الباحث القرآني

وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا﴾؛ اَلْآيَةَ؛ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؛ ومُجاهِدٍ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَزَلَ مَن كانَ في حِجْرِهِ يَتِيمٌ طَعامَهُ عَنْ طَعامِهِ؛ وشَرابَهُ عَنْ شَرابِهِ؛ حَتّى فَسَدَ؛ حَتّى أنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى) ﴿وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكم واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؛ فَرَخَّصَ لَهم في الخُلْطَةِ عَلى وجْهِ الإصْلاحِ؛ قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدْ خَصَّ اللَّهُ (تَعالى) الأكْلَ بِالذِّكْرِ؛ وسائِرُ الأمْوالِ؛ غَيْرِ المَأْكُولِ مِنها؛ مَحْظُورٌ إتْلافُهُ مِن مالِ اليَتِيمِ؛ كَحَظْرِ المَأْكُولِ مِنهُ؛ ولَكِنَّهُ خَصَّ الأكْلَ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ أعْظَمُ ما يُبْتَغى لَهُ الأمْوالُ؛ وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ ونَظائِرَهُ فِيما قَدْ سَلَفَ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾؛ رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ أنَّ لَهَبَ النّارِ يَخْرُجُ مِن فَمِهِ؛ ومَسامِعِهِ؛ وأنْفِهِ؛ وعَيْنَيْهِ؛ يَوْمَ القِيامَةِ؛ يَعْرِفُهُ مَن رَآهُ أنَّهُ آكِلُ مالِ اليَتِيمِ؛ وقِيلَ: إنَّهُ كالمَثَلِ؛ لِأنَّهم يَصِيرُونَ بِهِ إلى جَهَنَّمَ؛ فَتَمْتَلِئُ بِالنّارِ أجْوافُهُمْ؛ ومِن جُهّالِ الحَشْوِ وأصْحابِ الحَدِيثِ مَن يَظُنُّ أنَّ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا﴾؛ مَنسُوخٌ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؛ وقَدْ أثْبَتَهُ بَعْضُهم في النّاسِخِ والمَنسُوخِ؛ لِما رُوِيَ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَزَلُوا طَعامَ اليَتِيمِ؛ وشَرابَهُ؛ حَتّى نَزَلَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؛ وهَذا القَوْلُ مِن قائِلِهِ يَدُلُّ عَلى جَهْلِهِ بِمَعْنى النَّسْخِ؛ وبِما يَجُوزُ نَسْخُهُ مِمّا لا يَجُوزُ؛ ولا خِلافَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ أنَّ أكْلَ مالِ اليَتِيمِ ظُلْمًا مَحْظُورٌ؛ وأنَّ الوَعِيدَ المَذْكُورَ في الآيَةِ قائِمٌ فِيهِ؛ عَلى اخْتِلافٍ مِنهم في إلْحاقِ الوَعِيدِ بِهِ في الآخِرَةِ لا مَحالَةَ؛ أوْ جَوازِ الغُفْرانِ؛ فَأمّا النَّسْخُ فَلا يُجِيزُهُ عاقِلٌ في مِثْلِهِ؛ وجَهِلَ هَذا الرَّجُلُ أنَّ الظُّلْمَ لا تَجُوزُ إباحَتُهُ بِحالٍ؛ فَلا يَجُوزُ نَسْخُ حَظْرِهِ؛ وإنَّما عَزَلَ مَن كانَ في حِجْرِهِ يَتِيمٌ مِنَ الصَّحابَةِ طَعامَهُ عَنْ طَعامِهِ؛ لِأنَّهُ خافَ أنْ يَأْكُلَ مِن مالِ (p-٣٧٣)اليَتِيمِ ما لا يَسْتَحِقُّهُ؛ فَتَلْحَقَهُ سِمَةُ الظُّلْمِ؛ ويَصِيرَ مِن أهْلِ الوَعِيدِ في الآيَةِ؛ واحْتاطُوا بِذَلِكَ؛ فَلَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وإنْ تُخالِطُوهم فَإخْوانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠]؛ زالَ عَنْهُمُ الخَوْفُ في الخُلْطَةِ؛ بَعْدَ أنْ يَقْصِدُوا الإصْلاحَ بِها؛ ولَيْسَ فِيهِ إباحَةٌ لِأكْلِ مالِ اليَتِيمِ ظُلْمًا؛ حَتّى يَكُونَ ناسِخًا لِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أمْوالَ اليَتامى ظُلْمًا﴾؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب