قوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ} : الاستفهامُ إذا دخل على النفي قَرَّره، فصار المعنى: قد شَرَحْنا، ولذلك عَطَفَ عليه الماضي. ومثلُه {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ} [الشعراء: 18] . والعامَّةُ على جزمِ الحاء ب «لم» وقرأ أبو جعفر بفتحها. وقال الزمخشري: «وقالوا: لعلَّة بَيَّنَ الحاءَ وأشبعها في مَخْرَجِها، فظنَّ السامعُ أنه فتحها» وقال ابن عطية: «إنَّ الأصلَ: ألم نَشْرَحَنْ» بالنونِ الخفيفةِ، ثم أَبْدَلَها ألفاً، ثم حَذَفَها تخفيفاً، كما أنشد ابو زيد:
4597 - مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفِرّْ ... أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْ بفتح راء «لم يُقْدَرَ» وكقولِه:
4598 - اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها ... ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ
بفتح باء «اضربَ» انتهى. وهذا مبنيٌ على جوازِ توكيدِ المجزومِ ب لم، وهو قليلٌ جداً، كقولِه:
4599 - يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما ... شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّما
فتتركبُ هذه القراءةُ مِنْ ثلاثةِ أصولٍ كلُّها ضعيفةٌ؛ لأنَّ توكيدَ المجزومِ ب «لم» ضعيفٌ، وإبدالُها أَلِفاً إنما هو الوقفِ، وإجراءُ الوصلِ مجرى / الوقفِ خِلافُ الأصلِ، وحَذْفُ الألفِ ضعيفٌ، لأنه خلافُ الأصلِ. وخَرَّجه الشيخُ على لغةٍ حكاها اللحيانيُّ في «نوادره» عن بعضِ العربِ وهو الجزمُ ب «لن» ، والنصبُ ب «لم» عكسَ المعروفِ عند الناس، وجعله أَحْسَنَ ممَّا تقدَّم. وأنشد قولَ عائشةَ بنتِ الأعجم تمدح المختار وهو القائمُ بطَلَبِ ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما: 4600 - قد كادَ سَمْكُ الهدى يُنْهَدُّ قائمُهُ ... حتى أتيحَ له المختارُ فانْعَمدا
في كلِّ ما هَمَّ أمضى رأيَه قُدُماً ... ولم يُشاوِرَ في إقدامِه أحدا
بنَصْبِ راء «يُشاور» وجَعَله محتمِلاً للتخريجَيْنِ.
{"ayah":"أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ"}