الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ﴾ هَذا مِن المُتَشابِهِ الَّذِي أمَرَنا اللَّهُ بِرَدِّهِ إلى المُحْكَمِ في قَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنهُ﴾ [آل عمران: ٧] وإنَّما كانَ مُتَشابِهًا لِاحْتِمالِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ، وإتْيانُ اللَّهِ واحْتِمالُهُ أنْ يُرِيدَ أمْرَ اللَّهِ ودَلِيلَ آياتِهِ، كَقَوْلِهِ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] فَجَمِيعُ هَذِهِ الآياتِ المُتَشابِهَةِ مَحْمُولَةٌ عَلى ما بَيَّنَهُ في قَوْلِهِ ﴿أوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ [الأنعام: ١٥٨] لِأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الإتْيانُ ولا المَجِيءُ ولا الِانْتِقالُ ولا الزَّوالُ؛ لِأنَّ ذَلِكَ مِن صِفاتِ الأجْسامِ ودَلالاتِ الحَدَثِ. وقالَ تَعالى في آيَةٍ مُحْكَمَةٍ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] وجَعَلَ إبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ ما شَهِدَهُ مِن حَرَكاتِ النُّجُومِ وانْتِقالِها (p-٣٩٨)دَلِيلًا عَلى حُدُثِها، واحْتَجَّ بِهِ عَلى قَوْمِهِ، فَقالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ﴾ [الأنعام: ٨٣] يَعْنِي في حَدَثِ الكَواكِبِ، والأجْسامِ؛ تَعالى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ المُشَبِّهَةِ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَإنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ أنْ يُقالَ: " جاءَ رَبُّكَ " بِمَعْنى جاءَ كِتابُهُ، أوْ جاءَ رَسُولُهُ، أوْ ما جَرى مَجْرى ذَلِكَ ؟ قِيلَ لَهُ: هَذا مَجازٌ، والمُجازُ لا يُسْتَعْمَلُ إلّا في مَوْضِعٍ يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها﴾ [يوسف: ٨٢] وهو يُرِيدُ أهْلَ القَرْيَةِ، وقالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: ٥٧] وهو يَعْنِي، أوْلِياءَ اللَّهِ. والمَجازُ إنَّما يُسْتَعْمَلُ في المَوْضِعِ الَّذِي يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلى اسْتِعْمالِهِ فِيهِ، أوْ فِيما لا يَشْتَبِهُ مَعْناهُ عَلى السّامِعِ. * * * وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا كانَتِ الأُمُورُ كُلُّها قَبْلَ أنْ يُمَلِّكَ العِبادَ شَيْئًا مِنها لَهُ خاصَّةً، ثُمَّ مَلَّكَهم كَثِيرًا مِنَ الأُمُورِ، ثُمَّ تَكُونُ الأُمُورُ كُلُّها في الآخِرَةِ إلَيْهِ دُونَ خَلْقِهِ، جازَ أنْ يَقُولَ: تُرْجَعُ إلَيْهِ الأُمُورُ. والمَعْنى الآخَرُ: أنْ يَكُونَ بِمَعْنى قَوْلِهِ: ﴿ألا إلى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣] يَعْنِي أنَّهُ لا يَمْلِكُها غَيْرُهُ، لا عَلى أنَّها لَمْ تَكِنْ إلَيْهِ ثُمَّ صارَتْ إلَيْهِ، لَكِنْ عَلى أنَّهُ لا يَمْلِكُها أحَدٌ سِواهُ، كَما قالَ لَبِيدٌ: ؎وما المَرْءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يَحُورُ رَمادًا بَعْدَ إذْ هو ساطِعُ وإنَّما عَنى أنَّهُ يَصِيرُ رَمادًا لا عَلى أنَّهُ كانَ رَمادًا مَرَّةً ثُمَّ رَجَعَ إلى ما كانَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب