الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وآتِ ذا القُرْبى حَقَّهُ﴾ قالَ أبُو بَكْرٍ: الحَقُّ المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلى البَيانِ، وهو مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وفِي أمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ والمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: ١٩] وقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها» فَهَذا الحَقُّ غَيْرُ ظاهِرِ المَعْنى في الآيَةِ بَلْ هو مَوْقُوفٌ عَلى البَيانِ، فَجائِزٌ أنْ يَكُونَ هَذا الحَقُّ هو حَقُّهم مِنَ الخُمُسِ إنْ كانَ المُرادُ قَرابَةَ الرَّسُولِ ﷺ وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ما لَهم مِنَ الحَقِّ في صِلَةِ رَحِمِهِمْ. وقَدِ اخْتُلِفَ في ذَوِي القُرْبى المَذْكُورِينَ في هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ والحَسَنُ: هو قَرابَةُ الإنْسانِ " . ورُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ: " أنَّهُ قَرابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ " وقَدْ قِيلَ: إنَّ التَّأْوِيلَ هو الأوَّلُ لِأنَّهُ مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الوالِدَيْنِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الأمْرَ بِالإحْسانِ إلى الوالِدَيْنِ عامٌّ في جَمِيعِ النّاسِ، فَكَذَلِكَ ما عُطِفَ عَلَيْهِ مِن إيتاءِ ذِي القُرْبى حَقَّهُ. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والمِسْكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ﴾ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادُهُ الصَّدَقاتِ الواجِبَةَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ﴾ [التوبة: ٦٠] الآيَةُ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ الحَقُّ الَّذِي يَلْزَمُهُ إعْطاؤُهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ. وقَدْ رَوى ابْنُ حَمْزَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «في المالِ حَقٌّ سِوى الزَّكاةِ وتَلا: ﴿لَيْسَ البِرَّ أنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ﴾ [البقرة: ١٧٧]» الآيَةُ. ورَوى سُفْيانُ عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «أنَّهُ ذَكَرَ الإبِلَ فَقالَ: إنَّ فِيها حَقًّا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ: إطْراقُ فَحْلِها وإعارَةُ دَلْوِها ومَنِيحَةُ سَمِينِها» . * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبّاسٍ وقَتادَةَ قالُوا: " التَّبْذِيرُ إنْفاقُ المالِ في غَيْرِ حَقِّهِ " . وقالَ مُجاهِدٌ: " لَوْ أنْفَقَ مُدًّا في باطِلٍ كانَ تَبْذِيرًا " . قالَ أبُو بَكْرٍ: مَن يَرى الحَجْرَ لِلتَّبْذِيرِ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الآيَةِ؛ إذْ كانَ التَّبْذِيرُ مَنهِيًّا عَنْهُ، فالواجِبُ عَلى الإمامِ مَنعُهُ مِنهُ بِالحَجْرِ والحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ مالِهِ إلّا بِمِقْدارِ نَفَقَةِ مِثْلِهِ وأبُو حَنِيفَةَ لا يَرى الحَجْرَ وإنْ كانَ مِن أهْلِ التَّبْذِيرِ لِأنَّهُ مِن أهْلِ التَّكْلِيفِ، فَهو جائِزُ التَّصَرُّفِ عَلى نَفْسِهِ فَيَجُوزُ إقْرارُهُ وبِياعاتُهُ كَما يَجُوزُ إقْرارُهُ بِما يُوجِبُ الحَدَّ والقِصاصَ، وذَلِكَ مِمّا تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ، فَإقْرارُهُ (p-٢٢)وعُقُودُهُ بِالجَوازِ أوْلى إذْ كانَتْ مِمّا لا تُسْقِطُهُ الشُّبْهَةُ، وقَدْ بَيَّنّا ذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ المُبَذِّرِينَ كانُوا إخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ قِيلَ فِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّهم أخِوانُهم بِاتِّباعِهِمْ آثارَهم وجَرْيِهِمْ عَلى سُنَنِهِمْ، والثّانِي: أنَّهم يُقْرَنُونَ بِالشَّياطِينِ في النّارِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب