الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ ومَن يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي بِهِ واللَّهُ أعْلَمُ اجْتِنابَ ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ في وقْتِ الإحْرامِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ واسْتِعْظامًا لِمُواقَعَةِ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ في إحْرامِهِ صِيانَةً لِحَجِّهِ وإحْرامِهِ، فَهو خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ مِن تَرْكِ اسْتِعْظامِهِ والتَّهاوُنِ بِهِ. قَوْلُهُ تَعالى: (p-٧٧)﴿وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ قِيلَ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم في كِتابِ اللَّهِ مِنَ المَيْتَةِ والدَّمِ ولَحْمِ الخِنْزِيرِ والمَوْقُوذَةِ والمُتَرَدِّيَةِ والنَّطِيحَةِ وما أكَلَ السَّبُعُ وما ذُبِحَ عَلى النُّصُبِ. والثّانِي: وأُحِلَّتْ لَكم بَهِيمَةُ الأنْعامِ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ في حالِ إحْرامِكم إلّا ما يُتْلى عَلَيْكم مِنَ الصَّيْدِ فَإنَّهُ يَحْرُمُ عَلى المُحْرِمِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ﴾ يَعْنِي: اجْتَنِبُوا تَعْظِيمَ الأوْثانِ فَلا تُعَظِّمُوها واجْتَنِبُوا الذَّبائِحَ لَها عَلى ما كانَ يَفْعَلُهُ المُشْرِكُونَ، وسَمّاها رِجْسًا اسْتِقْذارًا لَها واسْتِخْفافًا بِها، وإنَّما أمَرَهم بِاسْتِقْذارِها؛ لِأنَّ المُشْرِكِينَ كانُوا يَنْحَرُونَ عَلَيْها هَداياهم ويَصُبُّونَ عَلَيْها الدِّماءَ وكانُوا مَعَ هَذِهِ النَّجاساتِ يُعَظِّمُونَها، فَنَهى اللَّهُ المُسْلِمِينَ عَنْ تَعْظِيمِها وعِبادَتِها وسَمّاها رِجْسًا لِقَذارَتِها ونَجاسَتِها مِنَ الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ سَمّاها رِجْسًا لِلُزُومِ اجْتِنابِها كاجْتِنابِ الأقْذارِ والأنْجاسِ. * * * بابُ شَهادَةِ الزُّورِ قالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ والزُّورُ الكَذِبُ وذَلِكَ عامٌّ في سائِرِ وُجُوهِ الكَذِبِ، وأعْظَمُها الكُفْرُ بِاللَّهِ والكَذِبُ عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وقَدْ دَخَلَ فِيهِ شَهادَةُ الزُّورِ، حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ ويَعْلى ابْنا عُبَيْدٍ عَنْ سُفْيانَ العُصْفُرِيِّ عَنْ أبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ النُّعْمانِ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فاتِكٍ قالَ: صَلّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ قالَ: «عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بِالإشْراكِ بِاللَّهِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ ﴿حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴾» ورَوى وائِلُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: «عُدِلَتْ شَهادَةُ الزُّورِ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ ثُمَّ قَرَأ: ﴿فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثانِ واجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾» وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَبّاسِ المُؤَدِّبُ قالَ: حَدَّثَنا عاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الفُراتِ التَّمِيمِيُّ قالَ: سَمِعْتُ مُحارِبَ بْنَ دِثارٍ يَقُولُ: أخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «شاهِدُ الزُّورِ لا تَزُولُ قَدَماهُ حَتّى تُوجِبَ لَهُ النّارَ» . وقَدِ اخْتُلِفَ في حُكْمِ شاهِدِ الزُّورِ، فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ: " لا يُعَزَّرُ " وهَذا عِنْدَنا عَلى أنَّهُ إنْ جاءَ تائِبًا، فَأمّا إنْ كانَ مُصِرًّا فَإنَّهُ لا خِلافَ عِنْدِي بَيْنَهم في أنَّهُ يُعَزَّرُ. وقالَ أبُو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ: " يُضْرَبُ ويُسَخَّمُ وجْهُهُ ويُشَهَّرُ ويُحْبَسُ " . وقَدْ رَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عامِرٍ عَنْ أبِيهِ قالَ: " أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ بِشاهِدِ زُورٍ، فَجَرَّدَهُ وأوْقَفَهُ لِلنّاسِ يَوْمًا وقالَ: هَذا فُلانُ بْنُ فُلانٍ فاعْرِفُوهُ ثُمَّ حَبَسَهُ " . (p-٧٨)وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا العَبّاسُ بْنُ الوَلِيدِ البَزّازُ قالَ: حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ هِشامٍ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الحَجّاجِ عَنْ مَكْحُولٍ، أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ قالَ في الشّاهِدِ الزُّورِ: " يُضْرَبُ ظَهْرُهُ ويُحْلَقُ رَأْسُهُ ويُسَخَّمُ وجْهُهُ ويُطالُ حَبْسُهُ " . * * * بابُ مَحِلِّ الهَدْيِ مَحِلُّ الهَدْيِ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وأُحِلَّتْ لَكُمُ الأنْعامُ إلا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿لَكم فِيها مَنافِعُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] ومَعْلُومٌ أنَّ مُرادَهُ تَعالى فِيما جُعِلَ هَدْيًا أوْ بَدَنَةً أوْ فِيما وجَبَ أنْ تُجْعَلَ هَدْيًا مِن واجِبٍ في ذِمَّتِهِ، فَأخْبَرَ تَعالى أنَّ مَحِلَّ ما كانَ هَذا وصْفُهُ إلى البَيْتِ العَتِيقِ، والمُرادُ بِالبَيْتِ هَهُنا الحَرَمُ كُلُّهُ؛ إذْ مَعْلُومٌ أنَّها لا تُذْبَحُ عِنْدَ البَيْتِ ولا في المَسْجِدِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ الحَرَمُ كُلُّهُ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِذِكْرِ البَيْتِ؛ إذْ كانَتْ حُرْمَةُ الحَرَمِ كُلِّهِ مُتَعَلِّقَةً بِالبَيْتِ، وهو كَقَوْلِهِ تَعالى في جَزاءِ الصَّيْدِ: ﴿هَدْيًا بالِغَ الكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥] ولا خِلافَ أنَّ المُرادَ الحَرَمُ كُلُّهُ. وقَدْ رَوى أُسامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَطاءٍ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَرَفَةُ كُلُّها مَوْقِفٌ ومِنًى كُلُّها مَنحَرٌ وكُلُّ فِجاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ ومَنحَرٌ»، وعُمُومُ الآيَةِ يَقْتَضِي أنْ يَكُونَ مَحِلُّ سائِرِ الهَدايا الحَرَمَ ولا يُجْزِئُ في غَيْرِهِ؛ إذْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنها. وقَدِ اخْتُلِفَ في هَدْيِ الإحْصارِ، فَقالَ أصْحابُنا: " مَحِلُّهُ ذَبْحُهُ في الحَرَمِ " وذَلِكَ لِأنَّهُ قالَ: ﴿ولا تَحْلِقُوا رُءُوسَكم حَتّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ [البقرة: ١٩٦] وكانَ المَحِلُّ مُجْمَلًا في هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمّا قالَ: ﴿ثُمَّ مَحِلُّها إلى البَيْتِ العَتِيقِ﴾ [الحج: ٣٣] بَيَّنَ فِيهِ ما أجْمَلَ ذِكْرَهُ في الآيَةِ الأُولى، فَوَجَبَ أنْ يَكُونَ مَحِلُّ هَدْيِ الإحْصارِ الحَرَمَ. ولَمْ يَخْتَلِفُوا في سائِرِ الهَدايا الَّتِي يَتَعَلَّقُ وُجُوبُها بِالإحْرامِ مِثْلُ جَزاءِ الصَّيْدِ وفِدْيَةِ الأذى ودَمِ التَّمَتُّعِ أنَّ مَحِلَّها الحَرَمُ، فَكَذَلِكَ هَدْيُ الإحْصارِ لَمّا تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالإحْرامِ وجَبَ أنْ يَكُونَ في الحَرَمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب