الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولا يَنْفَعُكم نُصْحِي إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكم إنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ يُحْتَجُّ بِهِ في أنَّ الشَّرْطَ المُعْتَرَضَ حُكْمُهُ أنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلى ما قَبْلَهُ في المَعْنى، وهو قَوْلُ القائِلِ: " إنْ دَخَلْتُ الدّارَ إنْ كَلَّمْتُ زَيْدًا فَعَبْدِي حَرٌّ " أنَّهُ لا يَحْنَثُ حَتّى يُكَلِّمَ ثُمَّ يَدْخُلَ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: " إنْ كَلَّمْتُ " شَرْطٌ مُعْتَرِضٌ عَلى الشَّرْطِ الأوَّلِ قَبْلَ اسْتِتْمامِ جَوابِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ شَرْطٌ اعْتَرَضَ عَلى قَوْلِهِ: (p-٣٧٧)﴿إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكُمْ﴾ قَبْلَ اسْتِتْمامِ الجَوابِ، فَصارَ تَقْدِيرُهُ: ولا يَنْفَعُكم نُصْحِي إنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكم إنْ أرَدْتُ أنْ أنْصَحَ لَكم، وهَذا المَعْنى فِيهِ خِلافٌ بَيْنَ أبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ، والفَرّاءِ في مَسائِلَ قَدْ ذَكَرْناها في شَرْحِ الجامِعِ الكَبِيرِ. * * * وقَوْلُهُ: ﴿يُرِيدُ أنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ أيْ يُخَيِّبَكم مِن رَحْمَتِهِ، يُقالُ: غَوى يَغْوِي غَيًّا، ومِنهُ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: ٥٩] وقالَ الشّاعِرُ: ؎فَمَن يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النّاسُ أمْرَهُ ومَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ عَلى الغَيِّ لائِما وحَدَّثَنا أبُو عُمَرَ غُلامُ ثَعْلَبٍ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنِ ابْنِ الأعْرابِيِّ قالَ: يُقالُ غَوى الرَّجُلُ يَغْوِي غَيًّا إذا فَسَدَ عَلَيْهِ أمْرُهُ، أوْ فَسَدَ هو في نَفْسِهِ، قالَ: ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى في قِصَّةِ آدَمَ: ﴿وعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى﴾ [طه: ١٢١] أيْ فَسَدَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ في الجَنَّةِ. قالَ أبُو بَكْرٍ: وهَذا يُؤَوَّلُ إلى المَعْنى الأوَّلِ، وذَلِكَ أنَّ الخَيْبَةَ فِيها فَسادُ العَيْشِ، فَقَوْلُهُ: ﴿يُغْوِيَكُمْ﴾ يُفْسِدُ عَلَيْكم عَيْشَكم وأمْرَكم بِأنْ يُخَيِّبَكم مِن رَحْمَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب