قوله تعالى: {قُرُبَاتٍ} : مفعولٌ ثان ليتخذ كما مرَّ في «مَغْرَما» . ولم يختلف قُرَّاء السبعة في ضم الراء من «قُرُبات» مع اختلافهم في راء «قربة» كما سيأتي، فيحتمل أن تكون هذه جمعاً لقُرُبة بالضم كما هي قراءة ورش عن نافع، ويحتمل أن تكون جمعاً للساكنها، وإنما ضُمَّت اتباعاً ل «غرفات» وقد تقدم التنبيه على هذه القاعدة وشروطها عند قوله تعالى {فِي ظُلُمَاتٍ} [الآية: 17] أولَ البقرة.
قوله: {عِندَ الله} في هذا الظرفِ ثلاثة أوجه، أظهرها: أنه متعلقٌ ب «يَتَّخذ» . والثاني: أنه ظرف ل «قربات» قاله أبو البقاء، وليس بذاك. الثالث: أنه متعلقٌ بمحذوف لأنه صفةٌ ل «قربات» .
قوله: {وَصَلَوَاتِ الرسول} فيه وجهان أظهرهما: أنه نسق على «قربات» وهو ظاهرُ كلام الزمخشري فإنه قال: «والمعنى أنَّ ما ينفقه سببٌ لحصور القربات عند الله» وصلوات الرسول «لأنه كان يدعو للمتصدِّقين بالخير كقوله:» اللهم صل على آل أبي أوفى «والثاني: وجَوَّزَه ابن عطية ولم يذكر أبو البقاء غيره أنها منسوقةٌ على» ما ينفق «، أي: ويتخذ بالأعمال الصالحة وصلوات الرسول قربة.
قوله: {ألا إِنَّهَا قُرْبَةٌ} الضمير في» إنها «قيل: عائد على» صلوات «وقيل: على النفقات أي المفهومة من» يُنفقون «.
وقرأ ورش» قُرُبَة «بضم الراء، والباقون بسكونها فقيل: لغتان. وقيل: الأصل السكون والضمة إتباع، وهذا قد تقدم لك فيه خلاف بين أهل التصريف: هل يجوز تثقيل فُعْل إلى فُعُل؟ وأن بعضَهم جعل عُسُراً يُسُراً بضم السين فَرْعين على سكونها. وقيل: الأصل قُرُبة بالضم، والسكون تخفيف، وهذا أَجْرى على لغة العرب إذ مبناها الهرب مِنَ الثِّقَل إلى الخفة.
وفي استئناف هذه الجملة وتصدُّرِها بحرفَيْ التنبيه والتحقيق المُؤْذنين بثبات الأمر وتمكُّنه شهادةٌ من الله بصحة ما اعتقده من إنفاقه، قال معناه الزمخشري قال:» وكذلك سيُدْخلهم، وما في السين من تحقيق الوعد «.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَیَتَّخِذُ مَا یُنفِقُ قُرُبَـٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَ ٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَاۤ إِنَّهَا قُرۡبَةࣱ لَّهُمۡۚ سَیُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِی رَحۡمَتِهِۦۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}