الباحث القرآني
قوله تعالى: {وأَوْرَثْنَا} : يتعدَّى لاثنين لأنه قبل النقل بالهمزة متعدٍّ لواحد نحو: وَرِثْتُ أبي، فبالنقل اكتسب آخرَ، فأَوَّلُهما «القوم» و «الذين» وصلتُه في محل نصب نعتاً له. وأمَّا المفعولُ الثاني: ففيه ثلاثة أوجهٍ، أظهرُها: أنه {مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} . وفي قوله {التي بَارَكْنَا فِيهَا} على هذا وجهان أحدهما: أنه نعتٌ لمشارق ومغارب. والثاني: أنه نعتٌ للأرض. وفيه ضعفٌ من حيث الفصلُ بالمعطوفِ بين الصفةِ والموصوف، وهو نظيرُ قولك: «قام غلامُ هندٍ وزيدٌ العاقلةِ» . وقال أبو البقاء هنا: «وفيه ضعفٌ؛ لأن فيه العطفَ على الموصوف قبل الصفة» وهذا سَبْقُ لسان أو قلم لأنَّ العطفَ ليس على الموصوف، بل على ما أُضيف إلى الموصوف.
الثاني من الأوجه الثلاثة: أن المفعول الثاني هو {التي بَارَكْنَا فِيهَا} أي: أَوْرَثناهم الأرض التي بارَكْنا فيها. وفي قوله تعالى {مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} وجهان، أحدهما: هو منصوب على الظرف ب «يُسْتَضْعفون» . والثاني: أن تقديره: يُستضعفون في مشارق الأرض ومغاربها، فلمَّا حُذِفَ الحرف وصلَ الفعلُ بنفسه فنصب. هكذا قال أبو البقاء. ولا أدري كيف يكونان وجهَيْن فإن القولَ بالظرفية هو عينُ القول بكونه على تقدير «في» ؛ لأن كل ظرف مقدَّرٌ ب «في» فكيف يَجعل شيئاً واحداً شيئين؟
الوجه الثالث: أن المفعولَ الثاني محذوفٌ تقديره: أورثناهم الأرضَ أو الملكَ أو نحوه. و «يُستضعفون» يجوز أن يكون على بابه من الطلب أي: يُطلب منهم الضَّعْفَ مجازاً، وأن يكون استفعل بمعنى وجده ذا كذا. والمرادُ بالأرض أرضُ الشام وقيل: أرض مصر.
وقرأ الحسن ورويت عن أبي عمرو وعاصم «كلمات» بالجمع. قال الزمخشري: «ونظيره {لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى} [النجم: 18] يعني في كونِ الجمع وُصِفَ بمفرد. قال الشيخ:» ولا يتعيَّن في «الكبرى» ما ذَكَر لجواز أن يكون التقدير: لقد رأى الآيةَ الكبرى، فهي وصفُ مفردٍ لا جمعٍ وهو أبلغُ «. قلت: في بعض الأماكن يتعيَّن ما ذكره الزمخشري نحو {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] وهذه الآية، فلذلك اختارَ منها ما يتعيَّنَ في غيرها.
قوله: {بِمَا صَبَرُواْ} متعلِّق ب» تَمَّت «، والباءُ للسببية، و» ما «مصدريةٌ أي بسبب صبرهم. ومتعلَّقُ الصبرِ محذوفٌ أي: على أذى فرعون وقومه.
قوله: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ} يجوز في هذا الآيةِ أوجهٌ، أحدها: أن يكونَ» فرعون «اسمَ كان، و» يصنع «خبرٌ مقدم، والجملةُ الكونية صلةُ» ما «، والعائدُ محذوف، والتقدير: ودمَّرْنا الذي كان فرعون يَصْنَعُه.
واستضعف أبو البقاء هذا الوجه فقال: «لأنَّ» يصنع «يَصْلُح أن يعملَ في فرعون فلا يُقَدَّر تأخيره، كما لا يُقَدَّر تأخيرُ الفعل في قولك قام زيد» . قلت: يعني أن قولك «قام زيد» يجب أن يكونَ من باب الفعل والفاعل، ولا يجوزُ أن يُدَّعى فيه أنَّ «قام» فعلٌ وفاعلٌ، والجملةُ خبرٌ مقدمٌّ، و «زيد» مبتدأ مؤخر، لأجل اللَّبْس بباب الفاعل، فكذا هنا لأنَّ «يصنع» يَصِحُّ أن يتسلَّطَ على فرعون فيرفعَه فاعلاً، فلا يُدَّعَى فيه التقديم. وقد سبقه إلى هذا مكي وقال: «ويلزم مَنْ يجيز هذا أن يُجيزَ» يقوم زيد «على الابتداء والخبر والتقديم والتأخير ولم يُجِزْه أحد» ، وقد تقدَّمت هذه المسألة وما فيها، وأنه هل يجوز أن تكون من باب التنازع أم لا؟ وهذا الذي ذكراه وإن كان محيلاً في بادئ الرأي فإنه كباب/ الابتداء والخبر. ولكن الجواب عن ذلك أن المانع في «قام زيد» هو اللَّبس وهو مفقود ههنا.
القثاني: أن اسم «كان» ضميرٌ عائد على «ما» الموصولة و «يصنع» مسندٌ لفرعونَ، والجملةُ خبرٌ عن كان، والعائدُ محذوف أيضاً، والتقدير: ودمَّرْنا الذي كان هو يصنعه فرعون.
الثالث: أن تكون «كان» زائدةً و «ما» مصدرية، والتقدير: ودمَّرْنا ما يصنع فرعون أي: صُنْعَه. ذكره أبو البقاء. قلت: وينبغي أن يجيءَ هذا الوجهُ أيضاً وإن كانت «ما» موصولة اسمية على أن العائد محذوف تقديرُه: ودمَّرْنا الذي يصنعه فرعون.
الرابع: أنَّ «ما» مصدرية أيضاً، و «كان» ليست زائدةً بل ناقصةٌ، واسمُها ضمير الأمر والشأن، والجملةُ من قوله «يصنع فرعون» خبرُ كان فهي مفسِّرة للضمير. وقال أبو البقاء هنا: «وقيل: ليست» كان «زائدةً، ولكن» كان «الناقصة لا يُفصل بها بين» ما «وبين صلتها، وقد ذكرْنا ذلك في قوله {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10] وعلى هذا القول تحتاج» كان «إلى اسم. ويَضْعف أن يكونَ اسمُها ضميرَ الشأن؛ لأن الجملة التي بعدها صلةُ» ما «فلا تَصْلُح للتفسير فلا يحصُل بها الإِيضاحُ، وتمامُ الاسم والمفسِّر يجب أن يكون مستقلاً فتدعو الحاجةُ إلى أن تَجْعل» فرعون «اسمَ كان، وفي» يصنع «ضميرٌ يعود عليه» . قلت: بعد فَرَض كونِها ناقصةً تلزم أن تكونَ الجملةُ من قوله «يصنع فرعون» خبراً ل «كان» ، ويمتنع أن تكونَ صلةً ل «ما» . وقوله: «فتدعو الحاجة» أي ذلك الوجهُ الذي بدأت به واستضعفه هو احتاج إليه في هذا المكان فراراً مِنْ جَعْل الاسمِ ضميرَ الشأن لما تخيَّله مانعاً.
والتدميرُ: الإِهلاك وهو مُتَعدٍّ بنفسه. فأما قوله {دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} فمفعولُه محذوفٌ أي: خرَّب عليهم منازلهم وبيوتَهم.
قوله: {يَعْرِشُونَ} قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم هنا وفي النحل «يَعرُشون» بضم الراء، والباقون بالكسر فيهما. وهما لغتان: عَرَش الكرمَ يعرِشُه ويعرُشُه، والكسرُ لغة الحجاز. قال اليزيدي: «وهي أفصحُ» . وقُرئ شاذاً بالغين المعجمة والسين المهملة مِن غَرْس الأشجار، وما أظنه إلا تصحيفاً. وقرأ ابن أبي عبلة «يُعَرِّشون» بضم الياء وفتحِ العين وكسرِ الراء مشددةً على المبالغة والتكثير.
{"ayah":"وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ یُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ بِمَا صَبَرُوا۟ۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ یَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡرِشُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق