قوله: {أَن كَانَ} : العامَّةُ على فتح همزةِ «أنْ» ثم اختلفوا بعدُ: فقرأ ابنُ عامرٍ وحمزةُ وأبو بكر بالاستفهام، وباقي السبعةِ بالخبر. والقارئون بالاستفهامِ على أصولِهم: مِنْ تحقيقٍ وتسهيلٍ وإدخالِ ألفٍ بين الهمزتَينْ وعدمِه. ولا بُدَّ مِنْ بيانِه لك تَسهيلاً للأمر عليك فأقول وبالله التوفيق: قرأ حمزةُ وأبو بكرٍ بتحقيق الهمزتَيْن وعدم إدْخالِ ألفٍ بينهما، وهذا وهو أصلُهما.
وقرأ ابنُ ذكوانَ بتسهيلِ الثانيةِ وعدمِ إدخال ألفٍ، وهشامٌ بالتسهيلِ المذكور، إلاَّ أنَّه أدخل ألفاً بينهما فقد خالَفَ كلٌّ منهما أصلَه: أمَّا ابنُ ذكوان فإنه يُحَقِّقُ الهمزتَيْنِ فقد سَهَّل الثانية هنا. وأمَّا هشامٌ: فإنَّ أصلَه أن يُجْري في الثانية مِنْ هذا النحوِ وجهَيْنِ: التحقيقَ كرفيقِه، والتسهيلَ. وقد التَزَمَ التسهيلَ هنا. وأمَّا إدخالُ الألفِ فإنه فيه على أصلِه كما تقدَّم أول البقرة.
وقرأ نافع في رواية الزبيدي عنه: «إنْ كان» بكسر الهمزة على الشرط.
فأمَّا قراءةُ «أَنْ كان» بالفتحِ على الخبرِ ففيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنها «أنْ» المصدريةُ في موضع المفعولِ له مجرورةٌ بلامٍ مقدرة. واللامُ متعلِّقةٌ بفعلِ النهي، أي: ولا تُطِعْ مَنْ هذه صفاتُه؛ لأنْ كان مُتَموِّلاً وصاحبَ بنين. الثاني: أنها متعلقةٌ ب «عُتُلّ» ، وإن كان قد وُصِفَ، قاله الفارسي، وهذا لا يجوزُ عند البصريين، وكأن الفارسيَّ اغتفَره في الجارِّ. الثالث: أنْ يتعلَّق ب «زنيم» ولا سيما عند مَنْ يُفَسِّره بقبيح الأفعالِ. الرابع: أَنْ يتعلِّقَ بمحذوف يَدُلُّ عليه ما بعدَه مِنْ الجملةِ الشرطيةِ، تقديره: لكونِه متموِّلاً مُسْتَظْهِراً بالبنين كَذَّب بآياتِنا، قاله الزمخشري، قال: «ولا يَعْمَلُ فيه» قال «الذي هو جوابُ» إذا «لأنَّ ما بعد الشرطِ لا يعملُ فيما قبلَه، ولكن ما دَلَّتْ عليه الجملةُ مِنْ معنى التكذيب» . وقال مكي وتبعه أبو البقاء: «لا يجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ» تُتْلى «لأنَّ ما بعد» إذا «لا يعملُ فيما قبلها؛ لأنه» إذا تُضاف إلى الجمل، ولا يعملُ المضافُ إليه فيما قبل المضاف «انتهى. وهذا يُوهمُ أنَّ المانعَ من ذلك ما ذكره فقط، والمانعُ أمرٌ معنويٌّ، حتى لو فُقِدَ هذا المانعُ الذي ذكره لامتنعَ مِنْ جهةِ المعنى: وهو أنه لا يَصْلُحُ أَنْ يُعَلِّلَ تلاوةَ آياتِ اللَّهِ عليه بكونِه ذا مالٍ وبنين.
وأمَّا قراءةُ» أَأَنْ كان «على الاستفهام، ففيها وجهان، أحدُهما: أَنْ يتعلَّقَ بمقدَّر يَدُلُّ عليه ما قبلَه، أي: أَتُطيعه لأَنْ كان أو أتكونُ طواعيةً لأَنْ كان. والثاني: أنْ يتعلَّقَ بمقدَّرٍ عليه ما بعده أي: لأَنْ كان كذا كَذَّبَ وجَحَدَ.
وأمَّا قراءةُ إنْ بالكسر فعلى الشرطِ، وجوابُه مقدرٌ. تقديرُه: إن كان كذا يَكْفُرْ ويَجْحَدْ. دَلَّ عليه ما بعده. وقال الزمخشري: «والشرطُ للمخاطبِ، أي: لا تُطِعْ كلَّ حَلاَّفٍ شارطاً يسارَه، لأنه إذا أطاع الكافرَ لِغِناهُ فكأنه اشترط في الطاعة الغنى، ونحوُ صرفِ الشرطِ للمخاطب صَرْفُ الترجِّي إليه في قولِه: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] . وجَعَله الشيخُ مِنْ دخولِ شرطٍ على شرطٍ، يعني إنْ وإذا؛ إلاَّ أنه قال:» ليسا من الشروط المترتبةِ الوقوع، وجعله نظيرَ قولِ ابنِ دريدٍ:
4296 - فإنْ عَثَرْتُ بعدَها إنْ وَأَلَتْ ... نفسيَ مِنْ هاتا فقولا لا لَعا قال: «لأنَّ الحامِلَ على تدبُّرِ آياتِ اللهِ كونُه ذا مالٍ وبنين، وهو مشغولُ القلبِ بذلك غافلٌ عن النظرِ قد استولَتْ عليه الدنيا وأَبْطَرَتْه.
وقرأ الحسن بالاستفهام وهو استفهامُ تَقْريعٍ وتوبيخٍ على قولِه:» القرآنُ أساطيرُ الأوَّلين لَمَّا تُلِيَتْ عليه آياتُ الله.
{"ayah":"أَن كَانَ ذَا مَالࣲ وَبَنِینَ"}