الباحث القرآني

وقَوْلُهُ: ﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ﴾ نَصَّ عَلى بُطْلانِ مَذْهَبِ أهْلِ الإجْبارِ؛ لِأنَّ ما لا يُحِبُّهُ اللَّهُ فَهو لا يُرِيدُهُ، وما لا يُرِيدُهُ فَهو لا يُحِبُّهُ؛ فَأخْبَرَ اللَّهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ، وهَذا يُوجِبُ أنْ لا يَفْعَلَ الفَسادَ؛ لِأنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَكانَ مُرِيدًا لَهُ ومُحِبًّا لَهُ؛ وهو (p-٣٩٧)مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وما اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ﴾ [غافر: ٣١] فَنَفى عَنْ نَفْسِهِ فِعْلَ الظُّلْمِ؛ لِأنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَكانَ مُرِيدًا، لِاسْتِحالَةِ أنْ يَفْعَلَ ما لا يُرِيدُ. ويَدُلَّ عَلى أنَّ مَحَبَّتَهُ لِكَوْنِ الفِعْلِ هي إرادَتَهُ لَهُ، أنَّهُ غَيْرُ جائِزٍ أنْ يُحِبَّ كَوْنَهُ ولا يُرِيدَ أنْ يَكُونَ، بَلْ يَكْرَهُ أنْ يَكُونَ؛ وهَذا هو التَّناقُضُ، كَما لَوْ قالَ يُرِيدُ الفِعْلَ ويَكْرَهُهُ لَكانَ مُناقِضًا مُخْتَلًّا في كَلامِهِ؛ ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [النور: ١٩] والمَعْنى: إنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ، فَدَلَّ عَلى أنَّ المَحَبَّةَ هي الإرادَةُ؛ وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ اللَّهَ أحَبَّ لَكم ثَلاثًا وكَرِهَ لَكم ثَلاثًا: أحَبَّ لَكم أنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وأنْ تُناصِحُوا مَن ولّاهُ اللَّهُ أمْرَكم؛ وكَرِهَ لَكُمُ القِيلَ والقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ»، فَجَعَلَ الكَراهَةَ في مُقابَلَةِ المَحَبَّةِ، فَدَلَّ أنَّ ما أرادَهُ فَقَدْ أحَبَّهُ، كَما أنَّ ما كَرِهَهُ فَلَمْ يُرِدْهُ؛ إذْ كانَتِ الكَراهَةُ في مُقابَلَةِ الإرادَةِ كَما هي في مُقابَلَةِ المَحَبَّةِ، فَلَمّا كانَتِ الكَراهَةُ نَقِيضًا لِكُلِّ واحِدَةٍ مِنَ الإرادَةِ، والمَحَبَّةِ دَلَّ عَلى أنَّهُما سَواءٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب