الباحث القرآني
(p-٣٣٨)بابُ دَفْعِ أمْوالِ الأيْتامِ إلَيْهِمْ بِأعْيانِها ومَنعِ الوَصِيِّ مِنَ اسْتِهْلاكِها
قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهم ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾؛ رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قالَ: " «لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في أمْوالِ اليَتامى كَرِهُوا أنْ يُخالِطُوهُمْ؛ وجَعَلَ ولِيُّ اليَتِيمِ يَعْزِلُ مالَ اليَتِيمِ عَنْ مالِهِ؛ فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ؛ ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: وأظُنُّ ذَلِكَ غَلَطًا مِنَ الرّاوِي؛ لِأنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ إيتاؤُهم أمْوالَهم بَعْدَ البُلُوغِ؛ إذْ لا خِلافَ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ أنَّ اليَتِيمَ لا يَجِبُ إعْطاؤُهُ مالَهُ قَبْلَ البُلُوغِ؛ وإنَّما غَلِطَ الرّاوِي بِآيَةٍ أُخْرى؛ وهو ما حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ؛ عَنْ عَطاءٍ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى) ﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٣٤]؛ و ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠]؛ اَلْآيَةَ؛ انْطَلَقَ مَن كانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ؛ فَعَزَلَ طَعامَهُ مِن طَعامِهِ؛ وشَرابَهُ مِن شَرابِهِ؛ فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِن طَعامِهِ فَيَحْبِسُ لَهُ حَتّى يَأْكُلَهُ؛ أوْ يَفْسُدَ؛ فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؛ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ اليَتامى قُلْ إصْلاحٌ لَهم خَيْرٌ وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؛ فَخَلَطُوا طَعامَهم بِطَعامِهِمْ؛ وشَرابَهم بِشَرابِهِمْ؛» فَهَذا هو الصَّحِيحُ في ذَلِكَ؛ وأمّا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾؛ فَلَيْسَ مِن هَذا في شَيْءٍ؛ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ إيتاءَهم أمْوالَهم في حالِ اليُتْمِ؛ وإنَّما يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ بَعْدَ البُلُوغِ؛ وإيناسِ الرُّشْدِ؛ وأطْلَقَ اسْمَ الأيْتامِ عَلَيْهِمْ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِاليُتْمِ؛ كَما سَمّى مُقارَبَةَ انْقِضاءِ العِدَّةِ بُلُوغَ الأجَلِ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٢]؛ والمَعْنى مُقارَبَةُ البُلُوغِ؛ ويَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى) - في نَسَقِ الآيَةِ -: ﴿فَإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أمْوالَهم فَأشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦]؛ والإشْهادُ عَلَيْهِ لا يَصِحُّ قَبْلَ البُلُوغِ؛ فَعُلِمَ أنَّهُ أرادَ بَعْدَ البُلُوغِ؛ وسَمّاهم يَتامى لِأحَدِ مَعْنَيَيْنِ؛ إمّا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالبُلُوغِ؛ أوْ لِانْفِرادِهِمْ عَنْ آبائِهِمْ؛ مَعَ أنَّ العادَةَ في أمْثالِهِمْ ضَعْفُهم عَنِ التَّصَرُّفِ لِأنْفُسِهِمْ؛ والقِيامِ بِتَدْبِيرِ أُمُورِهِمْ عَلى الكَمالِ؛ حَسَبَ تَصَرُّفِ المُتَحَنِّكِينَ الَّذِينَ قَدْ جَرَّبُوا الأُمُورَ؛ واسْتَحْكَمَتْ آراؤُهُمْ؛ وقَدْ رَوى يَزِيدُ بْنُ هُرْمُزٍ أنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إلى ابْنِ عَبّاسٍ يَسْألُهُ عَنِ اليَتِيمِ: مَتى يَنْقَطِعُ يُتْمُهُ ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: "إذا أُونِسَ مِنهُ الرُّشْدُ انْقَطَعَ عَنْهُ يُتْمُهُ"؛ وفي بَعْضِ الألْفاظِ: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَقْبِضُ عَلى لِحْيَتِهِ ولَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ يُتْمُهُ بَعْدُ"؛ فَأخْبَرَ ابْنُ عَبّاسٍ أنَّ اسْمَ اليَتِيمِ قَدْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ البُلُوغِ؛ إذا لَمْ يَسْتَحْكِمْ رَأْيُهُ؛ ولَمْ يُؤْنَسْ مِنهُ رُشْدُهُ؛ فَجَعَلَ بَقاءَ ضَعْفِ الرَّأْيِ (p-٣٣٩)مُوجِبًا لِبَقاءِ اسْمِ اليَتِيمِ عَلَيْهِ.
واسْمُ اليَتِيمِ قَدْ يَقَعُ عَلى المُنْفَرِدِ عَنْ أبِيهِ؛ وعَلى المَرْأةِ المُنْفَرِدَةِ عَنْ زَوْجِها؛ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «"تُسْتَأْمَرُ اليَتِيمَةُ في نَفْسِها"؛» وهي لا تُسْتَأْمَرُ إلّا وهي بالِغَةٌ؛ وقالَ الشّاعِرُ:
؎إنَّ القُبُورَ تَنْكِحُ الأيامى ∗∗∗ اَلنِّسْوَةَ الأرامِلَ اليَتامى
إلّا أنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّهُ إذا صارَ شَيْخًا؛ أوْ كَهْلًا؛ لا يُسَمّى يَتِيمًا؛ وإنْ كانَ ضَعِيفَ العَقْلِ؛ ناقِصَ الرَّأْيِ؛ فَلا بُدَّ مِنَ اعْتِبارِ قُرْبِ العَهْدِ بِالصِّغَرِ؛ والمَرْأةُ الكَبِيرَةُ المُسِنَّةُ تُسَمّى "يَتِيمَةً"؛ مِن جِهَةِ انْفِرادِها عَنْ زَوْجٍ؛ والرَّجُلُ الكَبِيرُ المُسِنُّ لا يُسَمّى يَتِيمًا؛ مِن جِهَةِ انْفِرادِهِ عَنْ أبِيهِ؛ وإنَّما كانَ كَذَلِكَ لِأنَّ الأبَ يَلِي عَلى الصَّغِيرِ؛ ويُدَبِّرُ أمْرَهُ؛ ويَحُوطُهُ؛ فَيَكْنُفُهُ؛ فَسُمِّيَ الصَّغِيرُ يَتِيمًا لِانْفِرادِهِ عَنْ أبِيهِ الَّذِي هَذِهِ حالُهُ؛ فَما دامَ عَلى حالِ الضَّعْفِ ونُقْصانِ الرَّأْيِ يُسَمّى يَتِيمًا؛ بَعْدَ البُلُوغِ؛ وأمّا المَرْأةُ فَإنَّما سُمِّيَتْ يَتِيمَةً لِانْفِرادِها عَنِ الزَّوْجِ الَّذِي هي في حِبالِهِ؛ وكَنَفِهِ؛ فَهِيَ؛ وإنْ كَبِرَتْ؛ فَهَذا الِاسْمُ لازِمٌ لَها؛ لِأنَّ وُجُودَ الزَّوْجِ لَها في هَذِهِ الحالِ بِمَنزِلَةِ الأبِ لِلصَّغِيرِ؛ في أنَّهُ هو الَّذِي يَلِي حِفْظَها؛ وحِياطَتَها؛ فَإذا انْفَرَدَتْ عَمَّنْ هَذِهِ حالُهُ مَعَها سُمِّيَتْ "يَتِيمَةً"؛ كَما سُمِّيَ الصَّغِيرُ يَتِيمًا لِانْفِرادِهِ عَمَّنْ يُدَبِّرُ أمْرَهُ؛ ويَكْنُفُهُ؛ ويَحْفَظُهُ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلى النِّساءِ﴾ [النساء: ٣٤] ؟ كَما قالَ: ﴿وأنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالقِسْطِ﴾ [النساء: ١٢٧]؛ فَجَعَلَ الرَّجُلَ قَيِّمًا عَلى امْرَأتِهِ؛ كَما جَعَلَ ولِيَّ اليَتِيمِ قَيِّمًا عَلَيْهِ؛ وقَدْ رَوى عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ؛ وجابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"لا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ"؛» وهَذا هو الحَقِيقَةُ في اليَتِيمِ؛ وبَعْدَ البُلُوغِ يُسَمّى يَتِيمًا مَجازًا؛ لِما وصَفْنا؛ وما ذَكَرْنا مِن دَلالَةِ اسْمِ اليَتِيمِ عَلى الضَّعِيفِ - عَلى ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ - يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ قَوْلِ أصْحابِنا فِيمَن أوْصى لِيَتامى بَنِي فُلانٍ؛ وهم لا يُحْصَوْنَ: "إنَّها جائِزَةٌ لِلْفُقَراءِ مِنَ اليَتامى"؛ لِأنَّ اسْمَ اليَتِيمِ يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ ما حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ أبِي الرَّبِيعِ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الحَسَنِ؛ في قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكم قِيامًا﴾ [النساء: ٥]؛ قالَ: "اَلسُّفَهاءُ ابْنُكَ السَّفِيهُ؛ وامْرَأتُكَ السَّفِيهَةُ"؛ قالَ: وقَوْلُهُ: ﴿قِيامًا﴾ [النساء: ٥]: قِيامَ عَيْشِكَ؛ وقَدْ ذُكِرَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «"اِتَّقُوا اللَّهَ في الضَّعِيفَيْنِ: اَلْيَتِيمِ والمَرْأةِ"؛» فَسَمّى اليَتِيمَ ضَعِيفًا.
ولَمْ يَشْرُطْ في هَذِهِ الآيَةِ إيناسَ الرُّشْدِ في دَفْعِ المالِ إلَيْهِمْ؛ وظاهِرُهُ يَقْتَضِي وُجُودَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ بَعْدَ البُلُوغِ؛ أُونِسَ مِنهُ الرُّشْدُ؛ أوْ لَمْ يُؤْنَسْ؛ إلّا أنَّهُ قَدْ شَرَطَهُ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿حَتّى إذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإنْ آنَسْتُمْ (p-٣٤٠)مِنهم رُشْدًا فادْفَعُوا إلَيْهِمْ أمْوالَهُمْ﴾ [النساء: ٦]؛ فَكانَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أبِي حَنِيفَةَ ما بَيْنَهُ وبَيْنَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً؛ فَإذا بَلَغَها ولَمْ يُؤْنَسْ مِنهُ رُشْدٌ وجَبَ دَفْعُ المالِ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾؛ فَيَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ خَمْسٍ وعِشْرِينَ سَنَةً؛ عَلى مُقْتَضاهُ؛ وظاهِرِهِ؛ وفِيما قَبْلَ ذَلِكَ لا يَدْفَعُهُ إلّا مَعَ إيناسِ الرُّشْدِ؛ لِاتِّفاقِ أهْلِ العِلْمِ أنَّ إيناسَ الرُّشْدِ قَبْلَ بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ شَرْطُ وُجُوبِ دَفْعِ المالِ إلَيْهِ؛ وهَذا وجْهٌ شائِعٌ؛ مِن قِبَلِ أنَّ فِيهِ اسْتِعْمالَ كُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الآيَتَيْنِ عَلى مُقْتَضى ظَواهِرِهِما عَلى فائِدَتِهِما؛ ولَوِ اعْتَبَرْنا إيناسَ الرُّشْدِ عَلى سائِرِ الأحْوالِ كانَ فِيهِ إسْقاطُ حُكْمِ الآيَةِ الأُخْرى رَأْسًا؛ وهو قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾؛ مِن غَيْرِ شَرْطٍ لِإيناسِ الرُّشْدِ فِيهِ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) أطْلَقَ إيجابَ دَفْعِ المالِ مِن غَيْرِ قَرِينَةٍ؛ ومَتى ورَدَتْ آيَتانِ؛ إحْداهُما خاصَّةٌ؛ مُضَمَّنَةٌ بِقَرِينَةٍ فِيما تَقْتَضِيهِ مِن إيجابِ الحُكْمِ؛ والأُخْرى عامَّةٌ غَيْرُ مُضَمَّنَةٍ بِقَرِينَةٍ؛ وأمْكَنَنا اسْتِعْمالُهُما عَلى فائِدَتِهِما؛ لَمْ يَجُزْ لَنا الِاقْتِصارُ بِهِما عَلى فائِدَةِ إحْداهُما؛ وإسْقاطِ فائِدَةِ الأُخْرى؛ ولَمّا ثَبَتَ بِما ذَكَرْنا وُجُوبُ دَفْعِ المالِ إلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وآتُوا اليَتامى أمْوالَهُمْ﴾؛ وقالَ - في نَسَقِ التِّلاوَةِ -: ﴿فَإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أمْوالَهم فَأشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦]؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهُ جائِزُ الإقْرارِ بِالقَبْضِ؛ إذْ كانَ قَوْلُهُ: ﴿فَأشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦]؛ قَدْ تَضَمَّنَ جَوازَ الإشْهادِ عَلى إقْرارِهِمْ بِقَبْضِها؛ وفي ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلى نَفْيِ الحَجْرِ وجَوازِ التَّصَرُّفِ؛ لِأنَّ المَحْجُورَ عَلَيْهِ لا يَجُوزُ إقْرارُهُ؛ ومَن وجَبَ الإشْهادُ عَلَيْهِ فَهو جائِزُ الإقْرارِ.
وأمّا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾؛ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ؛ وأبِي صالِحٍ: "اَلْحَرامَ بِالحَلالِ"؛ أيْ: لا تَجْعَلْ بَدَلَ رِزْقِكَ الحَلالِ حَرامًا؛ تَتَعَجَّلُ بِأنْ تَسْتَهْلِكَ مالَ اليَتِيمِ فَتُنْفِقُهُ؛ أوْ تَتَّجِرُ فِيهِ لِنَفْسِكَ؛ أوْ تَحْبِسُهُ وتُعْطِيهِ غَيْرَهُ؛ فَيَكُونُ ما تَأْخُذُهُ مِن مالِ اليَتِيمِ خَبِيثًا حَرامًا؛ وتُعْطِيهِ مالَكَ الحَلالَ الَّذِي رَزَقَكَ اللَّهُ (تَعالى)؛ ولَكِنْ آتُوهم أمْوالَهم بِأعْيانِها؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ ولِيَّ اليَتِيمِ لا يَجُوزُ لَهُ أنْ يَسْتَقْرِضَ مالَ اليَتِيمِ مِن نَفْسِهِ؛ ولا يَسْتَبْدِلَهُ فَيَحْبِسَهُ لِنَفْسِهِ ويُعْطِيَهُ غَيْرَهُ؛ ولَيْسَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ لا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالبَيْعِ والشِّراءِ لِلْيَتِيمِ؛ لِأنَّهُ إنَّما حُظِرَ عَلَيْهِ أنْ يَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ؛ ويُعْطِيَ اليَتِيمَ غَيْرَهُ؛ وفِيهِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّهُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَشْتَرِيَ مِن مالِ اليَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ سَواءً؛ لِأنَّهُ قَدْ حُظِرَ عَلَيْهِ اسْتِبْدالُ مالِ اليَتِيمِ لِنَفْسِهِ؛ فَهو عامٌّ في سائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِبْدالِ؛ إلّا ما قامَ دَلِيلُهُ؛ وهو أنْ يَكُونَ ما يُعْطِي اليَتِيمَ أكْثَرَ قِيمَةً مِمّا يَأْخُذُهُ؛ عَلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَقْرَبُوا مالَ اليَتِيمِ إلا بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٣٤]؛ وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ؛ والزُّهْرِيُّ؛ (p-٣٤١)والضَّحّاكُ؛ والسُّدِّيُّ؛ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَتَبَدَّلُوا الخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾؛ قالَ: "لا تَجْعَلُوا الزّائِفَ بَدَلَ الجَيِّدِ؛ والمَهْزُولَ بَدَلَ السَّمِينِ"؛ وأمّا قَوْلُهُ: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَهم إلى أمْوالِكُمْ﴾؛ فَإنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُجاهِدٍ؛ والسُّدِّيِّ: "لا تَأْكُلُوا أمْوالَهم مَعَ أمْوالِكُمْ؛ مُضِيفِينَ لَها إلى أمْوالِكُمْ"؛ فَنُهُوا عَنْ خَلْطِها بِأمْوالِهِمْ عَلى وجْهِ الِاسْتِقْراضِ؛ لِتَصِيرَ دَيْنًا في ذِمَّتِهِ؛ فَيَجُوزُ لَهم أكْلُها؛ وأكْلُ أرْباحِها.
قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿إنَّهُ كانَ حُوبًا كَبِيرًا﴾؛ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ؛ والحَسَنُ؛ ومُجاهِدٌ؛ وقَتادَةُ: "إثْمًا كَبِيرًا"؛ وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِ تَسْلِيمِ أمْوالِ اليَتامى؛ بَعْدَ البُلُوغِ؛ وإيناسِ الرُّشْدِ؛ إلَيْهِمْ؛ وإنْ لَمْ يُطالِبُوا بِأدائِها؛ لِأنَّ الأمْرَ بِدَفْعِها مُطْلَقٌ؛ مُتَوَعَّدٌ عَلى تَرْكِهِ؛ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِيهِ مُطالَبَةُ الأيْتامِ بِأدائِها؛ ويَدُلُّ عَلى أنَّ مَن لَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ مالٌ فَأرادَ دَفْعَهُ إلَيْهِ؛ أنَّهُ مَندُوبٌ عَلى الإشْهادِ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَإذا دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أمْوالَهم فَأشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦]؛ واللَّهُ المُوَفِّقُ.
{"ayah":"وَءَاتُوا۟ ٱلۡیَتَـٰمَىٰۤ أَمۡوَ ٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلۡخَبِیثَ بِٱلطَّیِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ إِلَىٰۤ أَمۡوَ ٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبࣰا كَبِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق