الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمانِهِ إلا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ﴾ رَوى مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ الكَرِيمِ عَنْ أبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ: «﴿إلا مَن أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ﴾ قالَ: أخَذَ المُشْرِكُونَ عَمّارًا وجَماعَةً مَعَهُ فَعَذَّبُوهم حَتّى قارَبُوهم في بَعْضِ ما أرادُوا، فَشَكا ذَلِكَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: كَيْفَ كانَ قَلْبُكَ ؟ قالَ: مُطْمَئِنٌّ بِالإيمانِ، قالَ: فَإنْ عادُوا فَعُدْ» .
قالَ أبُو بَكْرٍ: هَذا أصْلٌ في جَوازِ إظْهارِ كَلِمَةِ الكُفْرِ في حالِ الإكْراهِ، والإكْراهُ المُبِيحُ لِذَلِكَ هو أنْ يَخافَ عَلى نَفْسِهِ أوْ بَعْضِ أعْضائِهِ التَّلَفَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ما أمَرَهُ بِهِ، فَأُبِيحَ لَهُ في هَذِهِ الحالِ أنْ يُظْهِرَ كَلِمَةَ الكُفْرِ ويُعارِضَ بِها غَيْرَهُ إذا خَطَرَ ذَلِكَ بِبالِهِ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مَعَ خُطُورِهِ بِبالِهِ كانَ كافِرًا قالَ مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ: " إذا أكْرَهَهُ الكُفّارُ عَلى أنْ يَشْتُمَ مُحَمَّدًا ﷺ فَخَطَرَ بِبالِهِ أنْ يَشْتُمَ مُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وقَدْ شَتَمَ النَّبِيَّ ﷺ كانَ كافِرًا، وكَذَلِكَ لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَسْجُدَنَّ لِهَذا الصَّلِيبِ فَخَطَرَ بِبالِهِ أنْ يَجْعَلَ السُّجُودَ لِلَّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وسَجَدَ لِلصَّلِيبِ كانَ كافِرًا، فَإنْ أعْجَلُوهُ عَنِ الرَّوِيَّةِ ولَمْ يَخْطُرْ بِبالِهِ شَيْءٌ، وقالَ ما أُكْرِهَ عَلَيْهِ أوْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ كافِرًا إذا كانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإيمانِ " .
قالَ أبُو بَكْرٍ: وذَلِكَ لِأنَّهُ إذا خَطَرَ بِبالِهِ ما ذَكَرْنا فَقَدْ أمْكَنَهُ أنْ يَفْعَلَ الشَّتِيمَةَ لِغَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا عَلى الضَّمِيرِ وإنَّما كانَ مُكْرَهًا عَلى القَوْلِ وقَدْ أمْكَنَهُ صَرْفُ الضَّمِيرِ إلى غَيْرِهِ فَمَتى لَمْ يَفْعَلْهُ فَقَدِ اخْتارَ إظْهارَ الكُفْرِ مِن غَيْرِ إكْراهٍ فَلَزِمَهُ حُكْمُ الكُفْرِ. وقَوْلُهُ ﷺ لِعَمّارٍ: «إنْ عادُوا فَعُدْ» إنَّما هو عَلى وجْهِ الإباحَةِ لا عَلى جِهَةِ الإيجابِ ولا عَلى النَّدْبِ، وقالَ أصْحابُنا: الأفْضَلُ أنْ لا يُعْطِيَ التَّقِيَّةَ ولا يُظْهِرَ الكُفْرَ حَتّى يُقْتَلَ وإنْ كانَ غَيْرُ ذَلِكَ مُباحًا لَهُ وذَلِكَ لِأنَّ خَبِيبَ بْنَ عَدِيٍّ لَمّا أرادَ أهْلُ مَكَّةَ أنْ يَقْتُلُوهُ لَمْ يُعْطِهِمُ التَّقِيَّةَ حَتّى قُتِلَ فَكانَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وعِنْدَ المُسْلِمِينَ أفْضَلَ مِن عَمّارٍ في (p-١٤)إعْطائِهِ التَّقِيَّةَ ولِأنَّ في تَرْكِ إعْطاءِ التَّقِيَّةِ إعْزازًا لِلدِّينِ وغَيْظًا لِلْمُشْرِكِينَ، فَهو بِمَنزِلَةِ مَن قاتَلَ العَدُوَّ حَتّى قُتِلَ، فَحَظُّ الإكْراهِ في هَذا المَوْضِعِ إسْقاطُ المَأْثَمِ عَنْ قائِلِ هَذا القَوْلِ حَتّى يَكُونَ بِمَنزِلَةِ مَن لَمْ يَقُلْ. وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»، فَجَعَلَ المُكْرَهَ كالنّاسِي والمُخْطِئِ في إسْقاطِ المَأْثَمِ عَنْهُ، فَلَوْ أنَّ رَجُلًا نَسِيَ أوْ أخْطَأ فَسَبَقَ لِسانُهُ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيها مَأْثَمٌ ولا تَعَلَّقَ بِها حُكْمٌ.
وقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ في طَلاقِ المُكْرَهِ وعَتاقِهِ ونِكاحِهِ وأيْمانِهِ، فَقالَ أصْحابُنا: " ذَلِكَ كُلُّهُ لازِمٌ " . وقالَ مالِكٌ والشّافِعِيُّ: " لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ " . واَلَّذِي يَدُلُّ عَلى لُزُومِ حُكْمِ هَذِهِ الأشْياءِ ظاهِرُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠] ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ طَلاقِ المُكْرَهِ والطّائِعِ وقالَ تَعالى: ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عاهَدْتُمْ ولا تَنْقُضُوا الأيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾ [النحل: ٩١] ولَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عَهْدِ المُكْرَهِ وغَيْرِهِ، وقالَ: ﴿ذَلِكَ كَفّارَةُ أيْمانِكم إذا حَلَفْتُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] وقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كُلُّ طَلاقٍ جائِزٌ إلّا طَلاقَ المَعْتُوهِ» .
ويَدُلُّ عَلَيْهِ أيْضًا ما رَوى. يُونُسُ بْنُ بِكِيرٍ عَنْ الوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبِي الطُّفَيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ قالَ: «أقْبَلْتُ أنا وأبِي ونَحْنُ نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وقَدْ تَوَجَّهَ إلى بَدْرٍ، فَأخَذَنا كُفّارُ قُرَيْشٍ، فَقالَ: إنَّكم لَتُرِيدُونَ مُحَمَّدًا ؟ فَقُلْنا: لا نُرِيدُهُ إنَّما نُرِيدُ المَدِينَةَ، قالَ: فَأعْطُونا عَهْدَ اللَّهِ ومِيثاقَهُ لَتَنْصَرِفَنَّ إلى المَدِينَةِ ولا تُقاتِلُونَ مَعَهُ فَأعْطَيْناهم عَهْدَ اللَّهِ، فَمَرَرْنا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو يُرِيدُ بَدْرًا فَأخْبَرْناهُ بِما كانَ مِنّا وقُلْنا: ما تَأْمُرُ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَفِي لَهم بِعَهْدِهِمْ وتَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ»، فانْصَرَفْنا إلى المَدِينَةِ فَذَلِكَ مَنَعَنا مِنَ الحُضُورِ مَعَهم.
فَأثْبَتَ النَّبِيُّ ﷺ إحْلافَ المُشْرِكِينَ إيّاهم عَلى وجْهِ الإكْراهِ وجَعَلَها كَيَمِينِ الطَّوْعِ، فَإذا ثَبَتَ ذَلِكَ في اليَمِينِ فالطَّلاقُ والعَتاقُ والنِّكاحُ مِثْلُها لِأنَّ أحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُما. ويَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ والطَّلاقُ والرَّجْعَةُ» .
فَلَمّا سَوّى النَّبِيُّ ﷺ فِيهِنَّ بَيْنَ الجادِّ والهازِلِ ولِأنَّ الفَرْقَ بَيْنَ الجِدِّ والهَزْلِ أنَّ الجادَّ قاصِدٌ إلى اللَّفْظِ وإلى إيقاعِ حُكْمِهِ والهازِلُ قاصِدٌ إلى اللَّفْظِ غَيْرُ مَرِيدٍ لِإيقاعِ حُكْمِهِ، عَلِمْنا أنَّهُ لا حَظَّ لِلْإرادَةِ في نَفْيِ الطَّلاقِ وأنَّهُما جَمِيعًا مِن حَيْثُ كانا قاصِدَيْنِ لِلْقَوْلِ أنْ يُثْبِتَ حُكْمَهُ عَلَيْهِما، وكَذَلِكَ المُكْرَهُ قاصِدٌ لِلْقَوْلِ غَيْرُ مَرِيدٍ لِإيقاعِ حُكْمِهِ فَهو كالهازِلِ سَواءٌ.
فَإنْ قِيلَ: لَمّا كانَ المُكْرَهُ عَلى الكُفْرِ لا تَبِينُ مِنهُ امْرَأتُهُ واخْتَلَفَ حُكْمُ الطَّوْعِ والإكْراهِ فِيهِ وكانَ الكُفْرُ يُوجِبُ (p-١٥)الفُرْقَةَ كالطَّلاقِ، وجَبَ أنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُ طَلاقِ المُكْرَهِ والطّائِعِ. قِيلَ لَهُ: لَيْسَ لَفْظُ الكُفْرِ مِن ألْفاظِ الفُرْقَةِ لا كِنايَةً ولا تَصْرِيحًا، وإنَّما تَقَعُ بِهِ الفُرْقَةُ إذا حَصَلَ كافِرًا، والمُكْرَهُ عَلى الكُفْرِ لا يَكُونُ كافِرًا، فَلَمّا لَمْ يَصِرْ كافِرًا بِإظْهارِهِ كَلِمَةَ الكُفْرِ عَلى وجْهِ الإكْراهِ لَمْ تَقَعِ الفُرْقَةُ، وأمّا الطَّلاقُ فَهو مِن ألْفاظِ الفُرْقَةِ والبَيْنُونَةِ وقَدْ وُجِدَ إيقاعُهُ في لَفْظٍ مُكَلَّفٍ فَوَجَبَ أنْ لا يَخْتَلِفَ حُكْمُهُ في حالِ الإكْراهِ والطَّوْعِ.
فَإنْ قالَ قائِلٌ تَساوِي حالِ الجِدِّ والهَزْلِ في الطَّلاقِ لا يُوجِبُ تَساوِيَ حالِ الإكْراهِ والطَّوْعِ فِيهِ لِأنَّ الكُفْرَ يَسْتَوِي حُكْمُ جِدِّهِ وهَزْلِهِ ولَمْ يَسْتَوِ حالُ الإكْراهِ والطَّوْعِ فِيهِ. قِيلَ لَهُ: نَحْنُ لَمْ نَقُلْ إنَّ كُلَّ ما يَسْتَوِي جِدُّهُ وهَزْلُهُ يَسْتَوِي حالُ الإكْراهِ والطَّوْعِ فِيهِ، وإنَّما قُلْنا: إنَّهُ لَمّا سَوّى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ الجادِّ والهازِلِ في الطَّلاقِ عَلِمْنا أنَّهُ لا اعْتِبارَ فِيهِ بِالقَصْدِ لِلْإيقاعِ بَعْدَ وُجُودِ القَصْدِ مِنهُ إلى القَوْلِ فاسْتَدْلَلْنا بِذَلِكَ عَلى أنَّهُ لا اعْتِبارَ فِيهِ لِلْقَصْدِ لِلْإيقاعِ بَعْدَ وُجُودِ لَفْظِ الإيقاعِ مِن مُكَلَّفٍ، وأمّا الكُفْرُ فَإنَّما يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِالقَصْدِ لا بِالقَوْلِ، ألا تَرى أنَّ مَن قَصَدَ إلى الجِدِّ بِالكُفْرِ أوِ الهَزْلِ أنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَلْفِظَ بِهِ وأنَّ القاصِدَ إلى إيقاعِ الطَّلاقِ لا يَقَعُ طَلاقُهُ إلّا بِاللَّفْظِ ؟ ويُبَيِّنُ لَكَ الفَرْقَ بَيْنَهُما أنَّ النّاسِيَ إذا تَلَفَّظَ بِالطَّلاقِ وقَعَ طَلاقُهُ ولا يَصِيرُ كافِرًا بِلَفْظِ الكُفْرِ عَلى وجْهِ النِّسْيانِ، وكَذَلِكَ مَن غَلِطَ بِسَبْقِ لِسانِهِ بِالكُفْرِ لَمْ يَكْفُرْ ولَوْ سَبَقَ لِسانُهُ بِالطَّلاقِ طَلُقَتِ امْرَأتُهُ، فَهَذا يُبَيِّنُ الفَرْقَ بَيْنَ الأمْرَيْنِ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وعُمَرَ وسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ وشُرَيْحٍ وإبْراهِيمَ والنَّخَعِيِّ والزُّهْرِيِّ وقَتادَةَ قالُوا: " طَلاقُ المُكْرَهِ جائِزٌ " . ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ وابْنِ الزُّبَيْرِ والحَسَنِ وعَطاءٍ وعِكْرِمَةَ وطاوُسٍ وجابِرِ بْنِ زَيْدٍ قالُوا: " طَلاقُ المُكْرَهِ لا يَجُوزُ " .
ورَوى سُفْيانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشُّعَبِيِّ قالَ: " إذا أكْرَهَهُ السُّلْطانُ عَلى الطَّلاقِ فَهو جائِزٌ وإنْ أكْرَهَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ " .
وقالَ أصْحابُنا فِيمَن أُكْرِهَ بِالقَتْلِ وتَلَفِ بَعْضِ الأعْضاءِ عَلى شُرْبِ الخَمْرِ أوْ أكْلِ المَيْتَةِ لَمْ يَسَعْهُ أنْ لا يَأْكُلَ ولا يَشْرَبَ وإنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتّى قُتِلَ كانَ آثِمًا لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ أباحَ ذَلِكَ في حالِ الضَّرُورَةِ عِنْدَ الخَوْفِ عَلى النَّفْسِ فَقالَ: ﴿إلا ما اضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١١٩] ومَن لَمْ يَأْكُلِ المَيْتَةَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَتّى ماتَ جُوعًا كانَ آثِمًا بِمَنزِلَةِ تارِكِ أكْلِ الخُبْزِ حَتّى يَمُوتَ، ولَيْسَ ذَلِكَ بِمَنزِلَةِ الإكْراهِ عَلى الكُفْرِ في أنَّ تَرْكَ إعْطاءِ التَّقِيَّةِ فِيهِ أفْضَلُ لِأنَّ أكْلَ المَيْتَةِ وشُرْبَ الخَمْرِ تَحْرِيمُهُ مِن طَرِيقِ السَّمْعِ فَمَتى أباحَهُ السَّمْعُ فَقَدْ زالَ الحَظْرُ وعادَ إلى حُكْمِ سائِرِ المُباحاتِ، وإظْهارُ الكُفْرِ مَحْظُورٌ (p-١٦)مِن طَرِيقِ العَقْلِ لا يَجُوزُ اسْتِباحَتُهُ لِلضَّرُوراتِ، وإنَّما يَجُوزُ لَهُ إظْهارُ اللَّفْظِ عَلى مَعْنى المَعارِيضِ والتَّوْرِيَةِ بِاللَّفْظِ إلى غَيْرِ مَعْنى الكُفْرِ مِن غَيْرِ اعْتِقادٍ لِمَعْنى ما أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ اللَّفْظُ بِمَنزِلَةِ لَفْظِ النّاسِي واَلَّذِي يَسْبِقُهُ لِسانُهُ بِالكُفْرِ، فَكانَ تَرْكُ إظْهارِهِ أوْلى وأفْضَلُ وإنْ كانَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ إظْهارُهُ عِنْدَ الخَوْفِ.
وقالُوا فِيمَن أُكْرِهَ عَلى قَتْلِ رِجْلٍ أوْ عَلى الزِّنا بِامْرَأةٍ: لا يَسَعُهُ الإقْدامُ عَلَيْهِ لِأنَّ ذَلِكَ مِن حُقُوقِ النّاسِ وهُما مُتَساوِيانِ في الحُقُوقِ، فَلا يَجُوزُ إحْياءُ نَفْسِهِ بِقَتْلِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ اسْتِحْقاقٍ، وكَذَلِكَ الزِّنا بِالمَرْأةِ فِيهِ انْتِهاكُ حُرْمَتِها بِمَعْنى لا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ وإلْحاقُها بِالشَّيْنِ والعارِ.
ولَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَهم الإكْراهُ عَلى القَذْفِ، فَيَجُوزُ لَهُ أنْ يَفْعَلَ مِن قِبَلِ أنَّ القَذْفَ الواقِعَ عَلى وجْهِ الإكْراهِ لا يُؤَثِّرُ في المَقْذُوفِ ولا يَلْحَقُهُ بِهِ شَيْءٌ.
فَأحْكامُ الإكْراهِ مُخْتَلِفَةٌ عَلى الوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنا، مِنها ما هو واجِبٌ فِيهِ إعْطاءُ التَّقِيَّةِ وهو الإكْراهُ عَلى شُرْبِ الخَمْرِ وأكْلِ المَيْتَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا طَرِيقُ حَظْرِهِ السَّمْعُ، ومِنها ما لا يَجُوزُ فِيهِ إعْطاءُ التَّقِيَّةِ وهو الإكْراهُ عَلى قَتْلِ مَن لا يَسْتَحِقُّ القَتْلَ ونَحْوِ الزِّنا ونَحْوِ ذَلِكَ مِمّا فِيهِ مَظْلَمَةٌ لِآدَمِيٍّ ولا يُمْكِنُ اسْتِدْراكُهُ، ومِنها ما هو جائِزٌ لَهُ فِعْلُ ما أُكْرِهَ عَلَيْهِ والأفْضَلُ تَرْكُهُ كالإكْراهِ عَلى الكُفْرِ وشِبْهِهِ.
{"ayah":"مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرࣰا فَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق