الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ﴾ قِيلَ: مَعْناهُ جاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ واتَّبِعُوا مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ، ولِذَلِكَ نُصِبَ. قالَ بَعْضُهم: نُصِبَ؛ لِأنَّهُ أرادَ كَمِلَّةِ أبِيكم، إلّا أنَّهُ لَمّا حُذِفَ الجارُّ اتَّصَلَ الِاسْمُ بِالفِعْلِ فَنُصِبَ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ عَلَيْنا اتِّباعَ شَرِيعَةِ إبْراهِيمَ إلّا ما ثَبَتَ (p-٩٠)نَسْخُهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّنا ﷺ وقِيلَ: إنَّهُ إنَّما قالَ مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ؛ لِأنَّها داخِلَةٌ في مِلَّةِ نَبِيِّنا ﷺ وإنْ كانَ المَعْنى أنَّهُ كَمِلَّةِ أبِيكم إبْراهِيمَ، فَإنَّهُ يَعْنِي أنَّ الجِهادَ في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ كَمِلَّةِ أبِيكم إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ لِأنَّهُ جاهَدَ في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: ﴿وجاهِدُوا في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ﴾ " جاهِدُوا المُشْرِكِينَ " .
ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أيْضًا: " لا تَخافُوا في اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وهو الجِهادُ في اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ " . وقالَ الضَّحّاكُ: " يَعْنِي اعْمَلُوا بِالحَقِّ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ " .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " مِن ضِيقٍ " . وكَذَلِكَ قالَ مُجاهِدٌ. ويُحْتَجُّ بِهِ في كُلِّ ما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَوادِثِ أنَّ ما أدّى إلى الضِّيقِ فَهو مَنفِيٌّ وما أوْجَبَ التَّوْسِعَةَ فَهو أوْلى، وقَدْ قِيلَ: ﴿وما جَعَلَ عَلَيْكم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ﴾ أنَّهُ مِن ضِيقٍ لا مَخْرَجَ مِنهُ، وذَلِكَ لِأنَّ مِنهُ ما يُتَخَلَّصُ مِنهُ بِالتَّوْبَةِ ومِنهُ ما تُرَدُّ بِهِ المَظْلَمَةُ، فَلَيْسَ في دِينِ الإسْلامِ ما لا سَبِيلَ إلى الخَلاصِ مِن عُقُوبَتِهِ.
* * *
وقَوْلُهُ ﴿مِلَّةَ أبِيكم إبْراهِيمَ﴾ الخِطابُ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ، ولَيْسَ كُلُّهم راجِعًا بِنَسَبِهِ إلى أوْلادِ إبْراهِيمَ، فَرُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ أرادَ أنَّ حُرْمَةَ إبْراهِيمِ عَلى المُسْلِمِينَ كَحُرْمَةِ الوالِدِ عَلى الوَلَدِ كَما قالَ تَعالى: ﴿وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦] وفي بَعْضِ القِراءاتِ: " وهو أبٌ لَهم " .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ ومُجاهِدٌ: " يَعْنِي أنَّ اللَّهَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ " . وقِيلَ: إنَّ إبْراهِيمَ سَمّاكُمُ المُسْلِمِينَ لِقَوْلِهِ تَعالى حاكِيًا عَنْ إبْراهِيمَ: ﴿ومِن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن قَبْلُ وفي هَذا﴾ قالَ مُجاهِدٌ: " مِن قَبْلِ القُرْآنِ وفي القُرْآنِ " . وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهم عُدُولٌ مَرْضِيُّونَ، وفي ذَلِكَ بُطْلانُ طَعْنِ الطّاعِنِينَ عَلَيْهِمْ؛ إذْ كانَ اللَّهُ لا يَجْتَبِي إلّا أهْلَ طاعَتِهِ وأتْباعَ مَرْضاتِهِ، وفي ذَلِكَ مَدْحٌ لِلصَّحابَةِ المُخاطَبِينَ بِذَلِكَ ودَلِيلٌ عَلى طَهارَتِهِمْ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكم وتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ فِيهِ الدَّلالَةُ عَلى صِحَّةِ إجْماعِهِمْ؛ لِأنَّ مَعْناهُ: لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكم بِطاعَةِ مَن أطاعَ في تَبْلِيغِهِ وعِصْيانِ مَن عَصى وتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ بِأعْمالِهِمْ فِيما بَلَّغْتُمُوهم مِن كِتابِ رَبِّهِمْ وسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، وهَذِهِ الآيَةُ نَظِيرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] فَبَدَأ بِمَدْحِهِمْ ووَصْفِهِمْ بِالعَدالَةِ ثُمَّ أخْبَرَ أنَّهم شُهَداءُ وحُجَّةٌ عَلى مَن بَعْدَهم، كَما قالَ هُنا: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ﴾ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وافْعَلُوا الخَيْرَ﴾ [الحج: ٧٧] رُبَّما يَحْتَجُّ بِهِ المُحْتَجُّ في إيجابِ قُرْبَةٍ مُخْتَلَفٍ في وُجُوبِها، وهَذا عِنْدَنا لا يَصِحُّ الِاحْتِجاجُ بِهِ في إيجابِ شَيْءٍ ولا يَصِحُّ اعْتِقادُ العُمُومِ (p-٩١)فِيهِ. آخِرُ سُورَةِ الحَجِّ.
{"ayah":"وَجَـٰهِدُوا۟ فِی ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ هُوَ ٱجۡتَبَىٰكُمۡ وَمَا جَعَلَ عَلَیۡكُمۡ فِی ٱلدِّینِ مِنۡ حَرَجࣲۚ مِّلَّةَ أَبِیكُمۡ إِبۡرَ ٰهِیمَۚ هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ مِن قَبۡلُ وَفِی هَـٰذَا لِیَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِیدًا عَلَیۡكُمۡ وَتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِۚ فَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُوا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِٱللَّهِ هُوَ مَوۡلَىٰكُمۡۖ فَنِعۡمَ ٱلۡمَوۡلَىٰ وَنِعۡمَ ٱلنَّصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











