الباحث القرآني

وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وسَيِّدًا وحَصُورًا ونَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ﴾؛ يَدُلُّ عَلى أنَّ غَيْرَ اللَّهِ (تَعالى) يَجُوزُ أنْ يُسَمّى بِهَذا الِاسْمِ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) سَمّى يَحْيى "سَيِّدًا"؛ والسَّيِّدُ هو الَّذِي تَجِبُ طاعَتُهُ؛ وقَدْ رُوِيَ «عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ لِلْأنْصارِ - حِينَ أقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُ وبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ -: "قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ"؛» «وقالَ ﷺ لِلْحَسَنِ: "إنَّ ابْنِي هَذا سَيِّدٌ"؛» «وقالَ لِبَنِي سَلِمَةَ: "مَن سَيِّدُكم يا بَنِي سَلِمَةَ؟"؛ قالُوا: اَلْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ؛ عَلى بُخْلٍ فِيهِ؛ قالَ: "وأيُّ داءٍ أدْوى مِنَ البُخْلِ؟ ولَكِنْ سَيِّدُكُمُ الجَعْدُ الأبْيَضُ؛ عَمْرُو بْنُ الجَمُوحِ "؛» فَهَذا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلى أنَّ مَن تَجِبُ طاعَتُهُ يَجُوزُ أنْ يُسَمّى "سَيِّدًا"؛ ولَيْسَ السَّيِّدُ هو المالِكُ فَحَسْبُ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَجازَ أنْ يُقالَ: سَيِّدُ الدّابَّةِ؛ وسَيِّدُ الثَّوْبِ؛ كَما يُقالُ: سَيِّدُ العَبْدِ. وقَدْ رُوِيَ «أنَّ وفْدَ بَنِي عامِرٍ قَدِمُوا عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا: أنْتَ سَيِّدُنا؛ وذُو الطَّوْلِ عَلَيْنا؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "اَلسَّيِّدُ هو اللَّهُ؛ تَكَلَّمُوا بِكَلامِكُمْ؛ ولا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطانُ"؛» وقَدْ كانَ النَّبِيُّ ﷺ أفْضَلَ السّادَةِ مِن بَنِي آدَمَ؛ ولَكِنَّهُ رَآهم مُتَكَلِّفِينَ لِهَذا القَوْلِ؛ فَأنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ؛ كَما قالَ: «"أبْغَضُكم إلَيَّ الثَّرْثارُونَ؛ المُتَشَدِّقُونَ؛ المُتَفَيْهِقُونَ"؛» فَكَرِهَ لَهم تَكَلُّفُ الكَلامِ عَلى وجْهِ التَّصَنُّعِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"لا تَقُولُوا لِلْمُنافِقِ سَيِّدًا؛ فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ هَلَكْتُمْ"؛» فَنَهى أنْ يُسَمّى المُنافِقُ سَيِّدًا؛ لِأنَّهُ لا تَجِبُ (p-٢٩٣)طاعَتُهُ؛ فَإنْ قِيلَ: قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿رَبَّنا إنّا أطَعْنا سادَتَنا وكُبَراءَنا فَأضَلُّونا السَّبِيلا﴾ [الأحزاب: ٦٧]؛ فَسَمَّوْهم ساداتٍ؛ وهم ضُلّالٌ؛ قِيلَ لَهُ: لِأنَّهم أنْزَلُوهم مَنزِلَةَ مَن تَجِبُ طاعَتُهُ؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَها؛ فَكانُوا عِنْدَهُمْ؛ وفي اعْتِقادِهِمْ؛ ساداتِهِمْ؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿فَما أغْنَتْ عَنْهم آلِهَتُهُمُ﴾ [هود: ١٠١]؛ ولَمْ يَكُونُوا آلِهَةً؛ ولَكِنَّهم سَمَّوْهم آلِهَةً؛ فَأجْرى الكَلامَ عَلى ما كانَ في زَعْمِهِمْ؛ واعْتِقادِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب