الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ هو أمْرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأنْ يَظُنُّوا خَيْرًا بِمَن كانَ ظاهِرُهُ العَدالَةَ وبَراءَةَ السّاحَةِ وأنْ لا يَقْضُوا عَلَيْهِمْ بِالظَّنِّ وذَلِكَ لِأنَّ الَّذِينَ قَذَفُوا عائِشَةَ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ مُعايَنَةٍ وإنَّما قَذَفُوها. تَظَنُّنًا وحُسْبانًا لِما رَأوْها مُتَخَلِّفَةً عَنِ الجَيْشِ قَدْ رَكِبَتْ جَمَلَ صَفْوانَ بْنِ المُعَطِّلِ يَقُودُهُ. وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الواجِبَ لِمَن كانَ ظاهِرُهُ العَدالَةَ أنْ يُظَنَّ بِهِ خَيْرًا ولا يُظَنَّ بِهِ شَرًّا، وهو يُوجِبُ أنْ يَكُونَ أُمُورُ المُسْلِمِينَ في عُقُودِهِمْ وأفْعالِهِمْ وسائِرِ تَصَرُّفِهِمْ مَحْمُولَةً عَلى الصِّحَّةِ والجَوازِ وأنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ حَمْلُها عَلى الفَسادِ وعَلى ما لا يَجُوزُ فِعْلُهُ بِالظَّنِّ والحُسْبانِ؛ ولِذَلِكَ قالَ أصْحابُنا فِيمَن وجَدَ مَعَ امْرَأةٍ أجْنَبِيَّةٍ رَجُلًا فاعْتَرَفا بِالتَّزْوِيجِ: إنَّهُ لا يَجُوزُ تَكْذِيبُهُما بَلْ يَجِبُ تَصْدِيقُهُما؛ وزَعَمَ مالِكُ بْنُ أنَسٍ أنَّهُ يَحُدُّهُما إنْ لَمْ يُقِيما بَيِّنَةً عَلى النِّكاحِ. ومِن ذَلِكَ أيْضًا ما قالَ أصْحابُنا فِيمَن باعَ دِرْهَمًا ودِينارًا بِدِرْهَمَيْنِ ودِينارَيْنِ: إنّا نُخالِفُ بَيْنَهُما لِأنّا قَدْ أُمِرْنا بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالمُؤْمِنِينَ وحَمْلِ أُمُورِهِمْ عَلى ما يَجُوزُ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلى ما يَجُوزُ وهو المُخالَفَةُ بَيْنَهُما، وكَذَلِكَ إذا باعَهُ سَيْفًا مُحَلًّى فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أنّا نَجْعَلُ المِائَةَ بِالمِائَةِ والفَضْلَ بِالسَّيْفِ، فَنَحْمِلُ أمْرَهُما عَلى أنَّهُما تَعاقَدا عَقْدًا جائِزًا ولا نَحْمِلُهُ عَلى الفَسادِ وما لا يَجُوزُ. وهَذا يَدُلُّ أيْضًا عَلى صِحَّةِ قَوْلِ أبِي حَنِيفَةَ في أنَّ المُسْلِمِينَ عُدُولٌ ما لَمْ تَظْهَرْ مِنهم رِيبَةٌ؛ لِأنّا إذا كُنّا مَأْمُورِينَ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِينَ وتَكْذِيبِ مَن قَذَفَهم عَلى جِهَةِ الظَّنِّ والتَّخْمِينِ بِما يُسْقِطُ العَدالَةَ فَقَدْ أُمِرْنا بِمُوالاتِهِمْ والحُكْمِ لَهم بِالعَدالَةِ بِظاهِرِ حالِهِمْ، وذَلِكَ يُوجِبُ الرَّوِيَّةَ وقَبُولَ الشَّهادَةِ ما لَمْ تَظْهَرْ مِنهم رِيبَةٌ تُوجِبُ التَّوَقُّفَ عَنْها أوْ رَدَّها؛ وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس: ٣٦] وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إيّاكم والظَّنَّ فَإنَّهُ أكْذَبُ الحَدِيثِ» . وقَوْلُهُ ﴿ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يَظُنَّ بَعْضُهم بِبَعْضٍ خَيْرًا، كَقَوْلِهِ: ﴿فَإذا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلى أنْفُسِكُمْ﴾ [النور: ٦١] والمَعْنى: (p-١٦٢)فَلْيُسَلِّمْ بَعْضُكم عَلى بَعْضٍ، وكَقَوْلِهِ: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] يَعْنِي: لا يَقْتُلْ بَعْضُكم بَعْضًا. والثّانِي: أنَّهُ جَعَلَ المُؤْمِنِينَ كُلَّهم كالنَّفْسِ الواحِدَةِ فِيما يَجْرِي عَلَيْها مِنَ الأُمُورِ، فَإذا جَرى عَلى أحَدِهِمْ مَكْرُوهٌ فَكَأنَّهُ قَدْ جَرى عَلى جَمِيعِهِمْ، كَما حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنِ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو عَبْدِ اللَّهِ أحْمَدُ بْنُ دَوَّسَتْ قالَ: حَدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ حُمَيْدٍ قالَ: حَدَّثَنا الوَلِيدُ بْنُ أبِي ثَوْرٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ في تَواصُلِهِمْ وتَراحُمِهِمْ واَلَّذِي جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهم كَمَثَلِ الجَسَدِ إذا وجِعَ بَعْضُهُ وجِعَ كُلُّهُ بِالسَّهَرِ والحُمّى» . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ناجِيَةَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ناصِحٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مالِكَ بْنِ مِغْوَلٍ عَنْ أبِي بُرْدَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «المُؤْمِنُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ كالبُنْيانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب