الباحث القرآني
ومِن سُورَةِ والصّافّاتِ
﷽
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ فانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]
قالَ أبُو بَكْرٍ: ظاهِرُهُ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ كانَ مَأْمُورًا بِذَبْحِهِ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ الأمْرُ إنَّما تَضَمَّنَ مُعالَجَةَ الذَّبْحِ لا ذَبْحًا يُوجِبُ المَوْتَ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ الأمْرُ حَصَلَ عَلى شَرِيطَةِ التَّخْلِيَةِ والتَّمْكِينِ مِنهُ وعَلى أنْ لا يَفْدِيَهُ بِشَيْءٍ وأنَّهُ إنْ فَدى مِنهُ بِشَيْءٍ قائِمًا مَقامَهُ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ ظاهِرَهُ قَدِ اقْتَضى الأمْرَ قَوْلُهُ: ﴿افْعَلْ ما تُؤْمَرُ﴾ وقَوْلُهُ: ﴿وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظاهِرُهُ قَدِ اقْتَضى الأمْرَ بِالذَّبْحِ لَما قالَ: ﴿افْعَلْ ما تُؤْمَرُ﴾ ولَمْ يَكُنِ الذَّبْحُ فِداءً عَنْ ذَبْحٍ مُتَوَقَّعٍ. ورُوِيَ أنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ نَذَرَ إنْ رَزَقَهُ اللَّهُ ولَدًا ذَكَرًا أنْ يَجْعَلَهُ ذَبِيحًا لِلَّهِ، فَأُمِرَ بِالوَفاءِ بِهِ. ورُوِيَ أنَّ اللَّهَ تَعالى ابْتَدَأ بِالأمْرِ بِالذَّبْحِ عَلى نَحْوِ ما قَدَّمْنا وجائِزٌ أنْ يَكُونَ الأمْرُ ورَدَ بِذَبْحِ ابْنِهِ وذَبَحَهُ فَوَصَلَ اللَّهُ أوْداجَهُ قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ وكانَتِ الفِدْيَةُ لِبَقاءِ حَياتِهِ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وعَلى أيِّ وجْهٍ تَصَرَّفَ تَأْوِيلُ الآيَةِ قَدْ تَضَمَّنَ الأمْرُ بِذَبْحِ الوَلَدِ إيجابَ شاةٍ في العاقِبَةِ، فَلَمّا صارَ مُوجِبُ هَذا اللَّفْظِ إيجابَ شاةٍ في المُتَعَقِّبِ في شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِاتِّباعِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ أوْحَيْنا إلَيْكَ أنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل: ١٢٣] وقالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: ٩٠] وجَبَ عَلى مَن نَذَرَ ذَبْحَ ولَدِهِ شاةٌ وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وفُقَهاءُ الأمْصارِ بَعْدَهم في ذَلِكَ (p-٢٥٢)فَرَوى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الرَّجُلِ يَقُولُ: هو نَحَرَ ابْنَهُ، قالَ: " كَبْشٌ كَما فَدى إبْراهِيمُ إسْحاقَ " .
ورَوى سُفْيانُ عَنْ مَنصُورٍ عَنْ الحَكَمِ عَنْ عَلِيٍّ في رَجُلٍ نَذَرَ أنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ قالَ: " يُهْدِي بَدَنَةً أوْ دِيَتَهُ شَكَّ الرّاوِي. وعَنْ مَسْرُوقٍ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ. ورَوى شُعْبَةُ عَنْ الحَكَمِ عَنْ إبْراهِيمَ قالَ: " يَحُجُّ ويَهْدِي بَدَنَةَ " .
ورَوى داوُدُ بْنُ أبِي هِنْدٍ عَنْ عامِرٍ في رَجُلٍ حَلَفَ أنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ قالَ: " قالَ بَعْضُهم مِائَةٌ مِنَ الإبِلِ، وقالَ بَعْضُهم: كَبْشٌ كَما فُدِيَ إسْحاقُ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: قالَ أبُو حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٌ: " عَلَيْهِ ذَبْحُ شاةٍ " وقالَ أبُو يُوسُفَ: " لا شَيْءَ عَلَيْهِ " وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: " لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ " وقالَ مُحَمَّدٌ: " عَلَيْهِ ذَبْحُ شاةٍ " . وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ في ذَبْحِ الوَلَدِ؛ لِأنَّ هَذا اللَّفْظَ قَدْ صارَ عِبارَةً عَنْ إيجابِ شاةٍ في شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَوَجَبَ بَقاءُ حُكْمِهِ ما لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ.
وذَهَبَ أبُو يُوسُفَ إلى حَدِيثِ أبِي قِلاَبَةَ عَنْ أبِي المُهَلَّبِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «لا وفاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللَّهِ ولا فِيما لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ». ورَوى الحَسَنُ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا نَذْرَ في مَعْصِيَةٍ وكَفّارَتُهُ كَفّارَةُ يَمِينٍ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا يَلْزَمُ القائِلِينَ بِالقَوْلِ الأوَّلِ وذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُ: " عَلَيَّ ذَبْحُ ولَدِي " لَمّا صارَ عِبارَةً عَنْ إيجابِ ذَبْحِ شاةٍ صارَ بِمَنزِلَةِ ما لَوْ قالَ: " عَلَيَّ ذَبْحُ شاةٍ " ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، وإنَّما لَمْ يُوجِبُ أبُو حَنِيفَةَ عَلى النّاذِرِ ذَبْحَ عَبْدِهِ شَيْئًا؛ لِأنَّ هَذا اللَّفْظَ ظاهِرُهُ مَعْصِيَةٌ ولَمْ يَثْبُتْ في الشَّرْعِ عِبارَةٌ عَنْ ذَبْحِ شاةٍ فَكانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. وقَدْ قالُوا جَمِيعًا فِيمَن قالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أقْتُلَ ولَدِي: إنَّهُ لا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ هَذا اللَّفْظَ ظاهِرُهُ مَعْصِيَةٌ، ولَمْ يَثْبُتْ في الشَّرْعِ عِبارَةٌ عَنْ ذَبْحِ شاةٍ وقَدْ رَوى يَزِيدُ بْنُ هارُونَ عَنْ يَحْيى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: كُنْتَ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ فَجاءَتْهُ امْرَأةٌ فَقالَتْ: إنِّي نَذَرْتَ أنْ أنْحَرَ ابْنِي قالَ: لا تَنْحَرِي ابْنَكَ وكَفِّرِي عَنْ يَمِينِكَ " فَقالَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ: إنَّهُ لا وفاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةٍ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " مَهْ قالَ اللَّهُ تَعالى في الظِّهارِ ما سَمِعْتَ وأوْجَبَ فِيهِ ما ذَكَرَهُ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: ولَيْسَ ذَلِكَ بِمُخالِفٍ لِما قَدَّمْنا مِن قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ في إيجابِهِ كَبْشًا؛ لِأنَّهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ مِن مَذْهَبِهِ إيجابُهُما جَمِيعًا إذا أرادَ بِالنَّذْرِ اليَمِينَ، كَما قالَ أبُو حَنِيفَةَ ومُحَمَّدٌ فِيمَن قالَ: " لِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أصُومَ غَدًا " فَلَمْ يَفْعَلْ وأرادَ اليَمِينَ أنَّ عَلَيْهِ كَفّارَةَ اليَمِينِ والقَضاءَ جَمِيعًا.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الذَّبِيحِ مِن ولَدَيْ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ وكَعْبٍ والحَسَنِ وقَتادَةَ أنَّهُ إسْحاقُ، وعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ ومُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ أنَّهُ إسْماعِيلُ.
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (p-٢٥٣)ﷺ القَوْلانِ جَمِيعًا. ومَن قالَ: هو إسْماعِيلُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذِكْرِ الذَّبْحِ: ﴿وبَشَّرْناهُ بِإسْحاقَ نَبِيًّا﴾ [الصافات: ١١٢] فَلَمّا كانَتِ البِشارَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ دَلَّ عَلى أنَّهُ إسْماعِيلُ واحْتَجَّ الآخَرُونَ بِأنَّهُ لَيْسَ بِبِشارَةٍ بِوِلادَتِهِ وإنَّما هي بِشارَةٌ بِنُبُوَّتِهِ؛ لِأنَّهُ قالَ: ﴿وبَشَّرْناهُ بِإسْحاقَ نَبِيًّا﴾ [الصافات: ١١٢]
{"ayah":"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡیَ قَالَ یَـٰبُنَیَّ إِنِّیۤ أَرَىٰ فِی ٱلۡمَنَامِ أَنِّیۤ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ یَـٰۤأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











