الباحث القرآني

قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّ﴾؛ قُرِئَ: "يُغَلَّ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ ومَعْناهُ: "يُخانَ"؛ وخُصَّ النَّبِيُّ ﷺ – بِذَلِكَ - وإنْ كانَتْ خِيانَةُ سائِرِ النّاسِ مَحْظُورَةً - تَعْظِيمًا لِأمْرِ خِيانَتِهِ عَلى خِيانَةِ غَيْرِهِ؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: ٣٠]؛ وإنْ كانَ الرِّجْسُ كُلُّهُ مَحْظُورًا؛ ونَحْنُ مَأْمُورُونَ بِاجْتِنابِهِ؛ ورُوِيَ هَذا التَّأْوِيلُ عَنِ الحَسَنِ؛ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): "يُغَلَّ"؛ بِضَمِّ الياءِ: "إنَّ مَعْناهُ: "يُخَوَّنَ"؛ فَيُنْسَبَ إلى الخِيانَةِ"؛ وقالَ: نَزَلَتْ في قَطِيفَةٍ حَمْراءَ فُقِدَتْ يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَقالَ بَعْضُ النّاسِ: لَعَلَّ النَّبِيَّ ﷺ أخَذَها؛ فَأنْزَلَ اللَّهُ (تَعالى) هَذِهِ الآيَةَ؛ ومَن قَرَأ: "يَغُلَّ" بِفَتْحِ الياءِ؛ مَعْناهُ: "يَخُونُ"؛ والغُلُولُ الخِيانَةُ في الجُمْلَةِ؛ إلّا أنَّهُ قَدْ صارَ الإطْلاقُ فِيها يُفِيدُ الخِيانَةَ في المَغْنَمِ؛ وقَدْ عَظَّمَ النَّبِيُّ ﷺ أمْرَ الغُلُولِ؛ حَتّى أجْراهُ مُجْرى الكَبائِرِ؛ ورَوى قَتادَةُ عَنْ سالِمِ بْنِ أبِي الجَعْدِ؛ عَنْ مَعْدانَ بْنِ أبِي طَلْحَةَ؛ عَنْ ثَوْبانَ؛ مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كانَ يَقُولُ: «"مَن فارَقَ الرُّوحُ جَسَدَهُ وهو بَرِيءٌ مِن ثَلاثٍ؛ دَخَلَ الجَنَّةَ: اَلْكِبْرِ؛ والغُلُولِ؛ والدَّيْنِ"؛» ورَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أنَّ رَجُلًا كانَ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُقالُ لَهُ "كَرْكَرَةُ" فَماتَ؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "هُوَ في النّارِ"؛ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَوَجَدُوا عَلَيْهِ كِساءً؛ أوْ عَباءَةً قَدْ غَلَّها؛» «وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أدُّوا الخَيْطَ والمَخِيطَ؛ فَإنَّهُ عارٌ؛ ونارٌ؛ وشَنارٌ يَوْمَ القِيامَةِ"؛» والأخْبارُ في أمْرِ تَغْلِيظِ الغُلُولِ كَثِيرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وقَدْ رُوِيَ في إباحَةِ أكْلِ الطَّعامِ؛ وأخْذِ عَلَفِ الدَّوابِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ والصَّحابَةِ؛ والتّابِعِينَ أخْبارٌ مُسْتَفِيضَةٌ؛ قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي أوْفى: "أصَبْنا طَعامًا يَوْمَ خَيْبَرَ؛ فَكانَ الرَّجُلُ مِنّا يَأْتِي فَيَأْخُذُ مِنهُ ما يَكْفِيهِ؛ ثُمَّ يَنْصَرِفُ"؛ وعَنْ سَلْمانَ أنَّهُ أصابَ يَوْمَ المَدائِنِ أرْغِفَةً حُوّارى؛ وجُبْنًا؛ وسِكِّينًا؛ فَجَعَلَ يَقْطَعُ مِنَ الجُبْنَةِ ويَقُولُ: "كُلُوا؛ بِسْمِ اللَّهِ"؛ وقَدْ رَوى رُوَيْفِعُ بْنُ ثابِتٍ الأنْصارِيُّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «"لا يَحِلُّ لِأحَدٍ يُؤْمِنُ (p-٣٣٢)بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أنْ يَرْكَبَ دابَّةً مِن فَيْءِ المُسْلِمِينَ حَتّى إذا أعْجَفَها رَدَّها فِيهِ؛ ولا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ أنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِن فَيْءِ المُسْلِمِينَ حَتّى إذا أخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ"؛» وهَذا مَحْمُولٌ عَلى الحالِ الَّتِي يَكُونُ فِيها مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ؛ فَأمّا إذا احْتاجَ إلَيْهِ فَلا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الفُقَهاءِ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ البَراءِ بْنِ مالِكٍ أنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ اليَمامَةِ؛ فَوَقَعَ عَلى قَفاهُ فَأخَذَ سَيْفَهُ؛ وقَتَلَهُ بِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب