الباحث القرآني
بابُ التَّعْرِيضِ بِالخِطْبَةِ في العِدَّةِ
قالَ اللَّهُ (تَعالى): ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِن خِطْبَةِ النِّساءِ أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾؛ الآيَةَ؛ وقَدْ قِيلَ في الخِطْبَةِ: إنَّها الذِّكْرُ الَّذِي يُسْتَدْعى بِهِ إلى عُقْدَةِ النِّكاحِ؛ والخُطْبَةُ – بِالضَّمِّ -: اَلْمَوْعِظَةُ؛ المُتَّسِقَةُ عَلى ضُرُوبٍ مِنَ التَّأْلِيفِ؛ وقَدْ قِيلَ أيْضًا: إنَّ الخُطْبَةَ ما لَهُ أوَّلٌ؛ وآخِرٌ؛ كالرِّسالَةِ؛ والخِطْبَةُ لِلْحالِ؛ نَحْوَ "اَلْجِلْسَةُ"؛ و"اَلْقِعْدَةُ"؛ وقِيلَ - في التَّعْرِيضِ -: إنَّهُ ما تَضَمَّنَهُ الكَلامُ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى شَيْءٍ مِن غَيْرِ ذِكْرٍ لَهُ؛ كَقَوْلِ القائِلِ: ما أنا بِزانٍ؛ يُعَرِّضُ بِغَيْرِهِ أنَّهُ زانٍ؛ ولِذَلِكَ رَأى عُمَرُ فِيهِ الحَدَّ؛ وجَعَلَهُ كالتَّصْرِيحِ؛ والكِنايَةُ: اَلْعُدُولُ عَنْ صَرِيحِ اسْمِهِ إلى ذِكْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: ١]؛ يَعْنِي القُرْآنَ؛ فالهاءُ كِنايَةٌ عَنْهُ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "اَلتَّعْرِيضُ بِالخِطْبَةِ أنْ يَقُولَ لَها: إنِّي أُرِيدُ أنْ أتَزَوَّجَ امْرَأةً مِن أمْرِها.. وأمْرِها.. يُعَرِّضُ لَها بِالقَوْلِ"؛ وقالَ الحَسَنُ: "هُوَ أنْ يَقُولَ لَها: إنِّي بِكِ لَمُعْجَبٌ؛ وإنِّي فِيكِ لَراغِبٌ؛ ولا تُفَوِّتِينا نَفْسَكَ"؛ «وقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِفاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ - وهي في العِدَّةِ -: "لا تُفَوِّتِينا نَفْسَكِ"؛ ثُمَّ خَطَبَها بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ عَلى أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ»؛ وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ القاسِمِ؛ عَنْ أبِيهِ؛ قالَ: "هُوَ أنْ يَقُولَ لَها - وهي في العِدَّةِ -: إنَّكِ لَكَرِيمَةٌ؛ وإنِّي فِيكِ لَراغِبٌ؛ وإنَّ اللَّهَ لَسائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا؛ أوْ نَحْوَ هَذا مِنَ القَوْلِ"؛ (p-١٢٩)وقالَ عَطاءٌ: "هُوَ أنْ يَقُولَ: إنَّكِ لَجَمِيلَةٌ؛ وإنِّي فِيكِ لَراغِبٌ؛ وإنْ قَضى اللَّهُ شَيْئًا كانَ"؛ فَكانَ التَّعْرِيضُ أنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلامٍ يَدُلُّ فَحَواهُ عَلى رَغْبَتِهِ فِيها؛ ولا يَخْطُبُها بِصَرِيحِ القَوْلِ؛ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إلا أنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾: "أنْ يَقُولَ: إنِّي فِيكِ لَراغِبٌ؛ وإنِّي لَأرْجُو أنْ نَجْتَمِعَ".
وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾؛ يَعْنِي: أضْمَرْتُمُوهُ؛ مِنَ التَّزْوِيجِ؛ بَعْدَ انْقِضاءِ عِدَّتِها؛ فَأباحَ التَّعْرِيضَ بِالخِطْبَةِ؛ وإضْمارَ نِكاحِها مِن غَيْرِ إفْصاحٍ بِهِ؛ وذَكَرَ إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ؛ عَنْ بَعْضِ النّاسِ؛ أنَّهُ احْتَجَّ في نَفْيِ الحَدِّ في التَّعْرِيضِ بِالقَذْفِ بِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) لَمْ يَجْعَلِ التَّعْرِيضَ في هَذا المَوْضِعِ بِمَنزِلَةِ التَّصْرِيحِ؛ كَذَلِكَ لا يُجْعَلُ التَّعْرِيضُ بِالقَذْفِ كالتَّصْرِيحِ؛ قالَ إسْماعِيلُ: فاحْتَجَّ بِما هو حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ إذِ التَّعْرِيضُ بِالنِّكاحِ قَدْ فُهِمَ بِهِ مُرادُ القائِلِ؛ فَإذا فُهِمَ بِهِ مُرادُهُ؛ وهو القَذْفُ؛ حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ القاذِفِ؛ قالَ: وإنَّما يُزِيلُ الحَدَّ عَنِ المُعَرِّضِ بِالقَذْفِ مَن يُزِيلُهُ لِأنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أنَّهُ أرادَ القَذْفَ؛ إذْ كانَ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِهِ؛ قالَ: ويَنْبَغِي عَلى قَوْلِهِ هَذا أنْ يَزْعُمَ أنَّ التَّعْرِيضَ بِالقَذْفِ جائِزٌ؛ مُباحٌ؛ كَما أُبِيحَ التَّعْرِيضُ بِالخِطْبَةِ بِالنِّكاحِ؛ قالَ: وإنَّما اخْتِيرَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكاحِ؛ دُونَ التَّصْرِيحِ؛ لِأنَّ النِّكاحَ لا يَكُونُ إلّا مِنهُما؛ وتَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوابًا مِنها؛ ولا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوابًا في الأغْلَبِ؛ فَلِذَلِكَ افْتَرَقا.
قالَ أبُو بَكْرٍ: الكَلامُ الأوَّلُ؛ الَّذِي حَكاهُ عَنْ خَصْمِهِ في الدَّلالَةِ بِهِ عَلى نَفْيِ الحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ؛ صَحِيحٌ؛ ونَقْضُهُ ظاهِرُ الِاخْتِلالِ؛ واضِحُ الفَسادِ؛ ووَجْهُ الِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلى نَفْيِ الحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ أنَّهُ لَمّا حَظَرَ عَلَيْهِ المُخاطَبَةَ بِعَقْدِ النِّكاحِ صَرِيحًا؛ وأُبِيحَ لَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ؛ اخْتَلَفَ حُكْمُ التَّعْرِيضِ؛ والتَّصْرِيحِ في ذَلِكَ؛ عَلى أنَّ التَّعْرِيضَ بِالقَذْفِ مُخالِفٌ لِحُكْمِ التَّصْرِيحِ؛ وغَيْرُ جائِزٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُما؛ كَما خالَفَ اللَّهُ (تَعالى) بَيْنَ حُكْمِهِما في خِطْبَةِ النِّكاحِ؛ وذَلِكَ لِأنَّهُ مَعْلُومٌ أنَّ الحُدُودَ مِمّا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ؛ فَهي في حُكْمِ السُّقُوطِ؛ والنَّفْيُ آكَدُ مِنَ النِّكاحِ فَإذا لَمْ يَكُنِ التَّعْرِيضُ في النِّكاحِ كالتَّصْرِيحِ؛ وهو آكَدُ في بابِ الثُّبُوتِ مِنَ الحَدِّ؛ كانَ الحَدُّ أوْلى ألّا يَثْبُتَ بِالتَّعْرِيضِ؛ مِن حَيْثُ دَلَّ عَلى أنَّهُ لَوْ خَطَبَها بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ بِالتَّعْرِيضِ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُما عَقْدُ النِّكاحِ؛ فَكانَ تَعْرِيضُهُ بِالعَقْدِ مُخالِفًا لِلتَّصْرِيحِ؛ فالحَدُّ أوْلى ألّا يَثْبُتَ بِالتَّعْرِيضِ؛ وكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا عَلى أنَّ الإقْرارَ في العُقُودِ كُلِّها لا يَثْبُتُ بِالتَّعْرِيضِ؛ ويَثْبُتُ بِالتَّصْرِيحِ؛ لِأنَّ اللَّهَ (تَعالى) فَرَّقَ بَيْنَهُما في النِّكاحِ؛ فَكانَ الحَدُّ أوْلى ألّا يَثْبُتَ بِهِ؛ وهَذِهِ الدَّلالَةُ واضِحَةٌ عَلى الفارِقِ بَيْنَهُما في سائِرِ ما يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِالقَوْلِ؛ وهي كافِيَةٌ مُغْنِيَةٌ في جِهَةِ الدَّلالَةِ عَلى ما وصَفْنا؛ وإنْ أرَدْنا رَدَّهُ إلَيْهِ مِن جِهَةِ القِياسِ؛ (p-١٣٠)لِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُما؛ كانَ سائِغًا؛ وذَلِكَ أنَّ النِّكاحَ حُكْمُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالقَوْلِ؛ كالقَذْفِ؛ فَلَمّا اخْتَلَفَ حُكْمُ التَّصْرِيحِ؛ والتَّعْرِيضِ بِالخِطْبَةِ بِهَذا المَعْنى؛ ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالتَّعْرِيضِ؛ وإنْ كانَ حُكْمُهُ ثابِتًا بِالإفْصاحِ؛ والتَّصْرِيحِ؛ كَما حَكَمَ اللَّهُ (تَعالى) بِهِ في النِّكاحِ؛ وأمّا قَوْلُهُ: إنَّ التَّعْرِيضَ بِالقَذْفِ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بِمَنزِلَةِ التَّصْرِيحِ؛ لِأنَّهُ قَدْ عُرِفَ مُرادُهُ؛ كَما عُرِفَ بِالتَّصْرِيحِ؛ فَإنِّي أظُنُّهُ نَسِيَ عِنْدَ هَذا القَوْلِ حُكْمَ اللَّهِ (تَعالى) في الفَصْلِ بَيْنَ التَّعْرِيضِ؛ والتَّصْرِيحِ بِالخِطْبَةِ؛ إذْ كانَ المُرادُ مَفْهُومًا؛ مَعَ الفارِقِ بَيْنَهُما؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ الحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِمَفْهُومِ المُرادِ فَذَلِكَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ في الخِطْبَةِ؛ فَيَنْبَغِي أنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُما فِيها؛ فَإذا كانَ نَصُّ التَّنْزِيلِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُما فَقَدِ انْتُقِضَ هَذا الإلْزامُ؛ وصَحَّ الِاسْتِدْلالُ بِهِ؛ عَلى ما وصَفْنا.
وأمّا قَوْلُهُ: إنَّ مَن أزالَ الحَدَّ عَنِ المُعَرِّضِ بِالقَذْفِ فَإنَّما أزالَهُ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أنَّهُ أرادَ القَذْفَ؛ لِاحْتِمالِ كَلامِهِ لِغَيْرِهِ؛ فَإنَّها وكالَةٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنِ الخَصْمِ؛ وقَضاءٌ عَلى غائِبٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ وذَلِكَ لِأنَّ أحَدًا لا يَقُولُ بِأنَّ حَدَّ القَذْفِ مُتَعَلِّقٌ بِإرادَتِهِ؛ وإنَّما يَتَعَلَّقُ عِنْدَ خُصُومِهِ بِالإفْصاحِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ فالَّذِي يُحِيلُ بِهِ خَصْمُهُ مِن أنَّهُ أزالَ الحَدَّ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مُرادَهُ؛ لا يَقْبَلُونَهُ؛ ولا يَعْتَمِدُونَهُ؛ وأمّا إلْزامُهُ خَصْمَهُ أنْ يُبِيحَ التَّعْرِيضَ بِالقَذْفِ؛ كَما يُبِيحُ التَّعْرِيضَ بِالنِّكاحِ؛ فَإنَّهُ كَلامُ رَجُلٍ غَيْرِ مُتَثَبِّتٍ فِيما يَقُولُهُ؛ ولا ناظِرٍ في عاقِبَةِ ما يَؤُولُ إلَيْهِ حُكْمُ إلْزامِهِ لَهُ؛ فَنَقُولُ: إنَّ خَصْمَهُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ لَمْ يَجْعَلْ ما ذَكَرَهُ عِلَّةً لِلْإباحَةِ حَتّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ إباحَةُ التَّعْرِيضِ بِالقَذْفِ؛ وإنَّما اسْتَدَلَّ بِالآيَةِ عَلى إيجابِ الفارِقِ بَيْنَ التَّعْرِيضِ؛ والتَّصْرِيحِ؛ فَأمّا الحَظْرُ والإباحَةُ فَمَوْقُوفانِ عَلى دَلالَتِهِما مِن غَيْرِ هَذا الوَجْهِ؛ وأمّا قَوْلُهُ: إنَّما أُجِيزَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكاحِ؛ دُونَ التَّصْرِيحِ؛ لِأنَّ النِّكاحَ لا يَكُونُ إلّا مِنهُما؛ وتَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوابًا مِنها؛ ولا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوابًا في الأغْلَبِ؛ فَإنَّهُ كَلامٌ فارِغٌ؛ لا مَعْنى تَحْتَهُ؛ وهو مَعَ ذَلِكَ مُنْتَقَضٌ؛ وذَلِكَ أنَّ التَّعْرِيضَ بِالنِّكاحِ؛ والتَّصْرِيحَ بِهِ؛ لا يَقْتَضِي واحِدٌ مِنهُما جَوابًا؛ لِأنَّ النَّهْيَ إنَّما انْصَرَفَ إلى خِطْبَتِها لَوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ؛ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إلا أنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا﴾؛ وذَلِكَ لا يَقْتَضِي الجَوابَ؛ كَما لا يَقْتَضِي التَّعْرِيضَ؛ ولَمْ يُجْزِ الخِطابُ عَنِ النَّهْيِ عَنِ العَقْدِ المُقْتَضِي لِلْجَوابِ؛ حَتّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُما بِما ذُكِرَ؛ فَقَدْ بانَ بِذَلِكَ أنَّهُ لا فارِقَ بَيْنَ التَّعْرِيضِ؛ والتَّصْرِيحِ؛ في نَفْيِ اقْتِضاءِ الجَوابِ؛ وهَذا المَوْضِعُ هو الَّذِي فَرَّقَتِ الآيَةُ فِيهِ بَيْنَ الأمْرَيْنِ؛ فَأمّا العَقْدُ المُقْتَضِي لِلْجَوابِ فَإنَّما هو مَنهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾؛ وإنْ كانَ نَهْيُهُ عَنِ العَقْدِ نَفْسِهِ فَقَدِ (p-١٣١)اقْتَضاهُ نَهْيُهُ عَنِ الإفْصاحِ بِالخِطْبَةِ مِن جِهَةِ الدَّلالَةِ؛ كَدَلالَةِ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣]؛ عَلى حَظْرِ الشَّتْمِ؛ والضَّرْبِ؛ وأمّا وجْهُ انْتِقاضِهِ فَإنَّهُ لا خِلافَ عَلى أنَّ العُقُودَ المُقْتَضِيَةَ لِلْجَوابِ لا تَصِحُّ بِالتَّعْرِيضِ؛ وكَذَلِكَ الإقْراراتُ لا تَصِحُّ بِالتَّعْرِيضِ؛ وإنْ لَمْ تَقْتَضِ جَوابًا مِنَ المُقِرِّ لَهُ؛ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ ما يَقْتَضِي مِن ذَلِكَ جَوابًا؛ وما لا يَقْتَضِيهِ؛ فَعَلِمْتَ أنَّ اخْتِلافَهُما مِن هَذا الوَجْهِ لا يُوجِبُ الفارِقَ بَيْنَهُما.
وأمّا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾؛ فَإنَّهُ مُخْتَلَفٌ في المُرادِ بِهِ؛ فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ؛ وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ؛ والشَّعْبِيُّ؛ ومُجاهِدٌ: "مُواعَدَةُ السِّرِّ أنْ يَأْخُذَ عَلَيْها عَهْدًا؛ أوْ مِيثاقًا؛ أنْ تَحْبِسَ نَفْسَها عَلَيْهِ؛ ولا تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ"؛ وقالَ الحَسَنُ؛ وإبْراهِيمُ؛ وأبُو مِجْلَزٍ؛ ومُحَمَّدٌ؛ وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ: ﴿لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾: اَلزِّنا؛ وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: ﴿لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾: لا تُنْكَحُ المَرْأةُ في عِدَّتِها؛ ثُمَّ يَقُولُ: "سَأُسِرُّهُ"؛ ولا يُعْلِمُ بِهِ؛ أوْ يَدْخُلُ عَلَيْها؛ فَيَقُولُ: لا يُعْلَمُ بِدُخُولِي حَتّى تَنْقَضِيَ العِدَّةُ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: اَللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِهَذِهِ المَعانِي كُلِّها؛ لِأنَّ الزِّنا قَدْ يُسَمّى "سِرًّا"؛ قالَ الحُطَيْئَةُ:
؎ويَحْرُمُ سِرُّ جارَتِهِمْ عَلَيْهِمْ ∗∗∗ ويَأْكُلُ جارُهم أنْفَ القِصاعِ
وأرادَ بِالسِّرِّ الزِّنا؛ وصَفَهم بِالعِفَّةِ عَنْ نِساءِ جِيرانِهِمْ؛ وقالَ رُؤْبَةُ - يَصِفُ حِمارَ الوَحْشِ؛ وأتانَهُ؛ لَمّا كَفَّ عَنْها حِينَ حَمَلَتْ -:
...
؎قَدْ أحْصَنَتْ مِثْلَ دَعامِيصِ الرَّنَقْ
؎أجِنَّةً في مُسْتَكِنّاتِ الحَلَقْ ∗∗∗ ∗∗∗ فَعَفَّ عَنْ أسْرارِها بَعْدَ العَسَقْ
يَعْنِي: بَعْدَ اللُّزُوقِ؛ يُقالُ: "عَسِقَ بِهِ"؛ إذا لَزِقَ بِهِ؛ وأرادَ بِالسِّرِّ هَهُنا الغَشَيانَ؛ وعَقْدُ النِّكاحِ نَفْسُهُ يُسَمّى سِرًّا؛ كَما يُسَمّى بِهِ الوَطْءُ؛ ألا تَرى أنَّ الوَطْءَ؛ والعَقْدَ؛ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يُسَمّى نِكاحًا؟ ولِذَلِكَ ساغَ تَأْوِيلُ الآيَةِ عَلى الوَطْءِ؛ وعَلى العَقْدِ؛ وعَلى التَّصْرِيحِ بِالخِطْبَةِ؛ لِما بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ وأظْهَرُ الوُجُوهِ وأوْلاها بِمُرادِ الآيَةِ؛ مَعَ احْتِمالِها لِسائِرِ ما ذَكَرْنا؛ ما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ؛ ومَن تابَعَهُ؛ وهو التَّصْرِيحُ بِالخِطْبَةِ؛ وأخْذُ العَهْدِ عَلَيْها أنْ تَحْبِسَ نَفْسَها عَلَيْهِ لِيَتَزَوَّجَها بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ لِأنَّ التَّعْرِيضَ المُباحَ إنَّما هو في عَقْدٍ يَكُونُ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ وكَذَلِكَ التَّصْرِيحُ واجِبٌ أنْ يَكُونَ حَظْرُهُ مِن هَذا الوَجْهِ بِعَيْنِهِ؛ ومِن جِهَةٍ أُخْرى أنَّ ذَلِكَ مَعْنًى لَمْ نَسْتَفِدْهُ إلّا بِالآيَةِ؛ فَهو لا مَحالَةَ مُرادٌ بِها؛ وأمّا حَظْرُ إيقاعِ العَقْدِ في العِدَّةِ فَمَذْكُورٌ بِاسْمِهِ في نَسَقِ التِّلاوَةِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾؛ فَإذا كانَ ذَلِكَ (p-١٣٢)مَذْكُورًا في نَسَقِ الخِطابِ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ؛ دُونَ التَّعْرِيضِ؛ وبِالإفْصاحِ؛ دُونَ الكِنايَةِ؛ فَإنَّهُ يَبْعُدُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ بِالكِنايَةِ المَذْكُورَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿سِرًّا﴾؛ هو الَّذِي قَدْ أفْصَحَ بِهِ في المُخاطَبَةِ؛ وكَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَن تَأوَّلَهُ عَلى الزِّنا؛ فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأنَّ المُواعَدَةَ بِالزِّنا مَحْظُورَةٌ في العِدَّةِ وغَيْرِها؛ إذْ كانَ تَحْرِيمُ اللَّهِ (تَعالى) الزِّنا تَحْرِيمًا مُبْهَمًا مُطْلَقًا؛ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ؛ ولا مَخْصُوصٍ بِوَقْتٍ؛ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلى إبْطالِ فائِدَةِ تَخْصِيصِهِ حَظْرَ المُواعَدَةِ بِالزِّنا بِكَوْنِها في العِدَّةِ؛ ولَيْسَ يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ الجَمِيعُ مُرادًا؛ لِاحْتِمالِ اللَّفْظِ لَهُ بَعْدَ ألّا يَخْرُجَ مِنهُ تَأْوِيلُ ابْنِ عَبّاسٍ؛ الَّذِي ذَكَرْناهُ.
وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾؛ يَعْنِي أنَّ اللَّهَ عَلِمَ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ لِرَغْبَتِكم فِيهِنَّ؛ ولِخَوْفِكم أنْ يَسْبِقَكم إلَيْهِنَّ غَيْرُكُمْ؛ وأباحَ لَهُمُ التَّوَصُّلَ إلى المُرادِ مِن ذَلِكَ بِالتَّعْرِيضِ؛ دُونَ الإفْصاحِ؛ وهَذا يَدُلُّ عَلى ما اعْتَبَرَهُ أصْحابُنا في جَوازِ التَّوَصُّلِ إلى اسْتِباحَةِ الأشْياءِ مِنَ الوُجُوهِ المُباحَةِ؛ وإنْ كانَتْ مَحْظُورَةً مِن وُجُوهٍ أُخَرَ؛ ونَحْوُهُ «ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ أتاهُ بِلالٌ بِتَمْرٍ جَيِّدٍ؛ فَقالَ: "أكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذا؟"؛ فَقالَ: لا؛ إنَّما نَأْخُذُ الصّاعَ بِالصّاعَيْنِ؛ والصّاعَيْنِ بِالثَّلاثَةِ؛ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لا تَفْعَلُوا؛ ولَكِنْ بِيعُوا تَمْرَكم بِعَرَضٍ؛ ثُمَّ اشْتَرُوا بِهِ هَذا التَّمْرَ"؛» فَأرْشَدَهم إلى التَّوَصُّلِ إلى أخْذِ التَّمْرِ الجَيِّدِ؛ ولِهَذا البابِ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذا؛ سَنَذْكُرُهُ؛ إنْ شاءَ اللَّهُ.
وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾؛ كَقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]؛ وأباحَ لَهُمُ الأكْلَ؛ والجِماعَ؛ في لَيالِي رَمَضانَ؛ وعَلِمْنا أنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِحْ لَهم لَكانَ فِيهِمْ مَن يُواقِعُ المَحْظُورَ عَنْهُ؛ فَخَفَّفَ عَنْهم رَحْمَةً مِنهُ بِهِمْ؛ وكَذَلِكَ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾؛ هو عَلى هَذا المَعْنى.
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾؛ قِيلَ فِيهِ: إنَّ أصْلَ العُقْدَةِ في اللُّغَةِ هو الشَّدُّ؛ تَقُولُ: "عَقَدْتُ الحَبْلَ"؛ و"عَقَدْتُ العَقْدَ"؛ تَشْبِيهًا لَهُ بِعَقْدِ الحَبْلِ في التَّوَثُّقِ؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾؛ مَعْناهُ: ولا تَعْقِدُوهُ؛ ولا تَعْزِمُوا عَلَيْهِ أنْ تَعْقِدُوهُ في العِدَّةِ؛ ولَيْسَ المَعْنى ألّا تَعْزِمُوا بِالضَّمِيرِ عَلى إيقاعِ العَقْدِ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ لِأنَّهُ قَدْ أباحَ إضْمارَ عَقْدٍ بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ؛ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا جُناحَ عَلَيْكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِن خِطْبَةِ النِّساءِ؛ أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكُمْ﴾؛ والإكْنانُ في النَّفْسِ هو الإضْمارُ فِيها؛ فَعَلِمْنا أنَّ المُرادَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ﴾ إنَّما تَضَمَّنَ النَّهْيَ عَنْ إيقاعِ العَقْدِ في العِدَّةِ؛ وعَنِ العَزِيمَةِ عَلَيْهِ فِيها؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ﴾؛ يَعْنِي بِهِ انْقِضاءَ العِدَّةِ؛ وذَلِكَ في مَفْهُومِ الخِطابِ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى بَيانٍ؛ ألا تَرى أنَّ فُرَيْعَةَ بِنْتَ مالِكٍ؛ حِينَ سَألَتِ النَّبِيَّ ﷺ؛ أجابَها (p-١٣٣)بِأنْ قالَ: «لا؛ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ»؟ فَعَقَلَتْ مِن مَفْهُومِ خِطابِهِ انْقِضاءَ العِدَّةِ؛ ولَمْ يَحْتَجْ إلى بَيانٍ مِن غَيْرِهِ؛ ولا خِلافَ بَيْنَ الفُقَهاءِ عَلى أنَّ مَن عَقَدَ عَلى امْرَأةٍ نِكاحًا؛ وهي في عِدَّةٍ مِن غَيْرِهِ؛ فَإنَّ النِّكاحَ فاسِدٌ.
وقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ؛ ومَن بَعْدَهُمْ؛ في حُكْمِ مَن تَزَوَّجَ امْرَأةً في عِدَّتِها مِن غَيْرِهِ؛ فَرَوى ابْنُ المُبارَكِ قالَ: حَدَّثَنا أشْعَثُ؛ عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ عَنْ مَسْرُوقٍ قالَ: بَلَغَ عُمَرَ أنَّ امْرَأةً مِن قُرَيْشٍ تَزَوَّجَها رَجُلٌ مِن ثَقِيفٍ في عِدَّتِها؛ فَأرْسَلَ إلَيْهِما؛ فَفَرَّقَ بَيْنَهُما؛ وعاقَبَهُما؛ وقالَ: "لا يَنْكِحُها أبَدًا"؛ وجَعَلَ الصَّداقَ في بَيْتِ المالِ؛ وفَشا ذَلِكَ بَيْنَ النّاسِ؛ فَبَلَغَ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ - فَقالَ: "رَحِمَ اللَّهُ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ ما بالُ الصَّداقِ؛ وبَيْتِ المالِ؟ إنَّهُما جَهِلا؛ فَيَنْبَغِي لِلْإمامِ أنْ يَرُدَّهُما إلى السُّنَّةِ"؛ قِيلَ: فَما تَقُولُ أنْتَ فِيها؟ قالَ: "لَها الصَّداقُ بِما اسْتَحَلَّ مِن فَرْجِها؛ ويُفَرَّقُ بَيْنَهُما؛ ولا جَلْدَ عَلَيْهِما؛ وتُكْمِلُ عِدَّتَها مِنَ الأوَّلِ؛ ثُمَّ تُكْمِلُ العِدَّةَ مِنَ الآخَرِ؛ ثُمَّ يَكُونُ خاطِبًا"؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ؛ فَقالَ: يا أيُّها النّاسُ؛ رُدُّوا الجَهالاتِ إلى السُّنَّةِ؛ ورَوى ابْنُ أبِي زائِدَةَ؛ عَنْ أشْعَثَ مِثْلَهُ؛ وقالَ فِيهِ: فَرَجَعَ عُمَرُ إلى قَوْلِ عَلِيٍّ.
قالَ أبُو بَكْرٍ: قَدِ اتَّفَقَ عَلِيٌّ؛ وعُمَرُ؛ عَلى قَوْلٍ واحِدٍ؛ لِما رُوِيَ أنَّ عُمَرَ رَجَعَ إلى قَوْلِ عَلِيٍّ؛ واخْتَلَفَ فُقَهاءُ الأمْصارِ في ذَلِكَ أيْضًا؛ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ؛ وأبُو يُوسُفَ؛ ومُحَمَّدٌ؛ وزُفَرُ: "يُفَرَّقُ بَيْنَهُما؛ ولَها مَهْرُ مِثْلِها؛ فَإذا انْقَضَتْ عِدَّتُها مِنَ الأوَّلِ تَزَوَّجَها الآخَرُ إنْ شاءَ"؛ وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ؛ والشّافِعِيِّ؛ وقالَ مالِكٌ؛ والأوْزاعِيُّ؛ واللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لا تَحِلُّ لَهُ أبَدًا؛ قالَ مالِكٌ؛ واللَّيْثُ: ولا بِمِلْكِ اليَمِينِ؛
قالَ أبُو بَكْرٍ: لا خِلافَ بَيْنَ مَن ذَكَرْنا قَوْلَهُ مِنَ الفُقَهاءِ عَلى أنَّ رَجُلًا لَوْ زَنا بِامْرَأةٍ جازَ لَهُ أنْ يَتَزَوَّجَها؛ والزِّنا أعْظَمُ مِنَ النِّكاحِ في العِدَّةِ؛ فَإذا كانَ الزِّنا لا يُحَرِّمُها عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا؛ فالوَطْءُ بِشُبْهَةٍ أحْرى ألّا يُحَرِّمَها عَلَيْهِ؛ وكَذَلِكَ مَن تَزَوَّجَ أمَةً عَلى حُرَّةٍ؛ أوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ؛ ودَخَلَ بِهِما؛ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا؛ فَكَذَلِكَ الوَطْءُ عَنْ عَقْدٍ كانَ في العِدَّةِ؛ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ وطْئًا بِشُبْهَةٍ؛ أوْ زِنًا؛ وأيَّهُما كانَ فالتَّحْرِيمُ غَيْرُ واقِعٍ بِهِ؛ فَإنْ قِيلَ: قَدْ يُوجِبُ الزِّنا والوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا عِنْدَكُمْ؛ كالَّذِي يَطَأُ أُمَّ امْرَأتِهِ؛ أوِ ابْنَتَها فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا؛ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ هَذا مِمّا نَحْنُ فِيهِ بِسَبِيلٍ؛ لِأنَّ كَلامَنا إنَّما هو في وطْءٍ يُوجِبُ تَحْرِيمَ المَوْطُوءَةِ نَفْسِها؛ فَأمّا وطْءٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ غَيْرِها فَإنَّ ذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ وطْءٍ عِنْدَنا؛ زِنًا كانَ أوْ وطْئًا بِشُبْهَةٍ؛ أوْ مُباحًا؛ وأنْتَ لَمْ تَجِدْ في الأُصُولِ وطْئًا يُوجِبُ تَحْرِيمَ المَوْطُوءَةِ؛ فَكانَ قَوْلُكَ خارِجًا عَنِ الأُصُولِ؛ وعَنْ أقاوِيلِ السَّلَفِ أيْضًا؛ لِأنَّ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ إلى قَوْلِ عَلِيٍّ في هَذِهِ المَسْألَةِ؛ وأمّا ما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ جَعَلَ المَهْرَ في بَيْتِ المالِ؛ (p-١٣٤)فَإنَّهُ ذَهَبَ إلى أنَّهُ مَهْرٌ حَصَلَ لَها مِن وجْهٍ مَحْظُورٍ؛ فَسَبِيلُهُ أنْ يُتَصَدَّقَ بِهِ؛ فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ في بَيْتِ المالِ؛ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ إلى قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ ومَذْهَبُ عُمَرَ في جَعْلِ مَهْرِها لِبَيْتِ المالِ؛ إذْ قَدْ حَصَلَ لَها ذَلِكَ مِن وجْهٍ مَحْظُورٍ؛ يُشْبِهُ ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في الشّاةِ المَأْخُوذَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مالِكِها؛ قُدِّمَتْ إلَيْهِ مَشْوِيَّةً؛ فَلَمْ يَكَدْ يُسِيغُها حِينَ أرادَ الأكْلَ مِنها؛ فَقالَ: "إنَّ هَذِهِ تُخْبِرُنِي أنَّها أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ"؛ فَأخْبَرُوهُ بِذَلِكَ؛ فَقالَ: "أطْعِمُوها الأُسارى"؛ ووَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنا أنَّها صارَتْ لَهم بِضَمانِ القِيمَةِ؛ فَأمَرَهم بِالصَّدَقَةِ بِها؛ لِأنَّها حَصَلَتْ لَهم مِن وجْهٍ مَحْظُورٍ؛ ولَمْ يَكُونُوا قَدْ أدَّوُا القِيمَةَ إلى أصْحابِها؛ وقَدْ رُوِيَ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ أنَّ مَهْرَها لِبَيْتِ المالِ؛ وقالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ؛ وإبْراهِيمُ؛ والزُّهْرِيُّ: "اَلصَّداقُ لَها"؛ عَلى ما رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ؛ وفي اتِّفاقِ عُمَرَ؛ وعَلِيٍّ؛ عَلى أنْ لا حَدَّ عَلَيْهِما؛ دَلالَةٌ عَلى أنَّ النِّكاحَ في العِدَّةِ لا يُوجِبُ الحَدَّ؛ مَعَ العِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأنَّ المَرْأةَ كانَتْ عالِمَةً بِكَوْنِها في العِدَّةِ؛ ولِذَلِكَ جَلَدَها عُمَرُ؛ وجَعَلَ مَهْرَها في بَيْتِ المالِ؛ وما خالَفَهُما في ذَلِكَ أحَدٌ مِنَ الصَّحابَةِ؛ فَصارَ ذَلِكَ أصْلًا في أنَّ كُلَ وطْءٍ عَنْ عَقْدٍ فاسِدٍ أنَّهُ لا يُوجِبُ الحَدَّ؛ سَواءٌ كانا عالِمَيْنِ بِالتَّحْرِيمِ؛ أوْ غَيْرَ عالِمَيْنِ بِهِ؛ وهَذا يَشْهَدُ لِأبِي حَنِيفَةَ فِيمَن وطِئَ ذاتَ مَحْرَمٍ مِنهُ بِنِكاحٍ؛ أنَّهُ لا حَدَّ عَلَيْهِ.
وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في العِدَّةِ إذا وجَبَتْ مِن رَجُلَيْنِ؛ فَقالَ أبُو حَنِيفَةَ؛ وأبُو يُوسُفَ؛ ومُحَمَّدٌ؛ وزُفَرُ؛ ومالِكٌ - في رِوايَةِ ابْنِ القاسِمِ عَنْهُ -؛ والثَّوْرِيُّ؛ والأوْزاعِيُّ: "إذا وجَبَتْ عَلَيْها العِدَّةُ مِن رَجُلَيْنِ؛ فَإنَّ عِدَّةً واحِدَةً تَكُونُ لَهُما جَمِيعًا؛ سَواءٌ كانَتِ العِدَّةُ بِالحَمْلِ؛ أوْ بِالحَيْضِ؛ أوْ بِالشُّهُورِ"؛ وهو قَوْلُ إبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ؛ وقالَ الحَسَنُ بْنُ صالِحٍ؛ واللَّيْثُ؛ والشّافِعِيُّ: "تَعْتَدُّ لِكُلِّ واحِدٍ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً"؛ والَّذِي يَدُلُّ عَلى صِحَّةِ القَوْلِ الأوَّلِ قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]؛ فَيَقْتَضِي كَوْنَ عِدَّتِها ثَلاثَةَ قُرُوءٍ؛ إذا طَلَّقَها زَوْجُها ووَطِئَها رَجُلٌ بِشُبْهَةٍ؛ لِأنَّها مُطَلَّقَةٌ قَدْ وجَبَتْ عَلَيْها عِدَّةٌ؛ ولَوْ أوْجَبْنا عَلَيْها أكْثَرَ مِن ثَلاثَةِ قُرُوءٍ؛ كُنّا زائِدِينَ في الآيَةِ ما لَيْسَ فِيها؛ إذْ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ مَن وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ مِنَ المُطَلَّقاتِ؛ وبَيْنَ غَيْرِها؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿واللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِنَ نِسائِكم إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ واللائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤]؛ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مُطَلَّقَةٍ قَدْ وطِئَها أجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ؛ وبَيْنَ مَن لَمْ تُوطَأْ؛ فاقْتَضى ذَلِكَ أنْ تَكُونَ عِدَّتُها ثَلاثَةَ أشْهُرٍ؛ في الوَجْهَيْنِ جَمِيعًا؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]؛ ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَن عَلَيْها عِدَّةٌ مِن رَجُلٍ؛ أوْ مِن رَجُلَيْنِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا قَوْلُهُ (تَعالى): ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي (p-١٣٥)مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩]؛ لِأنَّ العِدَّةَ إنَّما هي بِمُضِيِّ الأوْقاتِ؛ والأهِلَّةِ؛ والشُّهُورِ؛ وقَدْ جَعَلَها اللَّهُ (تَعالى) وقْتًا لِجَمِيعِ النّاسِ؛ فَوَجَبَ أنْ تَكُونَ الشُّهُورُ والأهِلَّةُ وقْتًا لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما لِعُمُومِ الآيَةِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفاقُ الجَمِيعِ عَلى أنَّ الأوَّلَ لا يَجُوزُ لَهُ عَقْدُ النِّكاحِ عَلَيْها قَبْلَ انْقِضاءِ عِدَّتِها مِنهُ؛ فَعَلِمْنا أنَّها في عِدَّةٍ مِنَ الثّانِي؛ لِأنَّ العِدَّةَ مِنهُ لا تَمْنَعُ مِن تَزْوِيجِها.
فَإنْ قِيلَ: مُنِعَ مِن ذَلِكَ لِأنَّ العِدَّةَ مِنهُ تَتْلُوها عِدَّةٌ مِن غَيْرِهِ؛ قِيلَ لَهُ: قَدْ يَجُوزُ أنْ يَتَزَوَّجَها؛ ثُمَّ يَمُوتُ هو قَبْلَ بُلُوغِها مَواضِعَ الِاعْتِدادِ مِنَ الثّانِي؛ فَلا تَلْزَمُها عِدَّةٌ مِنَ الثّانِي؛ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ في هَذِهِ الحالِ مُعْتَدَّةً مِنهُ؛ لَما مُنِعَ العَقْدُ عَلَيْها؛ لِأنَّ عِدَّةً تَجِبُ في المُسْتَقْبَلِ لا تَرْفَعُ عَقْدًا ماضِيًا؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ الحَيْضَ إنَّما هو اسْتِبْراءٌ لِلرَّحِمِ مِنَ الحَبَلِ؛ فَإذا طَلَّقَها الأوَّلُ ووَطِئَها الثّانِي بِشُبْهَةٍ؛ قَبْلَ أنْ تَحِيضَ؛ ثُمَّ حاضَتْ ثَلاثَ حِيَضٍ فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِبْراءُ؛ ويَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ الِاسْتِبْراءُ مِن حَمْلِ الأوَّلِ غَيْرَ الِاسْتِبْراءِ مِن حَمْلِ الثّانِي؛ فَوَجَبَ أنْ تَنْقَضِيَ بِهِ العِدَّةُ مِنهُما جَمِيعًا؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ مَن طَلَّقَ امْرَأتَهُ؛ وأبانَها؛ ثُمَّ وطِئَها في العِدَّةِ بِشُبْهَةٍ؛ أنَّ عَلَيْها عِدَّتَيْنِ؛ عِدَّةً مِنَ الوَطْءِ؛ وتَعْتَدُّ بِما بَقِيَ مِنَ العِدَّةِ الأُولى مِنَ العِدَّتَيْنِ؛ ولا فَرْقَ بَيْنَ أنْ تَكُونَ العِدَّةُ مِن رَجُلَيْنِ؛ أوْ مِن رَجُلٍ واحِدٍ؛ فَإنْ قِيلَ: إنَّ هَذا حَقٌّ واجِبٌ لِرَجُلٍ واحِدٍ؛ والأوَّلُ واجِبٌ لِرَجُلَيْنِ؛ قِيلَ لَهُ: لا فارِقَ بَيْنَ الرَّجُلِ الواحِدِ؛ والرَّجُلَيْنِ؛ لِأنَّ الحَقَّيْنِ إذا وجَبا لِرَجُلٍ واحِدٍ فَواجِبٌ إيفاؤُهُما إيّاهُ جَمِيعًا؛ كَوُجُوبِهِما لِرَجُلَيْنِ؛ في لُزُومِ تَوْفِيَتِهِما إيّاهُما؛ ألا تَرى أنَّهُ لا فارِقَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ؛ والرَّجُلِ الواحِدِ؛ في آجالِ الدُّيُونِ؛ ومَواقِيتِ الحَجِّ؛ والإجاراتِ؛ ومُدَدِ الإيلاءِ؛ في أنَّ مُضِيَّ الوَقْتِ الواحِدِ يُصَيِّرُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ؛ فَتَكُونُ الشُّهُورُ الَّتِي لِهَذا؛ هي بِعَيْنِها لِلْآخَرِ؟ وقَدْ رَوى أبُو الزِّنادِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ؛ عَنْ عُمَرَ؛ في الَّتِي تَزَوَّجَتْ في العِدَّةِ؛ أنَّهُ أمَرَها أنْ تَعْتَدَّ مِنهُما؛ وظاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أنْ تَكُونَ عِدَّةً واحِدَةً مِنهُما.
فَإنْ قِيلَ: رَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ يَسارٍ؛ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ قالَ: "تَعْتَدُّ بَقِيَّةَ عِدَّتِها مِنَ الأوَّلِ؛ ثُمَّ تَعْتَدُّ مِنَ الآخَرِ"؛ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِيهِ أنَّها تَعْتَدُّ مِنَ الآخَرِ عِدَّةً مُسْتَقْبَلَةً؛ فَوَجَبَ أنْ يُحْمَلَ مَعْناهُ عَلى بَقِيَّةِ العِدَّةِ؛ لِيُوافِقَ حَدِيثَ أبِي الزِّنادِ؛ واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"وَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَاۤءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِیۤ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّاۤ أَن تَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰاۚ وَلَا تَعۡزِمُوا۟ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ یَبۡلُغَ ٱلۡكِتَـٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ مَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق