الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ﴾؛ اَلْآيَةَ؛ قالَ أبُو بَكْرٍ: (p-١٧٠)إنَّ إيتاءَ اللَّهِ (تَعالى) المُلْكَ لِلْكافِرِ إنَّما هو مِن جِهَةِ كَثْرَةِ المالِ؛ واتِّساعِ الحالِ؛ وهَذا جائِزٌ أنْ يُنْعِمَ اللَّهُ (تَعالى) عَلى الكافِرِينَ بِهِ في الدُّنْيا؛ ولا يَخْتَلِفُ حُكْمُ الكافِرِ؛ والمُؤْمِنِ في ذَلِكَ؛ ألا تَرى إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مَن كانَ يُرِيدُ العاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَن نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ١٨] ؟ فَهَذا الضَّرْبُ مِنَ المُلْكِ جائِزٌ أنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ (تَعالى) الكافِرَ؛ وأمّا المُلْكُ الَّذِي هو تَمْلِيكُ الأمْرِ؛ والنَّهْيِ؛ وتَدْبِيرُ أُمُورِ النّاسِ؛ فَإنَّ هَذا لا يَجُوزُ أنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ (تَعالى) أهْلَ الكُفْرِ؛ والضَّلالِ؛ لِأنَّ أوامِرَ اللَّهِ (تَعالى) وزَواجِرَهُ؛ إنَّما هي اسْتِصْلاحٌ لِلْخَلْقِ؛ فَغَيْرُ جائِزٍ اسْتِصْلاحُهم بِمَن هو عَلى الفَسادِ؛ مُجانِبٌ لِلصَّلاحِ؛ ولِأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَأْتَمِنَ أهْلَ الكُفْرِ والضَّلالِ عَلى أوامِرِهِ؛ ونَواهِيهِ؛ وأُمُورِ دِينِهِ؛ كَما قالَ (تَعالى) - في آيَةٍ أُخْرى -: ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤]؛ وكانَتْ مُحاجَّةُ المَلِكِ الكافِرِ لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وهو النَّمْرُوذُ بْنُ كَنْعانَ - أنَّهُ دَعاهُ إلى اتِّباعِهِ؛ وحاجَّهُ بِأنَّهُ مَلِكٌ يَقْدِرُ عَلى الضُّرِّ؛ والنَّفْعِ؛ فَقالَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: "فَإنَّ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ؛ وأنْتَ لا تَقْدِرُ عَلى ذَلِكَ"؛ فَعَدَلَ عَنْ مَوْضِعِ احْتِجاجِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إلى مُعارَضَتِهِ بِالإشْراكِ في العِبارَةِ؛ دُونَ حَقِيقَةِ المَعْنى؛ لِأنَّ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حاجَّهُ بِأنْ أعْلَمَهُ أنَّ رَبَّهُ هو الَّذِي يَخْلُقُ الحَياةَ؛ والمَوْتَ؛ عَلى سَبِيلِ الِاخْتِراعِ؛ فَجاءَ الكافِرُ بِرَجُلَيْنِ؛ فَقَتَلَ أحَدَهُما؛ وقالَ: قَدْ أمَتُّهُ؛ وخَلّى الآخَرَ؛ وقالَ: قَدْ أحْيَيْتُهُ؛ عَلى سَبِيلِ مَجازِ الكَلامِ؛ لا عَلى الحَقِيقَةِ؛ لِأنَّهُ كانَ عالِمًا بِأنَّهُ غَيْرُ قادِرٍ عَلى اخْتِراعِ الحَياةِ؛ والمَوْتِ؛ فَلَمّا قَرَّرَ عَلَيْهِ الحُجَّةَ؛ وعَجَزَ الكافِرُ عَنْ مُعارَضَتِهِ بِأكْثَرَ مِمّا أوْرَدَ؛ زادَهُ حِجاجًا لا يُمْكِنُهُ مَعَهُ مُعارَضَتُهُ؛ ولا إيرادُ شُبْهَةٍ يُمَوِّهُ بِها عَلى الحاضِرِينَ؛ وقَدْ كانَ الكافِرُ عالِمًا بِأنَّ ما ذَكَرَهُ لَيْسَ بِمُعارَضَةٍ؛ لَكِنَّهُ أرادَ التَّمْوِيهَ عَلى أغْمارِ أصْحابِهِ؛ كَما قالَ فِرْعَوْنُ - حِينَ آمَنَتِ السَّحَرَةُ عِنْدَ إلْقاءِ مُوسى - عَلَيْهِ السَّلامُ - العَصا؛ وتَلَقُّفِها جَمِيعَ ما ألْقَوْا مِنَ الحِبالِ؛ والعِصِيِّ؛ وعَلِمُوا أنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسِحْرٍ؛ وأنَّهُ مِن فِعْلِ اللَّهِ (تَعالى)؛ فَأرادَ فِرْعَوْنُ التَّمْوِيهَ عَلَيْهِمْ -: ﴿إنَّ هَذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ في المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنها أهْلَها﴾ [الأعراف: ١٢٣]؛ يَعْنِي: تَواطَأْتُمْ عَلَيْهِ مَعَ مُوسى؛ قَبْلَ هَذا الوَقْتِ؛ حَتّى إذا اجْتَمَعْتُمْ أظْهَرْتُمُ العَجْزَ عَنْ مُعارَضَتِهِ؛ والإيمانَ بِهِ؛ وكانَ ذَلِكَ مِمّا مَوَّهَ بِهِ عَلى أصْحابِهِ؛ وكَذَلِكَ الكافِرُ الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - ولَمْ يَدَعْهُ إبْراهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ - وما رامَ؛ حَتّى أتاهُ بِما لَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ بِحالٍ؛ ولا مُعارَضَةٍ؛ فَقالَ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ﴾؛ فانْقَطَعَ؛ وبُهِتَ؛ ولَمْ يُمْكِنْهُ أنْ يَلْجَأ إلى مُعارَضَةٍ؛ أوْ شُبْهَةٍ؛ وفي حِجاجِ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِهَذا اللُّطْفِ دَلِيلٌ؛ وأوْضَحُ بُرْهانٍ؛ لِمَن عَرَفَ مَعْناهُ؛ وذَلِكَ أنَّ القَوْمَ الَّذِينَ (p-١٧١)بُعِثَ فِيهِمْ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانُوا صابِئِينَ؛ عَبَدَةَ أوْثانٍ عَلى أسْماءِ الكَواكِبِ السَّبْعَةِ؛ وقَدْ حَكى اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُمْ؛ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛ أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ الأوْثانَ؛ ولَمْ يَكُونُوا يُقِرُّونَ بِاللَّهِ (تَعالى)؛ وكانُوا يَزْعُمُونَ أنَّ حَوادِثَ العالَمِ كُلَّها في حَرَكاتِ الكَواكِبِ السَّبْعَةِ؛ وأعْظَمُها عِنْدَهُمُ الشَّمْسُ؛ ويُسَمُّونَها وسائِرَ الكَواكِبِ آلِهَةً؛ والشَّمْسُ عِنْدَهم هي الإلَهُ الأعْظَمُ؛ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إلَهٌ؛ وكانُوا لا يَعْتَرِفُونَ بِالبارِي - جَلَّ وعَزَّ -؛ وهم لا يَخْتَلِفُونَ؛ وسائِرُ مَن يَعْرِفُ مَسِيرَ الكَواكِبِ؛ عَلى أنَّ لَها ولِسائِرِ الكَواكِبِ حَرَكَتَيْنِ مُتَضادَّتَيْنِ؛ إحْداهُما مِنَ المَغْرِبِ إلى المَشْرِقِ؛ وهي حَرَكَتُها الَّتِي تَخْتَصُّ بِها لِنَفْسِها؛ والأُخْرى تَحْرِيكُ الفَلَكِ لَها مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ؛ وبِهَذِهِ الحَرَكَةِ تَدُورُ عَلَيْنا كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ دَوْرَةً؛ وهَذا أمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ مَن يَعْرِفُ مَسِيرَها؛ فَقالَ لَهُ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: "إنَّكَ تَعْتَرِفُ أنَّ الشَّمْسَ الَّتِي تَعْبُدُها؛ وتُسَمِّيها إلَهًا؛ لَها حَرَكَةُ قَسْرٍ؛ لَيْسَ هي حَرَكَةَ نَفْسِها؛ بَلْ هي بِتَحْرِيكِ غَيْرِها لَها؛ يُحَرِّكُها مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ؛ والَّذِي أدْعُوكَ إلى عِبادَتِهِ هو فاعِلُ هَذِهِ الحَرَكَةِ في الشَّمْسِ؛ ولَوْ كانَتْ إلَهًا لَما كانَتْ مَقْسُورَةً؛ ولا مُجْبَرَةً"؛ فَلَمْ يُمْكِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ دَفْعُ هَذا الحِجاجِ بِشُبْهَةٍ؛ ولا مُعارَضَةٍ؛ إلّا بِقَوْلِهِ: ﴿حَرِّقُوهُ وانْصُرُوا آلِهَتَكم إنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ٦٨]؛ وهاتانِ الحَرَكَتانِ؛ المُتَضادَّتانِ لِلشَّمْسِ؛ ولِسائِرِ الكَواكِبِ؛ لا تُوجَدانِ لَها في حالٍ واحِدَةٍ؛ لِاسْتِحالَةِ وُجُودِ ذَلِكَ في جِسْمٍ واحِدٍ؛ في وقْتٍ واحِدٍ؛ ولَكِنَّها لا بُدَّ مِن أنْ يَتَخَلَّلَ إحْداهُما سُكُونٌ؛ فَتُوجَدَ الحَرَكَةُ الأُخْرى في وقْتٍ لا تُوجَدُ فِيهِ الأُولى. قالَ أبُو بَكْرٍ: فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ ساغَ لِإبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - الِانْتِقالُ عَنِ الحِجاجِ الأوَّلِ إلى غَيْرِهِ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْهُ؛ بَلْ كانَ ثابِتًا عَلَيْهِ؛ وإنَّما أرْدَفَهُ بِحِجاجٍ آخَرَ؛ كَما أقامَ اللَّهُ (تَعالى) الدَّلائِلَ عَلى تَوْحِيدِهِ مِن عِدَّةِ وُجُوهٍ؛ وكُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْضِ دَلائِلُ عَلَيْهِ؛ وأيَّدَ نَبِيَّهُ ﷺ بِضُرُوبٍ مِنَ المُعْجِزاتِ؛ كُلُّ واحِدَةٍ مِنها لَوِ انْفَرَدَتْ لَكانَتْ كافِيَةً مُغْنِيَةً؛ وقَدْ حاجَّهم إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الحِجاجِ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] ﴿فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قالَ هَذا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦]؛ رُوِيَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ أرادَ تَقْرِيرَ قَوْمِهِ عَلى صِحَّةِ اسْتِدْلالِهِ؛ وبُطْلانِ قَوْلِهِمْ؛ فَقالَ: ﴿هَذا رَبِّي فَلَمّا أفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦]؛ وكانَ ذَلِكَ في لَيْلَةٍ يَجْتَمِعُونَ فِيها في هَياكِلِهِمْ؛ وعِنْدَ أصْنامِهِمْ؛ كانَتْ عِيدًا لَهُمْ؛ فَقَرَّرَهم لَيْلًا عَلى أمْرِ الكَوْكَبِ؛ عِنْدَ ظُهُورِهِ؛ وأُفُولِهِ؛ وحَرَكَتِهِ؛ وانْتِقالِهِ؛ وأنَّهُ لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِثْلُهُ إلَهًا؛ لِما ظَهَرَ فِيهِ مِن آياتِ الحَدَثِ؛ ثُمَّ كَذَلِكَ في القَمَرِ؛ ثُمَّ لَمّا أصْبَحَ قَرَّرَهم عَلى مِثْلِهِ في (p-١٧٢)الشَّمْسِ؛ حَتّى قامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِمْ؛ ثُمَّ كَسَّرَ أصْنامَهُمْ؛ وكانَ مِن أمْرِهِ ما حَكاهُ اللَّهُ (تَعالى) عَنْهُ. وهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ المُحاجَّةِ في الدِّينِ؛ واسْتِعْمالِ حُجَجِ العُقُولِ؛ والِاسْتِدْلالِ بِدَلائِلِ اللَّهِ (تَعالى) عَلى تَوْحِيدِهِ؛ وصِفاتِهِ الحُسْنى؛ وتَدُلُّ عَلى أنَّ المَحْجُوجَ المُنْقَطِعَ يَلْزَمُهُ اتِّباعُ الحُجَّةِ؛ وتَرْكُ ما هو عَلَيْهِ مِنَ المَذْهَبِ الَّذِي لا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ؛ وتَدُلُّ عَلى بُطْلانِ قَوْلِ مَن لا يَرى الحِجاجَ في إثْباتِ الدِّينِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَما حاجُّهُ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وتَدُلُّ عَلى أنَّ المَحْجُوجَ عَلَيْهِ أنْ يَنْظُرَ فِيما أُلْزِمَ مِنَ الحِجاجِ؛ فَإذا لَمْ يَجِدْ مِنهُ مَخْرَجًا صارَ إلى ما يَلْزَمُهُ؛ وتَدُلُّ عَلى أنَّ الحَقَّ سَبِيلُهُ أنْ يُقْبَلَ بِحُجَّتِهِ؛ إذْ لا فارِقَ بَيْنَ الحَقِّ؛ والباطِلِ؛ إلّا بِظُهُورِ حُجَّةِ الحَقِّ؛ ودَحْضِ حُجَّةِ الباطِلِ؛ وإلّا فَلَوْلا الحُجَّةُ الَّتِي بانَ بِها الحَقُّ مِنَ الباطِلِ لَكانَتِ الدَّعْوى مَوْجُودَةً في الجَمِيعِ؛ فَكانَ لا فارِقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الباطِلِ؛ وتَدُلُّ عَلى أنَّ اللَّهَ (تَعالى) لا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ؛ وأنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ ما نَصَبَ مِنَ الدَّلائِلِ عَلى تَوْحِيدِهِ؛ لِأنَّ أنْبِياءَ اللَّهِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - إنَّما حاجُّوا الكُفّارَ بِمِثْلِ ذَلِكَ؛ ولَمْ يَصِفُوا اللَّهَ (تَعالى) بِصِفَةٍ تُوجِبُ التَّشْبِيهَ؛ وإنَّما وصَفُوهُ بِأفْعالِهِ؛ واسْتَدَلُّوا بِها عَلَيْهِ. قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿قالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتُ مِائَةَ عامٍ﴾؛ قَوْلُ هَذا القائِلِ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا؛ وقَدْ أماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ؛ لِأنَّهُ أخْبَرَ عَمّا عِنْدَهُ؛ فَكَأنَّهُ قالَ: عِنْدِي أنِّي لَبِثْتُ يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ؛ ونَظِيرُهُ أيْضًا ما حَكاهُ اللَّهُ (تَعالى) عَنْ أصْحابِ الكَهْفِ: ﴿قالَ قائِلٌ مِنهم كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [الكهف: ١٩]؛ وقَدْ كانُوا لَبِثُوا ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وتِسْعًا؛ ولَمْ يَكُونُوا كاذِبِينَ فِيما أخْبَرُوا عَمّا عِنْدَهُمْ؛ كَأنَّهم قالُوا: عِنْدَنا في ظُنُونِنا أنَّنا لَبِثْنا يَوْمًا؛ أوْ بَعْضَ يَوْمٍ؛ ونَظِيرُهُ «قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ صَلّى رَكْعَتَيْنِ وسَلَّمَ في إحْدى صَلاتَيِ العِشاءِ؛ فَقالَ لَهُ ذُو اليَدَيْنِ: أقَصُرَتِ الصَّلاةُ؛ أمْ نَسِيتَ؟ -: "لَمْ تَقْصُرْ؛ ولَمْ أنْسَ "؛» وكانَ ﷺ صادِقًا؛ لِأنَّهُ أخْبَرَ عَمّا عِنْدَهُ في ظَنِّهِ؛ وكانَ عِنْدَهُ أنَّهُ قَدْ أتَمَّها؛ فَهَذا كَلامٌ سائِغٌ؛ جائِزٌ؛ غَيْرُ مَلُومٍ عَلَيْهِ قائِلُهُ إذا أخْبَرَ عَنِ اعْتِقادِهِ؛ وظَنِّهِ؛ لا عَنْ حَقِيقَةِ مُخْبَرِهِ؛ ولِذَلِكَ عَفا اللَّهُ (تَعالى) عَنِ الحالِفِ بِلَغْوِ اليَمِينِ؛ وهو فِيما رُوِيَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِمَن سَألَهُ: هَلْ كانَ كَذا وكَذا؟ فَيَقُولُ - عَلى ما عِنْدَهُ -: لا واللَّهِ؛ أوْ يَقُولُ: بَلى واللَّهِ؛ وإنِ اتَّفَقَ مُخْبَرُهُ عَلى خِلافِهِ؛ لِأنَّهُ إنَّما أخْبَرَ عَنْ عَقِيدَتِهِ وضَمِيرِهِ؛ واللَّهُ المُوَفِّقُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب