قوله: {عَلَى الكافرين} : فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يتعلَّق ب «عسير» . الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه نعتٌ ل عسير. الثالث: أنه في موضع نصبٍ على الحالِ من الضميرِ المستكنِّ في «عسير» . الرابع: أن يتعلَّقَ ب «يَسير» أي: غيرُ يسيرٍ على الكافرين، قاله أبو البقاء، إلاَّ أنَّ فيه تقديمَ معمولِ المضافِ إليه على المضافِ، وهو ممنوعٌ، وقد جَوَّز ذلك بعضُهم إذا كان المضاف «غيرَ» بمعنى النفي كقولِه:
4383 - إنَّ امرَأً خَصَّني عمْداً مَوَدَّتَه ... على التنائي لَعِنْدي غيرُ مَكْفورِ
وتقدَّم تحريرُ هذا آخرَ الفاتحةِ مُشْبَعاً، فعليكَ باعتبارِه ثَمَّة. الخامس: أن يتعلَّق بما دَلَّ عليه «غيرُ يسير» أي: لا يَسْهُلُ على الكافرين. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ فما فائدةُ قولِه:» غيرُ يسير «و» عَسير «مُغْنٍ عنه؟ قلت: لَمَّا قال» على الكافرين «فقَصَرَ العُسْرَ عليهم قال:» غيرُ يَسير «لِيُؤْذَنَ بأنه لا يكونُ عليهم كما يكون على المؤمنين يَسيراً هَيِّناً ليجمعَ بين وعيدِ الكافرين وزيادةِ غَيْظهم وتبشير المؤمنين وتَسْلِيتهم. ويجوز أن يُراد: عسيرٌ لا يُرْجَى أن يَرْجِعَ يسيراً، كما يُرْجى تيسيرُ العسيرِ من أمورِ الدنيا» .
وقوله: {نُقِرَ فِي الناقور} أي صُوِّتَ يقال: نَقَرْتُ الرجلَ إذا صَوَّتَّ له بلسانِك وذلك بأَنْ تُلْصِقَ لسانَك بنُقْرَة حَنكِكَ. ونَقَرْتُ الرجلَ: إذا خَصَصْتَه بالدعوة، كأنك نَقَرْتَ له بلسانِك مُشيراً إليه، وتلك الدعوةُ يقال لها النَّقَرى، وهي ضدُّ الدعوةِ الجَفَلَى. قال الشاعر:
4384 - نحن في المَشْتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى ... لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ
/ وقال امرؤ القيس:
4385 - أنا ابنُ ماوِيَّةَ إذْ جَدَّ النُّقُرْ ... يريد: «النَّقْرُ» أي: الصوتُ. وقال أيضاً:
4386 - أُخَفِّضُه بالنَّقْرِ لَمَّا عَلَوْتُه ... ويَرْفَعُ طَرْفاً غيرَ جافٍ غَضِيضٍ
والنَّاقُور: فاعُوْل منه كالجاسوسِ مِنَ التَجَسُّسِ، وهو الشيءُ المُصوَّتُ فيه: وفي التفسير: إنَّه الصُّورُ الذي يَنْفَخُ فيه المَلَكُ. والنَّقْرُ أيضاً: قَرْعُ الشيءِ الصُّلْبِ. والمِنْقارُ: الحَديدةُ التي يُنْقَرُ بها. ونَقَرْتُ عنه: بَحَثْتُ عن أخبارِه، استعارةً من ذلك. ونَقَرْتُه: أَعبْتُه، ومنه قولُ امرأةٍ لزَوْجِها: «مُرَّ بي على بني نَظَرٍ، ولا تَمرَّ بي على بناتِ نَقَرٍ» أرادت ببنين نَظَرٍ الرجالُ؛ لأنهم ينظرون إليها، وببنات نَقَرٍ النساءَ لأنهنَّ يُعِبْنها ويَنْقُرْنَ عن أحوالِها.
{"ayah":"عَلَى ٱلۡكَـٰفِرِینَ غَیۡرُ یَسِیرࣲ"}