطِبُهُ، وهَذا أقْبَحُ ما يَكُونُ مِنَ الكَذِبِ وأفْحَشُهُ؛ فَشَبَّهَ أخْذَ ما أعْطاها بِغَيْرِ حَقٍّ بِالبُهْتانِ في قُبْحِهِ فَسَمّاهُ بُهْتانًا وإثْمًا.
{"ayah":"وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجࣲ مَّكَانَ زَوۡجࣲ وَءَاتَیۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارࣰا فَلَا تَأۡخُذُوا۟ مِنۡهُ شَیۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق