الباحث القرآني
بابُ العَوْلِ رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أوَّلُ مَن أعالَ الفَرائِضَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ لَمّا التَوَتْ عَلَيْهِ الفَرائِضُ ودافَعَ بَعْضُها بَعْضًا قالَ: واَللَّهِ ما أدْرِي أيُّكم قَدَّمَ اللَّهُ ولا أيُّكم أخَّرَ؛ وكانَ امْرَأً ورِعًا فَقالَ: ما أجِدُ شَيْئًا هو أوْسَعُ لِي أنْ أُقَسِّمَ المالَ عَلَيْكم بِالحِصَصِ؛ وأُدْخِلَ عَلى كُلِّ ذِي حَقٍّ ما دَخَلَ عَلَيْهِ مِن عَوْلِ الفَرِيضَةِ.
ورَوى أبُو إسْحاقَ عَنِ الحارِثِ عَنْ عَلِيٍّ في بِنْتَيْنِ وأبَوَيْنِ وامْرَأةٍ قالَ: " صارَ ثُمُنُها تُسْعًا "، وكَذَلِكَ رَواهُ الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْهُ، وهو قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ.
وقَدْ رُوِيَ أنَّ العَبّاسَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ أوَّلُ مَن أشارَ عَلى عُمَرَ بِالعَوْلِ، قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قالَ ابْنُ العَبّاسِ: أوَّلُ مَن أعالَ الفَرائِضَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ وأيْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَن قَدَّمَ اللَّهُ لَما عالَتْ فَرِيضَةٌ فَقِيلَ لَهُ: وأيُّها الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ وأيُّها الَّتِي أخَّرَ ؟ قالَ: كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ تُزَلْ عَنْ فَرِيضَةٍ إلّا إلى فَرِيضَةٍ فَهي الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ، وكُلُّ فَرِيضَةٍ إذا زالَتْ عَنْ فَرْضِها لَمْ يَكُنْ لَها ما بَقِيَ فَهي الَّتِي أخَّرَ اللَّهُ تَعالى؛ فَأمّا الَّتِي قَدَّمَ اللَّهُ تَعالى فالزَّوْجُ والزَّوْجَةُ والأُمُّ؛ لِأنَّهم لا يَزُولُونَ مِن فَرْضٍ إلّا إلى فَرْضٍ، والبَناتُ والأخَواتُ نَزَلْنَ مِن فَرْضٍ إلى تَعْصِيبٍ مَعَ البِنْتَيْنِ والإخْوَةِ فَيَكُونُ لَهُنَّ ما بَقِيَ مَعَ الذُّكُورِ، فَنَبْدَأُ بِأصْحابِ السِّهامِ ثُمَّ يَدْخُلُ الضَّرَرُ عَلى الباقِينَ وهُمُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ ما بَقِيَ إذا كانُوا عَصَبَةً. قالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: فَقُلْنا لَهُ: فَهَلّا راجَعْتَ فِيهِ عُمَرَ فَقالَ: إنَّهُ كانَ امْرَأً مَهِيبًا ورِعًا؛ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ولَوْ كَلَّمْتُ فِيهِ عُمَرَ لَرَجَعَ.
وقالَ الزُّهْرِيُّ: لَوْلا أنَّهُ تَقَدَّمَ ابْنَ عَبّاسٍ إمامٌ عَدْلٌ فَأمْضى أمْرًا فَمَضى وكانَ امْرَأً ورِعًا ما اخْتَلَفَ عَلى ابْنِ عَبّاسٍ اثْنانِ مِن أهْلِ العِلْمِ.
ورَوى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ عَنِ ابْنِ أبِي نَجِيحٍ (p-٢٣)عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ ذَكَرَ الفَرائِضَ وعَوْلَها فَقالَ: أتَرَوْنَ الَّذِي أحْصى رَمْلَ عالِجٍ عَدَدًا جَعَلَ في مالٍ قَسَّمَهُ نِصْفًا ونِصْفًا وثُلُثًا ؟ فَهَذا النِّصْفُ وهَذا النِّصْفُ فَأيْنَ مَوْضِعُ الثُّلُثِ ؟ قالَ عَطاءٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبّاسٍ: يا ابْنَ عَبّاسٍ إنَّ هَذا لا يُغْنِي عَنْكَ ولا عَنِّي شَيْئًا، لَوْ مِتُّ أوْ مِتَّ قَسِّمْ مِيراثَنا عَلى ما عَلَيْهِ القَوْمُ مِن خِلافِ رَأْيِكَ ورَأْيِي. قالَ: فَإنْ شاءُوا فَلْنَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَهم ونِساءَنا ونِساءَهم وأنْفُسَنا وأنْفُسَهم ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلى الكاذِبِينَ، ما جَعَلَ اللَّهُ في مالٍ نِصْفًا ونِصْفًا وثُلُثًا.
والحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ أنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ سَمّى لِلزَّوْجِ النِّصْفَ ولِلْأُخْتِ مِنَ الأبِ والأُمِّ النِّصْفَ ولِلْإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ الثُّلُثَ، ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حالِ اجْتِماعِهِمْ وانْفِرادِهِمْ، فَوَجَبَ اسْتِعْمالُ نَصِّ الآيَةِ في كُلِّ مَوْضِعٍ عَلى حَسَبِ الإمْكانِ؛ فَإذا انْفَرَدُوا واتَّسَعَ المالُ لَسِهامِهِمْ قُسِّمَ بَيْنَهم عَلَيْها، وإذا اجْتَمَعُوا وجَبَ اسْتِعْمالُ حُكْمِ الآيَةِ في التَّضارُبِ بِها، ومَنِ اقْتَصَرَ عَلى بَعْضٍ وأسْقَطَ بَعْضًا أوْ نَقَّصَ نَصِيبَ بَعْضٍ ووَفّى الآخَرِينَ كَمالَ سِهامِهِمْ فَقَدْ أدْخَلَ الضَّيْمَ عَلى بَعْضِهِمْ مَعَ مُساواتِهِ لِلْآخَرِينَ في التَّسْمِيَةِ.
فَأمّا ما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ مِن تَقْدِيمِ مَن قَدَّمَ اللَّهُ تَعالى وتَأْخِيرِ مَن أخَّرَ، فَإنَّما قَدَّمَ بَعْضًا وأخَّرَ بَعْضًا وجَعَلَ لَهُ الباقِيَ في حالِ التَّعْصِيبِ، فَأمّا حالُ التَّسْمِيَةِ الَّتِي لا تَعْصِيبَ فِيها فَلَيْسَ واحِدٌ مِنهم أوْلى بِالتَّقْدِيمِ مِنَ الآخَرِ، ألا تَرى أنَّ الأُخْتَ مَنصُوصٌ عَلى فَرْضِها بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ كَنَصِّهِ عَلى فَرْضِ الزَّوْجِ والأُمِّ والإخْوَةِ مِنَ الأُمِّ، فَمِن أيْنَ وجَبَ تَقْدِيمُ هَؤُلاءِ عَلَيْها في هَذِهِ الحالَةِ وقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعالى عَلى فَرْضِها في هَذِهِ الحالِ كَما نَصَّ عَلى فَرْضِ الَّذِينَ مَعَها ؟ ولَيْسَ يَجِبُ؛ لِأنَّ اللَّهَ أزالَ فَرْضَها إلى غَيْرِ فَرْضٍ في مَوْضِعِ أنْ يُزِيلَ فَرْضَها في الحالِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهِ فِيها؛ فَهَذا القَوْلُ أشْنَعُ في مُخالَفَةِ الآيِ الَّتِي فِيها سِهامُ المَوارِيثِ مِنَ القَوْلِ بِإثْباتِ نِصْفٍ ونِصْفٍ وثُلُثٍ عَلى وجْهِ المُضارَبَةِ بِها.
ولِذَلِكَ نَظائِرُ في المَوارِيثِ مِنَ الأُصُولِ أيْضًا، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿مِن بَعْدِ وصِيَّةٍ يُوصى بِها أوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١٢] فَلَوْ تَرَكَ المَيِّتُ ألْفَ دِرْهَمٍ وعَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ ألْفُ دِرْهَمٍ ولِآخَرَ خَمْسُمِائَةٍ ولِآخَرَ ألْفٌ، كانَتِ الألْفُ المَتْرُوكَةُ مَقْسُومَةً بَيْنَهم عَلى قَدْرِ دُيُونِهِمْ، ولَيْسَ يَجُوزُ أنْ يُقالَ لَهُ لَمْ يَكُنِ اسْتِيفاءُ ألْفَيْنِ وخَمْسِمِائَةٍ مِن ألْفٍ اسْتَحالَ الضَّرْبُ بِها؛ وكَذَلِكَ لَوْ أوْصى رَجُلٌ بِثُلُثِ مالِهِ لِرَجُلٍ وبِسُدُسِهِ لِآخَرَ ولَمْ تُجِزْ ذَلِكَ الوَرَثَةُ تَضارَبا في الثُّلُثِ بِقَدْرِ وصاياهم، فَيَضْرِبُ أحَدُهُما بِالسُّدُسِ والآخَرُ بِالثُّلُثِ مَعَ اسْتِحالَةِ اسْتِيفاءِ النِّصْفِ (p-٢٤)مِنَ الثُّلُثِ؛ وكَذَلِكَ الِابْنُ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ المالِ لَوِ انْفَرَدَ ولِلْبِنْتِ النِّصْفُ لَوِ انْفَرَدَتْ، فَإذا اجْتَمَعا ضَرَبَ الِابْنُ بِجَمِيعِ المالِ والبِنْتُ بِالنِّصْفِ فَيَكُونُ المالُ بَيْنَهُما أثْلاثًا، وهَكَذا سَبِيلُ العَوْلِ في الفَرائِضِ عِنْدَ تَدافُعِ السِّهامِ، واَللَّهُ أعْلَمُ.
* * *
ذِكْرُ اخْتِلافِ السَّلَفِ في مِيراثِ الأُخْتِ مَعَ البِنْتِ لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْ عَلِيٍّ وعُمَرَ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ ومُعاذِ بْنِ جَبَلٍ في رَجُلٍ خَلَّفَ بِنْتًا وأُخْتًا لِأبٍ وأُمٍّ وعَصَبَةً أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ وما بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَجَعَلُوها عَصَبَةً مَعَ البَناتِ. وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبّاسٍ وابْنُ الزُّبَيْرِ: " لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وما بَقِيَ فَلِلْعَصَبَةِ وإنْ بَعُدَ نَسَبُهم، ولا حَظَّ لِلْأُخْتِ في المِيراثِ مَعَ البِنْتِ "؛ ورُوِيَ أنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ أنْ قَضى بِهِ ورُوِيَ أنَّهُ قِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبّاسٍ: إنَّ عَلِيًّا وعَبْدَ اللَّهِ وزَيْدًا كانُوا يَجْعَلُونَ الأخَواتِ مَعَ البَناتِ عَصَبَةً فَيُورَثُونَهُنَّ فاضِلَ المالِ، فَقالَ: أأنْتُمْ أعْلَمُ أمِ اللَّهُ ؟ يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ﴿إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ ولَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ﴾ وأنْتُمْ تَجْعَلُونَ لَها مَعَ الوَلَدِ النِّصْفَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: مِمّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْقَوْلِ الأوَّلِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ ولِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ والأقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ أوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾ [النساء: ٧] فَظاهِرُهُ يَقْتَضِي تَوْرِيثَ الأُخْتِ مَعَ البِنْتِ؛ لِأنَّ أخاها المَيِّتَ هو مِنَ الأقْرَبِينَ، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ مِيراثَ الأقْرَبِينَ لِلرِّجالِ والنِّساءِ.
ويُحْتَجُّ فِيهِ بِحَدِيثِ أبِي قَيْسٍ الأوْدِيِّ عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أنَّ «النَّبِيَّ ﷺ قَضى في بِنْتٍ وبِنْتِ ابْنٍ وأُخْتٍ لِأبٍ وأُمٍّ أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ ولِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وما بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَأعْطى لِلْأُخْتِ بَقِيَّةَ المالِ بَعْدَ السِّهامِ وجَعَلَها عَصَبَةً مَعَ البِنْتِ» .
وأمّا احْتِجاجُ مَن يَحْتَجُّ في ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ تَعالى إنَّما جَعَلَ لَها النِّصْفَ إذا لَمْ يَكُنْ ولَدٌ، ولا يَجُوزُ أنْ يَجْعَلَ لَها النِّصْفَ مَعَ الوَلَدِ؛ فَإنَّهُ غَيْرُ لازِمٍ مِن قِبَلِ أنَّ اللَّهَ تَعالى نَصَّ عَلى سَهْمِها عِنْدَ عَدَمِ الوَلَدِ ولَمْ يَنْفِ مِيراثَها مَعَ وُجُودِهِ، وتَسْمِيَتُهُ لَها النِّصْفَ عِنْدَ عَدَمِ الوَلَدِ لا دَلالَةَ فِيهِ عَلى سُقُوطِ حَقِّها إذا كانَ هُناكَ ولَدٌ؛ إذْ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الحالَ بِنَفْيِ المِيراثِ ولا بِإيجابِهِ، فَهو مَوْقُوفٌ عَلى دَلِيلِهِ. ومَعَ ذَلِكَ فَإنَّ مَعْناهُ: إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ ولَيْسَ لَهُ ولَدٌ ذَكَرٌ؛ بِدَلالَةِ قَوْلِهِ تَعالى في نَسَقِ التِّلاوَةِ: ﴿وهُوَ يَرِثُها﴾ يَعْنِي الأخَ يَرِثُ الأُخْتَ ﴿إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ﴾ مَعْناهُ عِنْدَ الجَمِيعِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَها ولَدٌ ذَكَرٌ إذْ لا خِلافَ بَيْنَ الصَّحابَةِ أنَّها إذا تَرَكَتْ ولَدًا أُنْثى وأخًا أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ والباقِيَ لِلْأخِ، والوَلَدُ المَذْكُورُ هاهُنا هو المَذْكُورُ بَدِيًّا في أوَّلِ الآيَةِ. وأيْضًا قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ولأبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ [النساء: ١١] ومَعْناهُ عِنْدَ الجَمِيعِ: إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ ذَكَرٌ؛ لِأنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَ الصَّحابَةِ ومَن بَعْدَهم مِنَ الفُقَهاءِ أنَّهُ لَوْ تَرَكَ (p-٢٧)ابْنَةً وأبَوَيْنِ أنَّ لِلْبِنْتِ النِّصْفَ ولِلْأبَوَيْنِ السُّدُسانِ والباقِي لِلْأبِ، فَيَأْخُذُ الأبُ في هَذِهِ الحالِ مَعَ الوَلَدِ الأُنْثى أكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ، وأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ولأبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كانَ لَهُ ولَدٌ﴾ [النساء: ١١] عَلى أنَّهُ ولَدٌ ذَكَرٌ، وكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ أبًا وبِنْتًا كانَ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ ولِلْأبِ النِّصْفُ؛ فَقَدْ أخَذَ في هاتَيْنِ المَسْألَتَيْنِ أكْثَرَ مِنَ السُّدُسِ مَعَ الوَلَدِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وشَذَّتْ طائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ فَزَعَمَتْ أنَّهُ إذا تَرَكَ بِنْتًا وأُخْتًا كانَ المالُ كُلُّهُ لِلْبِنْتِ، وكَذَلِكَ البِنْتُ والأخُ. وهَذا قَوْلٌ خارِجٌ عَنْ ظاهِرِ التَّنْزِيلِ واتِّفاقِ الأُمَّةِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وإنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَها النِّصْفُ﴾ [النساء: ١١] فَنَصَّ عَلى سَهْمِ البِنْتِ وسَهْمِ ما فَوْقَ الثِّنْتَيْنِ، وجَعَلَ لَها إذا انْفَرَدَتِ النِّصْفَ وإذا ضامَّها غَيْرُها الثُّلُثَيْنِ لَهُما جَمِيعًا؛ فَغَيْرُ جائِزٍ أنْ تُعْطى أكْثَرَ مِنهُ إلّا بِدَلالَةٍ.
فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ ذِكْرُ النِّصْفِ والثُّلُثَيْنِ غَيْرَ دالٍّ عَلى نَفْيِ ما فَوْقَهُما عَلى ما ذَكَرْتَ فَلَيْسَ إذًا في الظّاهِرِ نَفْيُ ما زادَ وإنَّما تَحْتاجُ إلى أنْ تُطالِبَ خَصْمَكَ بِإقامَةِ الدَّلالَةِ عَلى أنَّ الزِّيادَةَ مُسْتَحَقَّةٌ. قِيلَ لَهُ: لَمّا كانَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ في أوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] أمْرًا بِاعْتِبارِ السِّهامِ المَذْكُورَةِ؛ إذْ كانَتِ الوَصِيَّةُ أمْرًا، أوْجَبَ ذَلِكَ اعْتِبارُ كُلِّ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ في الآيَةِ عَلى حِيالِهِ مَمْنُوعًا مِنَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ فِيهِ، فاقْتَضى ذَلِكَ وُجُوبَ الِاقْتِصارِ عَلى المَقادِيرِ المَذْكُورَةِ لِمَن سَمَّيْتَ لَهُ غَيْرَ زائِدَةٍ ولا ناقِصَةٍ، ولَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ مِن حَيْثُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ دُونَ ما تَقَدَّمَ مِنَ الأمْرِ بِاعْتِبارِها في ابْتِداءِ الخِطابِ، فَلِذَلِكَ مَنَعْنا الزِّيادَةَ عَلَيْها إلّا بِدَلالَةٍ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم أنْ تَضِلُّوا﴾ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ بِمَعْنى: لِئَلّا تَضِلُّوا، فَحَذَفَ " لا " كَما تُحْذَفُ مَعَ القَسَمِ في قَوْلِكَ: واَللَّهِ أبْرَحُ قاعِدًا، أيْ لا أبْرَحُ؛ قالَ الشّاعِرُ:
؎تاللَّهِ يَبْقى عَلى الأيّامِ ذُو حِيَدٍ
مَعْناهُ: لا يَبْقى. وقِيلَ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكم كَراهَةَ أنْ تَضِلُّوا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] يَعْنِي أهْلَ القَرْيَةِ.
{"ayah":"یَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ یُفۡتِیكُمۡ فِی ٱلۡكَلَـٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌا۟ هَلَكَ لَیۡسَ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَهُۥۤ أُخۡتࣱ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ یَرِثُهَاۤ إِن لَّمۡ یَكُن لَّهَا وَلَدࣱۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَیۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوۤا۟ إِخۡوَةࣰ رِّجَالࣰا وَنِسَاۤءࣰ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَیَیۡنِۗ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّوا۟ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمُۢ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق