قوله تعالى: {تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} : في نصبهما وجهان، أظهرهما: أنهما مفعولان من أجلهما لأنه يتسبَّب عنهما الذِّكْر. والثاني: أن ينتصبا على المصدر الواقع موقع الحال، أي: متضرعين خائفين، أو ذوي تضرع وخيفة. وقرئ «وخفية» بتقديم الفاء. وقيل: وهما مصدران للفعل مِنْ معناه لا من لفظه، ذكره أبو البقاء وهو بعيد.
قوله: {وَدُونَ الجهر} قال أبو البقاء: «معطوف على» تضرُّع «والتقدير: ومقتصدين» . وهذا ضعيف لأن «دون» ظرف لا يتصرَّف على المشهور، فالذي ينبغي أن يُجْعَل صفةٌ لشيء محذوف، ذلك المحذوف هو الحال كما قدَّره الزمخشري فقال: «ودونَ الجهر: ومتكلماً كلاماً دون الجهر؛ لأن الإِخفاءَ أَدْخَلُ في الإِخلاص وأقربُ إلى حسن التفكر» .
قوله: {بالغدو والآصال} متعلق باذكر، أي: اذكره في هذين الوقتين وهما عبارةٌ عن الليل والنهار. قال أبو البقاء: «بالغُدُوِّ» متعلق ب «ادعوا» وهو سَبْقُ لسانٍ وقلم، إذ ليس نظمُ القرآن كذا.
والغُدُوّ: إمَّا جمع غُدْوة كقمح وقمحة، وعلى هذا فيكون قد قابل الجمع بالجمع المعنوي. وقيل: هو مصدرٌ فيقدَّرُ زمانٌ مضاف إليه حتى يتقابل زمان مجموع بمثله، تقديره: بأوقات الغدو. والآصال: جمع أُصُل، وأُصُل جمع أصيل فهو جمع الجمع. ولا جائزٌ أن يكونَ جماً لأصيل؛ لأن فعيلاً لا يُجْمع على أفعال. وقيل: بل هو جمعٌ لأصيل، وفعيل يُجمع على أفعال نحو: يمين وأيمان. وقيل: آصال جمع ل «أُصُل» وأُصُل مفرد، ثبت ذلك مِنْ لغتهم وهو العشيُّ، وفُعُل يُجمع على أَفْعال قالوا: عُنُق وأعناق، وعلى هذا فلا حاجة إلى دَعْوى أنه جمع الجمع، ويُجْمع على أُصلان كرَغيف ورُغْفان، ويُصَغَّر على لفظه كقوله:
2378 - وَقَفْتُ فيها أُصَيْلالاً أسائلُها ... عَيَّتْ جواباً وما بالرَّبْعِ مِنْ أحدِ
واستدلُّ الكوفيون بقولهم «أُصَيْلان» على جواز تصغير جمع الكثرة بهذا البيت، وتأوَّله البصريون على أنه مفرد، وتُبدل نونه لاماً، ويُروى أصيلالاً.
وقرأ أبو مجلز واسمُه لاحق بن حميد السدوسي البصري «والإِيصال» مصدرُ آصَل، أي: دخل في الأصيل.
{"ayah":"وَٱذۡكُر رَّبَّكَ فِی نَفۡسِكَ تَضَرُّعࣰا وَخِیفَةࣰ وَدُونَ ٱلۡجَهۡرِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ ٱلۡغَـٰفِلِینَ"}