الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتٌ بَلْ أحْياءٌ ولَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ فِيهِ إخْبارٌ بِإحْياءِ اللَّهِ تَعالى الشُّهَداءَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، ولا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ أنَّهم سَيَحْيَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ هَذا مُرادَهُ لَما قالَ: ﴿ولَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَكِنْ لا تَشْعُرُونَ﴾ إخْبارٌ بِفَقْدِ عِلْمِنا بِحَياتِهِمْ بَعْدَ المَوْتِ، ولَوْ كانَ المُرادُ الحَياةَ يَوْمَ القِيامَةِ لَكانَ المُؤْمِنُونَ قَدْ شَعَرُوا بِهِ وعَرَفُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ. فَثَبَتَ أنَّ المُرادَ الحَياةُ الحادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ. وإذا جازَ أنْ يَكُونَ المُؤْمِنُونَ قَدْ أُحْيُوا في قُبُورِهِمْ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ وهم مُنَعَّمُونَ فِيها جازَ أنْ يَحْيا الكُفّارُ في قُبُورِهِمْ فَيُعَذَّبُوا، وهَذا يُبْطِلُ قَوْلَ مَن يُنْكِرُ عَذابَ القَبْرِ. فَإنْ قِيلَ لَهُ: لَمّا كانَ المُؤْمِنُونَ كُلُّهم مُنَعَّمِينَ بَعْدَ المَوْتِ فَكَيْفَ خَصَّ المَقْتُولِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قِيلَ لَهُ جائِزٌ أنْ يَكُونَ اخْتَصَّهم بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهم عَلى جِهَةِ تَقْدِيمِ البِشارَةِ بِذِكْرِ حالِهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَخْتَصُّونَ بِهِ في آيَةٍ أُخْرى وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ [آل عمران: ١٦٩] فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ أنْ يَكُونُوا أحْياءً ونَحْنُ نَراهم رَمِيمًا في القُبُورِ بَعْدَ مُرُورِ الأزْمانِ عَلَيْهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ: النّاسُ في هَذا عَلى قَوْلَيْنِ، مِنهم مَن يَجْعَلُ الإنْسانَ هو الرُّوحُ وهو جِسْمٌ لَطِيفٌ والنَّعِيمُ والبُؤْسُ إنَّما هُما لَهُ دُونَ الجُثَّةِ. ومِنهم مَن يَقُولُ: إنَّ الإنْسانَ هَذا الجِسْمُ الكَثِيفُ المُشاهَدُ، فَهو يَقُولُ إنَّ اللَّهَ تَعالى يُلَطِّفُ أجْزاءً مِنهُ بِمِقْدارِ ما تَقُومُ بِهِ البِنْيَةُ الحَيَوانِيَّةُ ويُوَصِّلُ النَّعِيمَ إلَيْهِ وتَكُونُ تِلْكَ الأجْزاءُ اللَّطِيفَةُ بِحَيْثُ يَشاءُ اللَّهُ تَعالى أنْ تَكُونَ تُعَذَّبُ أوْ تُنَعَّمُ عَلى حَسَبِ ما يَسْتَحِقُّهُ، ثُمَّ يُفْنِيهِ اللَّهُ تَعالى كَما يُفْنِي سائِرَ الخَلْقِ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ، ثُمَّ يُحْيِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ لِلْحَشْرِ. وقَدْ حَدَّثَنا أبُو القاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ (p-١١٦)بْنِ إسْحاقَ المَرْوَزِيُّ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ يَحْيى بْنِ أبِي الرَّبِيعِ الجُرْجانِيُّ قالَ: أخْبَرَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «نَسَمَةُ المُسْلِمِ طَيْرٌ تَعْلَقُ في شَجَرِ الجَنَّةِ حَتّى يُرْجِعَها إلى جَسَدِهِ» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب