الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالَ يا بُشْرى هَذا غُلامٌ وأسَرُّوهُ بِضاعَةً﴾ قالَ قَتادَةُ والسُّدِّيُّ: لَمّا أرْسَلَ دَلْوَهُ تَعَلَّقَ بِها يُوسُفُ فَقالَ المُدْلِي: يا بُشْرايَ هَذا غُلامٌ قالَ قَتادَةُ: بَشَّرَ أصْحابَهُ بِأنَّهُ وجَدَ عَبْدًا وقالَ السُّدِّيُّ: كانَ اسْمُ الرَّجُلِ الَّذِي ناداهُ بُشْرى. وقَوْلُهُ: ﴿وأسَرُّوهُ بِضاعَةً﴾ قالَ مُجاهِدٌ والسُّدِّيُّ: " أسَرَّهُ المُدْلِي ومَن مَعَهُ مِن باقِي التُّجّارِ لِئَلّا يَسْألُوهُمُ الشَّرِكَةَ فِيهِ بِرُخْصِ ثَمَنِهِ " . وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: " أسَرَهُ إخْوَتُهُ وكَتَمُوا أنَّهُ أخُوهم وتابَعَهم عَلى ذَلِكَ لِئَلّا يَقْتُلُوهُ " . والبِضاعَةُ القِطْعَةُ مِنَ المالِ تُجْعَلُ لِلتِّجارَةِ. وقِيلَ في مَعْنى: ﴿وأسَرُّوهُ بِضاعَةً﴾ إنَّهُمُ اعْتَقَدُوا فِيهِ التِّجارَةَ. (p-٣٨٣)ورَوى شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ: أنَّهُ قَضى بِاللَّقِيطِ أنَّهُ حَرٌّ، وقَرَأ: ﴿وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وكانُوا فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ﴾ [يوسف: ٢٠] ورَوى الزُّهْرِيُّ عَنْ سُنَيْنٍ أبِي جَمِيلَةَ قالَ: وجَدْتُ مَنبُوذًا عَلى عَهْدِ عُمَرَ، فَقالَ عُمَرُ: عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا فَقِيلَ: إنَّهُ لا يُتَّهَمُ، فَقالَ: هو حَرٌّ ولَكَ ولاؤُهُ وعَلَيْنا رَضاعُهُ. فَمَعْنى قَوْلِهِ: " عَسى الغُوَيْرُ أبْؤُسًا " الغُوَيْرُ تَصِيرُ غارٍ، وهو مَثَلٌ مَعْناهُ: عَسى أنْ يَكُونَ جاءَ البَأْسُ مِن قِبَلِ الغارِ فاتَّهَمَ عُمَرُ الرَّجُلَ وقالَ: عَسى أنْ يَكُونَ الأمْرُ جاءَ مِن قِبَلِكَ في هَذا الصَّبِيِّ اللَّقِيطِ بِأنْ يَكُونَ مِن مائِكَ، فَلَمّا شَهِدُوا لَهُ بِالسَّتْرِ أمَرَهُ بِإمْساكِهِ وقالَ: ولاؤُهُ لَكَ. وجائِزٌ أنْ يُرِيدَ بِالوَلاءِ هاهُنا إمْساكَهُ، والوِلايَةَ عَلَيْهِ وإثْباتَ هَذا الحَقِّ لَهُ كَما لَوْ كانَ عَبْدًا لَهُ فَأعْتَقَهُ؛ لِأنَّهُ تَبَرَّعَ بِأخْذِهِ وإحْيائِهِ، والإحْسانِ إلَيْهِ، وقَدْ أخْبَرَ عُمَرُ أنَّهُ حُرٌّ فَلا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلى وجْهِ الإخْبارِ بِأنَّهُ حَرُّ الأصْلِ ولا رِقَّ عَلَيْهِ، أوْ إيقاعَ حُرِّيَّةٍ عَلَيْهِ مِن قِبَلِهِ، ومَعْلُومٌ أنَّ عُمَرَ لَمْ يُمَلِّكْهُ ولَمْ يَكُنْ عَبْدًا لَهُ فَيُعْتِقُهُ، فَعَلِمْنا أنَّهُ أرادَ الإخْبارَ بِأنَّهُ حَرٌّ لا يَجْرِي عَلَيْهِ رِقٌّ، وإذا كانَ حُرَّ الأصْلِ لَمْ يَجُزْ أنْ يَثْبُتَ ولاؤُهُ لِإنْسانٍ. فَعَلِمْنا أنَّهُ أرادَ بِقَوْلِهِ: " لَكَ ولاؤُهُ " أيْ لَكَ وِلايَتُهُ في الإمْساكِ، والحِفْظِ. وما رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وعائِشَةَ أنَّهُما قالا في، أوْلادِ الزِّنا: " أعْتِقُوهم وأحْسِنُوا إلَيْهِمْ "، فَإنَّما مَعْناهُ: احْكُمُوا بِأنَّهم أحْرارٌ. وقالَ النَّبِيُّ ﷺ «لا يَجْزِي ولَدٌ والِدَهُ إلّا أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ»، وذَلِكَ إخْبارٌ مِنهُ بِوُقُوعِ العَتاقِ بِالمِلْكِ لا يَحْتاجُ إلى اسْتِئْنافِهِ، وقَدْ رَوى المُغِيرَةُ عَنْ إبْراهِيمَ في اللَّقِيطِ يَجِدُهُ الرَّجُلُ قالَ: " إنْ نَوى أنْ يَسْتَرِقَّهُ كانَ رَقِيقًا وإنْ نَوى الحِسْبَةَ عَلَيْهِ كانَ عَتِيقًا "، وهَذا لا مَعْنى لَهُ؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ حُرًّا لَمْ يَصِرْ رَقِيقًا بِنِيَّةِ المُلْتَقِطِ، وإنْ كانَ عَبْدًا لَمْ يَصِرْ عَتِيقًا بِنِيَّتِهِ أيْضًا. وأيْضًا أنَّ الأصْلَ في النّاسِ الحُرِّيَّةُ وهو الظّاهِرُ. ألا تَرى أنَّ مَن وجَدْناهُ يَتَصَرَّفُ في دارِ الإسْلامِ أنّا نَحْكُمُ بِحُرِّيَّتِهِ ولا نَجْعَلُهُ عَبْدًا إلّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ، أوْ بِإقْرارِهِ ؟ وأيْضًا فَإنَّ اللَّقِيطَ لا يَخْلُو مِن أنْ يَكُونَ ولَدَ حُرَّةٍ، أوْ أمَةٍ، فَإنْ كانَ ولَدَ حُرَّةٍ فَهو حَرٌّ وغَيْرُ جائِزٍ اسْتِرْقاقُهُ، وإنْ كانَ ولَدَ أمَةٍ فَهو عَبْدٌ لِغَيْرِ المُلْتَقِطِ، فَلا يَجُوزُ لَنا أنْ نَتَمَلَّكَهُ فَفي الوُجُوهِ كُلِّها لا يَجُوزُ أنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ عَبْدًا لِلْمُلْتَقِطِ. وأيْضًا فَإنَّ الرِّقَّ طارِئٌ، والأصْلُ الحُرِّيَّةُ، كَشَيْءٍ عَلِمْناهُ مِلْكًا لِإنْسانٍ وادَّعى غَيْرُهُ زَوالَهُ إلَيْهِ فَلا نُصَدِّقُهُ؛ لِأنَّهُ يَدَّعِي مَعْنًى طارِئًا، كَذَلِكَ حُكْمُ المُلْتَقِطِ فِيما يَثْبُتُ لَهُ مِن رِقِّ اللَّقِيطِ. وأيْضًا لَمّا كانَ لُقَطَةُ المالِ لا تُوجِبُ لِلْمُلْتَقِطِ مِلْكًا فِيها مَعَ العِلْمِ بِأنَّهُ مِلْكٌ في الأصْلِ، كانَ التِقاطُ اللَّقِيطِ الَّذِي لا يُعْلَمُ رِقُّهُ أحْرى أنْ (p-٣٨٤)لا يُوجِبَ لِلْمُلْتَقِطِ مِلْكًا. وقَدْ رَوى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطاءٍ الخُراسانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ «أنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأةً فَوَلَدَتْ لِأرْبَعَةِ أشْهُرٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَها صَداقُها بِما اسْتَحَلَّ مِن فَرْجِها ووَلَدُها مَمْلُوكٌ لَهُ»، وهو حَدِيثٌ شاذٌّ غَيْرُ مَعْمُولٍ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ أكْثَرَ ما فِيهِ أنَّهُ ولَدُ زِنًا إذا كانَ مِن حُرَّةٍ فَهو حَرٌّ، ولا خِلافَ بَيْنَ الفُقَهاءِ في أنَّ ولَدَ الزِّنا واللَّقِيطِ حُرّانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب